اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام بحادثة خطيرة تظهر تعرض أطفال لم تتجاوز أعمارهم العامين للتعنيف الجسدي واللفظي في إحدى الحضانات “المرخّصة” في منطقة لبنانية. وشكّلت هذه الحادثة “مادة دسمة” لرواد منصات مواقع التواصل الاجتماعي الذين أبدوا، وعلى نطاق واسع جدًا، غضبهم وتضامنهم مع أهالي الأطفال ومطالبتهم بأن يتخذ القانون مجراه بحق المعنيين.
الحادثة لم تكن الأولى على الصعيد التربوي في لبنان لا سيما في موضوع الحضانات، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة، إلا أن الأسئلة التي تطرح هنا، تتمحور حول حقيقة ما يجري فعلًا في هذه الحضانات من حوادث قد تكون أشد فظاعة، وعن كيفية الحد من انتشار ظواهر التعنيف الخطيرة فيها ودور المؤسسات الرسمية في هذا الإطار، فضلًا عن كيفية تعاطي الرأي العام لا سيما رواد مواقع التواصل مع هذه الحادثة الشنيعة.
حضانات خارج نطاق المعايير والقانون
لم تكن حادثة التعنيف الأخيرة في إحدى الحضانات سوى نموذج مصغر لغياب كل معايير التربية الصحيحة والسلامة البدنية والنفسية اللازمة لبيئة المكان، فضًلا عن فقدان المؤهلات التربوية والأكاديمية الواجب توافرها لدى العاملين في الحضانات. لقد عكست فعليًا قساوة المشهد الحقيقي القائم في العديد من المؤسسات التربوية، التي لا تخضع، إضافة إلى غياب المعايير، إلى أي تفتيش مركزي مشدّد من قبل الدولة أو لأي متابعة جدية من قبل الوزارات المعنية، مما يجعل تكرار هذه الظاهرة أمرًا غير مستغرب في ظل هذا الواقع المرير الذي يشهده البلد بكل مؤسساته.
وفي هذا الإطار، تشير إحصاءات وزارة الصحة إلى وجود 500 حضانة مرخصة في لبنان، بالمقابل فإن الوزارة ليس لديها أي إحصائيات حول عدد الحضانات “غير المرخصة”، علمًا أنه – بحسب مصادر الوزارة – قد تم إقفال كافة الحضانات غير المرخصة عام 2019 والتي بلغ عددها حينها 120 حضانة، وأن مهمة تحديد الحضانات غير المرخصة تكون على عاتق وزارة الداخلية والبلديات.
وبالعودة إلى وقائع ومستجدات الحادثة الأخيرة، فقد تم إغلاق الحضانة المعنية بالشمع الأحمر، وتوقيف سيدتين وتحويلهما للتحقيق بناء على إشارة القضاء المختص. وكان وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس الأبيض قد دعا إلى اجتماع طارئ للجنة حماية الأحداث بعد فيديو التعنيف، لافتًا إلى أن “فرقًا من الوزارة تقوم بجولات رقابية على الحضانات”. وفي تصريحات صحفية قال الوزير: “يجب زيادة الزيارات المفاجئة إلى الحضانات، كما يجب خضوع جميع العاملين في الحضانات للتدريب”، وأكد أن “الوزارة تتواصل مع أهل الأطفال المعنفين”.
الحد من انتشار العنف بالوعي والقانون
لا يخفى على أحد، أن “الحلول المؤقتة” لمظاهر وحوادث العنف التي شهدتها وتشهدها الحضانات، دون وجود معالجة ومكافحة جذرية مشددة لها، ستؤدي مستقبلًا لتكرارها دون تردد، وهذا الأمر بات واضحًا مع حدوث أعمال عنف طالت الأطفال في فترات زمنية متفرقة سابقًا.
يدرك المواطن أن الأمر يبدو اليوم أكثر صعوبة في ظل ما تشهده مؤسسات الدولة من انهيار وفساد فاحش، إلا ان ذلك لا يعني أبدًا غياب دورها المركزي في متابعة هكذا قضايا حساسة جدًا مهما كان حجم الإمكانيات المتوفرة لديها.
الواقع يفرض اليوم أن تضرب الدولة “بيد من حديد” عبر وزاراتها وقضائها، وأن يكون التفتيش دوريًّا وفجائيًّا وجدّيًّا ، خاصةً وأن “مراقبي وزارة الصحة موجودون على مختلف الأراضي اللبنانية وهم قادرون على تأدية عملية التفتيش، على الرغم من أنه في ظل الأزمة الاقتصادية بات التفتيش يقتصر على الترخيص والتعديل أو شكوى معينة ولم تكن هناك جولات دورية” وذلك بحسب تصريح أحد المصادر الخاصة بوزارة الصحة.
بالإضافة إلى ذلك، أضافت المصادر نفسها أن مكافحة حوادث العنف هذه تكون أيضًا “بالتأكد من سلوكيات الموظفين والعمل مع الشركاء لزيادة الوعي والمتابعة، مثل زيادة تطبيق وضع الكاميرات، التدريب على سياسة حماية الطفل في الحضانة، خلق سياسة موحدة للتدريب وخلق نظام إحالة مع الوزارات المعنية (وزارتي الشؤون والعدل) في حالات العنف، وزيادة التوعية لأن التغيير يحتاج وقتًا”.
وأخيرًا، لا بد من الإشارة إلى ما يصدر عن رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وكيفية تفاعلهم مع الحادثة، حيث ذهب البعض منهم لإلقاء اللوم على الأهل ولا سيما “الأمهات”، وأفتى بعضهم الآخر بضرورة التزام الأمهات منازلهنّ، وعدم ترك “مهمة التربية” للآخرين. وهنا يقع الرأي العام في مأزق آخر، يعكس مدى هشاشة التفكير لدى هؤلاء، وتدني مستوى الوعي لديهم، ولجوءهم إلى “الطريقة التقليدية العنصرية” في معالجة الأمور، بدلًا من تحكيم العقل والمنطق في ذلك التطبيق العادل للقانون.