الحقول الدلالية لتسمية العمليات العسكرية الإسرائيلية

تعتبر التسميات التي تطلق على العمليات العسكرية أمرًا شائعًا حول العالم، إلا أنها تبرز بشكل لافت لدى العمليات العسكرية والحروب التي يشنها الكيان المؤقت في منطقة شرق آسيا والتي بلغت 76 عملية منذ العام 1948 حتى اليوم.

تعتبر نظرية التأطير من أهم نظريات التأثير الإعلامي والاجتماعي منذ سبعينات القرن الماضي[1]، وهي تقنية لتحويل أنظار الجمهور من فكرة معيّنة إلى أخرى وحصرها في إطار معيّن، وتعتبر من أخطر النظريات في صناعة الرأي. هناك الكثير من القواسم المشتركة بين فعل التسمية والتأطير، بل إن التسمية، خاصة في مجالات التسمية السياسية والعسكرية، هي التجلي الأول لعملية التأطير. ثمة ما يسمى أيضًا “تأطير الإبادة” أو “التسمية المدمرة”، وهي نوع من التأطير يهدف إلى القضاء بشكل رمزي على الأحداث أو الأشياء عن طريق طمس أو حتى منع التعرف على سماتها غير المرغوب فيها، مثل التكاليف البشرية والاقتصادية المرتبطة بالعمليات العسكرية الدموية وصرف النظر عنها.

تعمل التسميات- الإطارات على توجيه ردود فعل الجمهور، من خلال تنشيط الارتباطات بين الدلالات والرمزيات من جهة وبين المفاهيم المخزنة لدى الجمهور من جهة أخرى. وعندما يتم وضع الممارسات العسكرية داخلها، مثل إعطاء الحروب والأسلحة أسماء رمزية فعالة في الفضاء المعنوي المجتمعي، فإنها ستكون بمثابة الرابط الذي سيؤمن التغطية الشرعية والمقبولية من الجمهور، وتعتبر أحد أشكال التسويق العسكري.

الواقع أن أفضل إطار لتحييد الخصائص غير المرغوب فيها لأية قضية هو الإطار الأيديولوجي، خاصة في المجتمع اليهودي القائم على الأيديولوجيا الصهيونية أولًا وعلى كثرة الحروب ثانيًا. في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، خاض الكيان الصهيوني المؤقت حروبًا أكثر من أي ما يسمونه “ديموقراطية” أخرى. ويستخدم الأسماء القادمة من الطبيعة والتوراة لتسمية هذه الحروب المثيرة للجدل والتي غالبًا ما تثير معارضة داخل الكيان، ولتسمية الأسلحة أيضًا. خاصة وأن القوة التلاعبية للمصطلحات والمفاهيم هي محلّ التركيز اليوم في الممارسات العسكرية والسياسية، مثل “الحرب على الإرهاب” و”الحرب الوقائية” و”الضربة الجراحية” surgical strike، وتسميات أخرى. يعرّف التلاعب على أنه هيمنة غير مشروعة على العقل لتشكيل نماذج عقلية متحيزة.  

والعمليات العسكرية هي أنشطة القوة العسكرية التي تقوم بها القوات المسلحة وتتخذ أشكالًا متعددة، كالضربات الخاطفة والسريعة، أو الاشتباكات، أو الحروب القصيرة منها والطويلة. تتسم العمليات العسكرية الإسرائيلية -وبحسب العقيدة الدفاعية لجيش الدفاع الإسرائيلي، بأنها عمليات هجومية لأهداف استراتيجية، اتخذت مع الوقت المنحى الهجومي كردة فعل كما سنلاحظ في هذه الدراسة.

الكلمات المفتاحية:

العمليات العسكرية – جيش الدفاع الإسرائيلي – التأطير الإعلامي – الاستراتيجيات الخطابية – التسمية – المصطلحات -الحرب على غزة – حروب هجومية – حروب دفاعية.

الاستراتيجيات الخطابية

الواقع أن الحديث عن التسمية العسكرية كشكل من أشكال التسويق العسكري مرتبط بنيويًا بالبعد الأيديولوجي. في كتابه “الأيديولوجيا والثقافة الحديثة”[2]، يرى جون ثومبسون[3] في تعريف الأيديولوجيا، أنها “المعنى في خدمة القوة”. ويقترح في تفسير الأيديولوجيا على أنها “الكشف عن الصلة بين المعنى المعبأ بالأشكال الرمزية وعلاقات الهيمنة التي يعمل هذا المعنى للحفاظ عليها”.

