انتشر في الأسبوع الماضي فيديو لراهبة هي الأخت مايا زيادة وهي تحدّث الطلاب بحبّ عن الجنوب وأطفال الجنوب. حديث فيه من الأخلاق ما يُشهد له بصراحة، ليس لكونه عجيبًا بقدر ما هو غير متوقّع للأسف، مع إمعان بكركي في “الحياد” حينًا وفي تجاهل ما يجري في الجنوب إلّا من باب لوم المقاومة.
كان خطاب الأخت لطيفًا، يشبه “حكيات” بنات القرى اللواتي يتحدثن بعفوية وطهر عن قناعاتهنّ بعيدًا عن ربطها بأي موقف سياسيّ أو مذهبي أو طائفي. حديث أخلاقي إنساني محبُّ تمامًا كما صوت نبي الله عيسى(ع) في أذهاننا، ولطيف وحنون ومقاوِم تمامًا كما صورة السيّدة مريم المقدسة(ع) في قلوبنا.. ولكن!
تكبدت الأخت مايا زيادة ثمنًا باهظًا بسبب تعبيرها الحرّ عن أخلاق وإنسانية السيّد المسيح(ع) وأمّه مريم(ع)، اتّهمت بغسل أدمغة الأطفال وبدسّ ثقافة غريبة في عقولهم، وأكثر، رجمها “أهل الطلاب” كواجهة لمن أصدر أمر رجمها بالمنع من التعليم ونقلها بعيدًا عن “أطفالهم”. أجل، بصراحة ووضوح، قال القائلون إن ما قالته الراهبة “بعيد عن ثقافتنا”، وبالتالي هو إقرار مكتوب بأن الأخلاق والإنسانية والطهر في مقاربة وضع الجيران والأهل في قرى الجنوب هي مسائل “بعيدة عن ثقافتهم”.
الأمر ليس مفاجئًا أبدًا، وما قيل في ردود فعل أهالي الطلاب ومن يحركهم صادق جدًا: نعم، الخطاب الإنساني والأخلاقي بالنسبة إلى أهل “الحياد” الداعم للعدو والمعادي لأهل الأرض هو خطاب دخيل، لا يتقاطع مع مشروعهم الساقط مرارًا وتكرارًا.
وهنا، دليل جديد أنّ المسألة ليست دينية أو طائفية. فالراهبة تعرّضت لذات التنكيل اللفظي الذي قد تتعرّض له أي سيّدة مسلمة تلقي خطابًا أو تتحدّث بأخلاق وإنسانية عن أهل الجنوب سواء في مدرسة أو عبر الاعلام والسوشال ميديا. وبالمقابل، أي امرأة أو رجل من أي طائفة ومذهب، سيلقيان تصفيقًا حارًا لدى هؤلاء لو نطقا بما يتناسب مع خطابهم ومشروعهم. هنا دليل جديد أن الصراع في البلد هو صراع أخلاقي وإنساني بالدرجة الأولى، بين أهل الشرف والأخلاق، وبين نقيضهم.
طيّب. ماذا عن حرية التعبير التي يحاول رموز هؤلاء ادعاء حرصهم عليها بل ويحاولون “تعليمنا” إياها، على اعتبار أننا نوالي المقاومة التي هي منّا ونحن منها بشكل أعمى كما اعتادوا توصيفنا؟ ماذا عن ثقافة الحياة والتي أبرز وجوهها احترام العقل وتقدير جهده حتّى في حال الاختلاف بوجهات النظر؟ ماذا عن هؤلاء الأطفال الذين هُرع أهلهم إلى أخذهم للعلاج النفسي بعد تعرّضهم لصدمة سماع خطاب محبّ وأخلاقي عن أقرانهم في القرى الجنوبية؟ وبعد، ماذا عن قدسية “الراهبة” التي تعرّضت من أبناء وبنات جلدتها لأبشع الألفاظ فقط لأنها نطقت بما لا يحبون سماعه وبما قد يحرجهم لدى السفارات التي تستخدمهم؟ هل تزول الهالة القدسية عن راهبة لأنها نطقت بكلام حقّ بينما تُحفظ وتبقى حول راهب قام بالاعتداء الجنسي الموثّق على أطفال! بكلام آخر، هل تشكّل مايا زيادة خطرًا على “أطفالهم” أكثر من راهب معتدٍ!؟
أسئلة كثيرة تشير إلى جواب واحد، وهو أن ما جرى بحقّ الأخت مايا زيادة هو إقرار من الجهة التي تعمل في كنفها بأنّ خطاب المحبّة والأخلاق خارج عن ثقافتها، وإقرار بأنّه من الممنوع التعبير عن أي تضامن إنسانيّ مع أهل الجنوب وأطفال الجنوب، وهو ببساطة خطيئة علانية بحقّ كلّ فرد مسيحيّ يرفض الانصياع لأوامر الجهات العليا التي تريد باسم “الحياد” وضعه في معسكر العدو. ما جرى معيب بحق الشرفاء من مسيحيي لبنان، قبل أن يكون معيبًا بحقّ الجنوب وأطفال الجنوب.