من الأسرار إلى الغموض: خارطة الفشل الاستخباري الإسرائيلي

يسترجع الصهاينة بشكل متكرر «حرب يوم الغفران» (حرب 1973) باعتبارها الفشل الاستخباري الأكبر لكيانهم وذلك لاستخلاص العبر والدروس. وهكذا فعل الجنرال إيتاي بارون، رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (2011 – 2015)، في كتابه «التحليل الاستخباري: فهم الواقع في حقبة التغييرات الدراماتيكية» (2015). يصف بارون هذه الحرب بأنها «الفشل الاستخباراتي الأكبر ولا تزال تأثيراتها مستمرة حتى اليوم. وهذا الفشل كان على مستوى التحليل وليس المعلومات». يؤكد الكاتب على حدود التحليل الاستخباري في ما يخص المستقبل إذ ليس المطلوب توقّعه بل مساعدة صنّاع القرار على التفكير به.

يظهر من كتاب بارون أن الاضطرابات الإقليمية منذ 2011 كان لها أثر الصدمة على المؤسسة الاستخبارية في كيان العدو وعلى عقلها ومنهجها التحليلي. يقرّ الكاتب أن «الاضطرابات الإقليمية أجبرتنا على إعادة معايرة حدسنا الاستخباري على المستويات الاستراتيجية والعملانية والتكتيكية. فهذه الاضطرابات أثبتت أن الواقع فعلاً يتجاوز الخيال، وكذلك الحاجة لفحص وتطوير أدوات بحثية تُقلّص عنصر المفاجأة». مناسبة العودة إلى الكتاب مرتبطة بالمعركة الأخيرة «سيف القدس» التي يذهب جملة من قادة العدو للتركيز على كونها فشلاً استخبارياً هائلاً تمثّل في عدم توقّع ردة فعل المقاومة الفلسطينية على الانتهاكات الممنهجة للمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح في القدس.

يوسف عبدلكي 1981 (سوريا)

