عرس يطفئ نور القيم… حين يتقدّم البذخ على الضمير

في زمن يئنّ فيه أطفال غزة تحت ركام الجوع والبرد، ويقتات فيه الآلاف على ما تيسر من المساعدات، يطلّ على الناس مشهد من عالمٍ موازٍ تمامًا: عرسٌ مترف، تتدفق فيه الأموال بلا حساب، وتُضاء له القاعات بثريات تُطفئ نور القيم قبل أن تضيء المكان.
الحدث لم يكن مجرد مناسبة اجتماعية عابرة، بل زفاف ابنة الشيخ عبد الرحمن السديس، أحد كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وعضو هيئة كبار العلماء، المعروف بدعوته إلى الزهد والتواضع وحسن التصرّف في المال، فإذا بالواقع يناقض الخطاب، وينسف الهيبة التي تنتجها القدوة قبل الكلمات.

وفي الوقت الذي كان الواجب يقتضي الإحساس بمعاناة الإخوة في الدين، ظهرت الحفلة وكأنّها منفصلة تمامًا عن آلام الأمة، وكأنّ ما يجري في غزة لا يعنيهم في شيء، في مشهد يفضح اتساع الهوّة بين ما يُقال على المنابر وما يُمارَس على أرض الواقع.

ليس الترف جريمة، لكن الهدر الفاحش في وجه مأساةٍ إنسانية هو الخطيئة التي تكسر ظهر الأخلاق. كيف يمكن لعالم دين يطالب الناس بالتقشّف أن يسمح لنفسه بما يدعو الآخرين إلى تجنّبه؟ وكيف يطلب منهم الرحمة وهو لا يترجمها في بيته؟

الناس لم يعودوا جمهورًا صامتًا. اليوم يقارنون، يرون التناقضات، يتساءلون بصوت عالٍ. فكيف تُرفَع رايات التضامن مع غزة بينما تُطفَأ هذه الرايات بأضواء الاحتفالات؟ وكيف يُطالَب المواطن البسيط بالتبرّع والمساعدة في وقت تنفق فيه الملايين على ليلةٍ واحدة؟ لقد أصبح هذا العرس مرآة لأزمةٍ أعمق من مجرد مبالغة: إنّه يكشف طبقة تُنفق بلا حدود وتُعِظ بلا خجل، ويعكس انفصالًا خطيرًا بين الخطاب الديني وسلوك أصحابه.

وهكذا يتحول البذخ من مجرد احتفال إلى سؤال أخلاقي يفرض نفسه بقسوة: هل يحق لمن يحتل المنبر أن يعيش خارج حدود ما يدعو إليه الآخرين؟ وهل يمكن لليلة واحدة أن تمرّ مرور الكرام بينما غزة تُدفن تحت الجوع ويُدفن معها ما تبقى من ضمير العالم؟