د. أكرم شمص | خاص الناشر
في ظل استمرار الصراع في غزّة وتفاقم الأوضاع السياسية، تتزايد التكهنات حول الدور الذي يمكن أن يلعبه محمد دحلان في إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية في القطاع. تأتي هذه التكهنات وسط تقارير تتحدث عن دور الإمارات العربية المتحدة في ترتيب الأوضاع في غزّة، بما في ذلك التخطيط لاغتيال قادة من حماس مثل إسماعيل هنية، بهدف تمكين دحلان من القيادة في مرحلة ما بعد الحرب.
النشأة والخلفية
وُلد محمد دحلان في مخيم خان يونس للاجئين في قطاع غزّة، وترعرع في بيئة سياسية معقّدة. انضم إلى حركة فتح في شبابه، وأصبح من أبرز قادتها في القطاع. شغل منصب رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزّة، حيث بنى علاقات قوية مع “إسرائيل” والولايات المتحدة. وقد أدى هذا الدور إلى اتهامه بالتعاون مع الاحتلال ضدّ الفصائل الفلسطينية المقاومة، خاصة حركة حماس.
الخلافات والصراعات
واجه دحلان خلافات حادة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ما أدى إلى فصله من حركة فتح في عام 2011. وقد لعب دورًا رئيسيًا في محاربة حماس خلال الانتفاضة الثانية. واتّهم بتعذيب أعضاء حماس والتخطيط لاغتيال قادة الحركة. هذه الصراعات كانت جزءًا من الصراع الداخلي بين فتح وحماس، الذي انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزّة في عام 2007.
الإمارات ودحلان: الأهداف والخطط
تُعد اتفاقية “أبراهام” واحدًا من أهم الأحداث الدبلوماسية في السنوات الأخيرة، حيث أدت إلى تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة و”إسرائيل”. ويُقال إن محمد دحلان لعب دورًا رئيسيًا في هذه الاتفاقية، وهو ما أثار الكثير من الجدل حوله.
الدور الذي لعبه دحلان في الاتفاقية
- المهندس في الظل: وصف دحلان بأنه أحد مهندسي اتفاقيات “أبراهام” من الجانب الإماراتي.و يُعتقد أنه ساعد في تسهيل المحادثات بين الإمارات و”إسرائيل”، مستفيدًا من علاقاته الواسعة مع الطرفين.
- تأمين المصالح الإماراتية: عمل دحلان على ضمان تحقيق الإمارات لمصالحها في الاتفاقية، بما في ذلك تعميق العلاقات الاقتصادية والأمنية مع “إسرائيل”.
ردود الفعل الفلسطينية
- احتجاجات شعبية: بعد توقيع الاتفاقية، قام العديد من الفلسطينيين بالتظاهر في رام الله، حيث ديس على صور دحلان، واعتُبر خائنًا للقضية الفلسطينية.
- رفض شعبي: أظهرت الاستطلاعات أن دحلان لا يحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين، حيث يعتبرونه متعاونًا مع الاحتلال الإسرائيلي.
الاتهامات بتورط الإمارات في اغتيال هنية
تشير التقارير إلى أن الإمارات قد تكون متورطة في التخطيط لاغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. تقرير صادر عن صحيفة “إمارات ليكس” يزعم أن الإمارات طلبت من “إسرائيل” تنفيذ عملية الاغتيال كجزء من خطة أكبر لترتيب الأوضاع في غزّة بعد الحرب، وأنها قدمت دعمًا لوجستيًا وماليًا لـ”إسرائيل” كجزء من استراتيجية لتقويض حماس وتعزيز نفوذ دحلان.
ويرى محمد دحلان، الذي يعيش حاليًّا في الإمارات ويعمل كمستشار لمحمد بن زايد، نفسه مرشحًا قويًّا لقيادة غزّة في المستقبل. يأتي هذا في ظل استمرار الحرب والتنافس الإقليمي على النفوذ في القطاع.
السيناريوهات المتوقعة
- إدارة غزّة: تشير التقارير إلى أن الإمارات تسعى لتعيين دحلان حاكمًا لغزّة بعد انتهاء الحرب، وذلك ضمن خطة لإعادة إعمار القطاع بدعم إماراتي. وبما أنه يتمتع بدعم من بعض الدول العربية والإقليمية، فهذا قد يعزز فرصه في تولي قيادة السلطة الفلسطينية بعد عباس. ويُعتقد أنه سيحاول التفاوض مع الفصائل الفلسطينية الأخرى لتحقيق استقرار سياسي في القطاع.
المساعدات الإماراتية: نوايا خفية وراء الدعم
تقدم الإمارات مساعدات لغزّة في محاولة لتحسين صورتها وتعزيز نفوذها الإقليمي. لكن هناك من يرى أن هذه المساعدات ليست سوى جزء من حملة علاقات عامة، وأن الهدف الحقيقي هو تعزيز مكانة دحلان في الساحة السياسية الفلسطينية.
المقاومة الفلسطينية: إرادة لا تنكسر
على الرغم من المخطّطات التي قد تُحاك في الغرف المغلقة، إلا أن المقاومة الفلسطينية تظل عقبة كبيرة أمام تنفيذ السيناريوهات الإماراتية. وتاريخ المقاومة في غزّة يشهد على الإرادة القوية للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وأي محاولات لتقويض قضيته العادلة.
التحديات أمام دحلان:
- المقاومة الشعبية: حماس والفصائل الأخرى لديها دعم واسع بين الشعب الفلسطيني، وهذا الدعم يشكّل حاجزًا أمام أي محاولات لتغيير القيادة بالقوّة.
- الرفض الإقليمي: بعض الدول العربية، مثل قطر وتركيا، تعارض بشدة أي تحركات تعزز من نفوذ دحلان في غزّة.
- التضامن الوطني: المقاومة الفلسطينية تعتمد على التضامن الشعبي في غزّة والضفّة الغربية لمواجهة التحديات السياسية والعسكرية.
التحديات والانتقادات
ورغم الدعم الذي يتلقاه دحلان من الإمارات، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة، سواء من داخل فلسطين أو من الدول المجاورة. وتعتبر حماس ودول أخرى في المنطقة أن دحلان ليس الخيار الأمثل لقيادة غزّة، خاصة في ظل اتهاماته بالتعاون مع “إسرائيل”. ومما يتهم به دحلان:
- التعاون مع إسرائيل: تُعد علاقاته مع “إسرائيل” نقطة ضعف لدحلان، حيث يُتهم بأنه كان أداة في يد الاحتلال لقمع المقاومة.
- الفساد: وُجهت إليه اتهامات بالفساد والاختلاس أثناء فترة عمله في السلطة الفلسطينية.
- عدم الشعبية: يواجه دحلان تحديات في بناء قاعدة شعبية قوية في غزّة، خاصة مع استمرار شعبية حماس في القطاع.
الخلاصة
يبقى مستقبل محمد دحلان في غزّة محط تساؤلات كثيرة، في ظل التحديات والانتقادات التي يواجهها. وتعتبر خطط الإمارات لتنصيبه في موقع قيادي جزءًا من لعبة سياسية معقّدة تشمل العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين. وتبقى الأوضاع في غزّة غير واضحة المعالم، مع استمرار الحرب والمنافسة على النفوذ بين الفصائل الفلسطينية والدول المجاورة. والأيام القادمة حاسمة في تحديد مصير دحلان ودوره المستقبلي في الساحة الفلسطينية، لكن ما يظل ثابتًا هو إرادة المقاومة التي لا تنكسر في وجه التحديات والمخطّطات.