اختارت المقاومة الفلسطينية سياق المعركة وتوقيتها وقامت بهندستها في لحظة إقليمية ودولية محكمة، وهو ما انعكس في الآثار السياسية والشعبية والنفسية لـ«سيف القدس». وعلى العكس تماماً اندفع قادة العدو إلى الحرب مضلّلين بجملة عناصر: أولاً، المأزق الحكومي لنتنياهو الذي جعله يقارب الخيارات الميدانية من منظار تخبّطه السياسي، وثانياً العنجهية الإسرائيلية الناتجة عن حشو الأوهام من نتائج مسار التطبيع وأفول القضية الفلسطينية، وثالثاً الهلع الصهيوني من مسار التفاوض الأميركي – الإيراني ما جعل قادة العدو شديدي الريبة من أيّ مظهر وهن أو انكشاف أمام المقاومة الفلسطينية بعد قصف القدس المحتلة. رابعاً والأهمّ الإخفاق في تقدير تصوّر المقاومة للحظة السياسية وحساباتها لاحتمال حصول معركة عسكرية.
بتعريف بارون فإن «الاستخبارات هي معرفة بالعدو وبالبيئة اللازمة لصنع القرار في مجالات تشكيل السياسات والتخطيط العملاني وبناء القوة». بتطبيق اندلاع المعركة الأخيرة كان الفشل الاستخباري مرتبطاً بكلا الأمرين: العدو والبيئة. توصل بارون إلى أمرين يعيقان فهم الواقع الحالي والمستقبلي: الفشل في التخيّل والالتزام بمفاهيم مسبقة التي تمنع الفحص النقدي لأفكار قائمة ومستجدّة. وهما أمران يجب التعامل معهما بالشك الثابت والنقاش المتواصل.
كان التصور الإسرائيلي خاضعاً لمقولة أن حماس معنيّة بحفظ الاستقرار في غزة والاستجابة لدورها كقوة سلطة أكثر من أيّ شيء آخر. في حين أن التطورات الإقليمية منذ وصول بايدن إلى الإدارة الأميركية كانت تشجّع حماس والمقاومة الفلسطينية عموماً على تكريس أولوية إعادة تشكيل الصراع مع العدو الإسرائيلي، بما يقوّض التحوّلات التي سعت إدارة ترامب لتكريسها بخصوص القدس والضفة والتطبيع، وكذلك التوثب لتطوير مشروعيتها من خلال الانتخابات التي جرى إلغاؤها في اللحظات الأخيرة. وكلا الأمرين تزامنا مع إعادة حركة حماس تمتين روابطها التحالفية مع محور المقاومة وعودة إيرانية إقليمية نشطة عبر الاتّفاق النووي المرتقب والانفراجات المصاحبة له. كل ذلك جعل حركة حماس التي تعاني من ضغط الحصار أمام شعبها أكثر ميلاً للمغامرة وتجاوز القواعد المرسومة بحدود ما. لذلك على الأرجح فإنّ التحدي المادي الأبرز أمام التحليل الاستخباري الإسرائيلي قبيل سيف القدس كان «تحدي سرعة ظهور الأحداث»، وهو واحد من أربعة تحديات مادية يعدّدها الكتاب.
يلفت بارون إلى أن بعض الأحداث الطارئة والديناميكية قد تنتج بدون تخطيط مسبق وأهداف معرّفة بوضوح، بل وقد تكون هذه الأحداث التي يفتعلها العدو متناقضة مع مصالحه ورغباته وحتى غير متّسقة مع استراتيجيته المعلنة. في هذه الحالات يجب أن نفهم الحدث أو العملية ليس على أساس المعلومات الدقيقة التي تحرّك الحدث، بل فهم خلفية وديناميكية الأحداث على الأرض. وهنا يصبح دور الاستخبارات «ليس التحذير من نوايا العدو بالقيام بخطوات معينة بل التحذير من الاحتمالات التي يمكن أن تتطور نتيجة لوضع محدد، حيث لأفعالنا وقراراتنا تأثير مباشر على أفعال الطرف الثاني». هنا لم يكن لدى القيادة السياسية الإسرائيلية تقييم واضح لمخاطر الأحداث في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وكيف ستتصوّر حركة حماس هذه الأفعال وتستجيب لها.
تتكوّن الاستخبارات من طبقتين: المعرفة والفهم. لكن المعضلة، بحسب بارون، هي أننا «اليوم في عصر المعلومات نعرف الكثير، ولكن هذه المعرفة لا تعني بالضرورة أننا نفهم. ولذا الهدف الأهم لجهد إيضاح الواقع هو فهم المسائل المرتبطة بالعدو والبيئة ولا سيما العلاقة بينهما». الفهم يرتّب أجزاء غير متّصلة من المعلومات المبعثرة في شبكات وسياقات. وكل فهم يُبنى على التعلم من فهم سابق ويؤسّس لفهم جديد، ولذلك الفهم دائماً جزئي. يتحقق الفهم من خلال (1) «الاكتشاف» الذي يكشف لنا الأشياء المخبّأة في الواقع أو التي كان يستعصي علينا فهمها، ومن خلال (2) ابتكار أو تطوير أفكار ومفاهيم، وهو بعكس الاكتشاف، يخلق أشياء جديدة للمساعدة في فهم الواقع الآن ومستقبلاً عبر فهم «الإطار المفاهيمي» للعدو كونه المنطق الذي ينظّم فهمه للواقع وأفعاله. مع ضرور التنبّه إلى كونه آخر، وإطاره المفاهيمي مختلف عنا ولهذا تبدو أحياناً أفعال العدو غير منطقية لنا. في هذا السياق التفت بارون إلى أن فهم منطق العدو يزداد تعقيداً عندما يكون التحليل الاستخباري يتعامل مع «نسق معقد ومتعدّد المنطق كما أثناء عملية الرصاص الصلب حيث لدينا حماس داخل وخارج القطاع والجناح العسكري والرأي العام في غزة ومصالح تركيا وقطر وكذلك مصر وفواعل إقليمية ودولية».
هذا التعقيد والتداخل في طبيعة البيئة الإقليمية والتحدّيات والأطراف التي تواجه العدو الإسرائيلي هي معضلته الاستخبارية الأكبر. وهذه المعضلة تصبح أعمق كلما انخرط العدو الإسرائيلي في المجال الإقليمي ما يجعله متورطاً في مجالات جديدة ويستجلب منافسين إضافيين ويطوّر مصالح تكون عرضة للتهديد أكثر، فضلاً عن العواقب غير المتعمدة للسلوك الإسرائيلي.

