مقدمة:
عند الحديث عن ظاهرة اجتماعية معينة يقف المرء امام الكثير من الأسئلة في محاولة لفهم أسبابها وظروف انتشارها ومدى تأثيرها على المحيط العام، الى غير ذلك من الأسئلة. في هذا الموضوع نحن امام ظاهرة غير عادية بالمبدأ، ويمكن القول بأنها بدأت كظاهرة اجتماعية مغمورة بسبب كم القيود والتابوهات الرافضة للحديث او الإشارة اليها، على اعتبار انها مشكلة اجتماعية، او ظاهرة “شاذة” محدودة المعالم لا تستحق الدرس والمتابعة، أو انها مرتبطة بإطار أخلاقي وديني معين يرفض بالمطلق التطرق لها واعطاءها حجم الظاهرة الاجتماعية المؤثرة والمنتشرة بشكل كبير. لكن لابد من الاعتراف بأنّ الخطأ ليس في عدم التطرق لها ومعالجة أسبابها واساليبها ونتائجها، انما في اهمال المخاطر التي يمكن ان تنجرّ عن استخدامها بما هي عليه، لاختراق البيئات السليمة تحت عناوين رنّانة كالحريات الشخصية، والانفتاح، والتطور وقبول الاخر…الى غير ذلك من العناوين. لقد تطورت هذه الظاهرة وأصبحت أداة اختراق لمختلف البيئات الاجتماعية بقطع النظر عن ميولاتها وقواعدها العامة، عرفية كانت او عقائدية. يعد موضوع الشذوذ الجنسي من أحدث المواضيع التي تثير اهتمام الناس على اختلاف مشاربهم الدينية والفكرية والاجتماعية، وذلك بسبب انتشار هذه الظاهرة في العالم العربي والإسلامي، وسعي الغرب للتركيز عليها وتثبيتها كأمر واقع في عالم معولم -لا يؤمن بالقيود ويتجاوز كل المؤثرات الأخلاقية والدينية وحتى العرفية-، وانتقال دعاتها من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وتحديّهم للقوانين والشرائع التي تحرم هذا الفعل وتجرمه.
من منطلق ان علم الاجتماع يعدّ أساس العلوم الإنسانية، تبدو ظاهرة “الشذوذ الجنسي” ظاهرة اجتماعية حساسة، تخضع عند الدرس لمتطلبات القواعد الأساسية التي أسس لها العديد من المنظرين في علم الاجتماع ومنهم دوركايم الذي اعتنى بتحديد الظاهرة الاجتماعية وتشخيصها، بوصفها الموضوع الأساس لعلم الاجتماع، حيث تعرف الظاهرة بانها نتاج تأثير شخص أو مجتمع أو جماعة على شخص آخر، وينطوي هذا التأثير على كل نماذج السلوك الذي يحدث بين الناس، سواء كان فيزيقيا أو نظاميا، وعلى جميع المرافق الاجتماعية. وتعتبر الظواهر الاجتماعية بمثابة الوقائع التي يمكن ملاحظتها في الحياة الاجتماعية. فهي عبارة عن قوالب وأساليب للتفكير والعمل الإنساني.
يقول دوركايم، اٍنّ الظاهرة الاجتماعية تركيب خاص ينشأ من الفعل ورد الفعل بين ضمير الفرد من جهة وبين العقل الجمعي من جهة أخرى، فهي ليست من صنع فرد من الأفراد، ولكنها من صنع المجتمع ومن خلقه وتنشأ بوحي من العقل الجمعي. قد تكون هذه الظاهرة مترابطة ومتداخلة، تتصف بالعمومية والانتشار، مكتسبة، وتبقى نسبية ومتغيرة في الزمان والمكان، يعتبرها دوركايم أيضا تتسم بالجبر والقسر، وتمتاز بقوة آمرة قاهرة هي السبب في أنها تستطيع أن تفرض نفسها على الفرد أراد ذلك أم لم يرد. لكن انتقد البعض هذه الخاصية واعتبروا ان وصف الظاهرة الاجتماعية بالجبر والالزام يجعلها ثقيلة على الناس، لان هناك إرادة اقوى من إرادتهم تتحكم فيهم، فردّ دوركايم بأن الإلزام هنا له جاذبية وهذه الجاذبية نوعان: اما لا شعورية، لأن الأفراد يعتادون عليها، ومتى اعتاد الفرد على شيء فإن هذا الشيء يصبح سهلا ميسورا على الفرد، بل محببا إلى نفسه. أو شعورية، وهي تتردد من وقت لآخر، في مناسبات معينة.
