آلاء كركي – خاص الناشر |
مارس البشر الفن منتجين ومتذوقين- منذ وقت مبكر من وجودهم، حتى قبل معرفتهم القراءة والكتابة والزراعة. تدلنا على ذلك القرائن التي تركوها والتي نجدها في الكهوف والمغاور. فلا عجب إن مارس الأطفال بعض مظاهر الفنون بسذاجة منذ ولادتهم! حتى كأن الفنَّ وممارسته بعدٌ فطريٌّ من أبعاد الإنسان.
ومن المفيد الإشارة إلى الدراسات التي لاحظت وجود تشابه كبير بين فنون البدائيين وفنون الأطفال في أمور كثيرة، حتى كأن كل فرد يعيد إنتاج تاريخ البشرية (في مجال الفن على الأقل)، وكأن كل إنسان فنان -بصورة ما-، ويقع الاختلاف في الدرجة والمستوى.
وهناك سؤال هام يطرح في عالم التربية: هل يوجد فعلًا ما يسمى التربية الفنية؟
لا شك أنه إذا عاش الطفل في جو جميل راقٍ، سينعكس ذلك على سلوكه عامة: فيحسن انتقاء ملابسه، ويحرص على نظافتها، ويُظهر مقدارًا مقبولًا من العناية بشكله وهندامه، ويعتني بأشيائه وألعابه، ويحرص على الانتباه إلى بعض التفاصيل التي تضفي على أدواته مزيدًا من الجمال.
ما قلناه هو من باب أن الممارسات الدائمة والمنتظمة تحوّل الاتجاهات المرغوب إكسابها للطفل إلى عادات راسخة لديه. وإذا كانت التربية بمفهومها الحديث تسعى إلى تحقيق النمو المتكامل والمتوازن للفرد عقليًّا وجسميًّا ووجدانيًّا، والعمل على إيصاله إلى أقصى ما تستطيعه قدراته الذاتية، وإكسابه المعارف والمفاهيم والمهارات والقيم والاتجاهات الأساسية، التي تمكّنه من مواجهة أعباء وجوده بشجاعة وكفاءة وكفاية مناسبة، فإن التربية الفنية تتحمل بالعموم جزءًا من مهمات التربية، بما توفره من أجواء تساعد في تنمية الوجدان، وتهذيب الجانب الانفعالي والعاطفي وترقيته، من خلال تعريف الطفل على عالمه الداخلي الذاتي، ومساعدته في معرفة إمكاناته وطاقاته الإبداعية. كل ذلك في جو من المتعة والحرية والتلقائية يجلب له الطمأنينة.
فالتربية الفنية في الروضة ثم في المدرسة بعد ذلك لا تهدف إلى تخريج فنانين قادرين على إنتاج أعمال فنية، إنما تهدف إلى تقديم الفرصة لاحتكاك الطفل مع الفنون، ما يرفع مستوى الإحساس بالجمال لديه، ويكسبه جزءًا مهمًّا وأساسيًّا من القيم الجمالية، ويتيح له فرصة إنضاج ميوله واتجاهاته عن طريق مساعدته في التعبير الفني الجميل عن نفسه وعن الأفكار باللغة أو بالتشكيل أو بالموسيقى أو بالتمثيل أو بالرسم والغوص في عالم الألوان.
في الختام لا بد من الإشارة الى أن التربية على الجمال والذائقة الفنية لا يمكن القيام بها من قبَل من لا يستطيع أن يرى إبداع الخالق وجماله وعظمته في كافة المخلوقات حوله، ومن لا تأخذه الدهشة حين يشاهد لوحة ربانية فيقول بينه وبين نفسه: “يا إلهي، سبحان المبدع”.
إنه الله، الجمال المطلق.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع