الأول منذ 20 عاما.. هكذا قضى أسرى محررون رمضانهم بين ذويهم

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

إنه يومها الأول، ليس في شهر رمضان فحسب، وإنما أيضا في لقاء العائلة واجتماعها معا ودون غياب لأحد من أبنائها السبعة، وهي التي اعتادت هذا الغياب قسرا، فالحاجة سعاد بشكار (أم محمد) لم تعش رمضان واحدا منذ نحو ربع قرن إلا وأحد أبنائها معتقل في سجون الاحتلال، وأحيانا كانوا 3 أو 4.

في منزلها بمنطقة المساكن الشعبية شرق مدينة نابلس (شمال الضفة الغربية) كانت أم محمد (70 عاما) تستعد مع كنائنها وبناتها، لفرش المائدة الرمضانية الأولى التي تجمعهم معا بعد الإفراج عن آخر أبنائها الأسرى عبد الرحيم مطلع مارس/آذار الماضي.

فرحة لا تقدر بثمن تذكّر أم محمد بمثيلاتها من أمهات الشهداء والأسرى اللواتي يفتقدن أبناءهن في مثل هذه الأوقات، فترفع يديها مبتهلة إلى الله عز وجل بأن يُقر أعينهن برؤية أبنائهن محررين من سجون الاحتلال وأن يعشن فرحة كتلك التي تعيشها هي الآن.

الحاجة سعاد بشكار تشرف على ترتيبات الإفطار، حيث سيلتقي كل أبنائها على مائدة رمضانية منذ أكثر من 20 عاما (الجزيرة)

روزنامة الأسير وطعامه المفضل

في ساحة المنزل التي بدت كأنها تشبه فورة (ساحة) السجن راحت أم محمد تساعد بالتحضير لتناول أول إفطار رفقة أبنائها وعائلتها، بينما أعدت كنائنها الطبخة المفضلة لعبد الرحيم وهي “منسف اللبن” والتي تُذكره بآخر وجباته قبل اعتقاله منذ 20 عاما.

لم يمض شهر على الإفراج عن عبد الرحيم، لكن والدته جهزت له بوقت قصير أغلب احتياجاته للشهر الفضيل، فابتاعت له دشداشا وملابس أخرى يرتديها خلال الشهر الفضيل، وأعدت كذلك من الحلويات و”المكابيس والمخللات” ما يحب، والأهم “أني عقدت قرانه على عروسه بعد أيام من تحرره” تقول أم محمد للجزيرة نت.

أما أغراض الزينة الرمضانية وما أشبه فتركته لأولادها وأحفادها الذين احتفوا على طريقتهم بالإفراج عن أسيرهم عبد الرحيم، فطبعوا روزنامة رمضانية تحمل صورته ووالدته وأشقاءه وكتبوا عليها “رمضان الخير مع أبو بكر (كنية الأسير عبد الرحيم) غير”.

اعتادت أم محمد التي طافت سجون الاحتلال من شمالها لجنوبها أن تفطر يومها الرمضاني الأول عند نجلها الكبير بمنزله ومن ثم تواصل تباعا الإفطارات لدى بقية أبنائها، لكن هذه العام سيكون مختلفا، حيث سيلتقي الأشقاء جميعا وزوجاتهم والأحفاد على مائدة واحدة وفي حضرة الأم سعاد بشكار، رغم الكدر الذي خلَّفه الاحتلال باعتقال حفيدين لها منذ مدة.

هذا المشهد سيعيد للأسير المحرر عبد الرحيم ذكريات السجن الذي غادره حديثا، فهو وعائلته يعدون نحو 80 نفرا سيجتمعون مرة واحدة “وهذا تقريبا عدد الأسرى في القسم الواحد بالسجن” يقول ضاحكا.

داخل المعتقل

ولبضع من الوقت حدثنا الأسير المحرر عبد الرحيم بشكار (39 عاما) عن حاله في الأسر وكيف عاش 20 رمضان يذكر تفاصيلها بدقة مع رفاقه بالأسر بكل غرفة وقسم في 7 سجون طاف بينها، وكيف أنه يستعد لاستقبال هذا الشهر بين أهله الآن.

وفي المعتقل يقول بشكار للجزيرة نت إن رمضان الأسرى يبدأ في شعبان، بالإعداد الإيماني وشحذ الهمم للعبادة بمختلف أشكالها؛ قراءة القرآن وقيام الليل.