بداية لم يستخدم مصطلح “الشذوذ الجنسي” لوصف العلاقات الجنسية المثلية قبل القرن العشرين، إلا أن الخطاب العربي الحديث المعادي للمثلية يتعامل مع مصطلح “الشذوذ الجنسي” باعتباره مسألة حياة أو موت. فعلى سبيل المثال، في بحث ظاهرة الشذوذ في العالم العربي والتراث الاسلامي، ذكر أن أول وسيلة لمحاربة الشذوذ تتمثل بالتشديد على استخدام مصطلح “الشذوذ الجنسي” عند الحديث عن هذا الفعل، ورفض استبداله بمصطلح “المثلية الجنسية” المحايد الذي يعتبر مجرد توصيف لما يسمى الميل الجنسي للفرد، دون أن يحتوي على أي حكم أخلاقي بتحريمه ورفضه.
الشذوذ أو المثلية كما يسمونها هي دعوة جنسية قائمة على اعتبار عدم وجود فوارق بين الذكر والأنثى، وأن الأصل واحد، وعليه قاموا بابتكار مصطلح آخر زعموا أنه يجمع بين الجنسين في مسمى واحد، ألا وهو مصطلح “الجندر”، وأن هذا المصطلح يرمز لكائن الإنسان ذكرا كان أو أنثى، وأنه-أي الجندر- كفيل بمحو كل الفوارق التمييزية بين الجنسين مما يضمن كمال العدل بينهما، وعليه فلا حرج من المطالبة بإقرار زواج الشواذ (عقد PAX)، ولذلك أنشأت مؤسسات وجمعيات ومنظمات وأحزاب سياسية تطالب بإقرار هذه الفكرة في القوانين والدساتير الدولية، بل وصل بهم الأمر إلى المطالبة بإدخال أفكار هذه المجموعة الشاذة في المناهج والمقررات الدراسية، وفتحت الساحات الإعلامية بكل ادواتها الاتصالية للترويج لهذا النمط الاجتماعي الشاذ، وهذا ما تم في الكثير من بلدان الغرب، ويبدو أنّ الرهان الآن على بلدان الشرق، التي تعمل جهات كثيرة على اختراق بيئاتها المحافظة لنشر هذه الأفكار، ودعم هذه الظاهرة بشكل علني عن طريق شركات ووسائل إعلام، فضلا عن استثمار الصناعة السينمائية لترويجها. بعد السينما، جاء دور الأطفال في أفلام الكرتون، فضلا عن تسخيرهم لمواقع التواصل الاجتماعي لبث أفكارهم.
