السعودية، أكبر دولة في شبه الجزيرة العربية، أكبر منتج ومصدّر للنفط في العالم، معروفة بدورها الإقليمي والدولي الذي تلعبه وأنها صاحبة نفوذ في الدول الخليجية كما في دول المنطقة بشكل عام، المملكة التي ترعى سياسات ذات أبعاد استراتيجية تضمن مصلحة الأمة وصلاحها الأمني والاقتصادي، وأنها الأقوى عربيًّا والملجأ في الأزمات، المركز الديني للعالم الإسلامي، أرادت اليوم أن تلعب دورًا كبيرًا آخر، أن تثبت للعالم أنها ضليعة في كل ما قد يخطر على قلب أو عقل بَشَر غير تاركة أي مجال لعدم التسليم بقدراتها، فكانت وللمرة الثانية تتحدى الملل.
أنتم لا تفهمون السعودية، هي فقط تريد أن تكون السبّاقة في كل الميادين، حتى في ميادين الفشل وجلد الذات. إنها إذا شعرت أن جهة ما ستنال سخرية على عمل لها أكثر من السعودية، أو أن فشلاً سيُسجّل لصالح جهة غيرها، فهي لن تقبل بذلك.
دومًا تريد تَصدّر المشهد، فكان لها ما تريد، ها هي الألسن اليوم تلهج بذكر السعودية في المجالس الخاصة والعامة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي كافة.
أرادت اليوم أن تزرع الابتسامة على وجوه الناس، أن تملأ عشية الأحد المملة بتقديم الترفيه للجمهور الخصم، فاختارت توقيتًا مثاليًا لنشر “استهبالها” لجمهورها مرة أخرى، حتى يبقى فعلها حديث الأسبوع لدى الخصوم.
بعد الفيديو الذي نشرته السعودية عن وجود ضابط من حزب الله في اليمن قبل أيام، الفيديو الذي تسبب بنوبات ضحك لكثيرين ممن شاهدوه، كما كان سبباً في إظهار حالة عامة من الشفقة على المستوى الهابط من الكوميديا الذي قدمته السعودية في الفيديو، ها هي اليوم تقدم محتوى جديدًا لكنه لا يأخذ طابعًا كوميديًّا، بل كان مشهدًا يثير مشاعر الإثارة والتشويق لدى المُشاهد، مشهد تصنيع صواريخ بالستية في مكان سري مُصوَّر بكاميرا غير احترافية، والأهم أنه لا يمكن فضح المكان في الوقت الحالي، طبعًا لضرورات أمنية. ثم يتبيّن أن المقطع الذي عرضه ذاك الذي يشبه كل شيء سوى أن يكون متحدثًا باسم تحالف دولي، تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف السعودي، مأخوذ من فيلم أميركي اسمه severe clear.
نظرية أن السعودية تحاول أن تقنع العالم بحجية حربها على اليمن أصبحت غير مقنعة، فهي أضعف من أن تفبرك دليلًا يصدقه بعض جمهور أعدائها فينقلبوا إلى صفها. نظرية أن السعودية تقوم بتنفيذ أجندة أميركية للحد من توسع نفوذ إيران عدوة العرب عبر أداتها حركة أنصار الله كما تدّعي، أيضًا أصبحت غير مقنعة، فهي أضعف من أن تحمل هكذا حمل أو أن تخوض معركة في حرب استراتيجية بين دولتين مثل أميركا وإيران.
هل يعقل مثلًا أن يكون المسؤول عن جمع الأدلة، حول ضلوع حزب الله في حرب اليمن وكشف معامل تصنيع الصواريخ البالستية اليمنية المعتمد من التحالف، عميلًا إيرانيًّا، أو أن يكون عنصرًا تابعًا لحزب الله هدفه إضعاف صورة التحالف؟ أو سعوديًّا على عداوة مع مشغليه؟ لكن الأكيد أنه غبي إلى درجة لم يسبقه إليها أحد في موقعيته.
باتت السعودية وأعمالها تشبه فاصلًا إعلانيًّا سخيفًا يأتي بعد كل مشهد قوي في فيلم يأسر العقل من شدة جماله وتسارع أحداثه التشويقية. هي لا تشبه الفاصل! إنما هي الفاصل في فيلم الإنجازات اليمنية الذي صارت نهايته قريبة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع