مقدمة:
لا تزال الثورة الإسلامية في إيران وفي كل ذكرى سنوية لها، تقدّم نموذجا ناجحا لتجربة فريدة ليس فقط في إيران ولا في العالم الإسلامي بل في العالم باسره. بدأت هذه الثورة بجملة من التحديات، أساسها القضاء على الاستبداد والظلم والدكتاتورية، وصولا الى تخليص المظلومين والمستضعفين وارجاع الحقوق الى أصحابها ثم التفكير في بناء الدولة الإسلامية بمنظومتها وسياساتها وتوجهاتها التي استوجبت تثبيت جملة من المبادئ والقيم والرؤى السياسية والاجتماعية والإنسانية مع الاخذ بعين الاعتبار المتغيرات والتحولات في المحيط الخارجي التي بالتأكيد سيكون لها دور وتأثير مباشر على البنية الداخلية وخياراتها وممارساتها. استطاعت الجمهورية الإسلامية بفضل توجيهات قيادتها الحكيمة ان تنجح في إرساء قواعد الصمود والتحدي والمواجهة لكل المحاولات من قبل قوى الاستكبار العالمية الرامية لإخضاع وتدمير الجمهورية الإسلامية وتغيير سلوكها. أفشلت هذه الدولة خطط وسياسات الغرب وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية واداراتها المختلفة، معتمدة على منهج الصبر الاستراتيجي والعمل والدبلوماسية الذكية التي أدّت الى اسقاط وافشال سياسات الضغوط القصوى، وكشفت عن التقديرات الخاطئة التي اعتمدتها أدوات الغرب وامريكا لاحتواء إيران والقضاء على قدراتها الذاتية والعملية.
اليوم، دخلت الجمهورية الإسلامية بحق عصرا جديدا باستراتيجية جديدة قوامها خطوة فعالة وقيّمة وهي بمثابة الخطوة الثانية لاستكمال مسار ثورة إسلامية صنعت ذاتها وقدمت نموذجا تحرريا حقيقيا بكل القيم الإنسانية والحضارية الشاملة.
- بين الامس واليوم: ثورة اسلامية قدمت البديل العادل لشعبها وللأمة:
لعب نظام الشاه دورا أساسيا في جعل إيران مركزا للسياسات الغربية، ما ساهم في إبقاء إيران ولسنوات، رهينة لمصالح الغرب وعلى حساب مصالح الشعب الإيراني. لقد كانت إيران في زمن الشاه أشبه بالقوة التي يعتمد عليها الغرب في الإقليم. من هذا المنطلق، عزَّز نظام الشاه علاقاته مع الكيان الإسرائيلي من خلال التعاون الأمني بين السافاك والموساد. كما فتح أبواب التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الغربية دون ضوابط أو رعاية المصالح الإيرانية. حتى سبعينات القرن الماضي، اندفعت الدول الغربية بالإضافة إلى الكيان الإسرائيلي، لتعزيز علاقاتها العسكرية والسياسية مع نظام الشاه. لكن ذلك لم يكن بهدف حماية مصالح الشعب الإيراني بل بهدف إيجاد قوة مُهددة لتعاظم الإتحاد السوفيتي. طول فترة حكمه، رَهن الشاه مصالح الدولة والشعب لخدمة السياسات الغربية. وكانت السياسة الإيرانية تمارس دورها ضمن الإطار الغربي. إلى أن جاء انتصار الثورة الإسلامية. ساهم انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في صناعة تحوُّل في بنية النظام الإيراني، وهو ما أدى للعديد من النتائج، حيث أعطت الثورة الإسلامية لإيران الهوية. فقد جاءت الثورة واضحة المبادئ والقيم والأهداف. الأمر الذي يتماشى مع ثقافة الشعب الإيراني وحضارته العريقة. فالدور الذي لعبه نظام الشاه في جعل إيران تابعة للغرب، كسره انتصار الثورة والذي أعاد إحياء تاريخ الشعب الإيراني المليء بالأمجاد والاستقلال والسيادة. كما ساهمت الثورة الإسلامية في بناء إيران دولة المؤسسات، فأنهت تاريخاً من حكم الشاه الديكتاتوري للبلاد، وجعلت من إيران دولة مؤسسات متعددة الأجهزة والمهام، تتمتع بالديمقراطية وحكم الشعب الذي يختار الرئيس وأعضاء المجلس. كما نجحت الثورة الإسلامية في أن تُقدم إيران كنموذج جديد في ممارسة الحكم وإدارة الدولة، ضمن الإطار الإسلامي.
