مقدمة:
تحولت البيئة الاستراتيجية بعد سقوط الحليف الأكبر لنتنياهو دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية أمام غريمه جو بايدن ووجد بنيامين نتنياهو نفسه أمام قوة كبح عظمى لبرنامجه الذي بدأه مع بداية حقبة ترامب الرئاسية والذي مارس فيه نتنياهو معظم المحرمات وخرق عدداً كبيراً من الخطوط الحمر في المنطقة:
- استهداف سوريا وإيران المتكرر في سوريا ضمن استراتيجية الذراع الطويلة المرتكزة على نظرية المعركة بين الحروب.
- ضرب واستهداف العراق والمس بالحشد الشعبي واستباحة العراق أمنياً من خلال العمل الكثيف للموساد.
- محاولة تغيير قواعد الاشتباك في لبنان وتجاوز الخط الاحمر في الضاجية الجنوبية.
- استهداف روسيا في سوريا
- العمل الامني في اليمن
- ملاحقة إيران في كل مكان براً وبحراً وجواً.
مع تحول البيئة الاستراتيجية بمجيء بايدن بدأت المنظومة الامنية العسكرية الاسرائيلية تضيق الخناق على نفسها حلقة فحلقة استهدفت إيران فردت عليها إيران بنفس الأسلوب وبطريقة أكثر إيلاماً وخلقت إسرائيل لنفسها بعمليات التشويش تلك خصوماً في أوروبا وحتى في أمريكا التي كانت تصارع لإقناع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي ومن خلفها معظم الأقطاب الرئيسية في العالم.
كانت آخر الحلقات التي يغلقها الاسرائيليون على نفسهم هي حلقة استباحة القدس والدفع إلى أوضاع ينتج عنها في النهاية تهويد القدس الشرقية بما فيها المسجد الأقصى المبارك وهنا كان الخطأ الأكبر في سوء التقدير الذي أدى في النهاية إلى معركة “سيف القدس”.
مسرد زمني وتحليلي: مسار التحول في الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية
سوف نحاول في هذه القراءة دراسة مجموعة من النقاط الرئيسية التي ترتبط بمنظومة التشغيل القتالي للجيش الاسرائيلي بدءاً من تحليل تطبيق مبادئ الحرب مروراً بدراسة المفهوم العملياتي وصولاً إلى دراسة معركة “سيف القدس” ككل وأداء الأذرع العسكرية الاسرائيلية المختلفة فيها بشكل متفرق على مستوى الاختصاص وبشكل جماعي كمنظومة خرب متكاملة. وسنعتمد في هذه القراءة على مصادر قديمة وحديثة درست المنظومة ككل وواكبت تطبيقها للمبادئ القتالية المعتمدة على العقيدة العسكرية الاسرائيلية والمستخلصة من مدرستي الحرب الامريكية والبريطانية.
بداية لا يكفي أن تدرس معركة أو حرباً واحدة بشكل منفرد أو مستقل لتحكم على مدرسة عسكرية بالنجاح أو بالفشل بل لا بد من دراسة عدة معارك وحروب حتى تخلص إلى استنتاج قوي ودروس وافية للحكم على هذه المدرسة. إلا أننا مع الجيش الاسرائيلي سنتجاوز هذه البنية التحليلية لأسباب ترجع إلى النمطية التي أدخل العسكريون الاسرائيليون أنفسهم فيها منذ الانسحاب الاسرائيلي من لبنان أو بشكل أدق منذ تعاظم المقاومة اللبنانية بعد اجتياح العام 1982. حيث انتهت في المفهوم العسكري الاسرائيلي حقبة الحرب الكلاسيكية أو حرب الجيوش وبدأت حقبة حرب المنظمات التي طبقت مفهوم حرب العصابات وانتقلت به إلى مفهوم الحرب اللامتماثلة بأجيالها الثلاثة الأخيرة. وحيث أنه لا مجال للتوسع هنا في شرح هذا السياق لأن نفس المفهوم سنستعرضه في معظم سطور الدراسة.
إلا أن ما يهمنا الاشارة إليه هنا هو أن الجيش الاسرائيلي طبق مجموعة كبيرة من التحولات في عقيدته القتالية لتتلاءم مع هذا النوع من الحروب الذي لم تشهده اسرائيل منذ انطلاقتها تقريباً. وهي إن كانت قد شهدته بشكل مختصر في غزة والضفة منذ انطلاقة المقاومة الفلسطينية عام 1965 إلا أنها لم تشهده بنفس الزخم الذي عايشته يومياً تقريباً طيلة ما يسميه الاسرائيليون ” حرب لبنان الأولى ” بناء عليه فإن المنظومة العسكرية الاسرائيلية القديمة أو الكلاسيكية توقفت عن الصراع العسكري مع الجيوش منذ معركة السلطان يعقوب عام 1982 ودخلت في نوع أعقد من الحروب وهذا ما سنعالجه في هذه القراءة.
