حرب الأموال المصادَرة بين روسيا والغرب.. ما تأثيرها في الاقتصاد العالمي؟

يصادر بعض الدول الغربية وأمريكا بالإضافة إلى أوكرانيا أصولاً روسية بالمليارات، حتى إن إجمالي الأصول المصادَرة وصل إلى أكثر من 300 مليار دولار من إجمالي احتياطات البنك المركزي الروسي من الذهب والنقد الأجنبي.
معركة جديدة ورئيسية تدور الآن بين روسيا والغرب، لكن هذه المرة ليست بالمدافع أو الطائرات أو الدبابات، بل بالأموال المصادَرة؛ فمنذ بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا في فبراير/شباط عام 2022، بدأ الطرفان الروسي والغربي في تبادل فرض العقوبات ومصادَرة الأموال السائلة والأصول، ويريد كل طرف أن يضغط أكثر على الآخر من أجل تحقيق أهداف عسكرية على الأرض.

ولا يمكن النظر إلى عملية مصادَرة الأموال على أنها بين طرفين عاديين، لكنها تؤثر في الاقتصاد العالمي ككل بعد تخطيه 100 تريليون دولار قبل عام واحد، فالغرب يشمل دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية بكل ثقل هذا التكتل اقتصادياً ومساهمته في اقتصاد كثير من الدول بالاستثمارات، وفي الناحية الأخرى روسيا التي تعد سابعة دول العالم قوة من حيث إنتاجها المحلي.

مصادَرة بالمثل

يصادر بعض الدول الغربية وأمريكا بالإضافة إلى أوكرانيا أصولاً روسية بالمليارات، حتى إن إجمالي الأصول المصادَرة وصل إلى أكثر من 300 مليار دولار من إجمالي احتياطات البنك المركزي الروسي من الذهب والنقد الأجنبي البالغة قرابة 600 مليار دولار في فبراير/شباط 2023.

فيما أعلنت روسيا كذلك أنها ستردّ على ما تودّ مجموعة السبع الكبرى فعله وستصادر أموالاً خاصة بالغرب -لم تسمها تحديداً- وذلك تزامناً مع نقاش يُجريه قادة الدول السبع الصناعية الكبرى حول تجميد جديد لأصول روسية في فبراير/شباط المقبل.

وتعدّ الولايات المتحدة الأمريكية المستثمر الأول في روسيا، وحسب بيانات للأمم المتحدة يبلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية لدى موسكو 1.18 تريليون دولار تُعدّ محجوزة داخل روسيا؛ نظراً لأنها ردَّت على العقوبات الغربية بمنع خروج هذه الأموال من البلاد.

“المصادَرة” لها تأثيرات سلبية عالمياً خصوصاً في ملف الطاقة، وفق ما تؤكده نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، مضيفةً أنه إذا استمر ملف المصادَرة كما هو حالياً بين الغرب وروسيا “سيؤدي إلى عدم قدرة المؤسسات المالية الدولية على احتواء الأزمة”.

وتشير بكر في حديثها مع TRT عربي إلى أن هذه الدول هدَّد بعضها من قبل باستخدام السلاح النووي، وبالتالي “يمكن تفهم التصعيد في حرب التصريحات بشأن مصادرة الأموال”.

وتبيّن أستاذة العلوم السياسية أن طول أمد الحرب في أوكرانيا وخوض كييف المعركة بدلاً من الغرب يؤثر في جميع المشاركين في الحرب، بشكل مباشر أو غير مباشر، سلبياً.

الهلع من المصادَرة

ويقول الخبير الاقتصادي مصباح قطب، إن هناك قاعدة عامة في تعامل القوى الكبرى بعضها مع بعض، وهي “البحث عن نقطة الضعف والضغط عليها أكثر فأكثر”، مضيفاً أنه مع بداية الحرب الروسية وجدت أمريكا في نظام “سويفت” النقطة التي يمكن أن تتأثر بها روسيا سريعاً، وهو ما كان بالفعل، حتى إن روسيا أخذت وقتاً طويلاً في محاولة التغلب على هذه النقطة.

ويضيف قطب لـTRT عربي أن تأثيرات المصادَرة المتبادَلة بين الغرب وروسيا على الاقتصاد العالمي ستكون “سلبية” على الاقتصادات، “خصوصاً تلك المنخرطة في الحرب عن قرب”.

كما سينتج عنها اضطراب في النظام المالي العالمي، إذ إن الخوف والهلع من المصادَرة سيؤدي إلى ذهاب رجال الأعمال إلى تسييل الأصول لسهولة التحرك بها من دولة لأخرى أو توجيهها إلى ملاذات آمنة، وفق قطب.

ويرى الخبير الاقتصادي أن المصادَرة تزيد من الغموض حول المالكين الرئيسيين للأصول عالمياً، وكذلك زيادة ما يُعرف بـ”المالك المسجل والمالك المستفيد”، نظراً لرغبة البعض في البُعد عن الواجهة، “وهم المقربون من الكرملين مثلاً في هذه الحالة، إذ صودرت أموال بعضهم منذ بداية الحرب”.

ويشير قطب إلى أن دولاً كانت لديها فرص أن تكون وجهات بديلة للاستثمار لأصحاب الأموال “لن تحصل على هذه الفرص؛ بسبب تراجع الاستثمار العالمي حالياً، نظراً لعدد من التوترات أهمها الحرب الروسية-الأوكرانية”.

والنقطة الوحيدة الإيجابية التي أشار إليها قطب في حديثه كانت أن المصادَرة المتبادَلة تؤدي لارتفاع طفيف في مقدار الشفافية المتعلقة برؤوس الأموال، باعتبار أنها ستؤدي إلى تعدد الأسواق التي تستقبل الأموال، وبالتالي قد يُكشف عن هذه الأموال ومصدرها الأساسي.

المصادَرة الصعبة لأموال “المركزي الروسي”

وفي حين جمَّدت دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا نحو 260 مليار يورو من أصول البنك المركزي الروسي في 2022، وهي أموال معظمها في الاتحاد الأوروبي خصوصاً في حسابات يوروكلير البلجيكية، يوضح قطب أن دول الغرب تواجه صعوبة في مصادرة الأصول التابعة للبنك المركزي الروسي، إذ إن ذلك “يؤدي إلى ضرب مصداقية أمريكا نفسها التي تدعو للاقتصاد الحر فيما تصادر الأموال من جانب آخر، كما أن الفزع من الاستثمار في الغرب قد يزداد لدى رجال الأعمال بناءً على هذه الطريقة العشوائية في مصادرة الأموال”.

ومع بدء عدد من دول العالم في عقد اتفاقات للتعامل بالعملات المحلية، يرى البعض أن مصادَرة الأصول الروسية لن تؤدي إلى تعجيل وقف الدولرة، إذ تقول بيانات البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الأمريكي الفيدرالي إن الجهود العالمية في هذه المسألة “لم تتسارع بشكل ملموس” منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا.

لكن يجب النظر إلى أن دول البريكس التي يزداد عددها إلى 11 دولة حالياً، وروسيا من مؤسسيها، هي دول تمثل 29% من حجم الاقتصاد العالمي بنحو 29 تريليون دولار، ما يعني أن هذا التكتل الاقتصادي يمكنه -إذا ما استطاعت روسيا استخدامه ضدّ دول الغرب- أن يُحدث أزمة في الاقتصاد الأمريكي إذا ما زاد اعتماد هذه الدول على العملات المحلية في التجارة بينها.

مواجهة اقتصادية تُضعف الثقة في الدولار

ويرى الدكتور أيمن غنيم، الأستاذ في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية والخبير الاقتصادي، أن العالم يشهد حالة من الاستقطاب السياسي لم تحدث منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط سور برلين.

وتؤثر تلك الحالة في زيادة المخاطر المالية والاقتصادية، انعكاساً للعلاقة التبادلية بين السياسة والاقتصاد، إذ تتكتل الولايات المتحدة والغرب، من دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان، في مواجهة روسيا ومن ورائها الصين وكوريا الشمالية.

ويضيف الخبير الاقتصادي لـTRT عربي أنه جرى فرض عقوبات اقتصادية، لتقييد صادرات روسيا من الطاقة، التي تعد أهم المصادر المالية لخزانتها، كما جمّد الغرب أصولاً روسية تبلغ نحو 300 مليار يورو، بما يقرب من نصف احتياطيات النقد الأجنبي الروسية.

وحول تحويل الأموال المصادَرة إلى أوكرانيا، يشير الأستاذ في كلية إدارة الأعمال إلى أن تلك الخطوة من الممكن أن تزيد من مخاطر مواجهة اقتصادية عالمية، إذ من الممكن أن تصادر روسيا بدورها الأصول الغربية التي تحت تصرفها.

ويضيف غنيم أن عمليات المصادَرة المتبادَلة تُضعف الثقة في عملات السبعة الكبار الغربيين بصفتها عملات احتياطية، مما يؤدي إلى بحث الأسواق الناشئة عن بدائل أخرى، قد يكون على رأسها عملات دول البريكس، وبالأخص الصين والهند، التي باتت تحتل نصيباً مؤثراً في التجارة العالمية.

TRT عربي

اساسياوروبااوكرانياروسيا