نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تحليلًا أعدَّه أنتوني فايولا، كاتب العمود الذي يهتم بالشؤون الخارجية في الصحيفة الأمريكية، وليزي روتون، الصحفية المهتمة بالشؤون الأفريقية، تحدثا فيه عن الدعم الذي يتلقاه بوتين من العالم بعيدًا عن الغرب، وسِمات هذا الدعم.
الرأي الآخر حول الغزو الروسي
يبدأ الكاتبان بالقول: امتنعت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الهند عن إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا ووصفتها بأنها مأزق يخص موسكو وحلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو إن بلاده «لن تنحاز إلى أي طرف في هذا الصراع» حتى إنه عدَّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي «ممثلًا كوميديًّا» لا أكثر، ولا يزال مسؤول كبير في جنوب أفريقيا يصف روسيا بأنها «صديقة مقرَّبة» لبلاده.
ذكر التقرير أنه من السهل أن يرى المرء من موقعه في الغرب أن العالم كله يقف ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبينما تفرض القوات الروسية حصارًا، وصفه التقرير بالوحشي، على المدن الأوكرانية، يفرض القادة في واشنطن والعواصم الأوروبية عقوباتٍ متتالية على موسكو، وأصبح يُنظر إلى بوتين في الدول الغربية على أنه النظير الشرير لشخصية جيمس بوند ومعادٍ للبطل المحبوب زيلينسكي، حتى إن مطاعم ماكدونالدز علَّقت أعمالها في روسيا؛ إذ بالتأكيد ستشعر بالعزلة إن لم تستطع أن تشتري وجبة بيج ماك!
ولا شك أن بوتين قد أوقع نفسه وشعبه في هوَّة خطيرة، ولكن الدعاية والرقابة الروسية قد عزلت الشعب الروسي عن الواقع، بحسب التقرير، فيما يستمر انهيار الاقتصاد الروسي الذي يواجه العقوبات الغربية والذي انقطع عن جزء كبير من النظام المالي العالمي، ومنذ الأسبوع الماضي، ضربت الدول الغربية قطاع الطاقة الحيوي في موسكو وتحول الروبل الروسي إلى حُطام.
ومع ذلك، يقول التقرير إنه إذا نظرنا عميقًا نجد أن الطرح الذي يقول إن بوتين معزول يحمل شيئًا من التحيز الغربي، وهو افتراض يقوم على تعريف العالم بأنه أماكن امتياز تحظى بها إلى حد كبير الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا واليابان. ومن بين 193 عضوًا في الأمم المتحدة، صوَّت 141 عضوًا لإدانة هجوم موسكو غير المبرر على جارتها، ولكن هذا التصويت ذا الأغلبية لا يروي القصة الأدق، بحسب التقرير.
يقول ريتشارد جوان، مدير الأمم المتحدة لمجموعة الأزمات الدولية: «هناك شعور بأن مستوى الدعم من جانب الدول غير الغربية لهذا القرار كان ضعيفًا للغاية».
التردد والغموض في إدانة الهجوم الروسي
يلفت الكاتبان إلى أن هناك عديدًا من الدول النامية، بما فيها بعض من حلفاء روسيا المقربين، مترددة بشأن انتهاك روسيا للسيادة الأوكرانية، إلا أن عمالقة القسم الجنوبي من الكرة الأرضية، بمن فيهم الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، يحتاطون في رهاناتهم على هذا الصراع، بينما تدعم الصين بوتين علنًا. حتى إن تركيا، العضو في حلف الناتو، تتصرف بحذر في هذه الأزمة وتتحرك باتجاه إغلاق مضيق البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية كلها وليس الروسية فقط.
يضيف التقرير: «كما يتجاهل المتفرجون الغربيون في كثير من الأحيان الصراعات التي تجري بعيدًا في الشرق الأوسط وأفريقيا، هناك بعض المواطنين في الاقتصادات الناشئة ينظرون إلى أوكرانيا ويرون أنه لا شأن لهم بهذه المعركة، ولديهم مصالح وطنية في عدم مجافاة روسيا. وفي رقعة واسعة من دول العالم النامي، تُنشر وجهات نظر الكرملين في نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكن التقييمات الأدق تُصوِّر المعركة في أوكرانيا على أنها ليست معركة ملكية بين الخير والشر، بل لعبة شد حبل ميكافيللية بين واشنطن وموسكو».
وكتب فؤاد بول، كاتب عمود في صحيفة حرييت التركية، قائلًا: «يجب أن نبقى على مسافة متساوية من كلتا القوتين الإمبرياليتين».
إن التردد حيال بوتين يردد صدى موقف حركة عدم الانحياز إبَّان الحرب الباردة الذي اتخذته الدول التي سعَت إلى موقف وسط بين القوى العظمى المتصارعة. بيد أن الهوة بين الغرب والجنوب العالمي تتَّسع أيضًا بسبب الجائحة والتغير المناخي؛ إذ يزداد سخط الدول النامية من ردود الفعل التي تبحث عن مصالحها الذاتية فقط في كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
يقول كريس لاندسبيرج، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جوهانسبرج: «هناك عدد متزايد من الدول النامية المستعدة لتأكيد استقلالها على الرغم من أنها تتطلع إلى تعاون أوثق مع الغرب، بل هي في حاجة إلى الدعم الغربي، وهم على استعداد أيضًا لإرسال رسالة مفادها أنهم يرفضون أن يكونوا محاصرين ومجبرين على الاختيار».
الإحجام عن الإدانة لا يعني الدعم
واستدرك الكاتبان قائلَيْن: بيد أن عدم الرغبة في إدانة بوتين لا يُترجم بالضرورة إلى العزم على مساعدته، ففي الأسبوع الماضي، علَّق البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين جميع الأعمال التجارية مع روسيا. وأوقف بنك التنمية الجديد، وهو بنك متعدد الأطراف أنشأته دول البريكس، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، المعاملات الجديدة مع روسيا «في ضوء عدم اليقين والقيود التي تتكشف» على إثر الصراع الروسي الأوكراني.
والأهم من ذلك هو عدم معرفة مدى دعم الصين لبوتين أو توقعه، إذ التقى الزعيم الصيني شي جين بينج ببوتين في بكين قبل نحو ثلاثة أسابيع من الهجوم. ويشير التقرير إلى تحول دعم شي لنظام عالمي جديد إلى جانب موسكو إلى عمل يحتاج إلى موازنات معقدة، لا سيما وسط تداعيات لم تكن تريدها الصين بالتأكيد، مثل اليابان التي أثبتت أنها أكثر حزمًا، والاقتصاد العالمي المنقسم.
ولكن بكين على الأقل سعَت إلى الحفاظ على بعض المشاعر المؤيدة لروسيا في الداخل، فعلى موقع التواصل الاجتماعي الصيني «ويبو»، حُظِر استخدام عبارة الغزو الروسي، وذكرت صحيفة «ذا نيشن» أن استخدام الوَسْمين «بوتين» و«الإمبراطور بوتين» قد انتشرا في الصين إلى جانب صور لبوتين وهو يمتطي دبًّا.
علاقات إستراتيجية مع روسيا
ويشير الكاتبان إلى أن الهند رفضت دعم قرارات الأمم المتحدة التي تُدين الغزو، مشيرةً إلى علاقتها الإستراتيجية مع موسكو التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة. وترى نيودلهي في موسكو قوة موازنة للصين، كما أن أكثر من 60% من أسلحة الهند تأتي من روسيا، وأبرمت الهند صفقة بقيمة 5.43 مليار دولار مع موسكو عام 2018 لشراء نظام صواريخ إس-400.
وقال دان روند، خبير السياسية الخارجية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: «تعد روسيا واحدة من أكبر تجار الأسلحة في العالم، إذ تبيع الولايات المتحدة الأسلحة مثل بيع سيارات الكاديلاك، بينما تبيع روسيا أسلحتها مثل بيع سيارات شيفروليه». وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرٍ جديد إنه في عهد مودي: «استجابت الهند للغزو بواقعية فظَّة؛ إذ لم ترد هذه القوة الصاعدة الطموحة أن تَعْلَق بين روسيا وما يسميه مودي مجموعة الناتو».
وكانت جنوب أفريقيا واحدة من بين 17 دولة أفريقية قد امتنعت عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يدين الحرب الروسية على أوكرانيا، بسبب العلاقات التاريخية بين المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي قاد نضال هذه الدولة ضد حكومة الأقلية البيضاء، والاتحاد السوفيتي. وخضع اثنان من رؤساء جنوب أفريقيا بعد الفصل العنصري لتدريب عسكري في الاتحاد السوفيتي وهم ثابو مبيكي وجاكوب زوما. ووصف زوما بويتن يوم الاثنين، في بيان صدر عن مؤسسته، بأنه «رجل سلام».
وقالت لينديوي زولو، وزيرة التنمية الاجتماعية في جنوب أفريقيا التي درست في موسكو خلال سنوات الفصل العنصري، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «روسيا صديقتنا المقربة، ونحن لسنا بصدد نقض هذه العلاقة التي لطالما تمتعنا بها».
الغموض الإستراتيجي التركي
وأعلن الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان قائلًا: «لا يمكننا التخلي عن أوكرانيا ولا عن روسيا»، وفي الوقت نفسه، رددت الصحافة التركية والشعب التركي رواية الكرملين، التي وصفها التقرير بالزائفة، بأن أوكرانيا هي وكر للنازيين الجدد الآن، وسخرت من ترحيب أوروبا الحار باللاجئين الأوكرانيين، على عكس ما فعلت مع السوريين والأفغان، الذين مُنع عدد لا يحصى منهم من دخول دول الاتحاد الأوروبي وأُجبروا على طلب اللجوء في تركيا.
وقال رجل الأعمال أدهم سنجاك، وهو رجل أعمال وحليف مقرب من أردوغان، للصحافة الروسية: «حكام أوكرانيا خربوا تاريخهم وأصبحوا دمية في يد حلف الناتو».
وكتبت أصلي أيدين تاسباس، الزميلة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في صحيفة «واشنطن بوست»: «يبدو أن الغموض الإستراتيجي هو أساس عملية التوازن التركي مع روسيا؛ إذ إن تركيا غير مستعدة لاستعداء بوتين، ليس من دون عرض متين من الغرب على الأقل».
نون بوست