يعود تحالف العدوان على اليمن إلى سيرته الأولى. مجازر متنقّلة تحصد أرواح عشرات الأبرياء بدعوى استهداف مواقع «الميليشيات الحوثية». هي «فترة سماح» يُتاح فيها لـ»التحالف» التنفيسُ عن غضبه الكبير جرّاء ضربة «إعصار اليمن»، ريثما يتبيّن للأميركيين، الذين يجول مبعوثهم اليوم على المنطقة، ما يمكن فعْله. على أن هذه الفترة، وإن كانت «في العمق غير مرتبطة بمساعٍ لتغيير الوضع الحالي في الجبهات»، بحسب ما تقرأها «أنصار الله»، الأمر الذي يعني أنها ليست المُحدِّد الفيصل بخصوص المرحلة المقبلة، إلّا أنها ستكون لها تداعياتها على مستويَين: الأوّل، استتباع فعْل من قيادة صنعاء التي أكدت أن الفصْل الأخير من المجازر السعودية – الإماراتية لن يمرّ من دون ردّ؛ والثاني تعقيد الجهود الأميركية لاستنقاذ الحلفاء، بعدما تكاثفت التحذيرات من أن «الحوادث ذات الأضرار الجانبية الكبيرة» (إقرأ: المذابح)، ستُبخّر ما تبقّى من تعاطف دولي مع «التحالف»، مع نصائح لواشنطن بالمساعدة في التخفيف من تلك «الأضرار»
واصل التحالف السعودي – الإماراتي ارتكاب المجازر بحقّ المدنيين العزّل في اليمن، انتقاماً للضربة التي تلقّتها الإمارات في مطارَي دبي وأبو ظبي وفي منطقة المصفح الصناعية في العاصمة الإماراتية، والتي أتت في سياق معادلات ردع تعمل صنعاء على إرسائها في مواجهة العدوان المتواصل منذ أكثر من سبع سنوات. وفيما كان لافتاً تعمُّد استهداف أبراج الاتصالات والإنترنت، اعتبرت صنعاء أن عزلها عن العالم الخارجي تمهيدٌ لـ«ارتكاب المزيد من الجرائم» في الأيام المقبلة. مئات الشهداء والجرحى، ودمار كبير في الممتلكات والبنى التحتية المدنية، خلّفته طائرات «التحالف» في صنعاء (الحي الليبي) وصعدة (السجن المركزي) والحديدة (مبنى الاتصالات) وغيرها، منذ ما بعد «إعصار اليمن» يوم الإثنين الماضي، في ما يبدو أنه «فترة سماح» ممنوحة للإمارات لـ«تُنفّس غضبها»، قبل الإفساح بالمجال أمام الاتّصالات التي شرعت مسقط في إجرائها، في الساعات الأولى ما بعد الضربة اليمنية، من جهة، ولتكبير «فاتورة الدم» التي ستدفعها «أنصار الله» من حساب المدنيين والأبرياء، لتكون حاجزاً أمامها قبل أن تفكّر في إعادة الكرّة مرّة أخرى.
