في هذا المقال، ومن خلال استعراض أهمّ الأحداث علی صعید السياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة خلال العام الماضي، سیتمّ دراسة الاتّجاهات الجديدة والقدیمة وتصنيفها. کما أنّه بناءً على الاتّجاهات الحاليّة والمحوريّة، سیقدم الکاتب صورة للسياسة الخارجيّة الإيرانيّة لعام 2022.
شهدت السياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإیرانیّة خلال العام الماضي مجموعة من الأحداث والتطوّرات المختلفة، یمکن أن تكون كلّ منهما، أو مجموعها، مصدرًا لاتّجاهات الجديدة أو لتعزیز الاتّجاهات القديمة. إنّ الانتخابات الرئاسيّة التي أدّت إلى تشكيل أبعاد جديدة في السياسة الخارجيّة، كانت أهم عامل مؤثّر في السياسة الخارجيّة الإیرانیّة خلال عام 2021.
1- الدبلوماسيّة النوويّة
على الرغم من أنّه في بدایة العام، كانت مسألة الانتخابات الرئاسيّة وتغيير الحكومة الإیرانیّة قد طغت على محادثات الملف النوويّ، إلّا أنّه مع مجيء دولة السیّد إبراهیم رئیسي (الحكومة الثالثة عشرة) استمرّت الدبلوماسيّة النوويّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، مع التركيز على رفع العقوبات الأمريكيّة ضدّ إيران.
إن الاتّفاق بين إيران والوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، بالتزامن مع بدایة الجولة السابعة من المحادثات النوويّة، كان حدثًا مهمًّا حيث أظهر أنّه رغم القرار بتعليق البروتوكول الإضافيّ، فإنّ إيران لن تقبل بأن تصبح التحدّيات عقبة أمام المحادثات النوويّة.
كما أنّه مع التخريب المنسوب إلى الکیان المؤقّت في المنشأة النوويّة، اختارت إيران نهجا ذكيًّا ونظّمت ردّها في الأطر المعنیّة إذ أنّه لا يلحق الضرر بالعمليّة الدبلوماسيّة الأساسيّة فحسب، بل يعزّز الموقف في عمليّة المفاوضات النوویّة أيضًا.
وإیران بإعلانها عن بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ أواخر نيسان 2021 ردّاً على التخريب في منشأة نطنز، أرسلت رسالة الواضحة إلی الأطراف الغربیّةُ بتعزیز قدرتها النوویّة. مع ذلك، فإنّ إطالة عمليّة المفاوضات النوويّة تشير إلى وجود تحدّيات خطيرة أمام إحياء الاتّفاق النوويّ.
وفي حال تمّ التوصّل إلى اتّفاق، فإنّ قضايا مثل “تنفيذ الاتفاقية” و”التحقيق من الرفع الفعلي للعقوبات” و “تعهّد إيران بالتزاماتها” سيؤدّي إلى استمرار الدبلوماسيّة النوویّة بإعتبارها منهجاً في عام 2022.
2- علاقات متعددّة الأطراف
بصفتها أحد المبادئ الثابتة للسياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة، كانت علاقات متعددّة الأطراف أحد الاتّجاهات المحوريّة خلال العام المنصرم . فإنّ حضور رئیس الجمهوریّة في قمة شنغهاي في شهر سبتمبر وضمن سفره الخارجيّ الأوّل، یبیّن مدی اهتمام الجمهوریّة الإسلامیّة بالتعدديّة مع الترکیز على الأولويّات والتحدّيات الإقليميّة والدوليّة.
إنّ الخطاب الافتراضي الذي ألقاه رئیس الجمهوریّه في الدورة السادسة والسبعين للجمعيّة العامة للأمم المتّحدة، کان بمنزلة تسليط الضوء على الاتجاه التعددية في السياسة الخارجية لجمهورية الإسلامية الإیرانیة باعتباره الحدث الدولي متعدد الأطراف والأكثر شمولاً.