أنتجت الثورة الإسلامية دولة التطور والبحث العلمي. فقد ساهم التحوُّل البنيوي في النظام الإيراني، بتأمين الأرضية اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي للشعب الإيراني. كما انتقلت إيران من دولة تحتاج إلى الدعم في قطاع الصناعة إلى دولة مُصدرة للصناعات. بالإضافة إلى مرحلة التطور في البحث العلمي والتكنولوجيا على الصُعد كافة وصولاً إلى الطاقة النووية. لكن هذه التحولات البنيوية، كان لها الكثير من الآثار المرحلية حينها والإستراتيجية التي امتدت إلى يومنا هذا. ما حققته إيران طيلة سنوات الثورة المجيدة، ألقى بآثاره على المنطقة والعالم، لعدة أسباب، فقد شكلت الثورة ذاتها على الصعيد الأيديولوجي والتطبيقي نموذجاً تحررياً ينطلق من مبادئ راسخة تتصف بالعالمية والصلاح لكل زمان ومكان. يكفي العودة لمبادئ الثورة، لملاحظة قيمها الإنسانية ذات الطابع الإسلامي، الأمر الذي يجعلها تتميز بأيديولوجية عابرة للمذاهب والطوائف والقوميات والانتماءات والجغرافيا. ما جعلها نموذجاً لحركات التحرر التي سُرعان ما تأثرت بها. نجحت الثورة الإسلامية في تغيير مسار تاريخي امتد لفترة من الزمن، طغى عليه الرضوخ للقيم الغربية والتبعية للغرب والارتهان له على جميع الأصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية. ساهمت شعارات الثورة في بناء ثقافة جديدة تؤمن برفض الهيمنة والاستعمار وسياسات الاستكبار ما أسس لنهضة الشعوب للدفاع عن مصالحها. صمد النظام الإيراني الذي أنتجته الثورة الإسلامية، وأدت سياساته الخارجية وخياراته على الصعيدين الإقليمي والدولي، الى تشكيل جبهة واسعة، أطلق عليها فيما بعد بمحور المقاومة لمواجهة قوى الاستكبار في المنطقة. كما ساهم الخطاب الإنساني لقادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا سيما مرشد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي، في تقديم النموذج الإسلامي بصورته الصحيحة. وهو ما أدى من جهة إلى تصدير الرؤية الإسلامية للعلاقة مع الآخر بصورتها الصحيحة الأمر الذي لقي احترام كافة شعوب العالم، وساهم من جهة أخرى في إعادة الحق المسلوب للأمة الإسلامية عبر تقديم النموذج الإسلامي للحكم بصورته الصحيحة.
شكّلت هذه الخيارات انقلاباً على سياسات الغرب لأنها ساهمت في التأسيس لمنعطفٍ تاريخي. كما قدمّت الثورة الإسلامية بقيادة الامام الروح الله الخميني (قدس سره الشريف)، نموذجاً يُقتدى به، للدولة القادرة على تعزيز مصالح أمنها القومي، دون التدخل أو حتى معارضة مصالح الشعوب الأخرى.
- سياسة قادة الثورة الإسلامية لمواجهة الضغوط الامريكية والغربية:
لا شك ان قادة هذه الثورة المجيدة هم الأكثر حرصا على المحافظة على ثوابت الثورة ومبادئها، بل هم الأكثر حرصا على تطوير سلوكياتها بما يتماشى مع تطورات العصر، حتى تبقى منسجمة مع جذورها من جهة، وخياراتها من جهة أخرى، وحتى تكون بحق النموذج الحقيقي لبناء الدولة الإسلامية على الأسس المحمدية الصحيحة وإرساء النموذج الحديث الذي ينسجم مع التطورات والمتغيرات في محيطه الداخلي والخارجي. في هذا الإطار وبإشراف من قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي، أصدر مركز النموذج الإسلامي الإيراني للتقدم وثيقة “النموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم للأعوام الخمسين المقبلة” والتي تعتبر أهم وثيقة سياسية صدرت عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، شارك في إعدادها آلاف الخبراء وأساتذة الجامعات والحوزويين، وتهدف إلى تصميم نموذج إسلامي-إيراني للتقدم، متضمنة أهم ركائز التقدم ومبادئه، وترسم الآفاق المنشودة للبلاد على مدى خمسة عقود قادمة، وتخطط للتدابير المؤثرة من أجل تحقيقها. من هذا المنطلق أعلن مجمع تشخيص النظام في إيران تبنيه لمبادئ وثيقة النموذج الإسلامي الإيراني المتقدم، واعتمادها كإطار اساسي للسياسات العامة مع التأكيد على ضرورة تطوير النظام القائم بما يتناسب مع الأسس التي طرحتها هذه الوثيقة. تجدر الإشارة هنا، الى أن وثيقة النموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم للأعوام الخمسين المقبلة تعتبر اطارا إسلامياً إيرانياً متقدماً، يطرح منهجاً عاماً للتطورات المطلوبة في إيران على صعيد الفكر والعلم وعلى صعيد المجتمع لتتويج حضارة إسلامية إيرانية حديثة خلال نصف القرن القادم.