يشير ثومبسون أيضًا إلى أن دراسة الأيديولوجيا هي بمثابة فتح تحقيق بالطرق التي تم فيها بناء المعنى ونقله من خلال عدة أشكال رمزية، من الشعارات اليومية إلى الصور المعقدة والنصوص. وفيما يلي عرض لثلاث استراتيجيات خاصة في بناء التسمية:

إضفاء الطبيعية: بعض الأسماء تتيح خلق علاقات بين ما هو اجتماعي وتاريخي ومن ثمّ التعامل معها على أنها حدث طبيعي أو حاصل محتوم من الخصائص الطبيعية. هذه الأسماء تقلل من شأن الإرادة البشرية فيما يتعلق ببدء أو استمرار الممارسات العسكرية.

تجميل الحقائق: يمكن للأسماء أن تقدّم القضايا على أنها إيجابية بينما تطمس جوانبها القاتمة القبيحة. فيما يتعلق بالأعمال العسكرية، فإن تجميل الحقائق أو التلطيف يصرف الانتباه عن عواقبها، مثل الموت والاضطراب.

إضفاء الشرعية: قد تقدم التسميات تحفيزًا للممارسات العسكرية من خلال تمثيلها على أنها شرعية، أي أنها عادلة وجديرة بالدعم. الإضافة التي تقدمها الشرعية على القضايا هي الإنصاف، واللياقة، وحتى الربح المالي مع طمس الاستخدام غير المناسب للسلطة أو المال.

الحقول الدلالية المهيمنة

بالنظر إلى التسميات وتتبعها بالنسبة إلى الثقافة والأيديولوجيا الإسرائيلية يمكن ملاحظة نوعين من الدلالات المهيمنة عليها، وهي: الأشكال من الطبيعة، والمفاهيم من التوراة. ولدى إسقاطها على استراتيجيات التسمية أعلاه يمكن ملاحظة التالي بالنسبة لكل منهما:

الأشكال من الطبيعة:

إعطاء أسماء من الطبيعة للعمليات العسكرية تحول الممارسة العسكرية إلى ظاهرة طبيعية ومشتركة، كما لو أنها جزء أساسي من سلسلة الأحداث الطبيعية. مثلًا: عملية “أول الغيث” في 2005 عل إثر إطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة. تعطي هذه التسمية انطباع أن هذه العملية هي جزء من دورة الحياة بالإضافة إلى كل ما تحمله عملية سقوط المطر لأول مرة من رمزيات توحي بالأمل والمستقبل الزاهر، كما الفصول. وعملية “أمطار الصيف” في حزيران 2006 على إثر أسر جلعاد شاليط. هذه التسمية تعبر عن قوة ما يسمونه جيش الدفاع الإسرائيلي القادر على جعل الطبيعة تمطر صيفًا كأمر محتوم من أجل “حق الانتقام”.

إلى ذلك، فإن الطبيعة كحقل دلالي توفر إحالات لانهائية للجمال، والظواهر المبهرة. مثل عملية “قوس قزح” عام 2004، و”رحلة الألوان” عام 2002. هذه الأسماء تعود إلى أشياء جمالية، وظواهر مؤثرة بصريًا، يمكن أن تقدم طابعًا إيجابيًا فقط، وهذا يكفي بالنسبة للمتلقي الإسرائيلي، أما بالنسبة للمتلقي الذي تشنّ عليه الحرب، فتقدم له الاستفزاز النفسي الناتج عن التناقض بين الاسم والمسمى، وكذلك الغموض وعدم التأكد.

الجدير ذكره هو ربط القوة الموجودة في الطبيعة بأسماء المركبات والمدرعات مثل المدرعة “بوما” وهو حيوان قوي وسريع ومطارد، فتكتسب خصائص الحيوان التي تشكل قوة بشكل استثنائي. بالإضافة إلى أسماء أخرى تطلق على الأسلحة المصنوعة إسرائيليًا مثل: البرق، النحلة، الشبل الصغير، الكاسر، النمر، النسر.

