جمال شعيب | صحفي لبناني
فجر يوم 25 آب/أغسطس 2024، نفذ حزب الله تهديداته بالرد على استهداف الضاحية الجنوبية واغتيال القائد فؤاد شكر عبر إطلاق 340 صاروخاً على قواعد عسكرية إسرائيلية في الشمال، وعدد من المسيرات باتجاه هدفين في ضواحي تل أبيب، كان الهدف الرئيسي فيها قاعدة “غليلوت” للاستخبارات الإسرائيلية “أمان” والتي تضم مقر قيادة الوحدة 8200.
وكالعادة، سارعت آلة الدعاية الإسرائيلية إلى نسج رواية مليئة بالتناقضات والمبالغات، محاولة تصوير نفسها كمنتصر في هذه المواجهة. لكن سرعان ما بدأت هذه الرواية بالتفكك أمام الحقائق والتصريحات المتناقضة من داخل الكيان نفسه. بدأت السردية الإسرائيلية بادعاء تنفيذ “ضربة استباقية” ناجحة ضد حزب الله. وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيانه الصباحي: “لقد دمرنا آلاف الصواريخ الموجهة إلى شمال البلاد، كما أحبطنا العديد من التهديدات الأخرى ونعمل بقوة كبيرة – في الدفاع والهجوم”.
لكن سرعان ما تغيرت هذه الرواية في بيان لاحق له في منتصف النهار، حيث قال: “الجيش دمر آلاف الصواريخ قصيرة المدى التي كانت ستستهدف مواطنينا في الجليل وأسقط مسيّرات كانت تتجه إلى العمق”.
هذا التناقض في تصريحات نتنياهو أثار الشكوك حول صحة الرواية الإسرائيلية. وعزز هذه الشكوك ما نقلته القناة 12 الإسرائيلية عن وجود “خلافات داخل الحكومة وفي حزب الليكود على طبيعة وحجم الضربة الإسرائيلية الاستباقية”، مما دفع نتنياهو إلى منع وزراء ونواب الليكود من إجراء مقابلات إعلامية.
وجاءت تصريحات الخبراء العسكريين لتزيد من تفكيك الرواية الإسرائيلية. فقد صرح رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، اللواء احتياط تامير هايمان، قائلاً: “لو كان حزب الله قد خطط بالفعل لإطلاق 6000 صاروخ ومسيرة، نحو الشمال والوسط، كما تشير بعض التقارير، لرأينا بيروت تشتعل الآن – لا يمكن أن تكون هذه هي الخطة، والرد الإسرائيلي على خطوة كهذه سيعني بدء حرب شاملة”.
وفي السياق ذاته، علق المراسل العسكري لإذاعة الجيش الإسرائيلي قائلاً: “إن حقيقة تدمير آلاف القذائف الصاروخية التابعة لحزب الله في وقت مبكر من صباح اليوم لا يعني أن حزب الله كان يعتزم إطلاق كل هذه الصواريخ على الأراضي الصهيونية هذا الصباح – بحسب فهمي، وبحسب مصادر في المنظومة الأمنية – فإن الخطة كانت إطلاق مئات الصواريخ – معظمها إلى شمال البلاد وجزء صغير نسبياً فقط إلى الوسط”.
وقد أثار هذا التناقض في الأرقام والمعلومات استياء بعض الإعلاميين الإسرائيليين. فقد علق أحدهم على منصة “حدشوت بزمان” قائلاً: “المتحدث باسم الجيش يكذب كما يتنفس، الاعلام العبري يجب رميه في المرحاض يكذبون علينا يظنوننا حمقى .. 6000 صاروخ لم يخرج منها صاروخ واحد”. وأضاف متسائلاً: “لنفرض ان الحكومة صادقة واننا دمرنا كل هذه الصواريخ التي تتجه الى تل ابيب لقد دمرت عدة ساعات لماذا لم يطلق حزب الله صاروخ واحد مسيرة واحدة تجاه تل ابيب هل قضينا على كل ما لديه بضربة واحدة؟” كما أشار نير دافوري من القناة 12 إلى التناقض في الرواية الإسرائيلية قائلاً: “لقد هاجمنا آلاف منصات الإطلاق التي كانت جاهزة للإطلاق. إذا كان الأمر كذلك، فسنرى عرضًا مذهلًا للألعاب النارية في سماء لبنان، وستتطاير الصواريخ التي كانت على المنصات في كل مكان. هناك شيء خاطئ هنا. ولو كانت هناك بالفعل آلاف الصواريخ الجاهزة، لكان بعضها على الأقل قد تمكن من الانطلاق عندها ستعرف البلاد كلها. باختصار – الجميع يعبثون بالآخرين”.
في ضوء هذه التناقضات والتصريحات المتضاربة، يمكننا تلخيص مراحل السردية الإسرائيلية الكاذبة على النحو التالي:
1. الادعاء بتنفيذ ضربة استباقية ناجحة.
2. المبالغة في عدد الصواريخ المدمرة (من آلاف إلى مئات) 3. تغيير نوعية الصواريخ المستهدفة (من صواريخ موجهة إلى صواريخ قصيرة المدى)
4. الادعاء باستهداف صواريخ دقيقة وباليستية معدة لضرب تل أبيب. 5. محاولة تصوير حزب الله كمعتدٍ يستهدف المدنيين رغم وضوح استهدافه قواعد ومواقع عسكرية.
أما الإنجاز الإسرائيلي، فيمكن تلخيصه بالنقاط التالية:
1. فشل استخباراتي وعملياتي في تنفيذ عمل استباقي فعال.
2. قصف مناطق خالية من الصواريخ الباليستية.
3. إصابة عدد محدود من منصات الكاتيوشا منخفضة التكلفة.
4. تعطيل مطار بن غوريون وفتح الملاجئ للملايين من الإسرائيليين.
5. إظهار حالة الضعف والخوف في المجتمع الإسرائيلي.
6. الفشل في منع المقاومة من تنفيذ عملياتها.
هذه الوقائع والمعطيات تؤكد أن السردية الإسرائيلية لم تكن سوى محاولة لتغطية الفشل الذريع في مواجهة المقاومة، وإخفاء حقيقة الوضع الهش للجبهة الداخلية الإسرائيلية. وتبقى الحقائق على الأرض هي الفيصل في تقييم نتائج هذه المواجهة.