هناك عقيدة عسكرية أميركية تعرف بعقيدة “الصدمة والترويع”، وهي تعتمد على مفاجأة الخصم بضربات غير متوقعة أو أسلحة فتاكة بهدف شل حركة الخصم وتغيير قواعد اللعبة في المعركة. وهذه النظرية تظهر ملامحها في العدوان الصهيوني، وهو ما يدل على المدرسة الأميركية الهمجية التي يعتنقها في الحروب، كما يدل من جانب آخر على قيادة أميركا للعدوان وليس مشاركتها فيه فقط عبر الدعم العسكري والغطاء السياسي.
بدت ملامح هذه الخطة في الأيام الأخيرة مع العدوان الصهيوني على الضاحية الجنوبية في بيروت، واعتيال القائد الشهيد فؤاد شكر، تزامنًا مع جريمة اغتيال القائد الشهيد إسماعيل هنية في قلب طهران.
وبالرغم من أن هذه الجرائم ليست غريبة على العدوّ وتاريخه الإجرامي، إلا أنها جاءت مفاجئة في سياق تآكل الردع الصهيوني ومستجدات توازن القوى وجميع الشواهد التي تقول إن حربًا مفتوحة ليست في صالح عدو منهك وفاشل وجبهته الداخلية منقسمة.
ومن هنا فإن هذه النقلة الحمقاء للمعركة تشي بأنها مدبرة ومتفق عليها مع أميركا وليست بضوء أخضر فقط، لأن عواقب هذه الجرائم تفوق قدرة الكيان منفردًا على تحملها. كما أن ملامحها تشي بأنها تتبع عقيدة الصدمة، ولا نعرف سببا واحدًا يجعل الحسابات الصهيونية والأميركية تقود إلى نجاح هذه العقيدة في شل حركة المقاومة أو ترويعها بلحاظ السوابق التاريخية التي أثبتت أن المقاومة تخرج من هذه الأحداث أقوى من السابق وأكثر عناًدا وصمودًا.
وهنا يبدو أن هذه الجرائم اعتمدت الصدمة كتكتيك، ولكن لها أبعاد أخرى استراتيجية، وهو ما يمكن قراءته من الشواهد والتصريحات ومن السياق، والأهم من الوضع الاستراتيجي للمعركة:
1 – هناك نمط فرضته جبهة المقاومة بمختلف الساحات، وهو نمط الاستنزاف باتباع معارك إسناد لغزّة، وهذا النمط مع الوقت يثبت نجاحه في إفشال العدوّ وزيادة انقسام جبهته الداخلية وسوء وضعه الدولي ووضع راعيه الأميركي، وبالتالي فإن هناك قرارًا بإنهاء هذا الوضع وتغييره.
2 – سقوط الردع الصهيوني مع لبنان وإيران واليمن، وما يصاحبه من سقوط للردع الأميركي بات وضعًا لا يتحمله الكيان وبالتالي فإن استعادته عبر أي وسيلة حتّى لو إجرامية أمر لازم للكيان ولأميركا.
3 – الوضع التفاوضي وسط صمود المقاومة ووحدات الإسناد وعجز “الإسرائيلي” عن تحقيق صورة نصر، مع حنكة المقاومة في إدارة التفاوض عبر المرونة وعدم التنازل عن وقف إطلاق النار في آن واحد، كان بحاجة لنسف هذا المسار التفاوضي واستبداله بمسار آخر، وهو ما يتضح في اغتيال القائد السياسي لحماس، والتفاوض مباشرة مع أطراف المحور المساندة عبر سياسة حافة الهاوية بمقاربة مفادها، إما إنهاء الإسناد والسماح لنا بالنصر الساحق في غزّة وإما الحرب الشاملة.
هذه المناورة الصهيو – أميركية أفشلتها المقاومة، بداية من الالتفاف الجماهيري على خيار المقاومة، والجنازة المهيبة التاريخية للشهيد إسماعيل هنية في طهران، والجنازة الشعبية المهيبة للقائد الشهيد فؤاد شكر، والتعهد الصريح من قادة المحور بالرد الموجع للعدو، بداية من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية سماحة السيد علي الخامنئي، ووصولًا لخطاب سماحة السيد نصر الله، الذي وضع النقاط على الحروف باستمرار الإسناد المعتاد، إلى جانب رد خاص على جريمة العدوّ المركبة باستهداف الضاحية واغتيال قائد كبير بهذا الحجم وسقوط شهداء من المدنيين.
هنا فإن التهديد تحول إلى فرصة لجبهات المقاومة عبر أحقية استهداف العمق الصهيوني إلى جانب إفشال خطط العدوّ في إنهاء نمط وحدة الساحات وجبهات الإسناد. ولا شك أن التعهد بالرد هو أكبر دلالة على إصرار المقاومة على إسقاط الردع الصهيوني، وهو يحمل دلائل دامغة على جهوزية كاملة واستعداد لحرب شاملة إذا ما قادت الانزلاقات إليها.
ربما يهدف العدوّ إلى الوصول إلى تسوية عبر سياسة حافة الهاوية، ولكنها تسوية مذلة بانت ملامحها من الجرائم لتصوير أن له اليد العليا، ولن تقبل المقاومة بتسويات مذلة ولا تسويات تهدر التضحيات والمكتسبات الاستراتيجية التي تحققت عبر الصمود لما يزيد عن عشرة أشهر.
وهنا ليس أمام العدوّ إلا الرضوخ لوقف إطلاق النار وانتصار المقاومة استراتيجيًّا، أو الخيار الشمشوني بتفجير الوضع وهو ما سيحقق نصرًا حاسمًا للمقاومة وخلاصًا من هذا الكيان.