بالإضافة إلى “الحديد البرتقالي” عام 2004، والذي انقلب “الحديد البنفسجي” عام 2006، للدلالة على حماوة القبضة الحديدية التي يمسكون بها، مع الإشارة إلى أن اللون البنفسجي في التوراة يرمز إلى زمن المجيء وزمن الصوم الكبير كعلامة على الاستعداد، التكفير عن الذنب، التضحية والتحضير[4].

حرب لبنان الأولى عام 1983 سميت أيضًا بعملية “الثلج” Operation Snow، وهذه التسمية هي مثال على إضفاء الطبيعية وتجميل الحقائق معًا، يعطي اللون الأبيض للثلج انطباعًا بالنظافة والنقاء، واستخدام هذه التسمية في الخطاب الإسرائيلي هو لإقصاء الصورة الموازية للحرب وظروفها الصعبة، حيث قتل 670 جندي إسرائيلي وحوالي 18 ألف بين لبناني وفلسطيني، وكان من المتوقع لهذه العملية أن تكون “نزهة”، يحتلون فيها لبنان بوقت يشبه بسرعة وقت ذوبان نفنافة الثلج.

يمكن القول إنالتماثل بين الممارسات العسكرية والطبيعة يعطي انطباعًا بحتمية الأحداث وبالتالي إضفاء الشرعية، وهي غالبًا عملية تقدم طبيعي لا يمكن التحكم بها نسبة إلى قوانين الطبيعة. هذه الأسماء تجعل رؤية الحقائق وجوهر الأحداث مغبشة، في صناعة الرأي الواعي، وتُقصي الأسئلة المتعلقة بالإرادة الإنسانية والمسؤولية. هذا الربط يساعد جدًا في التخفيف من تحمل مسؤولية القتلى والجرحى والخسائر الاقتصادية. عملية “حقل الأشواك” عام 2008، بدأها الإسرائيليون بهدف “ضرورة التخلص من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ووقف الصواريخ التي تنطلق من هناك”[5]، وبالتالي التخلص من نفوذ المقاومة في غزة كجزء من المناطق الفلسطينية الذاتية، واعتبار القطاع “مصنع للإرهاب” بكل المعايير، وبالتالي تصويره على أنه “حقل أشواك” يجب التخلص منه هو تصوير مستمد من الطبيعة التي لا تتناسب مع الحياة المتحضرة الإنسانية، فيتحتم عليهم إبادته، مهما كلف الثمن، وبالتالي إضفاء الشرعية على كل ما يمكن أن يعانيه المستوطنون من خسائر، من خلال إعطائه بعدًا حتميًا. وكذلك عملية “السور الواقي” عام 2002، للدلالة على حتمية اجتياح مدن الضفة بهدف حماية المستوطنات الإسرائيلية.

المفاهيم من التوراة

قبل أن نعاين التسميات التوراتية، من المهم معرفة أن معظم المستوطنين الإسرائيليين، المتدينين والعلمانيين، لديهم معرفة بالعهد القديم، وهم قد تلقوا تعاليم التوراة على الأقل لمدة 10 سنوات بدءً من الحضانة، وتم اختبارهم بهذه المادة على المستوى الرسمي[6].  وهو الأمر الذي يسمح لكافة أطياف المجتمع الإسرائيلي بفهم الحقل الدلالي للتسميات الأيديولوجية بكل وضوح، في حين ستتلقاها الفئة التي تشنّ عليها العملية العسكرية بالشعور بالغموض، وهو أمر يخدم العدو بكل الأحوال، خاصة وأن الغموض يترافق مع الرهبة.

يتم توظيف الأسماء التوراتية بشكل واسع بهدف تلطيف الأحداث وتجميل الحقائق، خاصة وأن التوراة مليء بالرمزيات ذات القيم والتوجهات الإيجابية. عملية “يوآف” Operation Yoav، هي عملية عسكرية نفذت خلال حرب أكتوبر عام 1948، يوآف في التوراة كان قائد جيش النبي داوود، وأطلق هذا الاسم على قائد هذه العملية. ثمة سلاح صاروخي أيضًا أطلق عليه اسم “جبرائيل” الذي سيعطي هالة إشراقية لهذا الصاروخ.