يقسّم بارون التحليل الاستخباري إلى تحليل استراتيجي، وعملاني، وتكنولوجي. يفحص التحليل الاستراتيجي عمليات صنع القرار عند الطرف المقابل وهي أصبحت معقدة ولا تنحصر في القادة والنخبة والدوائر الداخلية، بل يجب أن تشمل الرأي العام والفواعل الأساسية داخل الدولة. و«هنا يمثل التحالف بين إيران وسوريا وحزب الله تحدّياً تحليلياً حيث يستلزم التحليل فهم الديناميات الداخلية لكل فاعل ثم دراسة التفاعل البيني»، يقول بارون. على الأرجح أنه كلّما تزايد مستوى التشبيك والتنسيق والتكامل بين قوى محور المقاومة يصبح من الأصعب توقّع سلوك مكوناته. فقد يتحرك المحور ضمن مجال معيّن أو من خلال جبهة معينة ولكن تكون الغاية التأثير في مكان آخر. يصبح محور المقاومة بهذه الحالة منظومة متعدّدة الطبقات، وفي كل طبقة شبكات من التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والاستراتيجية والإيديولوجية، وهذه الشبكات متّصلة ومتداخلة عبر الطبقات أيضاً.

وهنا يشير بارون إلى أنه مع القدرة المعاصرة لتفعيل القوة بوقت قصير (كما فعلت المقاومة في غزة قبيل المعركة الأخيرة) لم يعُد مجدياً التمييز بين قدرات العدو ونواياه. فقوى المقاومة الشعبية يوجد مقاتلوها وبناها التحتية واللوجستية ضمن المجتمعات الحاضنة، ولذا يسهل تفعيلها بسرعة وبأقل درجة من الصخب. ولذلك أضحى مهمّاً معرفة النوايا وهي تشتمل على ثلاث دوائر: الرؤية (الإيديولوجيا المثالية) والهدف الكلي (يأخذ الظروف والقيود بعين الاعتبار ويحدّد الأولويات ويوازن بين المصالح المتضاربة) والاستراتيجية (خطة العمل). الخلل الإسرائيلي الأساسي لم يكن على مستوى الاستخبارات العملانية ولا التكنولوجية، بل الفجوة كانت على المستوى الاستراتيجي، وهنا ربما يبقى العامل البشري هو الأساس مهما تطوّر الجانب التقني في الاستخبارات.

يميز كتاب بارون بين ثلاثة أنواع من الأسئلة الاستخبارية: الأسرار والألغاز والغموض. في حالة الأسرار (مثلاً كم صاروخاً يمتلك حزب الله؟)، عادة هناك جواب في عقل شخص ما في مكان آمن أو جهاز كومبيوتر. هنا دور التحليل الاستخباري ببساطة هو تأمين الإجابة بأكبر قدر من الدقة، استناداً إلى معلومات وبيانات، مع قليل من التحليل والتقييم. وفي حالة الألغاز (مثلاً كم صاروخاً سيطلق حزب الله في اليوم الأول من القتال؟) ما يميّز الأسئلة هو الرابط المحدد بين المعلومات التي بحوزتنا وقدراتنا التحليلية. فطريقة عمل العدو ردّاً عن نشاط محدّد لنا هو لغز. لتقييم طريقة العمل هذه هناك عناصر مختلفة من الأسرار متّصلة بخطط العدو لأوضاع كهذه، وكذلك بقدراته الأساسية (هذه يمكن تحصيلها بالمعلومات). لكن في نفس الوقت تقييم طريقة عمل العدو المحتملة هو لغز حيث إن العدو نفسه لا يعلم ولا يمكنه أن يعلم كيف سيستجيب لظروف سياقية دقيقة (هنا دور التحليل الاستخباري تقديم جملة احتمالات للتطورات المستقبلية وتقييم مدى احتمال حصولها).

أما الغموض فهو مرتبط بالأسئلة الأوسع ذات الصلة بعمليات في تطوّر مستمر وبطبيعة واسعة. في حالتنا هذه كان السؤال كيف ستتصرف حماس (تحديداً القيادة العسكرية) في ظل إلغاء الانتخابات الفلسطينية وتطورات المنطقة رداً على الانتهاكات في القدس؟ هنا، يقول بارون، المعلومات المتاحة لدى الاستخبارات لها قيمة محدودة فالأجوبة على هذه الأسئلة ليست موجودة في عقل شخص أو لدى جهة محددة (ليست سراً). هنا التحليل الاستخباري يقدّم السيناريوات المحتمَلة حول كيف يمكن أن تتطور هذه العملية وتقييمها، وهذا يحصل أيضاً بالنقاش مع صنّاع القرار ذوي الصلة.

والقاعدة بحسب بارون أنه كلّما سرنا من الأسرار نحو الغموض تقلّ أهمية المعلومات الخام لصالح الطرق الجديدة في جمع الداتا مثل ألعاب الحرب والتنبؤ المعاكس وحكمة الحشود وبناء السيناريوات. وبسبب التعقيد المتزايد يظهر مزيد من الأسئلة أمام أجهزة الاستخبارات التي لا يمكن إيجاد أجوبتها في صندوق سرّي آمن (أسرار) بل أسئلة مرتبطة بالألغاز والغموض. تتيح ثورة التكنولوجيا والذكاء الصناعي للعدو الإسرائيلي قدرة محسّنة وملحوظة على كشف الأسرار وبدرجة أقل تفكيك الألغاز، وهو ما يضع قوى المقاومة تحت ضغط الحاجة لتطوير أدوات وتكتيكات مرهقة أو مكلفة لتضليل العدو. لكن كيف للتكنولوجيا أن تحلّ معضلة الغموض في حين يزداد محور المقاومة تداخلاً وتتعدّد طبقاته وتشبيكاته البينية والخارجية وتأثره بعوامل الرأي العام والتحديات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية لقواه، والمتغيرات السياسية المتواصلة. هذا الأمر يمنح كل مكوّن من مكوّنات محور المقاومة درجة غموض أعلى تفرض على صانعي القرار في العدو القيام بمزيد من المراجعات قبل اتّخاذ القرار ما يجعل عملية الاستجابة أبطأ وتعاني من انقسامات.

الثابت الأكيد أن كل شيء حولنا يتغير ولذا ترتبط جودة عملية أخذ القرار، سواء في الميدان العسكري أو الاستخباري أو السياسي، بابتكار واكتشاف مفاهيم جديدة تتيح لنا فهم الواقع المتغيّر. كثيراً ما يعاني فهمنا للواقع من إخضاعه للمنظور أو المفهوم الذي نصرّ على رؤية الواقع من خلاله. بمعنى آخر نحن نقوم أحياناً بتأويل الواقع ليتناسب مع مفهوم ما نعتقد بصوابيته أو كفايته، فيما نحن بحاجة إلى تطوير المفهوم ليكون قادراً على الاستجابة للواقع المتغير.

يجد بارون أن هذا الأمر ينطبق على التحليل الاستخباري حيث «نلتصق بالمفاهيم التي اعتدنا عليها بحسب تجربتنا التي تعيق رؤيتنا للواقع وفهمه.. ونمنح احتمالية أعلى للأحداث التي اعتدنا عليها، لا سيما التي لدينا معها تجربة شخصية. كما نميل إلى تخفيض تصنيف ما نتصوره احتمالات بعيدة.. ونستصعب مغادرة المفاهيم التي اعتدنا عليها طويلاً، ولذا نتردّد في تبنّي مفاهيم جديدة أكثر قدرة على التعامل مع الواقع المتغير. نحن نلتصق بالمألوف والمتوقع والمرغوب».

يستخلص مدير قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية في جيش العدو الإسرائيلي ومن خلال تجربته مصدرين أساسيين للإخفاق في التقدير الاستخباري: أولاً المحدودية والنقص في التخيل، فالواقع دائماً أغنى من مخيلتنا. وثانياً التقيد بتصورات مسبقة. إن المفاهيم والمعتقدات تدوم طويلاً بالرغم من ظهور أدلّة تتحداها طوال الوقت والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى مراجعتها. حتى عندما تكون لدينا معلومات تناقض المفاهيم، فإننا نقوم بتأويلها لتتناسب مع ما هو موجود مسبقاً أو أن نتجاهل تلك المعلومات.

الصراع بين قوى المقاومة والعدو الإسرائيلي هو صراع سياسي وشعبي في المقام الأول، ولا سيما مع تحوّله نحو حركات شعبية بدلاً من الجيوش النظامية. هذه الحرب هي حول المشروعية والوعي. ففي ظل صعوبة الحسم العسكري في هذا النوع من الحروب ذات الأمد الطويل، يصبح تقدير المنتصر مرتبطاً إلى حد ما بالأقدر على تقديم رواية الانتصار للجمهور. الحرب هنا تتحول إلى فعل تأويلي بمقدار ما هي عنف مادي وسياسي. وكذلك تهدف هذه الحروب لإقناع الجمهور بمن هي القوة المشروعة وليس فقط تظهير من هو الأقوى مادياً. النصر هنا مرتبط بجذب مزيد من الناس للانتماء إلى قضيتك باعتبارها مشروعة ومرتبطة بمصالحهم وحقوقهم، وبالتالي يشعرون بالالتزام بالمزيد من الانخراط فيها إلى جانبك ويكونون جاهزين لاحتمال تكاليفها لفترة طويلة. هذه المعطيات تجعل من تقدير احتمال الحرب أكثر غموضاً، ولا سيما متى انخرطت فيها حركات شعبية حيث حسابات الربح والخسارة فيها تتجاوز التقديرات المادية المباشرة.

الحرب هي أعقد نشاط بشري، هي تكثيف للسياسة والاقتصاد والاجتماع. إن قسماً كبيراً من التقدّم البشري في مجالات العلم والتكنولوجيا والاجتماع (بما فيه وجود الدولة) ارتبط بحاجات الحرب وضروراتها. وزادت تحولات العقود الأخيرة، من تقدّم التكنولوجيا والذكاء الصناعي وانتشارهما إلى تقدّم علوم الأعصاب والإدراك إلى التأثير الثوري للجماهير على خيارات الأنظمة السياسية إلى التشابك الكثيف للاقتصاديات وشبكات البنى التحتية العابرة للحدود وتعقيد الحرب أكثر وأكثر. رغم ذلك يبدو أن الصهاينة وقعوا في فخ الغرور بسطوة التكنولوجيا المتراكمة لديهم في السنوات الأخيرة والرضوخ لجاذبية تظهير عوائدها و«سحرها». التقدّم التكنولوجي لجيش العدو يجعله ينظر إلى الحرب على أنها مسألة تقنية، فانزلق لمواجهة عسكرية في غزة رغم أنها ليست من أولويات الأمن القومي لهذا العام، وخرق مبدأ تأخير الحروب قدر المستطاع. في حين يشير سلوك المقاومة الفلسطينية إلى تغيّر مفاهيمي عجزت استخبارات العدو عن تتبعه، وفي النهاية جرت معركة سيف القدس في التوقيت الأسوأ لكيان العدو وضمن السياق الأكثر نفعاً للمقاومة، داخل فلسطين وخارجها. كل ذلك جعل كل المنجزات الميدانية التي يروّج لها جيش العدو ينطبق عليها المثل الشعبي الساخر «مبروك نجحت العملية ومات المريض».

حسام مطر – الاخبار