استعرض مقال بموقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني المحاولات المستمرة للسيطرة على المقدسات الإسلامية، سواء في القدس أو الخليل أو نابلس، ووصفها بأنها تتواصل على قدم وساق، مشيرا إلى إن المقاومة الفلسطينية “الباسلة” مستمرة ضدها أيضا.
وقال كاتب المقال جوزيف مسعد، أستاذ التاريخ السياسي والثقافي العربي بجامعة كولومبيا الأميركية، إن الإسرائيليين بينما كانوا يحاصرون مؤيديهم من القادة العرب الشهر الماضي، سواء الحكومة الأردنية للضغط على السلطة الفلسطينية لقمع أي انتفاضة محتملة في شهر رمضان الحالي، أو الحكومة المصرية لتحذير حركة “حماس” من التعامل مع إسرائيل باعتبار أنها تقمع فلسطينيي الضفة الغربية والقدس الشرقية، فقد يشهد الأسبوعان المقبلان تعثر مثل هذه المخططات.
وأكد مسعد أن المقاومة والانتفاضات الفلسطينية ضد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بدأت منذ وصول المستعمرين اليهود أول مرة في ثمانينيات القرن الـ19، مضيفًا أن إسرائيل يمكنها دعوة أي قادة عرب تريد مساعدتهم في قمع الاحتجاج الفلسطيني، ولكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الفلسطينيين سيتوقفون عن المقاومة ما دام الاستعمار الاستيطاني الصهيوني قائمًا.
تحريم ديني
واستعرض مسعد المحاولات الإسرائيلية للسيطرة على المقدسات الفلسطينية، قائلا إنه بعد احتلال الإسرائيليين للقدس الشرقية عام 1967 قرر وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، موشيه ديان، السماح للأوقاف الفلسطينية التي تحولت إلى أردنية، والتي كانت تدير دائمًا الحرم الشريف، أو ما يسميه اليهود بـ”جبل الهيكل”، بمواصلة إدارته.
وأصدر كبار الحاخامات الأشكناز والسفارديم في “إسرائيل”، جنبًا إلى جنب مع مئات الحاخامات الآخرين، حكمًا هالاخيا، أي حكمًا شرعيًا يهوديًا، بمنع اليهود من دخول المنطقة، فضلًا عن الصلاة هناك، بسبب “نجاسة” جميع اليهود بعد هدم “الهيكل الثاني”.
حتى الحاخامات الأصوليون، أتباع الحاخام المتعصب تسفي يهودا كوك، الذين أصبح العديد منهم مستوطنين دينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية بعد عام 1967، وافقوا على الحظر الديني.
ومع ذلك، فإن بعض الجماعات الصهيونية المتطرفة غير الدينية، بخاصة تلك المرتبطة بجماعة “ليحي” الإرهابية قبل قيام الدولة، جادلت بأن الحاخامات كانوا مخطئين وأن على اليهود بناء كنيس يهودي هناك. وفي عام 1969 أضرم متطرف مسيحي أسترالي النار في المسجد الأقصى واعتقله الإسرائيليون، بزعم أنه يعاني من مرض عقلي، وتم ترحيله بعد سنوات.
شلومو غورين
ومع ذلك، سيكون شلومو غورين حاخام الجيش الإسرائيلي -الذي سيصبح الحاخام الأشكنازي الرئيسي لـ”إسرائيل” في عام 1973- صاحب التأثير الأكبر في هذه المسألة. وجادل غورين بأن اليهود يمكنهم الزيارة والصلاة في مناطق المعبد القديم التي تم توسيعها في نهاية فترة الهيكل الثاني، وأن هذا لن يكون انتهاكًا للهالاخا (الشريعة).
وقال إن هناك أدلة على أن اليهود بنوا موقعًا دائمًا للصلاة على “الجبل” حتى القرن الـ16، وهو ادّعاء يعارضه المؤرخون.
وفي إطار حماسته للسماح لليهود بالوصول إلى الأضرحة الإسلامية، ادّعى غورين أن الحائط الغربي (حائط البراق) لم يكن موقعًا يهوديًا للصلاة حتى القرن الـ17 بسبب القيود العثمانية على العبادة اليهودية في أماكن أخرى في منطقة الحرم الشريف.
الوصول إلى المزارات الإسلامية
وفي عام 1994 كتب غورين لرئيس الوزراء إسحاق رابين أنه “لا يمكننا المطالبة بحقوق في حائط المبكى”، وأنه يجب السماح لليهود بالصلاة في جميع أنحاء منطقة “جبل الهيكل”.
وبدأ كبار الحاخامات في “إسرائيل” في الثمانينيات من القرن الماضي يجدون الفكرة مقبولة جزئيًا، واقترح حاخاماتها من السفارديم والأشكناز بناء كنيس يهودي في الزاوية الجنوبية الشرقية للمنطقة، خلف المسجد الأقصى، أي خارج منطقة الحرم، على الرغم من إصرار حاخام سفارديمي على أن الكنيس يجب أن يكون أعلى من المسجد.
في الواقع، لم يكن لجدار البراق نفسه، فضلًا عن الحرم الشريف، أهمية دينية مركزية كموقع صلاة لليهود قبل ظهور الصهيونية.
وفي حين سُمح لليهود الفلسطينيين بالصلاة هناك في العهد العثماني، كان المستعمرون الصهاينة والمتطرفون هم الذين بدؤوا يطالبون بالجدار، مما تسبب في عدد من المواجهات العنيفة مع المسلمين الفلسطينيين في عشرينيات القرن الماضي، بلغت ذروتها في أعمال عنف عام 1929 اجتاحت البلاد بأكملها، وقد أطلق عليها الفلسطينيون اسم “ثورة البراق” وقتل فيها أكثر من 200 يهودي وفلسطيني.
وفي عام 1986 قام 70 حاخامًا، دعاهم غورين، بإصدار أمر قضائي جديد سمح لليهود “بالدخول والصلاة في معظم منطقة الحرم القدسي”، وأنه يمكن بالفعل بناء كنيس يهودي هناك.
وبحلول عام 1990 أمر الحاخام لوبافيتشير مناحم شنيرسون أتباعه بإقامة احتفالات في الحرم، وفي هذه الأثناء كانت جماعة “مؤمنو جبل الهيكل”، التي أُسست عام 1967 بقيادة غيرشون سالومون، تخطط لوضع حجر الأساس لبناء “الهيكل الثالث” على أرض الحرم الشريف.
وسالومون هو قومي إسرائيلي ولم يكن متدينًا في ذلك الوقت، على الرغم من أنه يبدو أنه أصبح كذلك بحلول منتصف التسعينيات، كما يتضح من الأدب الديني القومي المتزايد لحركته وعلاقاتها المالية بالجماعات الأصولية المسيحية.
وتظاهر الفلسطينيون ضد مخططات “المؤمنين بجبل الهيكل”، وقتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 20 محتجًا فلسطينيًا وأصابت أكثر من 150، فأدى ذلك إلى صدور قرارين للأمم المتحدة يدين استخدام الحكومة الإسرائيلية للقوة ورفضها السماح للأمين العام للأمم المتحدة بزيارة الحرم الشريف.
ويقول الكاتب “يكفي القول إن المجزرة وما تلاها من ضجة دولية أجهضت مخططات الحاخام شنيرسون”.
عامل أوسلو
وكانت هناك جماعة صهيونية أكثر تطرفا تطالب بـ”الحق” اليهودي المزعوم في احتلال الحرم الشريف والصلاة فيه، وهي حركة “هاي فيكايام” التي يقودها يهودا عتصيون الذي كان والده عضوًا في جماعة “ليحي” الإرهابية. أمضى عتصيون 7 سنوات في السجون الإسرائيلية لعضويته في منظمة إرهابية يهودية في الثمانينيات سعت إلى تفجير قبة الصخرة.
كان عتصيون ومجموعته يصرون على الصلاة في الحرم، فأجبر ذلك الشرطة الإسرائيلية على إبعادهم، مما أدى إلى زيادة الدعم للحركة في المجتمع اليهودي الاستعماري الإسرائيلي سواء أكان دينيًا أم علمانيًا.
ومن بين الجماعات الأخرى التي تطرح ادعاءات مماثلة “يمين إسرائيل” و”كاخ” و”كهانا هاي” و”معهد المعبد” و”حركة إنشاء الهيكل” و”عطيرت كوهانيم” وغيرها.
وتم حشد العديد من هذه المجموعات بعد اتفاقيات أوسلو خوفًا من منح السلطة الفلسطينية سلطة على الحرم، وخاصة بعد اتفاقيات السلام الإسرائيلية الأردنية في 1994 التي تقضي باحترام إسرائيل “الدور الخاص للأردن” في العتبات الإسلامية المقدسة في القدس.
حاخامات يشع
وفي فبراير/شباط 1997 أصدرت لجنة حاخامات يشع، وهي مكون مركزي داخل الحركة الاستعمارية والدينية القومية الصهيونية، حكمًا يسمح للحاخامات الذين يعتقدون أن على اليهود الصلاة في الحرم بالقيام بذلك.
وفي غضون ذلك، شرع العديد من قضاة المحكمة العليا والسياسيون في دعوة الحكومة والحاخامية الرئيسة لرفع الحظر عن صلاة اليهود في الحرم، وتُوّجت هذه الجهود بالزيارة التي قام بها زعيم حزب الليكود، أرييل شارون، إلى الحرم الشريف في سبتمبر/أيلول 2000 مع شرطة مكافحة الشغب الإسرائيلية.
وتلا ذلك احتجاجات فلسطينية، قُتل فيها 4 فلسطينيين وجُرح العشرات، وأشعلت زيارة شارون الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وفي الأسبوع التالي قتلت إسرائيل 70 فلسطينيًا، وانتخب شارون رئيسًا لوزراء “إسرائيل” بعد 5 أشهر.
استمرار المقاومة
قبل عام 2003 بدأت الحكومة الإسرائيلية السماح لما لا يزيد عن 3 يهود متدينين بزيارة الحرم في وقت واحد، لكنها منذ ذلك الحين زادت هذا العدد على نحو مضطرد إلى أكثر من 50، وهي تفعل ذلك من دون موافقة سلطات الأوقاف الإسلامية.
وبحلول عام 2009 بعد إبداء ملاحظات عنصرية على الفلسطينيين، قام وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إسحاق أهارونفيتش، من حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني، بزيارة أخرى للحرم، واستمرت الاستفزازات الصهيونية والتدنيس، ففي سبتمبر/أيلول 2015 منعت الحكومة الإسرائيلية الفلسطينيين من دخول الحرم لإفساح المجال لليهود للذهاب للصلاة هناك.
واندلعت انتفاضة فلسطينية أطلقت خلالها الشرطة الإسرائيلية النار على عشرات الفلسطينيين. وفي حين منعت الحكومة الإسرائيلية أعضاء الكنيست من زيارة الحرم بعد الانتفاضة، رفع بنيامين نتنياهو الحظر في عام 2018.
وقال مسعد “في الواقع، لا تزال مسألة السماح لليهود بالدخول إلى الحرم الشريف، ناهيك عن الصلاة فيه، نقطة خلاف رئيسة في الأوساط الدينية اليهودية في “إسرائيل”، لدرجة أن نتنياهو قد أبرم صفقة في العام الماضي مع حاخام محافظ ورئيس حزب سياسي لمنع اليهود مؤقتًا من دخول الحرم مقابل الانضمام إلى حكومته الائتلافية”.
ووصلت المقاومة الفلسطينية المستمرة ضد الاستعمار الإسرائيلي في الأسابيع القليلة الماضية، سواء في الداخل المحتل أو في الضفة الغربية وغزة، إلى ذروتها، مع قيام “إسرائيل” بقتل الفلسطينيين في أنحاء الضفة الغربية، بخاصة في جنين.
وبينما يدرك الفلسطينيون أن الاستعمار الاستيطاني استهدف أرض الفلسطينيين بأكملها ويواصل استهدافها، فإن المحاولات المستمرة للسيطرة على الأماكن المقدسة لدى المسلمين الفلسطينيين، سواء في القدس أو الخليل أو في مقام يوسف الدويك (قديس محلي في نابلس) أو ما يزعم الصهاينة المتعصبون أنه “قبر يوسف” التوراتي، مستمرة على قدم وساق.
ميدل إيست آي