تم تقديم هذا النموذج بمشاركة واسعة من قبل عدد من المفكرين وأصحاب الرأي الإيرانيين وبناءً على رؤية عالمية وأسس إسلامية، وعلى قيم الثورة الإسلامية بشكل يتماشى مع المقتضيات الاجتماعية والإقليمية ومع الميراث الثقافي لإيران، وذلك وفق مناهج علمية، وبالاستفادة من الطاقات الإنسانية والقراءات والتوقعات التي تبحث التطورات العالمية. تقدم هذه المبادئ -المتعلقة برؤية جدّية لمعرفة الله والكون، والانسان والمجتمع والقيم والدين- أهم التوقعات الإسلامية والفلسفية والعلمية للعالم بأكمله، وهذا دليل على أنها رؤية منفتحة وشاملة وغير منغلقة على نفسها، انما هي رؤية قادرة على التأقلم مع المتغيرات والتطورات الخارجية التي بالتأكيد سيكون لها تأثيرات داخلية. إن هذه المثل والقيم تتعدى حدود الزمان والمكان وتتجه نحو التقدم. كما أن هذا النموذج الإسلامي هو بمثابة الميثاق المشترك بين الشعب ونظام الجمهورية الإسلامية لدعم سياق التقدم والتطور والحداثة التي لا تتنافى مع الأسس الإسلامية الثابتة.
تسعى إيران لان تصبح سباقة في مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي، وأن تصبح دولة مصنعة ومنتجة ومصدرة أيضا للعلوم على مستوى العالم لتحتل مكانة عالمية من بين أكبر الدول انتاجا للفكر والعلوم التقنية والتكنولوجيا الحديثة. لم يقف الطموح الإيراني عند هذا الحد، بل تجاوزه لبناء اقتصاد يرتكز على العلم والعقل ليتجاوز كل العراقيل والحواجز والعقوبات وسياسات الحصار المفروضة من قبل قوى الاستكبار العالمي، ليصل الى العالمية ويقدم نموذجا ناجحا يعمل على تقديم أفضل مستوى معيشي لأبناء المجتمع الإيراني.
من المؤكد أنّ الواقع الإيراني الان هو الأكثر وضوحا فيما يخصّ القدرات والإمكانات المتوفرة لمواجهة كل أساليب الهيمنة والسيطرة من قبل قوى الاستكبار العالمية، وعليه، فان إرادة الإيرانيين المعتمدة على الصبر الاستراتيجي وحسن التفكير والتدبير في اتخاذ الخطوات اللازمة وتبني الخطط الرائدة وعلى رأسها وثيقة النموذج الإسلامي المعلنة سابقا، هو من الخيارات الصحيحة واللازمة لمواجهة سياسات الغرب المستكبر وأطماعه. انها الفرصة الحقيقية لتحقيق الذات ولنشر ثقافة القدرة على التغيير والتطور ورسم الافاق المنشودة.
تبدو الجمهورية الإسلامية اليوم، أكثر قدرة على تنفيذ خطوتها الثانية للثورة الإسلامية التي انطلقت بقوة وجرأة كبيرتين، مطلقة العنان لمرحلة جديدة من عصر الاقتدار للجمهورية الإسلامية ولكل محيطها المقاوم.
قدّم السيد القائد جملة من التوجيهات للقوى الداخلية في إيران وأكّد على ان الحل الأمثل للخروج من الازمات هو تفعيل مستوى التشاور والتعاون بين مختلف القطاعات الحكومية والخاصة. فلا حل سياسي ولا اقتصادي من دون البحث عن سبل لتطوير الأساليب والأدوات المتاحة. اٍنّ الخطة الإستراتيجية والإدارة الشاملة هما من الأعمال الضرورية لتحقيق الأهداف. من المهم القيام بعملية تقييم لكل التجربة السابقة، بل من الضروري مراجعة كل السياسات التي لم تنجح في محاصرة عوامل الضعف الاقتصادي في السنوات الأخيرة في إيران. فمنذ انطلاق الحرب الاقتصادية الشرسة التي قادها الامريكيون والغرب على الجمهورية الإسلامية شكّل الوضع خطورة، ادّت الى إخفاقات بسبب عجز الأجهزة التنفيذية عن مجاراة الازمات المتراكمة بسبب الحصار الدولي وتوابعه. من هذا المنطلق، كان لزاما على الفاعلين الاقتصاديين الانتباه للمخاطر والعمل على مواجهتها بتبني خطة استراتيجية فاعلة وشاملة، قادرة على تخطي العقبات وتحقيق الاكتفاء الذاتي والمعنوي وحماية الموارد.
