تختلف طرق حساب طول أنابيب النفط والغاز بحسب المراجع المختلفة، فمنها ما لا يحسب الأنابيب التي يقل طولها عن 100 كلم، أو يحسب الأنابيب العاملة فحسب، لا الأنابيب المتوقفة حالياً أو التي في طور التمديد، ومنها ما لا يحسب أنابيب الغاز الطبيعي المسال، إلخ… لكنْ بغض النظر عن طريقة القياس، فإن ما لا شك فيه هو أن خطوط النفط والغاز “باقية وتتمدّد”، على الرغم من اتفاق باريس حول التغير المناخي القاضي بتخفيض استهلاك الوقود الأحفوري تدريجياً، وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن حرقه، بنسبة 50%، مع مجيء عام 2030، وصولاً إلى صفر % مع عام 2050، على ما زعموا.
يزيد مجموع طول أصول وفروع أنابيب النفط والغاز (ومنه المسال) حول العالم التي ستكون عاملة مع بداية عام 2023، بحسب موقع GlobalData Energy، على مليوني كلم (2.034 مليون كلم تحديداً). وبما أن محيط الكرة الأرضية هو أكثر من 40 ألف كلم بقليل، فإن تلك الأنابيب، لو وُضع الواحد منها تلو الآخر في خطٍ مستقيم، فإنها يمكن أن تلتفّ حول خاصرة الكرة الأرضية أكثر من 50 مرة… إلى هذا الحد بات الاقتصاد العالمي يعتمد عليها للحصول على طاقته.
غير أن شبكات أنابيب النفط والغاز لا تصطف في خطٍ مستقيم، ولا تتوزع بالعدل والقسطاس بين البلدان والقارات، إذ تُظهِر خريطة نشرها موقع Global Energy Monitor أن شبكات أنابيب النفط والغاز تتركز في الدول الأكثر تصنيعاً وتقدماً وقوةً حول العالم، مثل الشرايين البارزة التي تغذي العضلات الضخمة للاقتصاد العالمي بالطاقة، وتزود مراكزها السكانية بالدفء والنور.
تؤكد ذلك إحصاءات موقع GlobalData Energy التي تشير إلى أن 41% من المليوني كلم ونيف من أنابيب النفط والغاز الممتدة عالمياً تقع في أميركا الشمالية، ولا سيما في شرقي الولايات المتحدة الأميركية الصناعي وجنوبها، بما يزيد مجموعه على 834 ألف كلم من الأنابيب، منها حوالى 500 ألف للغاز الطبيعي، وأكثر من 81 ألف كلم للغاز المسال، والباقي لأنابيب النفط (حوالى 155 ألف كلم) ومشتقاته (أكثر من 103 آلاف كلم).
يلي أميركا الشمالية، من حيث طول أنابيب النفط والغاز عالمياً، الاتحاد السوفياتي السابق (بكل دوله)، وحصته من المجموع العالمي أكثر من 20% بقليل، أي نصف ما لدى أميركا الشمالية. ويبلغ طولها هناك أكثر من 415 ألف كلم، منها حوالى 300 ألف كلم لضخ الغاز، والباقي لضخ النفط ومشتقاته.
يلي الاتحاد السوفياتي السابق، في طول شبكات النفط والغاز، القارة الأوروبية، بنسبة 11% من المجموع، تليها آسيا الصاعدة، بنسبة تقارب 11%، يليها ما سمّاه الاستعمار “الشرق الأوسط”، بنسبة تزيد قليلاً على 5% من المجموع العالمي.
انعكاس خريطة شبكات النفط والغاز على صراعات عالمنا المعاصر
العبرة الأولى هنا هي أن قوة الدول وتقدّمها يُقاسان أيضاً بطول شبكات أنابيب نفطها وغازها (مع الاحترام لحساسيات أنصار البيئة).
والعبرة الثانية، من منظور الجغرافيا السياسية، هي أن شبكات الأنابيب الأميركية الشمالية متمحورة ذاتياً، إنتاجاً واستهلاكاً، كما أنها تنحصر جغرافياً في إطار أميركا الشمالية، ومنها المكسيك.
في المقابل، تأتي شبكات الأنابيب الأوروبية من الشرق، وبدرجة أقل، من الجنوب، أي إن أوروبا تعتمد على الخارج في تأمين طاقتها. وتستورد دول الاتحاد الأوروبي، بحسب موقع EuroStat الرسمي الأوروبي في شباط/ فبراير 2022، حوالى 58% من الطاقة التي تستهلكها. ولذلك، يمكن القول إن أوروبا ستظل رهينة مستورداتها من الطاقة، وليس هناك من طريقة لتخفيض اعتمادها على الطاقة المستوردة من روسيا على المدى البعيد، نفطاً وغازاً، إلا بزيادة اشتباكها سلماً وحرباً مع إيران والدول العربية، حيث احتياطيات النفط والغاز الكبيرة المجاورة، ولا سيما أن أميركا اللاتينية لا تزال تقبع تحت وصاية “مبدأ مونرو” منذ الربع الأول للقرن التاسع عشر.
فالروس من أمام الأوروبيين، والبحر المتوسط من خلفهم، وبمقدار ما ينصاعون للأميركيين في مقاطعة روسيا، لا مفر لهم إلا في ما هو خلف المتوسط، أي عندنا، عن طريق إعادة إحياء المشروع “الأورو-متوسطي” مثلاً، من خلال شبكات نفط وغاز تمتد شمالاً، بدلاً من غرباً. ولعل التوافق التركي-“الإسرائيلي” الجديد يندرج ضمن هذا السياق، ولا سيما بعدما سحبت إدارة بايدن دعمها رسمياً لخط غاز شرقي المتوسط EastMed الذي كان يُفترض أن يمدد بطول 1900 كلم، من الكيان الصهيوني إلى اليونان وإيطاليا. وقد سُحب الدعم الأميركي بذرائع بيئية واقتصادية، لكنْ، إرضاءً لتركيا فعلياً، في خضمّ الصراع مع روسيا! والآن يجري الحديث عن تمديده عبر تركيا (وهنالك أصلاً خط “ممر الغاز الجنوبي” الذي ينقل الغاز الأذربيجاني من تركيا إلى اليونان).
نشير هنا أيضاً إلى “خط أنابيب الغاز عبر المتوسط”، الذي أنشئ عام 1983، والذي يمتد من الجزائر إلى إيطاليا عبر تونس وصقلية بطول يقارب 2500 كلم، وثمة تفريعة منه من شمال إيطاليا إلى سلوفينيا. وهناك خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا (MEG)، وهو خط غاز يمتد من الجزائر إلى المغرب، ثم إلى إسبانيا والبرتغال، وقد تم إنشاؤه في التسعينيات، بطولٍ يزيد على 1600 كلم. وهناك خط غاز MIDCAT الذي يربط الجزائر بإسبانيا وفرنسا، والذي بدأ إنشاؤه ثم توقف. وقد رشحت تقارير في الصحافة الإسبانية إعادة إحيائه في خضم التوترات السابقة للعملية الروسية في أوكرانيا، مع العلم بأن كلا الخطين، إذا أُنجزا MIDCAT، فلن يصل ضخّهما إلى نصف طاقة خط “السيل الشمالي 2” (نورد ستريم 2).
وهنالك طبعاً أحد أكبر مشاريع خطوط الغاز في الكرة الأرضية، وهو خط الغاز الأفريقي الغربي، والذي يُفترض أن يمتد حول الساحل الأفريقي الغربي على المحيط، من نيجيريا إلى موريتانيا إلى المغرب ثم إلى إسبانيا، أي بعيداً عن الجزائر، بطول يزيد على 5600 كلم، والذي كان يُفترض أن يُنجز عام 2046 بتكلفة مقدارها 25 مليار دولار، ولكنْ، الذي يقوله موقع GlobalData Energy الآن هو أنه سينجَز عام 2028! والله أعلم إذا كان ذلك جزءاً من الضغط الإعلامي الغربي على روسيا (أو المغربي على الجزائر، التي قطعت غازها الذي يمر عبر المغرب إلى إسبانيا). كما أنه ليس من الواضح إذا كانت طاقة ذلك الأنبوب ستعوّض عن الغاز الروسي، ولا سيما أن الأنبوب الساحلي الأفريقي يُفترض أن يخدم 13 بلداً أفريقياً غربياً، وأن احتياطيات نيجيريا من الغاز الطبيعي ضئيلة مقارنةً بروسيا.