أيضًا تقدم الأسماء التوراتية شرعية للممارسات العسكرية، عملية “عامود السحاب” عام 2012، بحسب التوراة، “كان الرب يسير أمامهم نهارا في عامود سحاب ليهديهم في الطريق”[7]، إذًا، ترمز هذه العملية لتسديد الله لشعبه وقيادته لهذه الحرب وحمايته لهم، وبالتالي إضفاء الشرعية الكاملة عليها، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت كانت تعاني من أزمات داخلية اقتصادية واجتماعية وأمنية، لا تتحمل معها تكاليف الحرب[8].

أما الأكثر إثارة في مركزية الحقول الدلالية، فهي أن هذه التسميات تمزج بين إضفاء الشرعية مع إضفاء الطبيعية. فالأسماء التوراتية تثبّت وتركز الاعتقاد بالحق التاريخي الديني لإسرائيل بأرض الميعاد. فتضفي الشرعية على الممارسات العسكرية الحالية لحماية الحق “الطبيعي”، من خلال تمثيل هذه العمليات على أنها استمرارية للحملات التوراتية. فتصور استخدام القوة كجزء من المخطط الطبيعي للأشياء، وللقدر بعيدًا عن أنها مسألة إرادة إنسانية بتخطيط مسبق.

عملية “قوس قزح” عام 2004، وهي عملية توغل إسرائيلي قصير المدى في قطاع غزة، بهدف كشف مواقع الأنفاق بين غزة ومصر. هذا الاسم -قوس قزح- هو بالدرجة الأولى مستمد من الحقل الدلالي للطبيعة ويمزج بين استراتيجيات التسمية الثلاثة: إضفاء الطبيعية وإضفاء الشرعية وكذلك تجميل الحقائق، فهو يستدعي المعنى الجمالي الذي يضفي الإيجابية، وفي نفس الوقت سيستدعي لدى الإسرائيليين قصة قوس النبي نوح في التوراة الذي خرج منه أهله وبشّرهم بالولادة الجديدة[9]، الأمر الذي يضفي الشرعية لوضع العملية العسكرية على أنها عمل دفاعي يهدف لحماية “الشعب المختار” أي “الإسرائيليين” من خطايا الآخرين أي الفلسطينيين باعتبارهم إرهابيين يستخدمون هذه الأنفاق لتمرير السلاح. يرمز قوس القزح في التوراة إلى الوعد الإلهي للنبي نوح بعدم إنزال هكذا نوع من العقاب على العالم مرة أخرى.

بين الهجوم والدفاع

تعتبر العقيدة الإسرائيلية في الحروب أنها هجومية في إطار دفاعي، اتفق عليها واضعو الاستراتيجية العسكرية منذ نشأة الكيان، وهي تعتمد سبعة مبادئ أساسية، الهجوم، إحراز نصر حاسم، تقليل الخسائر البشرية، المبادرة بالضربة الأولى، وشن ضربة وقائية مسبقة، والحرب الخاطفة، ونقل المعركة لأرض العدو. وبالتالي يُستخدم الهجوم على المستوى العملياتي لتحقيق الشق الدفاعي استراتيجيًا[10].

والدفاع عمومًا، بما في ذلك الدفاع الاستراتيجي، ليس مجرد حالة انتظار وتصدي مطلقتان، فهو متشابك وبقوة مع عناصر هجومية بحتة تقريبًا، والهجوم ليس كلًا متجانسًا بذاته، إذ يمتزج وبشكل دائم مع الدفاع. فلا يمكن إكمال الهجوم بتحرّك متصل واحد، إذ لا بدّ من فترات راحة يصبح الهجوم خلالها مشلولًا والدفاع هو المتحكم. كما أن المنطقة التي تترك خلف القطعات، المتقدمة، لن يوفر لها الهجوم الحماية تلقائيًا ولا بدّ لها من حماية دفاعية. إذن العمل الهجومي وبالأخص الاستراتيجي، هو تناوب متواصل من التعرض والدفاع[11].

تأثير تعاظم قوة المقاومة على المبدأ الهجومي:

تتأثر العمليات العسكرية الهجومية التي خاضها الكيان نتيجة تزايد دور الصواريخ كلما تقدمت المعارك، وقد بدأ هذا التأثر منذ حرب أكتوبر 1973، إذ كان لاستخدام مصر وسوريا للصواريخ المضادة للطائرات، والمضادة للدبابات، وصواريخ أرض/أرض، تأثيرًا كبيرًا على المبدأ الهجومي الإسرائيلي. فقد قللت من فاعلية القوات الجوية الإسرائيلية، وأضرّت بقدرة المدرعات الإسرائيلية وأضعفت من نظرية الحدود الآمنة[12]. واستمر هذا التأثير بالتعاظم مع تطور القدرات العسكرية للمقاومة.