دخل الجيش الاسرائيلي في عملية تكييف جذرية لمدرسته العسكرية لتلبي مطالب مواجهة حرب العصابات التي غرق بها منذ احتلاله لبيروت في 16 أيلول 1982. واللافت أنه اعتمد هذا التكييف لمدرسته القتالية في حالتي الدفاع والهجوم معتمداً على التفوق الجوي والاغراق الناري والعمليات الخاصة المبنية على شبكة استخبارات عسكرية قوية (فنياً وبشرياً ) في المقابل واجه الجيش الاسرائيلي عدواً متعلماً ومبدعاً رفع من مستوى حرب العصابات إلى فوق مستوى المفهوم الكلاسيكي المعروف عن حرب العصابات التقليدية وأخذ يكيف ويضيف على مناهج حرب العصابات منظومات عملياتية (تعبوية) وتكتيكية جديدة تعتمد على دراسة ثغرات العدو ونواقصه وتكييف طرائقها العسكرية بناء للدروس المستخلصة مما أجبر العدو على بذل تفكير أكبر في تكييف نهجه القتالي يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة مع التحولات التي كان يفاجئه بها عدوه وذلك على الشكل التالي:
- حرمانه من حرية الحركة (بين عامي 1982- 1985) وهي مقدسة في المبدأ العسكري الاسرائيلي
- حرمانه من الثبات والعمل من خطوط داخلية في المواقع التي استحدثها في التلال (1985-1992) وهذا المبدأ (العمل من خطوط داخلية الذي يؤمن له مبدأ التقرب غير المباشر) يعتبره الجيش الاسرائيلي أهم ميزة رئيسية لمبادئ الحرب الاسرائيلية.
- حرمانه من المبادأة من (1992-2000) واحتفاظ المقاومة بهذه الميزة الرئيسية لفرض الردع على الجيش الاسرائيلي الذي لم يستطع استعادة المبادأة في حربين كبيرتين هما (حرب تصفية الحساب تموز 1993) و (حرب عناقيد الغضب نيسان 1996)
إلى أن جاءت لحظة الانسحاب المذلة في أيار 2000 والتي ابقت فيها المقاومة سيف الردع مشرعاً على الاسرائيلي الذي شن عام 2006 حرباً بنفس مواصفات حربي تموز 1993 ونيسان 1996 (إطباق جوي – أطباق إلكتروني واستطلاعي – إغراق مدفعي – مناورات قتالية هجومية على الحافة الأمامية للحرب) إلا أنه حصد نفس نتيجة حربي 1993 و 1996 بل لحقت به أضرار أكبر بسبب مناورته الهجومية التي منيت بفشل ذريع وكل هذه النتائج درستها 50 لجنة وانتهت إلى النتائج التالية:
- ضعف في تشغيل القوات
- فشل في القيادة والسيطرة
- فشل في ادامة المعركة دون التسبب بأضرار كبيرة للجيش
- فشل في تحقيق التعاون (أي ما يسميه الاسرائيليون تشابك الأذرع وتحويل المنظومة القتالية الاسرائيلية إلى منظومة واحدة متكاملة)
- تفاوت كبير في الفشل بين الأذرع المختلفة كأذرع مستقلة (بر – بحر – جو)
- استنفاذ بنك الأهداف في اليوم الرابع للعمليات.
- عدم القدرة على تشغيل منظومة الاستخبارات الكبيرة لتحقيق خروق معتد بها في المعركة.
هذه الاخفاقات في مبادئ الحرب نتجت من تحليل مشترك (إسرائيلي –أمريكي) وأفضت إلى خلاصات وتوصيات لمجموعة كبيرة من الدروس المنظوماتية:
- بعضها تشغيلي
- بعضها يرتبط بالمفهوم العسكري للمعركة
- بعضها (الاهم) يرتبط بإعادة تأهيل الأذرع بشكل مستقل ثم اختبارها عبر تشابك جديد للأذرع
- الغاء أقسام واستحداث أخرى
- رفع مستوى الاستثمار للاستخبارات العسكرية على جميع المستويات (الاستراتيجية – التعبوية “العملياتية” – التكتيكية)
- رفع الكفاءة القتالية للجندي الاسرائيلي
- عدم الاكتفاء باستعادة الردع بل تحقيق انجازات حاسمة تجمع النصر الاكيد بالردع.
