في بلد بات كل شيء فيه متوقعًا حصوله، بتنا نسمع بين الحين والآخر، ولأسباب معروفة وغير معروفة، نبأ انتحار أحد المواطنين الذي وفي ليلة وضحاها قرر إنهاء حياته بصورة فجائية وصادمة ومؤلمة لعائلته ومحيطه.
هذه الظاهرة التي عادت إلى الواجهة مجددًا بصورة مخيفة وخطيرة، تعكس في نتائجها مخاوف مستقبلية كثيرة وتؤكد المؤكد فيما يتعلق بطبيعة أسبابها والعوامل الأساسية المسؤولة عن حدوثها، مما يدفعنا لتسليط الضوء على آخر الأرقام الصادرة حولها والأسباب الكامنة خلفها وكيفية الحد منها عبر معرفة رأي الديانات على اختلافها بهذه الظاهرة الخطيرة ككل.
الأرقام خطيرة وتداعيات الأزمة الاقتصادية أبرز الأسباب
تفيد الأرقام الصادرة عن قوى الأمن الداخلي عن تسجيل 138 حالة انتحار عام 2022. إلا أن هذا الرقم قد يكون فعليًا أعلى من ذلك لأن ثمة العديد من الحالات التي تمتنع العائلات فيها عن تبليغ قوى الأمن الداخلي عنها.
ووفق الدولية للمعلومات، فإن حوادث الانتحار تراجعت عام 2022 مقارنة بـ2021، بحيث وصل متوسط حوادث الانتحار سنويًا خلال الأعوام 2013 – 2022 إلى 143 حادثة، فيما سجل العدد الأكبر عام 2019 (172 حادثة)، أما العدد الأدنى فسجل سنة 2013 (111 حادثة).
وتجدر الإشارة إلى أن “عدد حالات الانتحار خلال شهري يناير وفبراير من العام الحالي بلغ 21″، وهذا حسب المراقبين مؤشر خطير، نسبة إلى أن العام الحالي ما زال في بدايته، ومؤخرًا أنهى 6 أشخاص حياتهم خلال أسبوعين فقط.
وبالحديث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، يرى أحد الباحثين في هذا المجال أن “الدراسات العلمية تظهر أن نحو 10% من الوفيات الناجمة عن الانتحار تعود إلى مختلف العوامل والضغوطات، وأن 75% من حالات الانتحار تحدث في البلدان المنخفضة إلى متوسطة الدخل”، لافتًا إلى أن “لبنان تحول اليوم من بلد متوسط الدخل إلى بلد فقير”.
وفي هذا الإطار، فإن هذا التحول الذي طرأ على حياة اللبنانيين زاد بشكل كبير حجم الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية والمالية الخانقة التي تؤثر على الصحة النفسية، وهذه الضغوطات تمتزج بدورها مع أعراض أخرى كالاكتئاب والقلق فتولد المزيد من الشعور بالعجز واليأس وبالتالي تساهم جميعها في الأفكار والسلوكيات الانتحارية.
موقف الديانات واحد والحلول شبه غائبة
لا يمكننا الحديث عن ظاهرة الانتحار وكيفية الحد من انتشارها بمعزل عن ربطها بالدين، وتحديدًا رأي الأديان السماوية بهذه الفكرة ككل. ولعلّ الأمر المؤكد الذي تتفق عليه الديانات السماوية (الإسلام والمسيحية واليهودية) بشكل قاطع هو تحريم الانتحار وقتل النفس تحت أي سبب او حجّة.
ولم تكن فتوى التحريم في أي من الأديان السماوية الثلاثة واردة بصورة غير مباشرة أو غير صريحة، بل ذكرت ضمن نص واضح في كل من القرآن الكريم والإنجيل والتوراة، وفي كل منها تأكيد على أن الروح هي هبة الله ويحرّم قتلها بأي شكل من الأِشكال.
وبالحديث عن كيفية الحد من مواجهة هذه الظاهرة التي أصبحت بعد أحداث الانتحار الأخيرة “تراند” منتشرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الأمر يتطلب جهودًا كبيرة مجتمعة من قبل كل الجهات المعنية بمكافحة هذه الظاهرة الخطرة.
هذه الجهات تشمل المؤسسات الرسمية من وزارات ومديريات فضلًا عن الجمعيات الأهلية المعنية بشكل مباشر بالصحة النفسية بالإضافة إلى المؤسسات الدينية والتعليمية ووسائل الإعلام وغيرها من الجهات التي قد يكون لها تأثير على الرأي العام في هذا المجال.
وتجدر الإشارة إلى أن للإعلام دورًا كبيرًا في التوعية والحد من عمليات الانتحار، لأن الخلل الحاصل في كيفية أداء الإعلام لمهمته في هذا المجال من الممكن أن يكون له تأثيرات عكسية سلبية، لا سيما على تصرفات الأشخاص الذين لديهم استعداد لقتل أنفسهم.
وفي بلد يعاني كافة أشكال الانهيار المجتمعي والفردي، فإن محاربة هذه الظاهرة والحد من انتشارها يتطلبان جهودًا مضاعفة ومكثفة في ظل غياب دور الدولة ومؤسساتها، أو بالحد الأدنى ضعف إمكانياتها، على الرغم من وجود قوانين تجرّم المساعدة على الانتحار أو التحريض عليه بأي وسيلة، حيث نصّت المادة 553 من قانون العقوبات اللبناني على أن من حمل إنسانًا بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده على قتل نفسه، عوقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر إذا تم الانتحار، وبالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين في حالة الشروع في الانتحار نجم عنه إيذاء أو عجز دائم.