طلاق المحمّدَين؟


عبَّد ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد طريق “صديقه” محمد بن سلمان الى ولاية العهد. استخدم ابن زايد صداقته بالرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب لاقناعه بجدوى تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة العربية السعودية، وذلك لامكانية لعبه دور اساسي في تنفيذ صفقة القرن وخدمة المشروع الاميركي في المنطقة وحماية “اسرائيل”.

بعد تولي ابن سلمان ولاية العهد وبعد ان جره ابن زايد الى مستنقع العدوان على اليمن، على قاعدة تحقيق نفوذ اماراتي على الساحل اليمن الجنوبي والغربي وبالتالي توسيع نطاق السيطرة والنفوذ الاماراتي بشكل غير معلن، ويعمل في الوقت نفسه ابن سلمان على التخلص من الخطر “الحوثي” الداعي الى السيادة والاستقلال بعيدا عن العباءة والنفوذ السعوديين.

عليه يظهر الرجلان على انهما متفقان وبشكل وثيق على استراتيجية مشتركة واضحة في المنطقة تحقق مصالح كلا الطرفين بشكل أو بآخر، بدأت ارهاصاتها في اليمن وقبل ذلك في سوريا ولاحقا بمقاطعة قطر والدور السعودي الاماراتي شمال افريقيا. لكن ما الذي تغير ولماذا تطفو الخلافات البينية على سطح العلاقات حتى ظهرت وكأنها تصدع كبير في الحلف الثنائي؟

بدايةً، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 والتي قيل ان محمد بن زايد يقف خلف التخطيط والتنفيذ لها، اخذت العلاقات بين تركيا وما تمثله في المنطقة تزداد توترًا وسوءًا مع الحلف السعودي الاماراتي في المنطقة. وما صب زيتًا على نار تلك الخلافات تطورات الميدان السوري والاخفاقات الكبرى التي حققتها السعودية والامارات بدعمهما للجماعات التكفيرية وفشل مشروعهما “الداعشي” لفرض النفوذ والسيطرة.

ولعل النظرة الاماراتية للعلاقة مع “الاخوان” في تركيا ولاحقًا قطر تأخذ منحى متطرفًا استطاع ابن زايد من خلاله جر السعودية لهذا المستقنع ما يكسبه قوة اضافية وامكانية لتحقيق مكاسب أكبر.

ثانيًا، بعد عملية اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي الشهيرة في تركيا والتي جعلت من محمد بن سلمان رجلا منبوذًا بين الرؤساء والزعماء في العالم، تمكنت تركيا حينها من الاستفادة من جريمة الاغتيال الغبية سلاحًا قويًا للابتزاز والضغط على محمد بن سلمان للتراجع في ملفات عديدة ذات بعد خلافي بين المشروعين الاخواني والوهابي، ما شكل عاملًا آخر من عوامل الضغط والعبء على محمد بن سلمان يجعله يفكر مليًا قبل اتخاذ اي خطوة او مبادرة.

ثالثًا، قطر وما تمثله من امتداد سياسي لتركيا في قلب الخليج العربي نظرًا للعلاقة السياسية والاقتصادية والامنية المتينة بين البلدين، تشكل عائقا امام التمدد الاماراتي لما تمتلكه من موقع استراتيجي وقوة اقتصادية كبرى في المنطقة. لذا عمل ابن زايد على اقناع ابن سلمان بضرورة قيادة انقلاب في قطر او تغيير رأس الحكم بشكل او بآخر، فكانت مرحلة المقاطعة الاقتصادية بعد فشل الانقلاب لأسباب كثيرة، في مسعًى للضغط على قطر للقبول بالشروط السعودية الاماراتية والانخراط بالمشروع السعودي الاماراتي في المنطقة والذي يقوده محمد بن زايد.

رابعًا وهو الاكثر أهمية، ما يمكن وصفه بالمستنقع اليمني، والذي افتتحنا من خلاله حديثنا، اخذ التطور مع مرور سني الحرب واستفحال الفشل السعودي بعدم القدرة على تحقيق انجاز، وعمل محمد بن زايد على تحييد نفسه عن جني ثمار الفشل بانسحاب الجزء الاكبر من القوات الاماراتية من المناطق المحتلة في اليمن. فضلا عن الاقتتال والمعارك الضارية التي دارت ولا تزال بين ما يوصف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم اماراتيًا وقوات الرئيس اليمني المنتهية ولايته والفار عبد ربه منصور هادي، جعل من المشهد اليمني صورة من صور الصراع والاقتتال بين الاخوة الاعداء المتنازعين على النفوذ والمشروع على جغرافيا اليمن وقراره السياسي. فالامارات تسعى لتحقيق المكسب الاقتصادي والنفوذ على سواحل المنطقة، والسعودية من خلال القضاء على مشروع حركة أنصار الله في السيادة والاستقلال.

خامسًا، في سوريا وبعد الانفتاح الاماراتي الملحوظ للعودة الى سوريا بعد تكريس انتصار الدولة والجيش والشعب على المشروع التكفيري والتقسيمي في سوريا، فضل محمد بن سلمان اعادة صياغة العلاقة مع تركيا بناءً على ما تقدم والعمل على ايجاد ارضية مشتركة مع ايران من اجل اعادة تحصيل شيء من الدور للسعودية في المنطقة خصوصًا بعد فشل الرهانات العسكرية والتوجه نحو الحلول الدبلوماسية، الامر الذي زاد تباين الرؤى وتناقضها في مكان ما بين المحمدين.

هذه المؤشرات تؤكد وجود تغيير جذري في رهانات محمد بن سلمان على مشاريع ابن زايد والتمسك المطلق بالقرار الاميركي الاسرائيلي، بالانتقال الى البحث عن دور آخر يمكنه من تعزيز فرصه بتولي العرش، خصوصًا مع برودة العلاقة بينه وبين الرئيس الاميركي جو بايدن.

لذا نلاحظ محاولة ابن سلمان تبريد العلاقة مع قطر مع عودة العلاقات الثنائية، وبداية طريق التفاوض مع ايران برعاية عراقية، واعادة ترتيب العلاقة مع تركيا وفق اسس مختلفة.

لذا كانت الاجراءات الاخيرة من قبل السعودية اتجاه الامارات كالقشة التي قصمت ظهر العلاقات المبنية على رؤية مختلفة ومصالح متضاربة، في مسعًى من بن سلمان لعزل الامارات ما امكن عن محيطها العربي، والتفلت من المشاريع التي ورطه ابن زايد بها والتي لم يكن بحاجة اليها، وهو يحاول الحفاظ على ما تبقى له من رصيد في محاولة للامساك بالسلطة وتمهيد طريق العرش. يضاف الى ذلك قلق ابن سلمان الآتي من داخل العائلة المالكة نظرًا لبطشه ورعونة ادائه مع ابناء عمومه في سعيه لازالة كل العوائق امام توليه الحكم.

ويستفيد محمد بن سلمان من ملف التطبيع الاماراتي مع كيان العدو كونه يعلم ان السواد الاعظم من ابنا الحجاز غير متحمسين لسلوك المسلك الاماراتي مع “اسرائيل”، لذا نلحظ اعتماد الاعلام الرسمي السعودي مبدأ الهجوم على الامارات من بوابة التطبيع. كما ان ظهور احد قياديي حركة حماس خالد مشغل عبر الاعلام السعودي رسالة في اكثر من اتجاه نظرًا لما تمثله الحركة وشخص مشعل من خلفية إخوانية مقربة من تركيا وقطر وتستفز الامارات بشكل كبير.

هذا التدهور في العلاقات انفجر مؤخرًا من خلال الخلاف السعودي الاماراتي في أوبك، وهو الامر غير المسبوق بعد أن كانت الامارات لعقود تمنح صوتها داخل المنظمة لصالح المشاريع السعودية. يضاف الى ذلك تعليق الإمارات جميع الرحلات إلى السعودية، بعد منع الأخيرة مواطنيها من زيارة الإمارات، بداعي تفشّي نسخة دلتا من فايرس كورونا، وايقاف السعودية الاعفاءات الجمركية التي كانت تمنح للبضائع والسلع القادمة من الامارات العربية المتحدة.
لكن السؤال الذي يطرح بعد ما تقدم، هل يعتبر ظهور هذه الخلافات الكبرى الى سطح العلاقات الثنائية بين البلدين بمثابة طلاق بائن؟ وماذا عن العلاقات الاميركية السعودية في ظل التغيير الواضح في رؤية ابن سلمان وسلوكه في الملفات المشتركة في المنطقة؟ وهل بات ابن زايد الوكيل الحصري للمشاريع الاميركية الاسرائيلية في المنطقة باعتبار ان ابن سلمان يعمل على ترتيب العلاقاة مع الجوار بما يضمن له استقرارًا وشراكة في المنطقة؟

اساسيالاماراتالسعوديةمحمد بن زايدمحمد بن سلمان