حول “لغز” عدم انصياع السعودية والإمارات
ما دام التوجه جنوباً هو البديل الأوروبي المنطقي عن التوجه شرقاً، ربما يُطرح تساؤلٌ هنا عن سبب عدم انصياع الدول العربية الخليجية لإدارة بايدن في زيادة إنتاجها النفطي والغازي، وهو الأمر الذي تستطيع أن تفعله السعودية بسهولة، لتهدّئ من روع أسواق الطاقة الأحفورية عالمياً. لكنها لم تفعل، وهو ما عزّزته خيبة أمل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من نتائج زيارته للسعودية والإمارات الأسبوع الفائت، من ناحية عدم تمكّنه من الحصول على تعهدات بزيادة إنتاجهما من النفط وتخفيض الأسعار.
فهل فشل التوجه الأوروبي جنوباً قبل أن يبدأ؟ وهل يؤدي ذلك إلى سياسة أوروبية وأميركية أكثر عدوانية تستحوذ بالقوة على شحنات النفط المتوجهة نحو آسيا، كما لمّح المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف أكثر من مرة (في موقع “روسيا اليوم” في 18/3/2022، وفي 11/3/2022)؟ وأي فشل يمكن أن يجلّل التوجه الأوروبي جنوباً أكثر من التقارير التي تتحدث عن احتمال دفع الصين قيمة النفط الذي تشتريه من السعودية، وهو ما يعادل 25% من صادرات النفط السعودية، باليوان الصيني، ما يمكن أن يمثّل ضربةً تحت الحزام لهيمنة الدولار الأميركي (تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في 15/3/2022 مثلاً)؟ وهل يمكن أن نضيف امتناع الإمارات عن التصويت مع قرار يدين روسيا في مجلس الأمن إلى هذه القائمة من التساؤلات، فضلاً عن كسر الحظر الأميركي على العلاقة مع سوريا والرئيس بشار الأسد؟
تستفيد الدول المنتجة للنفط من ارتفاع سعره طبعاً، وقد بذلت أوبك جهوداً كبيرة لإعادة رفعه بعد انهياره من جراء الآثار الاقتصادية لكوفيد، مع العلم بأن سعر برميل النفط الذي تحتاج إليه السعودية لموازنة موازنتها، أي لعدم الدخول في عجز، يزيد على 72 دولاراً للبرميل، بحسب صندوق النقد الدولي. وقد مرّت الموازنة السعودية بعجزٍ تلو الآخر، عاماً بعد عام، منذ أن انهارت أسعار النفط عام 2014. فهل يجوز دوس نعمة تحليق أسعار النفط والغاز فوق المئة دولار للبرميل، بعدما أتت تطرق الباب الخليجي متبسّمة؟
كان يمكن للسعودية والإمارات، على الرغم من ذلك، أن تنضويا إلى المظلة الغربية كما فعلتا دوماً، حتى لو تسبّب ذلك بخسائر لهما، تماماً كما فعلت الشركات الخاصة ووسائل الإعلام، وحتى الهيئات الرياضية، في الغرب، عندما تعلّق الأمر بالدفاع عن الهيمنة العالمية الغربية في مواجهة المشروع الأوراسي الصاعد الذي يقوده بوتين.