تتمتع إيران بإمكانات اقتصادية كبيرة، وهي متوفرة وموجودة ونشطة بشكل كبير، وما تحتاجه هذه الإمكانات فعلا هو إدارة نشطة مواكبة للتطورات وذات قدرات ذاتية قادرة على تنظيم وتنفيذ خطط الحماية والمراقبة والتطوير. فالقدرات الذاتية متوفرة وهي قادرة فعليا على تقديم نموذج ناجح في مواجهة خطط الحصار والتجميد والعقوبات التي يبتكرها الغرب في حربه الاقتصادية المعلنة على الشعب الإيراني.
عرض السيد القائد جملة من التوصيات على المسؤولين والخبراء في الجمهورية الاسلامية قاعدتها منظومة صلبة لاقتصاد مقاوم، قادر على تحقيق الأهداف المتمثلة في كسر أدوات الضغط الامريكية. اعتمدت عناصر الاقتصاد المقاوم على جملة من العناوين أهمها جهاد الإنتاج القادر على ان يكون راصدا ومنتبها بشكل جدي وواضح لهجوم العدو وحركته فيحكم السيطرة على نقاط الضعف التي قد يعتمد عليها العدو لاختراق البيئة الاقتصادية، فيحكم المواجهة لخططه ومؤامراته.
من المهم الإشارة الى ان العدو يعمل جاهدا على اختراق البيئة الاجتماعية والاقتصادية من خلال تركيع الإنتاج، بتسليط العقوبات على الموارد الأساسية (النفط والغاز) والتضييق على التبادل التجاري لهذه الموارد بفرض الضغوط على الدول التي تتعامل مع إيران في هذا المجال. هدف العدو واضح، هو تركيع الإيرانيين ومنعهم من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير العملة التي تساعدهم على ضخ الإمكانات لتطوير المشاريع الوطنية ومؤسسات الدول والنهوض بحياة الفرد الإيراني.
3.فشل سياسة الضغوط القصوى الأمريكية والغربية على الجمهورية الاسلامية
بات من المؤكد ان صمود القيادة الإيرانية ومساندة الشعب الإيراني ومبادرات المخلصين من الشعب الإيراني استطاعت ان تسقط سياسة الضغوط القصوى الامريكية، حيث لم يستطع العدو ان يكسر متراس الإنتاج ويهزمه، كما لم يستطع تركيع الشعب الإيراني على الرغم من كل السياسات والأدوات والأساليب المتوفرة لدى العدو في الحرب الاقتصادية المفتوحة التي بدأت منذ انطلاق الثورة الإسلامية واسقاط نظام الشاهنشاهي في 1979 لتتواصل حتى يومنا هذا-على الرغم من المبادرات التي سعت اليها الولايات المتحدة وتبناها الغرب، في محاولة استمالة ايران واحتوائها سواء من خلال الانفتاح الدبلوماسي على النظام الإيراني او حتى من خلال المفاوضات التي أدت الى توقيع الاتفاق النووي في 2015.
يعترف الأمريكي اليوم بفشل سياسة الضغوط القصوى على إيران معتبرا انها لم تنجح الى حد الان في تركيع النظام واحتوائه والسيطرة على خياراته، بل انها لم تنجح في اسقاطه والتحريض على الانقلاب عليه. أوضحت صحيفة النيويورك تايمز أن المناورة التي نفذها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والمسماة “الضغط الأقصى” قد فشلت، وأن عقوباته أصابت إيران بالشلل، لكنها دفعتها لاستئناف العمل النووي الذي تخلت عنه عقب إبرام الاتفاق. ومن ضمن الحجج التي حشدتها الصحيفة، أنّ العديد من الدول الأخرى قد سئمت بما فيها روسيا والصين والتي عملت عن كثب مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لإبرام الاتفاق النووي مع إيران، من الأحادية الامريكية. هذه الدول استأنفت علاقتها وتعاملاتها مع إيران ووقعت اتفاقيات شراكة استراتيجية معها في تحدي واضح لكل سياسة الضغوط الامريكية.