وفيما تحاول أبوظبي لعب دور الضحية، عبر سعْيها الدؤوب لحشد أكبر قدْر ممكن من التعاطف العربي والدولي معها، أبلغ المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الخميس، أن بلاده «تمتلك الحق القانوني والأخلاقي للدفاع عن أراضيها وسكّانها وسيادتها، وستمارس هذا الحق للدفاع عن نفسها، ومنْع الأعمال الإرهابية التي تنتهجها جماعة الحوثي»، داعياً إلى «ضرورة وجود موقف حازم من المجتمع الدولي» تجاه ما سمّاه «توسّع الأعمال الإرهابية للميليشيات الحوثية». غروندبرغ الموجود في الرياض، لـ«بحث سبل حلّ أزمة اليمن»، التقى نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، واتّفقا على «العمل سويّاً بشكل وثيق»، بعدما ناقشا «إنهاء الحرب في اليمن وضمان الاستقرار في شبه الجزيرة العربية». إلّا أن العمل الأميركي – السعودي – الإماراتي المشترك في اليمن، منذ الـ17 من الجاري، لا يعدو كونه مجازر متنقّلة، في ما يبدو أنه يستهدف البعث برسالة بـ«النار والدم»، مفادها بأن «التحالف»، ومِن خَلفه أميركا وإسرائيل، لا يمكن أن يسمحوا بتكرار «إعصار اليمن»، خصوصاً في إمارات ما بعد 15 أيلول 2020، تاريخ توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، والدور «الواسع» الذي أنيط بها ربطاً بذلك. وفيما تأتي ردّة فعل «التحالف» الحالية على العملية اليمنية، شبيهة بردّات فعل إسرائيل على عمليات المقاومة في فلسطين ولبنان لناحية القصف العشوائي وممارسة القتل للقتل، إلّا أنها في عمقها غير منفصلة عن حسابات ودوافع أميركية – إسرائيلية، ربطاً بحقيقة أن ضرب العمق الإماراتي قد أثار قلقاً إسرائيلياً أكثر ممّا هو مسجّل في أبو ظبي، مع لحظ الدور الإماراتي في عمليات «التمويل والتجنيد» في سياق التسويق لمشروع التطبيع.
إزاء ذلك، تقول مصادر مواكبة، لـ«الأخبار»، إن «الهستيريا التي تنتاب الإمارات، ومِن خَلفها السعودية والولايات المتحدة، والتي تُرجمت على شكل مجازر متنقّلة بين صنعاء وصعدة والحديدة، لن تمرّ من دون ردّ مناسب، إلّا أنها في العمق غير مرتبطة بمساعٍ لتغيير الوضع الحالي في الجبهات، وخصوصاً ما يتعلّق بوضع مأرب وشبوة»، مشيرة إلى أن «قوى العدوان غير قادرة في الأساس على خلْق اندفاعة ثانية لمرتزقتها في مديريات بيحان وعسيلان وعين». وبالتالي، فإن «العجز البري يتحوّل إلى تجزير جوي الهدف منه قتْل إرادة اليمنيين من خلال مشاهد الدم والأشلاء». لكن ذلك لا يمنع صنعاء من إضافة المجازر الجديدة لـ«التحالف» إلى «موجبات الردّ» التي تعمل وفقها. وبحسب المصادر المواكبة ذاتها، فإن الاستراتيجية العسكرية لحركة «أنصار الله» «لا تقوم على ردّ الفعل المتسرّع بل المدروس، وهي لا تبادر إلى التحرّك قبل أن يستكمل العدو مساره ويفرغ ما في حوزته ويكشف مخطّطه». وبالتالي، فإن صنعاء تؤكد المؤكّد، وهو أمران: الأوّل أن عملية «إعصار اليمن» «لم تكن سوى رسالة أوّلية مرتبطة بالمعادلات الخاصة بمعركة مأرب ومتطلّباتها، وأن تكرارها متّصل بالحاجة إلى إبقاء هذه المعادلات قائمة وفعّالة»؛ والثاني هو «حتمية الردّ على المجازر المرتكبة بحقّ المدنيين في إطار الجنون السعودي – الإماراتي في الردّ على إعصار اليمن».
لا يلعب الوقت لمصلحة الإمارات، التي ستبقى متأهّبة إلى أن ينجلي غبار «المعركة على هامش الحرب»، والتي اندلعت عقب «إعصار اليمن»، فيما يَنتظر التصعيد القائم حالياً «إشارة النهاية» التي ستخرج بها الاتصالات القائمة، والتي ينخرط فيها أيضاً المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، الذي يقوم بجولة خليجية راهناً. لكنّ السؤال الكبير يبقى عن طبيعة التهدئة المرتقبة وشروطها، وما إذا كانت ستفضي في النهاية إلى انكفاء الإمارات؟ أم أن عملية «إعصار اليمن» وتداعيتها ستفتح الباب أمام جهود جدّية بأفكار جديدة لوقف الحرب، انطلاقاً من استشعار الجميع خطورة تمدّد شعاع الصواريخ ليطاول أبو ظبي ودبي وغيرهما من المناطق والمدن الوظيفية المهمّة في المنطقة، والتي كان مجرّد التفكير بتعرّضها لـ«رشقة حجر» من المستحيلات؟ تقول حركة «أنصار الله»، في أدبياتها وخطابها الإعلامي، إن تهديدات «التحالف» بشنّ عمليات عسكرية على بعض المحافظات والمدن اليمنية، «أشبه بتهديد الغريق بالبلل»، فيما لم تفلح محاولات المهدّدين تغيير الوقائع على الأرض عبر المواجهات البرّية المباشرة على رغم تعدّد المحاولات وفداحة الخسائر، وبالتالي فالأجدر بهم الكفّ عن التهديد، والبدء بالتفكير مليّاً بما سيكون عليه الوضع فيما لو انزلقت الأمور إلى الأخطر، وأصبحت دبي أو أبو ظبي تتلقّى أسبوعياً ضربات متنوّعة على أهداف حيوية فيها.
تقرير
الإمارات توسط الجميع: لا علاقة لنا بالمجزرة
خلافاً لكل ما يجري تسويقه إعلامياً، علمت «الأخبار» من مصادر مطلعة أن حكومة الإمارات العربية المتحدة بادرت خلال الساعات الماضية إلى إجراء جولة واسعة من الاتصالات بهدف «احتواء الموقف»، في ضوء توقع رد فعل أنصار الله على المجزرة التي ارتكبت أمس في صعدة والحديدة. وقالت المصادر إن الإماراتيين لم يتركوا طرفاً على صلة مباشرة أو غير مباشرة بأنصار الله إلا وتواصلوا به، مؤكدين أن لا علاقة لهم بالغارات التي استهدفت صعدة أو بالمعارك الجارية في الحديدة وبالقصف الذي استهدفها.
وقالت المصادر إن جهاز الأمن القومي في الإمارات بقيادة طحنون بن زايد تولى التواصل المباشر مع مجلس الأمن القومي في إيران، كما جرت اتصالات مع العراق وسوريا، وصولاً إلى اتصالات جانبية مع جهات في لبنان على صلة بحزب الله. وكانت العبارة المشتركة في كل هذه الاتصالات بأن «الإمارات لم تشارك في هذه الغارات، ولا في العمليات العسكرية الجارية»، مع طلبات مباشرة «بالتوسط لدى الحوثيين لعدم الرد بقصف جديد لأي مدينة أو منشأة في الإمارات».
وبحسب المصادر، فإن الإماراتيين ركزوا على شرح خلفية موقفهم، بالقول إن ما قاموا به في شبوة اقتصر على دعم «لواء العمالقة» لتثبيت سيطرته على المحافظة وطرد جماعة حزب الإصلاح، وأن الأميركيين والسعوديين هم من يقف خلف قرار التصعيد والذهاب نحو مأرب، مع التأكيد من جديد على حجم الضغوط الأميركية الأخيرة.
على أن الأجوبة التي سمعها الإماراتيون كانت في إطار حذر للغاية، لجهة القول إن القرار النهائي بيد أنصار الله وحدهم، وأن الضربات التي تلقتها الإمارات لم تأت إلا بعد مخالفة أبو ظبي لتعهدات سابقة بالخروج من الحرب على اليمن. وعُلم أن الإمارات تنتظر نتائج «وساطة ما» يقوم بها طرف على تواصل مع أنصار الله.
وذكرت المصادر أن الاتصالات ترافقت مع أكبر استنفار أمني وعسكري إماراتي، خصوصاً للقوى العاملة في منظومة الدفاع الجوي وأجهزة الرادار، مع محاولة لطمأنة مقيمين في الإمارات لعدم القيام بخطوات تحت ضغط تهديدات صنعاء. ويبدو أن حالة الهلع تتركز الآن في إمارة دبي، خصوصاً بعدما وضع برج خليفة ضمن دائرة الأهداف التي يتوقع أن يضربها أنصار الله رداً على الجرائم التي ترتكب في اليمن.
حمزة الخنسا – الاخبار