دراسة صينية: مكانة إيران كمركز للشرق الأوسط تتحقق

يبدأ الباحث الصيني الدكتور وانغ ون كتابه “هل إيران محور الشر؟” بالمثل الصيني المعروف: “غطت الورقة عينيك ولم تستطع رؤية الجبل”. فمفاهيم الغرب الخاطئة والسيئة عن إيران لا تزال قائمة. ووجهة النظر السائدة في وسائل الإعلام الغربي هي التعتيم على إيران.

يقول وانغ عن كتابه، إنه اَمل أن يتمكن الناس من إعادة النظر في رؤيته عن بلد متحضر يمتد تاريخه إلى اكثر من 2500 عاماً.

ويروي وانغ أنه في لحظة دخوله طائرة الخطوط الجوية الإيرانية اندهش مع رفيقيه من رؤية طائرة عملاقة كهذه إذ لم يعتقد أن الطائرة التي ستدخل إيران لا يمكن أن تكون بهذه الضخامة. وهنا أدرك أن مستوى معرفتهم عن إيران منخفض جداً. فالتطور الذي نشاهده في إيران أكثر مما تخيلناه سابقاً.

قبل سفر وانغ إلى طهران بحث في الأخبار والتقارير المدونة خلال 10 سنوات في صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية. وأثناء ذلك عرفت أن حوالى 90 في المائة من أخبار إيران تدور حول أميركا والحرب و”إسرائيل” والإرهاب والازمات والتهديدات وما إلى ذلك. ومعظم هذه الأخبار تظهر للعالم صورة مشوهة لإيران.

ويذكر أنه قبل ساعة من بداية الرحلة نشر خبر سفره إلى إيران في مواقع التواصل الاجتماعي وخلال ساعة واحدة فقط، كتب ما يزيد عن 100 شخص تعليقاتهم وكان أكثرهم قلقين بشأن سلامته ويتمنون له السلامة.

ويشير وانغ إلى أن رسائلهم تظهر أننا ومن دون وعي نتصور أن إيران بلد غير اَمن.

يعتقد وانغ شخصياً أن هذه الظاهرة ناتجة عن “مرض الإستبداد بالرأي والأنانية اتجاه البلدان المعنية” وهي إيران والعراق وكوبا وكوريا الشمالية وليبيا وفنزويلا وغيرها.

ويضيف: من وجهة نظر الصينيين، كلما يمر الحديث عن هذه البلدان، فقط تذكر فيه موارد التشاؤم كالإضطراب والتخلف وما شاكل ذلك، ويحمل في طياته الحقائق المخفية. بعبارة أخرى، فإن معلوماتنا عن الشؤون الدولية – أي من خلال تقارير الغرب المنحرفة – وإلى جانبها التعتيم الإعلامي، يجعلان الذهن متاثراً لا إرادياً بمنطق الغرب وأميركا.

يسأل الكاتب الصيني: من روّج هذه الإدعاءات؟ ويقول: في الواقع هذه الإدعاءات تثبت نظرية فقر المعلومات. فعلى الرغم من اننا نعيش في قرن انفجار المعلومات، إلا أن معرفتنا عما يتعلق بالكثير من القضايا غير كافٍ.

ويتابع: نحن في الواقع نتأثر دائماً بالصورة الصادرة من القوى العظمى، وتفكيرنا ورأينا فيها ضعيف لدرجة أنه لم يتغير مقارنة بالقرن الماضي. لذلك علينا أن نسأل: أين هو مصدر المعلومات؟

لهذا يرى وانغ أننا “أصبحنا كصحافيين دوليين ومن حيث لا نشعر، أدوات إعلام لأميركا وأوروبا واليابان، ونبث تقاريرهم كل يوم، ونكتب أخباراً وتقارير تتناسب مع نوع وطريقة تفكيرهم. وفي الحقيقة نحن نروّج الأفكار الغربية. وبمرور الزمن ينتابنا نوع من الإنحياز تجاه الدول الغربية ونرسم صورة خاطئة في أذهاننا عن الدول النامية”.

وعلي سبيل المثال، نحن نسمّي التظاهرات والاحتجاجات في الدول الغربية، تمرداً وحروجاً عن القانون ونطلق على نفس هذه التظاهرات والاحتجاجات في الدول النامية، كلمة “الثورة”.