سمح الاتفاق النووي لإيران بتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تبلغ 3.67%، أي أقل بكثير من درجة نقاوة الأسلحة، والآن وصلت إيران إلى نسبة تخصيب تبلغ 20% من النقاء. وبموجب الاتفاق النووي، اقتصرت إيران على 202.8 كيلوغرام من اليورانيوم، والآن يُقدر مخزونها بثلاثة أطنان. كانت العقوبات المفروضة على البنوك الإيرانية والمؤسسات الأوروبية والآسيوية التي تتعامل مع إيران تهدف في الأصل إلى إحداث ما يكفي من الألم على المدى القصير لفرض المفاوضات، لكنها في الحقيقة لم تحقق الأهداف الامريكية والغربية بإخضاع الجمهورية الإسلامية للإملاءات الامريكية. وقد حذّر وزير الخزانة الأميركي الأسبق جاكوب لو في 2016 من أن الإفراط في استخدام العقوبات المالية قد يأتي بنتائج عكسية. فإذا سئمت الدول الأخرى من تهديد الولايات المتحدة بمعاقبة البنوك والشركات في جميع أنحاء العالم التي تتعامل مع إيران، فيمكنها البدء في البحث عن بدائل للنظام المالي الأميركي، وستفقد العقوبات الأميركية قوتها، وتفقد البنوك الأميركية مركزيتها، وستبدأ مكانة الدولار كعملة احتياطية مهيمنة في العالم تتآكل.
من هذا المنطلق حثت القيادة في إيران القائمين على حماية البيئة الاقتصادية، وتحديدا الإنتاج الذي شهد طفرة ملفتة في الفترة الأخيرة والذي استوجب المزيد من الحذر والاهتمام بكيفية التوزيع والاستفادة من هذه التدفقات التي ستساهم في تغيير المؤشرات الاقتصادية المهمة في البلاد كافة. اٍنّ طفرة الإنتاج على هذا النحو، ستكون مفتاحا للخلاص من الازمات الاجتماعية اذ ستفتح فرص للعمل وستساهم في تقليل نسبة البطالة، وازدهار الصادرات، وستوفرّ مدخول للعملة الصعبة للبلاد، وبالتأكيد ستقلّل معدّل التضخّم. فضلاً عن ذلك سيشكّل الاستقلال الاقتصادي في البلاد قوّة حقيقية تعزّز الثقة بالنفس الوطنية، تحفظ الاقتصاد من الخضّات التي تفرضها القوى الخارجية، وتحميه من المسائلات الداخلية. هذه السياسة، هي لبّ الاقتصاد المقاوم الذي سبق وأعلن عنه السيد القائد منذ سنوات.
أكّد السيد القائد في وثيقة “النموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم للأعوام الخمسين المقبلة”، على ضرورة الارتقاء بالمستوى الاقتصادي من خلال تبني أساليب متطورة وفعالة في مجال الجودة والتقنية في دعم الإنتاج المحلي الذي بالتأكيد سيكون مفتاح الخلاص والتحدي لكل أساليب الضغط التي يعتمدها الغرب المستكبر لمحاصرة إيران وتدمير اقتصادها وامكاناتها واستقلالية مواردها وثرواتها. إضافة الى ذلك، حثّ على ضرورة تطوير الصناعات الكبرى والزراعة التكنولوجية ونوع الاستهلاك الأمثل في الزراعة، واستخدام القدرات الداخلية الكفؤة لتطويرها وتحديثها بالاعتماد على الطاقات الشبابية المتوفرة في مختلف مجالات الإنتاج العلمي والاحاطة بها.
تدرك القيادة في إيران أهمية العمل على حماية النظام المصرفي، وتوجيه الائتمان المصرفي نحو الإنتاج ليكون رافدا حقيقيا للتمويل والدعم لكل المشاريع الإنتاجية. من هذا المنطلق بات من الضروري ان تعمل المؤسسات البنكية على توفير كل الاعتمادات والسيولة اللازمة لتحقيق هذه الخطة الاستراتيجية الشاملة وادارتها.
ما هو مطلوب من السلطة اليوم في إيران ان تكون الرائدة في تنفيذ الخطوة الثانية للثورة بالعمل على تحقيق كل متطلبات وثيقة النموذج الإسلامي، من خلال تبني الخطة الاستراتيجية الشاملة لتشغيل كل القطاعات الحيوية والمنتجة لتكون السلاح الأكثر فعالية في مواجهة الحرب الاقتصادية الشرسة التي فرضتها أمريكا ودعمها الغرب على إيران والشعب الإيراني.
مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير