ازدواجية المعايير تكشف النفاق الأميركي – الأوروبي

كشفت حرب غزّة بكلّ أبعادها ازدواجية المعايير التي تمارسها دول الغرب الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأميركية اتّجاه العالم، هذه الازدواجية التي تتضح من خلال مقارنة كيفية تعاطي هذه الدول مع كلّ من الحرب الأوكرانية – الروسية، والحرب الصهيونية على غزّة، والتي باتت منذ اللحظات الأولى لاندلاعها، مادة دسمة لكشف نفاق سياسات الغرب وأميركا.


المفارقة المبكية المضحكة، أن هذه الازدواجية كانت أيضًا مادة سخرية وتهكّم لأعداد كبيرة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين نشروا مقاطع لمسؤولين أوروبيين وأميركيين، يطالبون فيها بوقف المجازر والإبادات والسماح بدخول المساعدات الإنسانية على نحو مستعجل، ليتضح بعدها أن هذه الخطابات تتناول الحرب الروسية – الأوكرانية وليس الحرب الإسرائيلية على غزّة.


نماذج هذا النفاق بدت واضحة في مواقف كثيرة على امتداد تاريخ الحروب والصراعات العالمية. وأما عن المقاربة التي ذكرناها، فإن أبرز مثال يمكن الحديث عنه هو مطالبة قادة الولايات المتحدة وحلفائهم الغربيين، في قمة دولة العشرين التي عقدت في نيودلهي، دول الجنوب باتّخاذ موقف من “الاحتلال الروسي لأوكرانيا والجرائم الناتجة عن العمليات العسكرية التي تنفذها روسيا في أوكرانيا”، مع العلم أن أوكرانيا حصلت وتحصل على أضخم حجم مساعدات عسكرية ومدنية ولوجستية في تاريخ حروب العالم، لكن كلّ ذلك الدعم الساعي لمواجهة روسيا، كان مغلفًا بشعارات الالتزام بالقانون الدولي، وعدم خرق حقوق الإنسان، ومنع وقوع جرائم الحرب.


وعلى مقلب آخر ورغم وجود الكم الهائل من جرائم القتل والإبادة والتطهير العرقي والدمار الذي يتعرض له قطاع غزّة المحاصر، على مرأى ومسمع العالم بأسره، ومع وصول حجم الضحايا إلى ما يفوق الـ32.000 شهيد و74000 إصابة، يبدو أن القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والحد من ارتكاب جرائم الحرب، أصبحت على الهامش، في حين يُظهر حلفاء “إسرائيل” تضامنهم ودعمهم الثابت “لحقها غير المقيد في الدفاع عن النفس”، مكرّرين على نحو يدعو إلى السخرية والسخافة، دعوتهم أن تلتزم “إسرائيل” في هجومها بالإطار الذي تحدده قوانين الحرب، وفي الوقت نفسه لم تصدر عنهم أي إدانة صريحة لجرائمها، ولم يبذلوا جهودًا حقيقية لوقف العدوان.


مطالبة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين هذه بإدانة الحرب الروسية، لاقت ردًا حازمًا من قبل عدد من دول الجنوب، حيث صرح حينها العديد من المسؤولين في دول الجنوب، الذين حضروا قمة العشرين، لصحيفة “فايننشال تايمز” أنهم ردوا على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بالحجة نفسها وطالبوا بإدانة الهجوم الإسرائيلي الانتقامي على غزّة، وقرارها منع إمدادات الغذاء والدواء والمياه والكهرباء والغاز هناك.


هذه المعارضة التي أبداها العديد من دول الجنوب، جاء في مقدمتها مواقف جنوب إفريقيا والبرازيل، حيث عمدت جنوب إفريقيا لتقديم دعوى ضدّ “إسرائيل” في محكمة العدل الدولية واتهامها بالقيام بإبادة جماعية في قطاع غزّة، بينما كانت البرازيل قد قامت بصياغة مشروع قرار لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزّة. لكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض ضدّ القرار، لأنه لم يذكر “حق “إسرائيل” في الدفاع عن النفس”.

إن مثل هذه المعايير المزدوجة واضحة للعيان بالنسبة لسكان دول الجنوب، حيث شهدت القضية الفلسطينية انتشارًا وتأييدًا كبيرًا منذ فترة طويلة في هذه الدول، وبالتالي فإن حرب غزّة لم تؤد إلا إلى زيادة الاستياء في افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، حيث يتعامل الغرب مع أوكرانيا كحالة خاصة، لأنها حرب أوروبية، وهم يقدمون المساعدات والأموال والأسلحة بشكل سخيّ جدًا، بينما تعاني دول الجنوب من الحرمان والنقص ونهب الثروات وتداعيات الحروب التي لطالما كان الغرب وأميركا شركاء أساسيين فيها.

بات من الواضح إذًا أن حياة الفلسطينيين تحظى بقيمة أقل في صراع تم فيه تجريدهم من إنسانيتهم، وتصويرهم فيه على أنهم “حيوانات بشرية” في تصريحات مسؤولين في الحكومة الصهيونية، وبالتالي فإن أي حديث سابق أو لاحق عن حقوق الإنسان، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والتهجير القسري التي تستخدمها الحكومات الغربية لتدين بها ما يحدث في مختلف ساحات الحروب في العالم، هي عبارة عن أكاذيب وتُهم يتم استغلالها لتمرير صفقات سياسية مغلفة بالنفاق الغربي – الأميركي المقزز الذي اعتاد العالم عليه اليوم أكثر من أي وقت مضى.

اساسياسرائيلالولايات المتحدةاوروبااوكرانياروسياغزةفلسطين