أصبح الرهان واضحا على ضرب الوعي الجمعي لدى شعوب بعينها، من خلال استهداف متلقين من نوع خاص (الأطفال والمراهقين لما يمثلونه من عناصر أساسية وفعالة في بناء المجتمع السليم) عبر الأفلام الكارتونية لأشهر وأكبر شركة انتاج وهي “ديزني”، المعروفة بغزارة وتنوع برامجها التي تتصل بشكل أساسي بالذوق الاسري العام، حيث تروج لما يسمى بالدراما “العائلية النظيفة”. منذ سنوات، بدأ الحديث عن قيام الشركة بالترويج لظاهرة الشذوذ الجنسي عبر صناعة شخصيات كرتونية شاذة جنسيا ورسمها بطريقة تجعل منها “هيرو” درامي لافت وناجح ومقبول من قبل المتلقين-خاصة الأطفال-، حتى لو كانت مشوهة. لابد من الإشارة الى أن إدارة ديزني، التي تعمل على التسويق لهذه الظاهرة بشكل أساسي، استخدمت العديد من الأساليب الترويجية لتمرير هذه الظاهرة وترسيخها في عقل المتلقي بشكل سلس وتدريجي دون ان يحدث ذلك أي ردة فعل سلبية، قد تؤثر على المحتوى العام لمشروع ديزني الدرامي. ربما ما اثار الحديث عن الموضوع ليس ما نجحت هذه الشركة طيلة السنوات الأخيرة في الترويج له، بل ما صدر من تصريحات مباشرة على لسان مديرته التنفيذية التي طرحت موضوع ” الشاذين جنسيا” بشكل مباشر مشيدة بان المجتمع الأمريكي قد تخطى هذا الاختلاف منذ سنوات طويلة وان هذه الفئة باتت تشكل جزءا أساسيا من المجتمع، وعليه، بات من الضروري العمل على الترويج لشخصيات كرتونية من المفترض انها تمثل فئة اجتماعية وازنة- حسب قولها، في المجتمع الأمريكي.
في هذه الورقة، سنطرح الأساليب التي يتم من خلالها التسويق لهذه الظاهرة في مجتمعاتنا، ومخاطر ذلك على الوعي الجمعي والبنية الاجتماعية العامة.
- أساليب الترويج الإعلامي لظاهرة “الشذوذ الجنسي”
ظهر ترويج كبير للشذوذ الجنسي في السنوات الأخيرة في العديد من الساحات والمنصات، ومن الطرق الفعّالة والأكثر تأثيرا لمخاطبة حواس الشخص وترسيخ الفكرة هو الاعلام والاعمال السمعية البصرية كالمسلسلات والأفلام الكارتونية وحتى البرامج السياسية وخاصة برامج التوك شوو. فالتركيز عليهم، ومشاهدتهم في أكثر من مناسبة سيجعلك تعتقد ان الشذوذ الجنسي أصبح شيء عادي وظاهرة يمكن التعايش معها بشكل طبيعي، وانه حرية شخصية.. وهذا ما يمكن تسميته بالبروباغاندا الناجحة. الأخطر في الامر انه بعد نجاحهم في غرس الفكرة لدى الشباب، الآن يتوجهون للمراهقين والأطفال خصوصاً الذين هم في مرحلة يصدقون فيها أي شيء..
البرامج والأفلام الكرتونية للأطفال
أغلب أفلام وبرامج الرسوم المتحركة الوافدة الموجھة للأطفال تحاول أن تفرض مفاھیم ثقافیة ومصطلحات جديدة علیھم، من خلال الإيحاءات والدلالات الاتصالية التي یستقبلھا العقل الباطن للطفل، وذلك لتغییر المفاھیم الثقافية التي تعلمھا الطفل في مجتمعه. لذ كان من الضروري تقديم أمثلة والكشف عن المضامین والدلالات الإيحائية والرموز في بعض افلام الرسوم المتحركة. قامت شركة ديزني مؤخرًا بتقديم أول شخصية كرتونية شاذة جنسيًا جعلتنا نتساءل عن براءة ما يتم تقديمه للأطفال من محتوى مليء بالأجندات التي يرغب الغرب بترسيخها في أذهان من يشكلون اجيالا لبناء مستقبل بلدانهم. ما يعني أن مستقبل صناعة أفلام الكرتون أصبح يأخذ منحىً آخر بعيدًا عن براءة الطفولة كما كنا نظن ونعتقد. لكن، هل هذه أول محاولة لترويج فكرة الشذوذ الجنسي وترسيخها في أذهان الاطفال، أم أن ديزني وغيرها من صُنّاع أفلام الكرتون قاموا بمحاولات سابقة لترويج هذا الفكر الشاذ؟ كمثال فيلم [سندريلا] من بطولة [Cabello Camila] ظهرت فيه شخصية العرابة انها شخصية شاذة يعني رجل بعقلية وبلباس امرأة وجعلوا منه أمر طبيعي.. والمشكلة الأكبر ان الفيلم من تصنيف {عائلي}! يعني يمكنك تشغيل الفيلم لطفلك بغرض التسلية لتظهر له تلك الشخصية.. ليسألك الطفل اذ كان هذا راجل أو امرأة…؟ وبمجرد تفادي السؤال او التطرق اليه فستكون قد حققت المراد لمن يروّج لذلك!!
أضحى الآباء والأمهات يخشون على أبنائهم من المشاهد والألفاظ الخارجة (+18) التي ترد في المسلسلات والأفلام، فيضعونهم أمام قنوات الأطفال بكل ثقة، باعتبارها مخصصة لهم ولن تقدم سوى ما يتناسب مع طفولتهم البريئة، لكن الأمر لم يعد كذلك، بل أصبحت وسيطا لتمرير أفكار تتنافى مع المعتقدات والفطرة السليمة، خاصة فيما يتعلق بأفكار الشذوذ الجنسي والترويج للعلاقات الجنسية عموما بين الأطفال.
كمٌ هائل من الرسائل الضمنية بشأن تغيير مفاهيم التربية المنضبطة في أفلام الكارتون يتعرض لها الأطفال يوميا بطريقة مدروسة وممنهجة، في ظل غياب تام للرقابة العائلية… والخطة بسيطة: اجعل الطفل يعتد على هذه الأفكار والمشاهد فتصبح مألوفة لديه، وعندما يكبر يتقبّلها بسهولة بل ويقلدها، فهي مرتبطة بأهم فترات تكوينه العقلي وأفضل أيام ذكرياته.
الأمر الذي جعل هذه الرسائل تتطور من كونها ضمنية مبطنة لأفكار عامة يتم الإعلان عن تأييدها، مثلما فعلت قناة Cartoon Network قبل أيام، بأن غيّرت صورتها على فيس بوك بشعار قوس قزح، دعما لحقوق الشواذ جنسيا حول العالم، واحتفالا بـ”شهر الفخر” كما يطلقون عليه، الذي يشهد الكثير من الفعاليات الخاصة بمجتمع الشواذ حول العالم.
لم تكتفِ بتغيير الشعار فقط، بل نشرت فيديو يدعو الأطفال لتقبّل كل العائلات المثلية، المكونة من امرأتين أو رجلين، وذلك بمحاورة عدد من تلك العائلات، والتركيز على ردة فعل الأبناء الذين يقومون بتبنيهم، ليظهروا كيف أن الأمر به تسامح وحب وسعادة غامرة، مع تأكيد القناة على أنها ستحتفل لمدة شهر من كل عام بمجتمع المثليين.
قناة Cartoon Network تابعة لشبكة تليفزيونية أمريكية أنشئت منذ أكثر من 25 عاما، ولديها قنوات موجهة لأغلب دول العالم، منها القناة الناطقة باللغة العربية التي أطلقت في عام 2010، وأحدثت تأثيرا كبيرا في كل الدول العربية، إذا يتابعها ملايين الأطفال باستمرار، وهو ما جعل عدد من الانتقادات تظهر من آن لآخر حول المحتوى الذي تقدمه، والذي لا ينفصل كثيرا عن سياسات الشبكة ككل، بل بالعكس يتم اختيار طريقة توصيل هذه الرسائل الفكرية للأطفال وفقا لبلدانهم، فيتم اختيار بعض الحلقات لعرضها في بلدان معينة ومنعها في أخرى تجنبا للانتقادات، مع استمرار إيصال الرسائل بشكل غير مباشر.
تركيز عدد من القنوات والأفلام الكارتونية الأجنبية الموجهة للأطفال على إظهار شخصيات شاذة جنسيا داخل العمل، ثم الإعلان رسميا عن ذلك بعد أن تحقق نجاحا كبيرا يثبت أن الأمر غير عشوائي على الإطلاق، فقبل نحو أسبوعين، احتفلت شبكة Nickelodeon الشهيرة بشخصيات شاذة جنسيا عبر شاشتها، كان أبرزهم سبونج بوب، الذي ظهر في إحدى الحلقات سابقا وقد تبنى قوقع بحر هو وصديقه باتريك، وكأنهما زوجين، وقام سبونج بوب بدور الأم، فضلا عن مشاهد متعددة ظهر في إحداها باتريك وهو يضع في مؤخرته لافته مكتوب عليها سبونج بوب.
أيضا نشر موقع buzzfeed.com الأمريكي من قبل، تقريرا مطولا عن الشخصيات الكرتونية المروجة للمثلية الجنسية، التي كان أبرزها شخصية Judy Funny في كارتون Doug، التي وصفها التقرير بأنها تركت تأثيرا كبيرا وقدمت دعما هائلا لجيل القرن العشرين من الشواذ.
كذلك شخصية Johnny Bravo الذي اشتهر بارتداء “تي شيرت” أسود يقوم بخلعه أحيانا كثيرة ليقف بنصف جسده العلوي عاريا، وتظهر تحركاته وإيحاءاته وحتى لهجته مقاربة لتصرفات الشواذ.
الكرتون الشهير “وقت المغامرة” أثار أيضا بعض الشكوك حول ميول مارسيلين وعلاقتها بأميرة العلكة، ليؤكد المؤلف بعد ذلك أنّ الفتاتين كانتا في علاقة غراميّة قصيرة قديمة، لكن هذا لا يظهر في المسلسل بحسب دبلجة شخصية مارسيلين لأنّ الشذوذ ممنوع في بعض البلدان، لذلك تبدو الفتاتان متخاصمتان من دون أي سبب ظاهر في المسلسل.
كما رصدت تقارير صحفية ما تضمنه كارتون “ستيفن البطل” المذاع عبر Arabic Cartoon Network منذ عام 2014، إذ ركز على ظهور الشواذ جنسيا، لتوضح المؤلفة أنها أيضا شاذة، وأنّ هذه الفكرة مقصودة لتوعية الأطفال بقضية الميول الجنسية.
فخاخ نتفليكس
تجلس مع أبنائك وتختار فيلما يناسب 7 سنوات حسب التصنيف المكتوب، وفجأة يقفز أمامك ومن دون إنذار حوار كامل عن المثلية، وبعد عدة دقائق تجد رجلا يبدو كأنثى يضع الأقراط، ويصبغ شعره باللون الوردي، ويتمايل مختالا بطلاء أظافر وأحمر شفاه يتمطى طوال الفيلم، فلا تجد ما تقوله.. وتقطع المشاهدة بأي حجة مناسبة. وفي فيلم آخر مصنف ضمن فئة الأطفال نرى فتاتين بينهما علاقة عاطفية، رغم فكرة الفيلم المختارة بعناية عن ضرورة البعد عن وسائل التواصل الاجتماعي وعيش مراحل الطفولة.. وهي أفكار تتهافت عليها الأسر إلا أن السم لابد أن يكون هناك وسط الحوار، وكأنك تُسحب بحبل طويل لتقحم أبناءك في نقاش أنت في غنى عنه في هذا العمر.
يبدو واضحا ان مجموعة نتفليكس هي جزء من مشروع للترويج على هذه الظاهرة بل من المدافعين عنها، وهي بفخاخها المتعددة في طرح المحتوى الذي يشاهده المتلقي، أوقعت الكثيرين في فخاخ المثلية الجنسية، وبدت وكأنها ترفع لافتة كبيرة في جل محتواها للدفاع، لا بل للترويج لهذه الفكرة، حتى بدا السؤال الأهم هنا هل المشروع مرتبط بالترويج لهذه الظاهرة لتصبح ظاهرة طبيعية مقبولة لدى الفئات الاجتماعية المختلفة؟ ام ان الهدف أكبر من ذلك؟ ربما هناك خطة لتحويل الأطفال وهم الحلقة الأضعف والأكثر استهدافا الى مثليي الجنس؟ وكم من الأموال دُفعت للترويج لهذا المحتوى بالمنصة الأشهر عالميا حاليا إلى ساحة إعلانية واسعة هدفها زيادة التقبل والتعامل مع تلك الأفكار باعتبارها أمرا طبيعيا؟
2.المخاطر: تغيير الوعي الجمعي
بما اننا نتحدث عن لعبة الاعلام وتأثير الصورة والخطاب الاعلامي، فلابد ان نشير الى ان مهمة المروجين لهذه الظاهرة ليست في جعلها مقبولة وطبيعية، وإعطاء المنتمين لها هوية مقبولة اجتماعيا، وبالتالي تجاوز الجدل حول اشكاليتها واسبابها النفسية والاجتماعية، وما يمكن ان تحدثه من خلل على مستوى الوعي الجمعي إذا ما قوبلت هذه الظاهرة الشاذة بشكل طبيعي وعادي. لكن الأهم، هو ما يمكن ان تشكّله من رافد أساسي لحرب ناعمة تقودها جهات ومؤسسات وقوى خارجية تعمل ليل نهار على اختراق البيئات الاجتماعية، وضرب السلم الاجتماعي، إضافة الى ما يمكن ان تحدثه من حالة ارباك وتشويه في الثقافة والمعتقدات والأعراف.
الأخطر في الموضوع، ليس في طرح الظاهرة إعلاميا وتسليط الضوء عليها بشكل مباشر، -فقد يكون ذلك مقبولا ان طرحت للمعالجة مرفقة بحلول لكيفية احتواء هذه الظاهرة اجتماعيا وانسانيا-، انما في جعلها أداة فاعلة لضرب القيم والأسس الأخلاقية والدينية للمجتمعات خاصة المحافظة منها، بتمرير رسائل مشوهة حول الحرية الشخصية، وحرية الضمير، وحقوق الانسان. إضافة الى جعلها غطاء وبعنوان مدني مفتعل، لتوجيه السياسات العامة والتأثير على الخيارات المجتمعية حتى لو كانت هذه المجتمعات متطورة وحداثية كما يفضل البعض تسميتها.
التأثير بالصورة والخطاب الإعلامي الذي يروج لهذه الظاهرة، وضرب فئة بعينها- نقصد هنا الفئات العمرية التي يعتمد عليها في بناء مستقبل المجتمعات-هو هدف أساسي، تسعى من خلاله قوى العالم المسيطر (صناع القرار في العالم) للسيطرة على الوعي الجمعي، والهيمنة على العقول السليمة بفطرتها بإدخال مفردات وعناوين تتناقض مع المنظومة الطبيعية كليا، وتعمل على خلق مجتمعات مشوهة، وضعيفة ومربكة ومستسلمة، يعني مجتمعات شاذة فكريا وانسانيا وعاجزة عن تحقيق طموحها بالابتكار والتفوق والقدرة.
احترام الاختلاف، فهم التغيرات.. كلها كلمات فضفاضة تنثرها المنصات والمواقع والإعلانات، التي تصل للمتلقي خصوصا من الأطفال والشباب بعمر المراهقة بسهولة، وهم يلعبون على هواتفهم أو خلال تصفحهم “يوتيوب” أو حتى القنوات التلفزيونية للأطفال، التي دخلت هي الأخرى سباقا لإثبات ولائها لتلك الأفكار التي يُتهم رافضوها بأنهم مذنبون.
الأمر ليس فقط في دعم القضايا الجنسية في أعمال مثل غامبول وبن تن وأبطال التايتنز ووقت المغامرة وريك أند مورتن… وغيرها الكثير، لكن أيضا في إيصال رسائل أخرى حول معتقدات وأفكار غير مناسبة لمجتمعاتنا مثل التركيز على فكرة “الطبيعة الأم”، وأنها السبب في كل شيء وفي خلق كل شيء، مثل كارتون “السنافر” الشهير، فضلا عن انتشار ظهور شخصيات بلهاء وغبية بشكل زائد يتعلق بها الأطفال لأنها مضحكة.
أحدهم سيقول ما ضرر ظهور ألوان قوس قزح أو قبلات في ثوان معدودة أو رسائل مبطنة وليست مباشرة عن أي شيء، قد لا يلاحظها الطفل أساسا ولا يفهمها لو سألته عنها.. حسنا إليك ما أثبته بعض العلماء والباحثون في معهد ماكس بلانك حين قالوا” أن قراراتنا تصنع في عقلنا اللاواعي 7 ثوانٍ قبل أن نصبح مدركين لها بعقلنا الواعي”، ففي الدراسة أعطي المشاركون الحرية الكاملة في استخدام اليد اليمنى أو اليسرى للضغط على زر أمامهم، وعليهم أن يُشعِروا الباحثين في اللحظة التي قرروا فيها أي يد سيستخدمون، وبمساعدة أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفية استطاع الباحثون أن يحددوا وبكل دقة أي يد سيستخدمها المشارك قبل أن يقرر هو ذاته في عقله الواعي أي يد سيضغط بها على الزر.
يشرح البروفيسور بروس ليبتون عالم الأحياء البيولوجية في ستانفورد، عمل العقل اللاواعي بأنه أشبه ما يكون بكمبيوتر عظيم محمل ببنك معلومات من التصرفات والسلوكيات المبرمجة، والتي تم اكتسابها وتحصيل معظمها في السنوات الأولى من حياتنا، ويتحدث عن عقلين منفصلين؛ أحدهما العقل الواعي الذي يفكر بحرية ويكوّن أفكارا جديدة خارج الصندوق، ومسؤول عن الأعمال التي تحتاج المنطق والحساب، والآخر هو العقل اللاواعي الذي لا يستطيع الخروج عن برمجته المحددة فهو يتفاعل ويستجيب ويكون رد فعله المبرمج أوتوماتيكيا وتلقائيا بناء على ردود الفعل السلوكية المخزنة سابقا (خاصة مرحلة الطفولة)، وتعمل بدون علم أو سيطرة من العقل الواعي، فهو أقوى وأسرع بكثير منه، وهو الذي ينظم ويشكل طريقة حياتنا.
من هذا المنطلق، يبين العلماء أن 95% إلى 99% من قراراتنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا وعواطفنا وانفعالاتنا تعتمد على نشاط الدماغ في العقل اللاواعي، فهو يتحكم في سرعة دقات القلب وسرعة التنفس وكل الوظائف اللاإرادية في الإنسان.
باختصار ما يخزنه الطفل بوعي أو بدون وعي في مرحلة الطفولة هو ما يؤثر بقوة على اختياراته وقناعاته مستقبلا، لذلك من الضروري الادراك لكل ما يتلقاه الطفل من رسائل وأفكار في هذه المرحلة، حتى لا يسقط في فخاخ الميديا المشوهة ومشاريعها المدسوسة.
مرحلة الطفولة ھي حجر الأساس في بناء العقيدة، حیث یولد الطفل على الفطرة سھل الانقياد سريع التأثر، یستطیعُ المربي توجیھ كيفما أراد، فالطفل یتشرب عقائده من الجو المحيط به تشربا تلقائيا. كما أنّ أغلب أفلام وبرامج الرسوم المتحركة الوافدة الموجھة للأطفال تحاول أن تفرض مفاھیم ثقافية ومصطلحات جديدة علیھم، من خلال الإيحاءات والدلالات الاتصالية التي یستقبلھا العقل الباطن للطفل، وذلك لتغییر المفاھیم الثقافیة التي تعلمھا الطفل في المجتمع العربي. لذ كان من الضروري الكشف عن المضامين والدلالات الإيحائية والرموز في بعض افلام الرسوم المتحركة.
هناك دور خطير وھام تلعبه الرسوم المتحركة في حیاة الناشئة، فمحاكاة الطفل لشخصيات الكرتون قد تسبب أثارا معنوية وجسدية خطيرة علیه وعلى أقرانه. وكذلك توظيف عنصر الاثارة والتشويق، إضافة الى عنصر الطرافة في المكان المناسب، وكذلك مزج الواقع ببعض الخیال من خلال اختراعات وتخیل الأهداف وكیفیة تحقیقھا، ثم ترجمتها في الواقع.
مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير