محمد شمس الدين – الناشر |
الاغتيال الذي نفذته “إسرائيل” بحق العميد في الحرس الثوري الثوري الإيراني رضي الموسوي في دمشق يندرج في إطار الحرب المفتوحة بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية في ايران، تلك الحرب التي مرت بمحطات عديدة على المستوى الأمني كان أبرزها اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني وقائد الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس منذ نحو أربع سنوات في العراق بأمر مباشر من رئيس الولايات المتحدة الأميركية آنذاك دونالد ترامب.
الرد الإيراني جاء في حينه على شكل عملية عسكرية ضربت قاعدة “عين الأسد”، أكبر القواعد العسكرية الأميركية في العراق، والتي أدت الى مقتل العشرات من الضباط والجنود المتواجدين فيها عدا عن التدمير الذي لحق بالعتاد والمنشأة نفسها.
قد يكون الرد الإيراني “المحتم” على اغتيال الموسوي شبيهًا، عبر اختيار هدف إسرائيلي وضربه عسكرياً، وعلى الأرجح هو ما تنتظره “إسرائيل” وقببها الحديدية في ظروف الحرب الجارية على الفلسطينيين في قطاع غزة، أو ما تتوقعه تل أبيب من أن رد إيران قد يأتي عن طريق تفعيل المواجهة التي يخوضها حزب الله على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، إلا أن الرد الفعلي الإيراني لن يكون إلا مباشراً وبيد “الحرس” الطويلة، فيما لم تنعدم الأهداف التي يمكن أن تطالها على امتداد العالم وليس في المنطقة وحسب.
هذه الحرب الأمنية التي ما زالت نارها مستعرة تحت الرماد لن تبقى كذلك في ظل التمادي الإسرائيلي بالاعتداء الذي لم يوفر حتى خبراء وعلماء داخل الأراضي الإيرانية ما يشكل استفزازًا هائلًا للإيرانيين الذين يحافظون على هدوئهم بالحد الأقصى محبطين محاولات “إسرائيل” لإشعال حرب تستطيع من خلالها تأمين حشد دولي حليف لها تحت مسميات مختلفة ليس أقلها القضاء على الترسانة النووية الإيرانية وهو تفكير محدود يعبر عن قصر نظر الإدارة الإسرائيلية بمختلف مستوياتها في التعاطي مع ملفات تعتبرها تمس أصل وجودها وهي التي خطت باتجاهه “برجليها” من خلال ما تمارسه من إجرام في قطاع غزة ولا يمكن الحكم عليه إلا بالفشل.
ما تراهن عليه “إسرائيل” لم يعد يرقى الى عقول إدارة الدول، ما يطرح السؤال فعلًا حول مدى فعالية تلك الدولة “المسخ” التي تثبت يومًا بعد آخر فقدانها لوظيفتها الأساسية في المنطقة بتأمين مصالح الغرب فيها وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية، والسؤال هنا ممتد الى مصلحة أميركا نفسها في استعداء إيران الدولة الأقوى في المنطقة بكل المعايير الاستراتيجية فيما لم تستطع “إسرائيل” الصمود في حربين شنتهما على حزب الله في لبنان عام ٢٠٠٦ وعلى حركة حماس راهنًا ما يشكل انهيارًا كاملًا لمنظومة الردع الأميركية على امتداد المنطقة التي باتت “تحلم” بإبقاء سيطرتها عليها.
باتت الحسابات الأميركية اتجاه إيران معقدة جدًا وعلى الأرجح ليس لها حلول منطقية ببقاء “إسرائيل ذراعًا” طويلة تستطيع إدخال أميركا بمغامرات غير محسوبة تولد الأزمات المتتالية وتقضي على ما تبقى من مصالح. فالولايات المتحدة قد فشلت في اليمن وقبلها في سوريا وقبلها في لبنان فيما لم تنجح بتحقيق نتائج استراتيجية بغزوها للعراق عام ٢٠٠٣.
لم تعد إيران “قلقة” من الكيان العبري بعدما اختبرت قدرته مرارًا على مدى سنوات وهي كذلك ليست قلقة مما يمتلكه من قدرات عسكرية انهارت بشكل كبير في مفاصل جدية، كما أن ترسانة “إسرائيل” النووية “معطلة” لأنها تخضع لمعادلات مختلفة في حين أن مواجتها وتدميرها لم يعد مستحيلًا. وفي الوقت نفسه فإن إيران استطاعت أن تمتلك مقدرات عسكرية واسعة النطاق وسجلت تقدمًا علميًا في أعلى مستوياته في كل المجالات وصولًا الى استخدام الذكاء الإصطناعي في العديد من البرامج، وهذا لم يخف على الغرب الذي ساعد “إسرائيل” ودفعها لبلوغ عمليات داخل إيران وخارجها لاستهداف العقول والعلماء في هذا البلد.
ما تحسب له إيران هو المواجهة الكبرى مع الولايات المتحدة الأمر الذي تتجنبه هذه الأخيرة باللجوء الى حروب صغرى كالتي تشهدها المنطقة منذ قيام الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من أربعين عامًا والتي اتخذت أشكالاً عديدة منها الإقتصادي عبر فرض العقوبات و”حروب الإرهاب” المتنقلة في الدول الحليفة لإيران وذلك لمنعها من إعادة رسم خارطة منطقة غرب آسيا التي تضم الشرق الأوسط والتي قال عنها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي بشكل واضح وصريح “أنها لنا”.
هي حروب أو معارك أميركية – إسرائيلية لمنع إيران من “التسيّد” على المنطقة، الأمر الذي لم يعد بالإمكان وقفه في ظل الهزائم المتتالية “للمحور الغربي” مع كل مقدراته التي يمتلكها، وتحالفاته “الضعيفة” التي لا تستطيع مساندته إذا ما وقع “المحظور” الذي يحاول الجميع تجنبه.
ليست بطولة من “إسرائيل” أو حتى أميركا أن تغتال عميدـا هنا أو لواء هناك في حين أن خسارتهما اكبر في أماكن أخرى أكثر أهمية واستراتيجية.