تتشعب الحرب التي تخوضها المقاومة الإسلاميّة ضدّ العدوّ الإسرائيلي في جنوب لبنان، بمفهومها الشامل، ضمن ميادين مختلفة ومتعددة، يأتي في مقدمتها الجانب العسكري والاستخباراتي لِيليه الجانب النفسي الذي يشغل حيزًا كبيرًا ومؤثرًا جدًا في وقع الأحداث ومجرياتها، وبالتالي في العمل على تحقيق الصورة الكاملة للإنجازات الميدانية والنصر.
تاريخ الحرب النفسية بين المقاومة والكيان الصهيوني شهد – كما الحرب العسكرية – مراحل من التقدم والتوسع على امتداد تاريخ الصراع مع العدوّ الغاشم. وقد حققت المقاومة في السنوات الأخيرة تفوقًا ملحوظًا بسلاحها النفسي على حساب أسلحة العدوّ النفسية التي اعتاد على استخدامها في حروبه الوحشية في لبنان وفلسطين.
معالم تفوّق المقاومة في ميدان “الحرب النفسية” بدت واضحة في العديد من الحروب والمعارك التي خاضتها مع الكيان الصهيوني. وهذه المعالم لم تُختصر فقط على الحروب الكبرى أو المستجدات الخطيرة جدًا التي عاشتها الجبهة اللبنانية عمومًا أو الجنوبية على وجه التحديد، بل كانت تكتيكات الحرب النفسية ظاهرة أيضًا في أي حدث أمني مهما كان شأنه أو تأثيره.
وقبل الحديث عن التفوق الأعلى للمقاومة على صعيد هذه الحرب في الأحداث الأخيرة، لا بد من أن نعود بالزمن قليلًا، إلى بضع سنوات لا أكثر، وتحديدًا عند مقولة أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كانت عبارة عن كلمتين اثنتين: “ع إجر ونص”، وهي مقولة لم يكن يراد بها السخرية من العدوّ الصهيوني وقدارته فحسب، وإنما أضحت مصطلحًا إعلاميًا وعنوانًا كبيرًا من عناوين الحرب النفسية التدميرية لحزب الله ضدّ هذا الكيان، فما إن أطلقه السيد نصر الله من على شاشات التلفزة، حتّى راح المئات من أبناء المقاومة يتداولونه بشكل واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح مادة سريعة وواسعة الانتشار بعد كلّ حدث أو عملية على الحدود أو عدوانًا إسرائيليًا على لبنان.
وبالعودة إلى المعارك الحالية والمستجدة التي تشهدها الجبهة الجنوبية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فقد استمرت المقاومة في بلورة حربها النفسية على نحو متقدم ومهم جدًا. وقد كان سماحته أبرز عناوين هذه الحرب بعد أن شكل حضوره وتصريحاته وخطاباته مادة دسمة في إدارتها، حتّى باتت – هذه الخطابات والتصريحات – مصادر موثوقة جدًا ومرجعًا أمينًا للجمهور الصهيوني ولكل جمهور المقاومة، الذي يجد في سماحته رمزًا للصدق والوفاء والثقة والأمانة.
الشواهد في هذا الإطار تأتي دائمًا على لسان العدوّ قبل الصديق، وفي تصريحات قادته ومستوطنيه، وآخر ما جاء من تصريحاتهم بعد خطاب السيد نصر الله الأخير كان على لسان رئيس المجلس المحلي لمستوطنة المطلة دافيد أزولاي الذي قال حرفيًّا: “بعدما سمعت نصر الله، أقول لسكان المطلة إن عليكم انتظار نهاية الحرب للعودة، وأنا أصدقه”.
انتصارات المقاومة في الحرب النفسية جاءت أيضًا على لسان الإعلام العبري الذي صرح ومنذ بدء الحرب أن حزب الله يستخدم ببراعة الحرب النفسية ضدّ “إسرائيل” من خلال نشر مقاطع فيديو للعمليات التي يقوم بها وأيضًا شرح لموقع العملية الجغرافي عبر تحديده نقطة الاستهداف على الخريطة وتلخيص جميع العمليات في ختام اليوم، حيث يظهر مدى اهتمام الحزب بالمعركة الإعلامية.
هذه الإنجازات التي حققتها وتحققها المقاومة يوميًا على الصعيد العسكري والنفسي، تجلت مؤخرًا بالرد الأولي الذي نفذته على عملية اغتيال القائد صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي تمثل باستهداف المقاومين لقاعدة “ميرون” الصهيونية للمراقبة الجوية بـ 62 صاروخًا أصابت أهدافها بدقة. وقد اعتبر الإعلام الإسرائيلي – من الناحية النفسية – أن هذه العملية بمثابة “عرض ترويجي لما سيحدث إذا تعددت الساحات”.
لقد برع حزب الله في خوض المعركة الإعلامية تجاه العدوّ الصهيوني، وقد تمكّن من إدارة العملية النفسية ضدّ هذا الكيان الغاصب بتفوق واضح، حتّى بات يمتلك زمام المبادرة في هذه المعركة وغيرها من المعارك، وبات هذا العدوّ يخشاها كما غيرها من المعارك العسكرية والاستخباراتية والسياسية، بعد أن نجحت المقاومة في تصويب تداعياتها المؤلمة إلى داخل الكيان الصهيوني نفسه.