وفي سیاق متّصل، تمّت الموافقة على القرار المقترح من الجمهوريّة الإسلاميّة، بأغلبية 108 أصوات في اللجنة الأولى للجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في نوفمبر، وذلك بشأن ضرورة نزع السلاح النوويّ والقضاء التّام على التهديدات النوويّة ضد البلدان وإنهائها، حیث تعدّ خطوة إلى الأمام في سبيل تعزيز السلم والأمن الدوليين.
والحدث الآخر الذي يدلّ على أهمیة اتجاه التعددّیة في نظام السياسة الخارجيّة الإيرانيّ ، کان حضور الجمهوریة الإسلامیة في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد في فبراير 2021على مستوى وزير الخارجيّة.
في هذا المؤتمر، تم إستعراض السياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة، وکان هناك اجتماعات منفصلة لوزير خارجيّة إیران مع مسؤولي البلدان الأخرى، حیث قدّمت فرصة كبيرة لتعزيز الدبلوماسيّة.
ومع أنّه تمّ اتّباع نهج التعدديّة بشکل مستمرّ في السياسة الخارجيّة الإيرانيّة، إلا إنّه يجب استخدامه بشكل أكثر ذكاءً في مواجهة التحدّيات الدوليّة. وفي هذا الصدد فالمشارکة والحضور الفعّال في المؤسّسات والمنتديات والمنظّمات الدوليّة، بإمکانهما أن یقدّما القدرات والإمکانیات المتاحة لمواجهة التحدّيات، إلی جانب تقدیمها صورة واضحة عن قلق إیران.
3- مواجهة التهدیدات
على الرغم من وجود الاضطرابات والتقلّبات الدولیّة على مدى العقد الماضي، فقد أصبح تشديد العقوبات الأمريكيّة ضدّ إيران منهجاً ثابتاً في السياسة الخارجيّة للحكومات الأمیرکیّة في واشنطن .أدّی هذا الأمر، بالتزامن مع تطبیق سياسة الدبلوماسيّة النوويّة، إلی جعل سیاسة مواجهة العقوبات علی شکل المحاور مثل “المقاومة الاقتصاديّة” و”تحييد العقوبات” على سلّم أولويّات إيران
ومع أنّ العقوبات، مثل حظر الوصول إلى النظام الماليّ الدوليّ، قد طغت على جميع جوانب التجارة الخارجيّة الإيرانيّة تقريبًا، إلّا أنّها لم توقف الجهود المبذولة لإيجاد طرق بديلة. في حين أنّ السعي الدؤوب والمستمرّ لعمليّة مواجهة العقوبات لا يقلّل الضغط النسبيّ للعقوبات فحسب، بل يعزّز أيضًا موقف البلاد لدفع الطرق الدبلوماسيّة النوويّة.
تشير التقارير المنشورة إلى أنّه على الرغم من العقوبات، فقد ازدادت صادرات النفط الإيرانيّة إلى الصين بشكل ملحوظ، بل وتجاوزت ذروتها التي بلغتها عام 1397 وقبل العقوبات الأمريكيّة. وکذلك حجم التجارة الخارجية الإيرانيّة مع دول مثل البرازيل، والتي تبلغ ملياري دولار، یعکس النجاح النسبيّ لنهج إيران في مواجهة العقوبات.
4- التطلّع إلی الشرق
إنّ سياسة التطلّع إلى الشرق تكتسب أهميّة مضاعفة، في خضمّ العقوبات والضغوط القصوى الغربیّة والأمیرکیة ضدّ إیران، فضلاً عن طرحها فی سياق سياسة خارجيّة متوازنة. في حين تسعی هذه السياسة لیس فقط إلى تعزيز العلاقات مع القوى الناشئة في شرق العالم، بل إلی التأثیر في النهج العدائي لبعض الدول الغربيّة، خوفاً من تعزیز العلاقات بین طهران وبکين وتعمیقها.
وعلی الرغم من أنّ نهج “التطلّع إلى الشرق” تمّ اعتباره دائمًا ضرورة استراتيجيّة، لکنّه واجه في فترات مختلفة العدید من التقلّبات. في حين حوّلت الحكومة “الثالثة عشرة ” الإیرانیّة التطلّع نحو الشرق” إلى أحد أبرز الاتّجاهات علی صعید السياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة خلال العام الماضي.