يحكي لنا وانغ قصة الأستاذة الجامعية رومي، في جامعة ماكاو في جنوب الصين التي أرسلت له نتائج بحثها، بعنوان “حرب العلامات”، معتقدة أن العلامات والإشارات هي التي تكشف لنا اليوم حقيقة المعلومات، وفي سوق العلائم والإشارات الدولية، كل الاَراء والتقارير هي حصيلة هذه العلامات المتبادلة بين الدول.

الصين في هذه التجارة كانت ولا زالت تواجه نقصاً في المصادر العلمية والحقيقية ونحن ندخل جميع العلامات التي هي من إنتاج وتقديم أميركا وأوروبا واليابان، في سوق وسائل الإعلام الصيني كما هي من دون أي تعديل أو تغيير، ومع مرور الوقت يغسل التفكير الغربي أدمغتنا. إن ما ادعته هذه الأستاذة وإن كان حاداُ، إلا أنه يبدو ذا أهمية.

يرى وانغ ون أن وسائل الإعلام الصينية فقدت مكانتها مع مرور الزمان وانحرفت عن المسار المعتدل. وفي مثل هذه الحالة علينا أن ننتبه من غفلتنا. ونبتعد عن اتباع سياسة الغرب الناعمة والتقارير الإعلامية المتعلقة بها.

وقال إن اتباعنا للقيم الغربية جعلنا نفقد التشخيص الدقيق للحقائق، ومن البديهي، أننا لن نتمكن أن نكون أنفسنا أو نكتب بأنفسنا. هناك أفكار سلبية تشكلت في أذهاننا وهي أن جميع البلدان النامية وخاصة البلدان المعنية غير اَمنة. فنحن لا نفكر بأن هذه الدول هي ايضاً ذات ثقافة غنية وحياة هادئة وتتمتع بالحرية ومتحضرة.

القوة الأميركية ضد الكرامة الإيرانية
يروي وانغ أنه سأل المسؤولين والمراسلين والعلماء وعامة الناس في إيران، لماذا إيران هي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تعارض أميركا بشدة. وكانت إجابتهم واحدة، وهي أن إيران دولة مستقلة والشعب الإيراني له عزة وكرامة. وقال: لقد سمعت الكثير عن الكرامة من الشعب الإيراني.

ويحدثنا المؤلف أنه “عندما كنا في طهران، وكلما تحدثنا عن الحرب ضد إيران، كان الإيرانيون يكررون هذه العبارة: إن إيران ليست العراق، إيران ليست أفغانستان، ونحن لن نخضع لسلطة أجنبية”.

ويستطرد قائلاً: هذه هي الحقيقة، أنا أعتقد أن إيران ليست يوغسلافيا ولا ليبيا ولا هايتي ولا بنما. أشعر أن أميركا إذا هاجمت إيران فهناك احتمال كبير أن تصبح إيران كوريا الشمالية في خمسينات القرن العشرين وفيتنام في سبعيناته. قد تنجح أميركا في الحرب مع إيران لكنها لن تربح شيئاً.

ويضيف: لقد سألت أحد الخبراء والمسؤولين في إيران عن البرنامج النووي، فأجاب بحماس: البرنامج النووي الإيراني كان سلمياً تماماً فلماذا يشكك الغربيون في إيران، لكن لا يسألون أبداً عن الاسلحة النووية الإسرائيلية والأميركية.

يتساءل وانغ: هل تعتبر إيران بلداً صغيراً حقاً؟ قد تكون إيران دولة ضغيرة بالحجم مقارنة بالصين، لكن مقارنة بالدول الأوروبية، فإن إيران مساحتها تعادل بريطانيا وفرنسا والبرتغال وإيرلندا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ مجتمعة.

إن عدد سكان إيران هو تقريباً نفس عدد سكان ألمانيا. وإيران تحتل المرتبة 17 في العالم من حيث حجم وعدد سكان. وطهران عاصمة إيران تعد أكبر مدينة في غرب اَسيا والمدينة الـ19 في العالم.

وتعتبر إيران أكبر مصدر للطاقة في العالم وثاني أكبر بلد منتج في الشرق الأوسط، فهي تمتلك حالياً أكبر احتياطات النفط والغاز في العالم. استحقت إيران لقب “متحف المعادن العالمي” في العالم، والذي يشكل 7 بالمائة من إجمالي الموارد المعدنية في العالم.

يطالب الباحث الصيني بلده الصين بأن تتجاوز نظرة الغرب لإيران حتى يكون للصينيين فهم صحيح للطبيعة الإيرانية ولاكتشاف إيران. ففي العصر الجديد وقف الإيرانيون لعقود من الزمان ضد القوة العظمى في العالم من دون صراع. عندما ضعفت قوة دول الشرق الأوسط مثل مصر والعراق والسعودية وسوريا وتركيا تحت تأثير العديد من المتغيرات، فإن إيران – التي حافظت على استقرارها لفترة طويلة – تعمل على تحسين حقها في العالم من دون صراع.

يؤكد وانغ أن نفوذ إيران الدولي وصل إلى مستوى يمكن وصفه بأنه “ظهور” وهو المستوى الذي لم تتمتع به مطلقاً بعد الثورة الإسلامية. إن مكانة إيران باعتبارها “مركز الشرق الأوسط” في إطار التحقق. وإيران بالإضافة إلى كونها في قلب القارة الأوراسية، تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد الحقيقي والعلوم الإنسانية.

ودور إيران في القارة الأوروبية الاَسيوية مهم أيضاً ولا يمكن الإستغناء عنه. هناك تبادل ودي بين إيران وتركيا، وإيران وروسيا جارتان. والتبادل ودي بين إيران والصين لأكثر من 2000 عام. إن مكانة إيران كمركز للشرق الأوسط بدأت تؤتي ثمارها تدريجياً.

ويوضح وانغ أن إيران تتمتع بنفوذ كبير في الشرق الأوسط مع بروز الحكومة العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين، والإنسحاب التدريجي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وبنفوذ لا مثيل له في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين. وهذا التأثير يزداد، حيث أرسلت قوات لمساعدة سوريا في الحرب على تنظيم “داعش” ودعمت “أنصار الله” في اليمن.

يطالب الباحث الصيني، بعد أن عدد قوة ونفوذ إيران في الشرق الأوسط، بوجوب إعادة صياغة نظرية العلاقات الدولية في العالم بسبب معارضة إيران للولايات المتحدة. ففي تاريخ العالم يمكن للقوى العظمى فقط أن تتعامل مع “زعيم العالم”، لكن الغربيين لا يعتبرون إيران قوة بل لم يرد إسم إيران في كتاب “أميركا والدول القوية” للعالم السياسي الغربي باري بوزان حتى مرة واحدة. وأيضاً لم يحلل صموئيل هنتغتون في نظريته أساس ومبنى “صراع الحضارات” حول إيران ولم يكتب الإستراتيجيون الأميركيون المشهورون، بمن فيهم هنري كيسنجر وزبيغنيو بريجنسكي، أي شيء في كتاباتهم حول قوة إيران ومكانتها.

خلال العشرين سنة الماضية كان الأميركيون نائمين على فراش ما يسمى “نظرية نهاية التاريخ” ولمدة عشر سنوات كانوا يعانون من إرهاب أسامة بن لادن. والاَن يصفون إيران بانها مركز الشر. هذه الأفعال إن دلت على شيء، فإنها تدل على جهل السياسيين وسفه المحافظين الجدد في أميركا.

ويخلص وانغ إلى أن أميركا لا تصدق أن دولة صغيرة باسم إيران عارضت واشنطن أو أن أحداثاً وقعت مثل نهاية حقبة الحرب الباردة.

إن رؤية الباجث الصيني تنسجم مع ما قاله السفير الأميركي السابق تشارلز فريمان عن ربطه السياسية الأميركية حول إيران بمرض ذهني إذ يقول: “المريض النفسي يظن أن 2 + 2 = 5، ولكن المريض العصابي يعلم أن 2 + 2 = 4، ولكنه مغتاظ للغاية من ذلك. واشنطن عصبية لأنها ترفض الإعتراف بالحقيقة بسعادة”.

محمد علي فقيه – الميادين

الشرق الاوسطالصينايران