مضى شهر على عملية “طوفان الأقصى” البطولية، والتي تسجل انتصارًا استراتيجيًا بميزان قوى المقاومة والممانعة انعكست على المنطقة بما فيها لبنان مع انقلاب التوازنات العسكرية وما فرضته المقاومة اللبنانية على أرض لبنان من مواجهة رُسمت بريشة شهداء على طريق القدس دفاعًا عن وطن وقضية شعب أشلاء ضحاياه مزورعة في ثرى الجهاد.
يخط المقاومون بأقدامهم حدودًا رُسمت بالتضحيات، بعد أن تم توقيعها بأقلام التسويات في محاولة لإعادة بعض من الدور الذي فقده العدو الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط بعد سقوطه عسكريًا وانكشافه سياسيًا وفشل أجهزته الأمنية – الاستخبارية وتقهقر جيشه على أسوار غزة المحصنة بصمود شعبها وقدرة فصائلها المقاوِمة على المواجهة ودك عاصمة الكيان ومطارها بوابل من صواريخ أرعبت قطعان المستوطنين الذين تحولوا عبًئا اقتصاديًا واجتماعيًا يضاف إلى الأمني والسياسي على حكومة نتنياهو العاجزة عن تحقيق أي من أهدافها المتدرجة نزولًا بدءً من تفريغ قطاع غزة وتهجير سكانه إلى مصر، تراجعًا إلى محاصرتهم في بقعة من القطاع، وصولًا لهدف القضاء على فصائل المقاومة بتصفية قيادات حماس والجهاد، وصولًا إلى التهديد باجتياح بري لقطاع محاصر منذ سنوات وتحرير الأسرى الصهاينة.
كلها أهداف فشلت ولم يحقق منها العدو الاسرائيلي إلا مزيد من الجرائم، كان من بين ضحاياها الأسرى أنفسهم بعد أن تجاوز عدد القتلى منهم عشرات سقطوا بغارات الطيران الحربي الإسرائيلي الذي توج إنجازات معركته الحربية بتدمير مستشفى المعمداني بجريمة حرب فضحت تواطؤ الغرب وعرّت مجتمعه وذريعة حماية حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات وأمن المجتمعات الذي لم يحرك ضميره أكثر من عشرة آلاف شهيد بل انحاز للمجرم على حساب حياة المدنيين وأباح لـ”إسرائيل” المزيد من المجازر بحماية دولية وجهوزية أميركية وصل فيها الرئيس بايدن أرض المعركة بعد وزير خارجيته مستقدمًا أساطيله الحربية وسفنه استعدادًا للمعركة.
يأتي ذلك بعد تيقن إدارة بايدن من عجز “إسرائيل” وهشاشة كيانها في مواجهة حاسمة ترسم حدود عالم جديد على أنقاض أحادية القطب الأميركي وسقوط مشروع الشرق الأوسط الجديد ووفاته في تموز عام 2006 بمنازلة قلبت موازين القوة، وظهّرت معالم المقاومة التي رأست مشروعها الذي أجهض صفقة القرن في مهدها وأفرغ التطبيع من مضمونه وجدواه بعد أن تحولت “إسرائيل” من قوة عظمى في الشرق الأوسط بجيش أسطوري إلى آلة قتل المدنيين بقيادة سياسية منقسمة عاجزة وحكومة مربكة وجيش يغرق كل يوم في حرب غير متكافئة مع فصائل مقاومة أفقدته قرار الحرب بالمنطقة واغرقته ببحر أزمات سياسية مالية شعبية، والأهم أنها أفقدت المستوطنين عامل الثقة بالجيش وأجهزته الاستخبارية. وهنا، تسعى حكومة العدو لتغيير هذه الصورة بإنجاز لو كان صوريًا، وهذا لن يكتب له النجاح بوجود المقاومة وطريقة إدارتها للمعركة بوحدة ساحاتها وفرض تبعات أبعد من سياسية على الكيان المؤقت.