إنّ التطوّرات مثل العضويّة في منظّمة شنغهاي للتعاون في سبتمبر، وزيارة وزير خارجيّة إیران إلى الصين في ديسمبر، والإعلان عن تنفيذ الاتّفاقية الإيرانيّة الصينيّة طويلة الأمد ، وزيارة رئیس الجمهوریّة إلى روسيا في فبراير، إلى جانب التنسيق الوثيق بين إيران وروسيا و الصين علی صعید المفاوضات النوويّة، کلّها أمور تدلّ على أنّ مسألة التطلّع نحو الشرق في السياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة قد أصبحت مرّة أخری في سلّم الأولویّات، خلال العام الماضي. في الواقع إنّ مسألة التطلّع إلى الشرق، تحظی بأهمیّة بالغة لما لها من وظائف في العلاقات مع الغرب وإدارتها، أكثر من کونها قيمة جوهريّة.
وبما أنّ مسألة التوجّه نحو الشرق، أصبح لها دوافع سلبيّة، بسبب السياسات العدائيّة لبعض الدول الغربيّة لإیران، بالإضافة إلى الأسباب الإيجابيّة، فمن المتوقّع أن تكون أحد الاتّجاهات السائدة علی صعید السياسة الخارجيّة لجمهوريّة إيران الإسلاميّة خلال العام المقبل.
5- سیاسة الجوار
مع وصول حكومة السيّد ” إیراهیم رئیسي” إلى السلطة، تمّ تبنّي سياسة الجوار واتّباعها كنهج محوريّ في السياسة الخارجيّة.
من الأحداث المهمّة، التي أظهرت أنّ سياسة الجوار في السياسة الخارجيّة الإیرانیّة ستكون بارزة في السنوات القادمة، یمکن الإشارة إلی عقد ندوة لسفراء الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في دول الجوار في ديسمبر 2021، ومناقشة توسيع العلاقات مع دول الجوار علی صعید الاقتصاد والتجارة والسياسة والأمن وغيرها.
إنّ إلقاء النظرة على الزیارات الخارجيّة التي قام بها رئیس الجمهوریّة ووزير خارجیّته خلال العام الماضي، قد يظهر أيضًا مدی مواصلة اهتمام الجمهوریة الإسلامیة بسیاسة الجوار. وتأتي مغادرة وزير الخارجيّة “حسين أمير عبد اللهيان” إلى بغداد لحضور مؤتمر إقليمي، وکذلک زیارة لبنان وقطر في الأيّام الأولى من عمله في الوزارة، خیر دلیل علی تبنّي الجمهوریة السلامیة سیاسة الجوارهذه.
6- مواجهة الأزمات في محیط الأطراف
من جانب آخر، إنّ وقوع الأحداث الأخيرة في محیط الأطراف ونشوب الأزمات السياسيّة والأمنيّة والجيوسياسيّة، بدّلت المواجهة مع هذه الأزمات، بأحد اتّجاهات السياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإیرانیّة.
إنّ الحرب بين جمهوريّة أذربيجان وأرمينيا ووقوع التغييرات علی المناطق الحدودیّة، سبّبت ظهور أزمة، وزیادة التوتّر علی حدود مناطق شمال غربي البلاد.
في سیاق ذلك، فإنّ تعطیل التجارة بين إيران وأرمينيا بسبب اعتقال سائقي الشاحنات الإيرانيّين من قبل أذربيجان في صيف العام 2021، کان بداية لوقوع سلسلة من التوتّرات بين إيران وأذربيجان، استمرّت حتّی قیام الجیش الإیرانيّ بمناورات علی الحدود الشمالیّة للبلاد.
وفي هذا الصدد، وفي أثناء زيارة رئيس الأركان العامّة للقوّات المسلّحة لروسيا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 أرسلت إيران رسالة واضحة بأنّها لن تتحمّل التغيير الجيوسياسيّ في منطقة القوقاز.
من جانب آخر، كانت مواجهة التوتّر والاضطرابات في أطراف المناطق الشرقيّة للبلاد، مصدر قلق آخر للسياسة الخارجيّة خلال العام الماضي. ومن التطوّرات التي غیّرت الوضع بشکل جذريّ، وکانت لها تداعیات عدّة علی إیران، يمكن الإشارة إلی هروب القوّات الأمريكيّة من أفغانستان وسقوط الحكومة الأفغانیّة، وما تبع ذلك من سيطرة طالبان على كابول في صيف العام 2021 .
في مواجهة هذه الأزمة، رحّبت إیران بإنسحاب القوّات الأمريكيّة من أفغانستان، مع رفضها الاعتراف بالهويّة السياسيّة لطالبان حتّى تشكيل حكومة شاملة في هذا البلد، واستمرّت في التعاون والتفاعل لإدارة الأزمة، لا سیّما التعاون في مجال قضایا اللاجئين.
والحدث الآخر الذي شكّل تهديدًا خطيرًا لمحیط أطراف الجمهوريّة الإسلاميّة خلال العام الماضي، کان تطبيع علاقات الکیان المؤقّت مع بعض البلدان الواقعة علی ضفاف الخليج الفارسيّ ووجوده العسكريّ في المنطقة. وکانت أوّل زیارة لرئيس الكيان المؤقّت إلى الإمارات العربيّة المتّحدة في فبراير 2021، قد أظهرت مدی الاتّجاه المتنامي لعلاقات الکیان مع الدول الواقعة جنوبي إيران. یبدو أنّ لدى الکیان المؤقّت رغبة جادّة في الوجود العسكريّ في منطقة الخليج الفارسيّ إلی جانب ايجاد العلاقات السياسيّة.
وفي سیاق متّصل، وتزامناً مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيليّ للبحرين، كان هناك أنباء عن مشاركة الکیان المؤقّت في مناورات أميركيّة مع بعض الدول العربيّة على شكل تدريبات بحريّة في منطقة واسعة من المياه من الخليج الفارسيّ إلى خليج عمان وبحر مكران والبحر الأحمرو شمال المحيط الهنديّ.
إنّ وجود الکیان المؤقّت في مناطق أطراف جنوب إيران یعدّ تهديداً خطيراً، حیث من المحتمل أن يظهر في العام المقبل ويتطلّب اهتمامًا خاصًّا لمواجهته.
السياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة خلال عام 2022
إنّ الاتّجاهات المذكورة أعلاه، ستشکّل الهيكليّة العامّة للسياسة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة لعام 2022. وسوف تستمرّ الدبلوماسیّة النوویّة وفقًا لکیفیّة الاتفاق المتّفق عليه وفي هذا الصدد، سیکون التنفیذ المطلوب والفائدة الاقتصاديّة لإيران من ضمن المناقشات المحوریّة.
إنّ الاهتمام بتعدديّة الأطراف، منهج آخر حیث سيتّبع في إطار السياسة الخارجيّة المبدئيّة للجمهوریة الإسلاميّة الإیرانیّة. وسيتمّ النظر بجديّة في الجهود المبذولة للتفاعل بشكل فعّال مع المؤسّسات الدوليّة، والاستفادة من قدرتها الحاليّة لإدارة ملفات السياسة الخارجيّة وقضایاها.
في حین ستکون مواجهة العقوبات على مختلف المستويات اتجاهًا واضحًا آخر في سياسة إيران االخارجيّة خلال العام المقبل. وسيتمّ النظر بجديّة في تقدّم الدبلوماسيّة الاقتصاديّة في هذا السياق.
إنّ التوجّه نحو الشرق واتّباع سياسة حسن الجوار كمنهج محوريّ للسياسة الخارجيّة الإيرانيّة، سیکون لهما فرصة أكبر للمتابعة والتحقيق في العام المقبل. وعليه، من المتوقّع أن تتطوّر العلاقات مع دول الجوار والقوى الشرقيّة الناشئة، ولا سيّما الصين.
وأخيرًا، التعامل مع الأزمات في محیط الأطراف من الشمال الشرقيّ إلى مناطق شرق البلاد وجنوبها سيتطلّب اهتمامًا خاصًّا علی صعید السياسة الخارجيّة لجمهورية إيران الإسلاميّة خلال عام 2022.
سالار نامداروندایي – مرکز “تبیین” للدراسات
ترجمة مركز الاتحاد للابحاث والتطوير