يعتقد الإسرائيليون أن الهجوم يمكّنهم من تحقيق السيطرة على مسرح العمليات، لأنه يحقق حرية الحركة وسهولة المناورة بالقوات من مكان لآخر، الأمر الذي يجعل من السهل استغلال التفوق النوعي والتكنولوجي الإسرائيلي، وتشكل تلك العقيدة أحد الأساليب الإسرائيلية للتحكم في مدة الحرب وإنهائها، حتى لا تستنزفها، وهو طابع العمليات الدفاعية بصفة عامة. والملاحظ أن أشد المؤيدين للأسلوب الدفاعي، لا يسعهم إلا الإقرار بأهمية الأسلوب الهجومي، كما يؤكد الجنرال ديفيد عازار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر إذ قال: “على الرغم من أن حرب أكتوبر أثبتت مجددًا، أن الدفاع شكل قوي من أشكال المعركة، إذ يمكن لقوات متواضعة المستوى أن توقف هجوم قوات أكثر منها تفوقًا، غير أن هذا الدرس لا يغير الحقيقة الثابتة من أن الحرب لا يمكن كسبها بالدفاع، وأنه لا بديل عن الالتزام بالهجوم، إذا أردنا النصر، وبأسرع ما يمكن”[13].

يمكن القول إنه في ظل التغيرات العالمية والإقليمية والتطور التقني في نظم التسليح لكلا الجانبين الإسرائيلي والمقاومة، استمرت العمليات الهجومية لكن أسبابها الدفاعية ازدادت زخمًا وحدّة. على أن الأسباب الدفاعية تنقسم إلى قسمين: منها أحداث مباشرة مثل عمليات يؤخذ قرارها بشكل سريع للرد على عمليات عسكرية للمقاومة، ومنها ما يتم التخطيط له على مستوى استراتيجي مثل حرب تموز للتخلص نهائيًا من حزب الله عام 2006 وعملية حقل الأشواك للتخلص نهائيًا من حركة حماس عام 2008. فشل الإسرائيليون في هاتين العمليتين، والملاحظ أن كل الحروب التي شنها الكيان بعد هاتين الحربين كان يسبقها تصعيد من قبل المقاومة، سواء على مستوى الصواريخ القادمة من غزة، أو على مستوى العمليات المنفردة التي تحصل في أراضي 1948، وكانت العمليات العسكرية تأتي في إطار ردة الفعل المباشرة.

ويمكن تعريف السببين على الشكل التالي:

“ردة الفعل”: عمليات عسكرية تأتي في إطار وقف الهجمات الصاروخية على أهداف إسرائيلية، أو ضبط تصعيد في القدس وأراضي 1948.

“الهدف الاستراتيجي”: عمليات عسكرية يقوم بها الإسرائيليون للقضاء على حركات المقاومة، تعطيل القدرات، أو الإضعاف والإجهاد والاستنزاف.

الحقول الدلالية للتسميات على أساس السبب الدفاعي:

في الجدول التالي فرز لأبرز العمليات العسكرية على أساس السبب الدفاعي، وتم اختيارها على أساس حدّتها ومدتها ونسبة الخسائر العالية فيها نسبة للعمليات الأخرى:

اسم العمليةالتاريخالحقل الدلاليالسبب
كرة الثلج / حرب لبنان الأولى1982طبيعةاستراتيجي
عناقيد الغضب/ حرب نيسان1996طبيعةاستراتيجي
الدرع الواقي2002توراتيةردة فعل
قوس قزح2004طبيعية وتوراتيةاستراتيجي
أيام الندم2004توراتيةاستراتيجي
أمطار الصيف2006طبيعيردة فعل
الشتاء الساخن2008طبيعيردة فعل
الرصاص المصبوب2008طبيعياستراتيجي
حقل الأشواك2008طبيعياستراتيجي
عامود السحاب2012توراتيردة فعل على ردة فعل
الجرف الصامد2014توراتيردة فعل
حارس الأسوار2021توراتيردة فعل

استنتاج:

تفترض استراتيجيات التسمية الثلاثة: إضفاء الطبيعية وإضفاء الشرعية وتجميل الحقائق، تأثيرات سياسية وسيكولوجية على الرأي العام من جهة، وتعكس الحالة السياسية والسيكولوجية للممارسات الحكومية والعسكرية من جهة أخرى.

وتفترض استراتيجية تطبيع الممارسات العسكرية من خلال التسميات الحالمة والعوامل المريحة في الطبيعة حالة من القوة النفسية لدى العدو والثقة العالية بتحقيق الأهداف، فيما تنعكس على المتلقي الإسرائيلي حالة من الاطمئنان الذي يدعو إلى المؤازرة والإيجابية، أما على المتلقي العربي فتنعكس استفزازًا وإحباط. وتفترض استراتيجية تجميل الحقائق حالة من التأطير للتغطية على ثغرات أو صرف الانتباه عن مشاكل بنيوية معينة تؤكد حالة من التخبّط والمجازفة، فيما تنعكس على المتلقي الإسرائيلي حالة من الاطمئنان بسبب القدرة التلاعبية للتأطير، فيما تنعكس على المتلقي العربي إما غموضًا يستبطن الرهبة وإما تهديد. وأخيرًا تؤدي استراتيجية إضفاء الشرعية دور جعل ما هو غير مناسب مناسبًا، فتعكس حالة من المجازفة لا يعرف عنها المتلقي الإسرائيلي شيئًا سوى أنها حتمية طبيعية أو امتداد للحملات التوراتية، فيما تنعكس على المتلقي العربي أيضًا ما يستبطن التهديد.

إلى ذلك، فالملاحظ أن العمليات العسكرية والحروب التي شنّها الكيان الصهيوني المؤقت في مراحله المبكرة من التأسيس كانت تحمل أسماء مستوحاة من الطبيعة بشكل صرف، أو مستوحاة من الطبيعة وتملك عمقًا توراتيًا في نفس الوقت، والملاحظة الأبرز أن الحروب بهذه التسميات كانت حروبًا هجومية في إطار الهدف الاستراتيجي مثل، القضاء على حركات المقاومة أو تعطيل قدراتها أو إضعافها، نستنتج أن الحروب بالتسميات الطبيعية كانت بأغلبها هجومية. أما في المراحل اللاحقة والمتقدمة، فقد بدأت التسميات تحمل الرمزيات التوراتية، والملاحظ أنها جاءت كردود فعل على القوة المتعاظمة للمقاومة، وكانت نتائجها تراكم فشل هذه العمليات، وتصبح مع الوقت دفاعية بزخم أكبر، وهكذا نستنتج أن التسميات التوراتية بأغلبها أطلقت على العمليات العسكرية في إطار ردود الفعل المباشرة لوقف هجمات صاروخية أو ضبط تصعيد، ونستنتج أيضًا بحسب التسلسل الزمني لهذه العمليات، أن معارك الكيان المؤقت بدأت هجومية بطابع دفاعي استراتيجي، وانتهت حتى اليوم بطابع دفاعي على أساس ردود الأفعال. وهذا الأمر يترجم على أنه تراجع وتقهقر في العقيدة العسكرية.


[1] للمزيد أنظر: Framing Methodology: A Critical Review

[2] Ideology and Modern Culture

[3]  عالم اجتماع بريطاني من جامعة كامبريدج.

[4] الى ماذا ترمز الألوان في الثوب الكهنوتي وما علاقتها بالأزمنة الليتورجية؟

[5] الجزيرة، إسرائيل تدفع قطاع غزة إلى “حقل الأشواك”

[6] Anita Shapira, The Bible and Israeli Identity, Cambridge University Press,2004.

https://www.jstor.org/stable/4131508

[7]  سفر الخروج 13: 21

[8] الجزيرة، العدوان على غزة.. الدوافع والمآلات

[9] Bible Gateway: Genesis 9

[10] أنظر نظرية الأمن الإسرائيلي: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Askria6/AmanIsrael/index.htm

[11] كارفون كلاووفيتز، عن الحرب، ترجمة سليم شاكر الإمامي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1997.

[12] نظرية الأمن الإسرائيلي، مرجع سابق.

[13] نظرية الأمن الإسرائيلي مرجع سابق.

مركز الاتحاد للابحاث والتطوير

اساسياسرائيل