ما من شكٍ أيضاً في أن موقف السعودية والإمارات على صلة ما بالصراع الداخلي الأميركي، إذ إن من المعروف أن حكام البلدين من حلف ترامب، وأنهما مستاءان بشدة من إدارة بايدن لأكثر من سبب. لكن حتى عاملُ دعم ترامب وجماعته انتخابياً، ضد إدارة بايدن وحزبه، لا يفسر بالكامل ظاهرة “عصيان” حكام الخليج للغرب. فالواقع هو أن تجربة أوكرانيا أظهرت للقاصي والداني حدود الهيمنة الأميركية عالمياً: لا حماية أميركية لأوكرانيا؟ إذاً لا حماية أميركية لدول الخليج. وعليه، نملك أن نتفلّت ونبحث عن مصلحتنا بعيداً عنها إلى حدٍ ما… فإلى أي مدى يمكن أن يصل مثل ذلك “العصيان”؟ هذا ما ستساعد في الإجابة عنه ما تؤول إليه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من جهة، والميزان الداخلي الأميركي من جهةٍ أخرى (هل لاحظتم مقدار سعادة ترامب بتخبّط إدارة بايدن في الأزمة الراهنة؟).
المهم أن ميزان القوى العالمي يتغير. وما كان من الممكن لمثل هذا التفلّت، ولو كان مؤقتاً أو جزئياً، أن يحدث قبلها. وإذا كانت أوروبا قد رهنت مصيرها بالاصطفاف خلف الولايات المتحدة كليةً، فإن مَن هم أقرب إلى الشرق والجنوب قد يرون المشهد من مناظير أخرى.
الاتجاه الصاعد عالمياً في تمدّد شبكات النفط والغاز
العبرة الثالثة من قراءة خريطة شبكات النفط والغاز عالمياً، هي أن نموّها وتمدّدها، والاتجاه الذي تنمو وتتمدد فيه، هي أحد المؤشرات على ميزان القوى العالمي. ونلاحظ هنا، بحسب تقرير GlobalData Energy ذاته، أن معدلات نمو شبكات أنابيب النفط والغاز، مع عام 2023، ستضيف إلى طولها أكثر من 55 ألف كلم في أميركا الشمالية. بيد أن النمو الأكبر في شبكات أنابيب النفط والغاز سيكون في آسيا، ولا سيما في الصين والهند، حيث القوى الصاعدة، وستخترق القارة الآسيوية 71 ألف كلم إضافية من الأنابيب مع مجيء عام 2023.
لنأخذ مثالاً محدداً. حتى عام 2021، كان خط “الصداقة” Druzhba، أطول شبكة أنابيب نفطية في العالم تمتد أصولها وفروعها عبر روسيا إلى بلدان أوروبا الشرقية وألمانيا والنمسا، بطولٍ يبلغ حوالى 6400 كلم. وكانت تلك الشبكة، التي شُرع في تشييدها رسمياً عام 1960، من فخر إنجازات الاتحاد السوفياتي السابق. أما اليوم، فإن أطول شبكة أنابيب في العالم ستكون شبكة أنابيب الغاز الصينية التي تمتد قطرياً من إقليم جينجيانغ المسلم، في أقصى شمال غرب الصين، إلى إقليم جي جيانغ في أقصى الشرق الصيني عند شنغهاي، بطولٍ يقارب 9 آلاف كلم، ويتوقع أن تكتمل في عام 2026.
ليست روسيا ببعيدةٍ عن تمديد خطوط أنابيب الغاز إلى الصين، وآسيا عموماً. فقد اتفق البلدان على مدّ خط أنابيب “قوة سيبيريا” عام 2014، مباشرة بعد ضم القرم، وبدأ العمل به عام 2019، ويتوقع أن يصل إلى كامل طاقته عام 2025، بطول 3000 كلم من الشرق الروسي إلى الشمال الصيني. ثم اتفقت روسيا والصين مؤخراً على مدّ خط أنابيب غاز ثانٍ عبر منغوليا، هو “قوة سيبيريا 2″، بطول 2600 كلم من روسيا إلى الصين، سيضيف 50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً مع مجيء عام 2030، فوق الـ 38 مليار متر مكعب التي سيضخّها خط “قوة سيبيريا 1”. ولعل هذه الشبكة الغازية بالذات هي مؤشر سياسي، لا اقتصادي فحسب، على الصعود العالمي لتحالف المشروع الأوراسي مع مشروع الحزام والطريق الصيني.