ولا يخلو الأمر من إعداد الوجبات اللذيذة وخاصة في الأيام الأولى، بعيدا عن “المجدرة (العدس بالرز)” و”المعكرونة”، وهناك من الأسرى من يبادر ويصنع الحلويات المختلفة، “ويكون الهدف التخفيف عن الأسير معاناته وفقده لذويه بمثل هذه اللحظات وخاصة الأسرى صغار سن”؛ هذا ما يقوله بشكار.

وتكثر مبادرات الخير داخل السجن، وخاصة بالصدقات، فهناك من يقدم التمر والعصائر لكل القسم (نحو 80 أسيرا)، وهناك “صندوق الريان” الذي تجمع فيه الصدقات لتقدم للأسرى داخل السجن أو خارجه للأسر المحتاجة.

وكل ذلك يحيي الهمة لدى الأسير بشكار ويجعله يفكر بذات النشاط خارج معتقله، ولعل أبرز جديده هو خطبته ولقاء أشقائه معا ولأول مرة منذ سنين على مائدة رمضانية، ويستعد كذلك لتناول أطعمته المفضلة على يد والدته خلال الشهر الفضيل قبل اعتقاله.

ويمتاز رمضان هذا الشهر بحضور بارز لعشرات من الأسرى ممن أمضوا 20 عاما بين أهاليهم، والذين اعتقلوا تزامنا مع الاجتياح الإسرائيلي لمدن ومخيمات الضفة الغربية 2002.

الأسير عبد الرحيم بشكار بحضن والدته وفي رمضانه الأول بعد 20 عاما من اعتقاله (الجزيرة)

موشحات وزينة رغم الألم

ومثل بشكار يستعد الأسير المحرر بلال جودة بمنزل عائلته في قرية عراق التايه شرق مدينة نابلس لتناول “العكوب” (نبات شوكي يطبخ مع مرق اللبن، وهذا موسمه) الذي تعده والدته السبعينية الحاجة زهيدة جودة، والذي كان آخر عهده به قبل 20 عاما حين اعتقاله.

ومائدة الحاجة زهيدة (أم بشار) ستتزين بهذا العام بابنها الأسير بلال، وهو ما سيعوضها غياب 4 من أبنائها المغتربين خارج الوطن، فربما مائدتها غير مكتملة النصاب؛ لكن يكفي أن يحضرها بلال بعد اعتقاله الطويل رفقة خطيبته

وبلال الذي استقبل رمضان وكأنه يعيشه للمرة الأولى ذهب إلى السوق وابتاع لوازمه، لا سيما زينة رمضان للمنزل وللحارة التي شارك بتزيينها كما يقول للجزيرة نت، مستعيدا بذلك ذكرياته بالمعتقل وكيف كان ورفاقه الأسرى يعدون الزينة اليدوية من أبسط الأدوات لديهم ويعلقونها في الأقسام والغرف فرحا بقدوم رمضان.

وبلهجته العامية يقول جودة (43 عاما) للجزيرة نت “السجن مش حلو، بس أحلى ما فيه أيام رمضان”، حيث تسود مشاعر الفرح والألفة أكثر بين الأسرى، وتعد الأطعمة الطيبة والحلوى فضلا عن أداء العبادات على أكمل وجه رغم تضييقات الاحتلال.

ويكتنف جودة الذي تنقل بين عديد المعتقلات والسجون الإسرائيلية شوق كبير لطعام أمه وجلسته مع عائلته، وشوق آخر لسماع الموشحات النابلسية الرمضانية التي تتميز بها المدينة دون غيرها من المدن الفلسطينية، فقد مارس تأديتها داخل سجنه لشدة تعلقه بها.

ويشغله الآن، بشكل أكبر، رفاقه من الأسرى الذين خلَّفهم وراءه، وهو يرتب لزيارات عوائلهم خلال شهر رمضان والاطمئنان على أحوالهم ودعوتهم للإفطار “لتعويضهم غياب أبنائهم”

أن تعتقل 20 عاما وتخرج لتجد أحد والديك أو كليهما فهذه نعمة، وأن تعيش معهم شهر رمضان فهذا ما يتمناه 4400 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

الجزيرة

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد