منذ عام 2008 بدأت أوكرانيا أولى خطوات سعيها العلني نحو عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعلى هذا الطريق صبّت كثيرا من جهود الإصلاح وتطبيق المعايير المطلوبة، ورسمت أهم السياسات التي كان أبرزها تعديلا دستوريا أُقر في 2019 جعل عضوية الحلف “وجهة إستراتيجية” للبلاد.
لكن حرب روسيا على أوكرانيا في 2022 بدّدت سريعا -وفي أسابيعها الأولى- حلم العضوية، لدرجة أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استبعدها تماما، ولمح إلى إمكانية عودة بلاده إلى صفة “الحياد” التي كانت عليها.
استياء بسبب “التمييز والخوف”
لم تفلح تلميحات التخلي عن مساعي عضوية الناتو في إقناع روسيا بوقف الحرب، واليوم يعاد طرح هذا الموضوع في الأوساط السياسية والشعبية الأوكرانية مع شيء من الاستياء، لا سيما بعد تقدم فنلندا والسويد بطلب عضوية الحلف.
ويستند هذا الاستياء إلى حقيقة أن جهود 14 سنة من مساعي أوكرانيا في هذا الصدد تبخّرت، في حين ترحب معظم دول الحلف بطلب عضوية فنلندا والسويد، الذي بدأ قبل أسابيع قليلة فقط.
يقول المحلل السياسي الأوكراني أوليكساندر بالي إنه “ما كان لهذا التمييز أن يكون لولا الخوف من روسيا”. في إشارة إلى رفض عضوية أوكرانيا المتكرر خشية الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا.
ويتابع -في حديث مع الجزيرة نت- أن “العديد من دول الناتو استندت إلى خوف غير مبرر، رغم أن الصداقة أسوأ من الحرب مع روسيا، لأنها تقضي على المستقبل”، على حد قوله.
وحسب المحلل، فإن حرب أوكرانيا أثبتت أن روسيا أضعف من أن تقارن بقوة الاتحاد السوفياتي الذي كانت أوكرانيا من أهم مكونات قوته، ولكنها عدوانية، وهذا من الأسباب التي دفعت فنلندا والسويد إلى طلب العضوية، ودفعت الناتو للترحيب.
قرار “جيوسياسي” تحكمه الظروف
لكن آخرين في أوكرانيا يرفضون تماما هذا الطرح، ولا يرون أي منطق في مقارنة مساعيها مع مساعي فنلندا والسويد؛ إذ يقول المحلل السياسي فيكتور تاران إنه لا يصح تناول عضوية هاتين الدولتين باستياء وعتاب؛ “فقرار العضوية في كل من الناتو والاتحاد الأوروبي كان -ولا يزال- جيوسياسيا قبل أي سبب أو عوامل أخرى”.
ويضيف أن “لكل بلد ظروفا وواقعا، وهي ما دفعت فنلندا والسويد نحو عضوية سريعة على ما يبدو، لكنها كانت في مرحلة ما صعبة على دول أخرى في الحلف، ومنها حتى تركيا؛ ثاني أكبر أعضائه من حيث الجيوش بعد الولايات المتحدة”.
ويقول تاران إن المعايير في فنلندا والسويد أوروبية أطلسية، حتى قبل العضوية، لكن أوكرانيا -على مدار السنوات الماضية- لم تطبق إلا 43% من معايير الناتو المطلوبة لعضويته بسبب فترة حكم الرئيس يانوكوفيتش (بين 2010 وبداية 2014)، التي أجهضت جهود الأعوام التي سبقتها، “وعمليا بدأنا من الصفر بعدها”.
وبنظرة متفائلة، يتابع المحلل السياسي تاران حديثه عن 3 عوامل خارجية توفّرت لعضوية الناتو في أوكرانيا اليوم أكثر من أي وقت مضى، وهناك أخرى عليها تطبيقها داخليا.
ويقول إن “عضوية أوكرانيا يجب أن تحظى بقبول شعبي في دول الحلف، وحاجة ماسة إليها فيه، والمعايير التي يجب الارتقاء إليها”.
وحسب المحلل فإن “الغرب عموما ينظر اليوم إلى أوكرانيا كدرع تحميه بشجاعة وكفاءة، ويدعم -على سبيل المثال- عضويته في الاتحاد الأوروبي كما لم يفعل من قبل، وأعتقد أنه سيفعل الشيء ذاته إذا أبدت كييف رغبة جديدة في عضوية الناتو”.
ومع تلميح أميركي بأن فرص العضوية باقية، وأبواب الحلف ستبقى مفتوحة أمام أوكرانيا، يعتقد تاران أن “على سلطات أوكرانيا أن تعيد النظر في خطواتها، وتصيغ “ببلاغة وعملية مقنعة” خطة جديدة على طريق الحلف”.
صفوان جولاق – الجزيرة نت