نقطة الضعف: منغوليا. ومن المؤكد أن الأميركيين يبحثون عن طريقة للعب هناك. ومن المؤكد أن روسيا والصين لن يتساهلا بشأن ذلك. لكنْ لنلاحظ أولاً أن اللعب بدأ في كازاخستان، أكبر دولة في آسيا الوسطى بين الصين وروسيا، وأن القوات الروسية والحليفة تدخلت هناك في بداية هذا العام، لتثبيت رئيس حليف لروسيا، واجه اضطرابات دموية بذريعة ارتفاع أسعار الغاز، قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مباشرةً.
في المقابل، نلاحظ أن خط “السيل الشمالي 2” (نورد ستريم 2) من روسيا إلى ألمانيا، الذي يبلغ طوله 2400 كلم، جرى تعطيل العمل فيه، بذريعة العقوبات على روسيا، وكان الضغط الأميركي شديداً لتعطيله بأي حال، منذ ما قبل الأزمة الأوكرانية. ولذلك فإن عرقلة خطوط وشبكات الخصم النفطية والغازية باتت جزءاً أساسياً من الصراع العالمي، تماماً مثل تمديدها، في لعبة مألوفة منذ الطفولة: مدّد دوائرك، واقطع إكسات (x) الخصم، أو بالعكس، ولكن على رقعة الجغرافيا السياسية العالمية، بين دول عظمى لا تلعب.
مثال آخر: الرئيس بوتين يأخذ وقتاً في عزّ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ليهنّئ رئيس تركمانستان الجديد (الحليف لروسيا) على انتخابه. الخارجية الأميركية تدعو تركمانستان إلى تحسين نظامها الانتخابي (النتيجة لا تعجبها). الخارجية الروسية تؤكد أن نتائج الانتخابات مقنعة. ما لم يقله أحد هو أن تركمانستان، إحدى دول الاتحاد السوفياتي السابق، الواقعة على حدود أفغانستان وإيران وبحر قزوين، تحتوي رابع أكبر احتياطي غازي مثبت في العالم بعد روسيا ثم إيران ثم قطر، تليها تركمانستان، ثم الولايات المتحدة الأميركية، ثم فنزويلا، ثم السعودية، فالإمارات، ثم نيجيريا ثم الجزائر (وهي تتمّة للنقطة الواردة أعلاه حول صعوبة تعويض الغاز الروسي لأوروبا بالغاز الجزائري أو النيجيري).
جينجيانغ: لا قصة دفاع عن المسلمين ولا من يحزنون. ففي 26/1/2022، أعلنت شركة “صينوبك” الصينية عن اكتشاف حقل جديد في إقليم جينجيانغ، في منطقة الإيغور بالذات، يضم 100 مليون طن إضافيٍ من الاحتياطيات النفطية. وجينجيانغ تضم، على أي حال، معظم حقول الصين النفطية والغازية. وتقدّر احتياطياتها من النفط بـ 16 مليار طن. وتقدّر احتياطياتها من الغاز في “حوض تاريم” وحده بأكثر من نصف تريليون متر مكعب مثبت، وبتريليون متر مكعب مقدّر (على سبيل المقارنة، احتياطي روسيا 38 تريليون، واحتياطي الجزائر 2.3 تريليون متر مكعب). كما أنها الطريق الطبيعي لخطوط الغاز والنفط من آسيا الوسطى، مثل تركمانستان، إلى الصين. وهناك أربعة خطوط غاز تذهب من أقصى غرب الصين، حيث جينجيانغ، إلى شرقها، سبقت الإشارة إلى أطولها الذي يبدأ من منطقة جينجيانع ليصبح أطول خط غازي في العالم. وهناك خط آخر أقصر قليلاً ينطلق من جينجيانغ ويصل إلى غواندونغ على الساحل الشرقي للصين، يقوم على تحويل الفحم إلى غاز طبيعي. باختصار، فصل جينجيانغ عن الصين، بأي ذريعة، من أهم المداخل الجغرافية-السياسية لتقويض الصين اقتصادياً، وبالتالي سياسياً.
الغاز هو عنوان المستقبل القريب
ما برح العالم يعتمد، إلى يومنا هذا، على الفحم والنفط والغاز والمواد العضوية (مثل الخشب وجفت الزيتون وروث الحيوانات) في تأمين مستلزماته من الطاقة بنسبة تزيد على 90%، بحسب تقرير لوكالة الطاقة الدولية IEA في أيلول/ سبتمبر عام 2021. أما الباقي فمن مصادر أخرى، مثل الطاقة النووية وطاقة الرياح والشمس والمياه وما شابه، وذلك حتى عام 2020. وهناك توجه جدّي عالمياً للتخلص من استخدام الفحم، باعتباره الأكثر تلويثاً للبيئة، والأكثر إنتاجاً لمخلفات الكربون وغيره، مع العلم بأن الصين هي الأكثر استخداماً للفحم، إذ إنها اعتمدت عليه لإنتاج نحو 57% من طاقتها عام 2020، هبوطاً من 68% عام 2010. وقد كان هناك ضغط شديد على الصين والهند في مؤتمر التغير المناخي المنعقد في اسكوتلندا في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2021 الفائت لتخفيض استخدامهما للفحم. وبصراحة تامة، يصعب التأكد أين ينتهي الحرص على البيئة ليبدأ السعي إلى عرقلة الصين والهند اقتصادياً في مثل هذه المؤتمرات، مع الاحترام لأنصار البيئة. في جميع الأحوال، أصبح الغازُ البديلَ الأحفوري الأقل سوءاً.
بحسب إحصاءات وكالة الطاقة الدولية، اعتمد العالم، أكثر ما اعتمد، على النفط، لإنتاج طاقته، بنسبة 31% من المجموع تقريباً، يليه الفحم، بنسبة تقارب 27%، يليه الغاز الطبيعي، بنسبة تزيد على 23% بقليل، ثم المواد العضوية الأخرى، بنسبة تزيد على 9%. وتقل نسب الاعتماد على الوقود الأحفوري في الدول الغربية وتلك الدائرة في فلكها، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، إلى نحو 85%، بدلاً من المعدل العالمي البالغ 90%.
ولا يزال النفط هو المصدر الأول للطاقة في العالم، بنسبة 31%، كما سبقت الإشارة، تزيد إلى 34% في الدول الغربية وتلك الدائرة في فلكها (منظمة دول الــOECD) على حساب الفحم. والنفط، مع أنه أقل تلويثاً للبيئة من الفحم، يظل أكثر تلويثاً للبيئة بكثير من الغاز الطبيعي. ومع ذلك، فهو يمتلك خاصية المرونة في نقله، بالسفن، بالقطارات، بالشاحنات، أو بالأنابيب، مقارنةً بالغاز. لذلك يغلب المحتوى الغازي (غير المسال) للأنابيب عالمياً، لأن شحن النفط لا يعتمد على الأنابيب وحدها.
وبحسب تقرير نُشر على موقع Energy Monitor في 14/2/2022، فإن 115 أنبوباً نفطياً يجري تمديدها حول العالم اليوم بطول إضافي مقداره أكثر من 350 ألف كلم، فيما يجري التخطيط لتمديد 477 خطاً غازياً حول العالم، بطول يقدّر بمليون كلم خلال السنوات المقبلة. ولم تغطِّ هذه المادة كل الأنابيب المنوي مدّها بالطبع، بل بعض أهمها. وهناك قوى صاعدة تمدّد شبكات أنابيب غازها على قدمٍ وساق، أحدها الخط الأميركي الجنوبي بطولٍ يزيد على 2000 كلم بين الأرجنتين والبرازيل، واثنان منها في الهند بطول 1900 و1800 كلم، وأحدها بطول 1800 كلم في إندونيسيا، وهكذا.
ابراهيم علوش – الميادين نت