وجد الجيش الاسرائيلي نفسه مرة أخرى بعد حرب تموز 2006 في حالة توازن للردع مع المقاومة اللبنانية مع أرجحية للمقاومة سببها اعتماد المقاومة بعد حرب تموز 2006 لمبادئ هجومية إضافة إلى المبادئ الدفاعية التي كانت تطبقها منذ العام 1982.
رأى الجيش الاسرائيلي أن ترميم الردع المستنزف مع لبنان يحتاج إلى وقت طويل فارتأى أن يحول معاركه إلى غزة بهدف واحد وهو اعادة ترميم الردع ولأسباب تتعلق بطبيعة ميدان غزة السهل عسكرياً وضعف إمكاناتها القتالية وخصوصاً الردعية إلا أنه عاد وكرر نفس الأخطاء التي ارتكبها في لبنان في الحروب الثلاثة التي شنها على غزة بالتوالي في أعوام (2008 – 2012 – 2014). حيث اعتمدت المقاومة في لبنان وغزة ولاحقاً في محور المقاومة ككل نظام الأواني المستطرقة (بمعنى أن جميع التجارب والخبرات المستقاة في قتالها مع الجيش الاسرائيلي كانت بتصرف جميع أذرع المقاومة وبالقدر الكافي لفهم العدو وطرائقه القتالية وتفكيره العسكري والتكنولوجيا العسكرية التي يمتلكها فضلاً عن أي تطوير في منظوماته القتالية).
مدخل نظري: مسار بناء القوات وطرق تشغيلها
نظرية بناء القوات المسلحة هي أحد العلوم النظرية العسكرية التي تدرس في الأكاديميات العسكرية العليا والتي تعرف بأنها منظومة من التدابير والمعارف والمبادئ (السياسية والاقتصادية والعلمية والعسكرية والأيدولوجية والاجتماعية والقانونية والتنظيمية) لبناء القوة العسكرية، وتحديد الاتجاهات الرئيسية لتطوير القوات المسلحة وتحديد شكلها وقوامها المطلوب وإعدادها وتجهيزها للدفاع عن الدولة بشكل يؤمن التعامل مع الأخطار المهددة الداخلية والخارجية المحتملة.
وقبل الخوض والحديث حول التحديات التي تواجه الخطط الأركانية والاستراتيجية العسكرية للجيش الإسرائيلي، سنعرض في بداية دراستنا أصلاً ثابتاً متفق عليه فيما يخص مسار بناء القوات وطرق تشغيلها، وهو أن مسار بناء القوات وتشغيلها محكوم بالسياسات والضوابط الآتية:
أولاً: الأهداف السياسية المراد تحويلها إلى مهام عسكرية (المهمة)
إن أهم ما يأخذه المقاتل معه عندما يذهب إلى الحرب، ليس السلاح ولا العتاد؛ وإنما الجواب على سؤال (لماذا)؛ لماذا يقاتل؟ الجواب على هذا السؤال هو من مهام المستوى السياسي الأول في الدولة أو الحركة أو الكيان، فهو في المبدأ عمل سياسي، وفي منتهاه عمل تعبوي، يتمثل بتلك المهام التي يشتقها القادة العسكريون، فهم من يحول الأهداف السياسية إلى مهام عسكرية. إن أخطر ما ينبني على عدم التحديد الدقيق للمهمة ما يعرف بمتتالية الأخطاء.
ثانياً: الجغرافيا المطلوب تشغيل القوات فيها وعليها (الأرض والميدان)
الملامح الطوبوغرافية الطبيعية لمسرح الحرب تؤثر بشكل كبير على العمليات العسكرية، وخصوصاً إذا كانت أنهاراً أو جبالاً، أو صحراء أو أرض منبسطة أو مناطق مأهولة وكل من تلك الملامح يمكن أن تسهل تحركات الجيش، ويمكن أن تعيقها.
فالأرض تقتل جاهلها ويفهمها عالمها، والقصور في معرفة طوبوغرافيتها وديمغرافيتها يعني السير على غير هدى في حقل ألغام غير منظم، والخلل في معرفتها يعني قصوراً في معرفة نوع القوة التي ستتحرك عليها صنفاً وتركيباً واستعداداً، فليست كل قوة قادرة على التعامل بنجاح مع أي تهديد في أي أرض، فلكل أرض خصوصية، ولكل طبوغرافية وديموغرافياً ما يناسبها من تشكيلات وقدرات وإجراءات.
ثالثاً: العدو المراد مواجهته ومنعه من تحقيق أهدافه وعقيدته القتالية هجوميةً، دفاعيةً (العدو)
فقد قيل قديماً على لسان الحكيم صن تزو المقولة الشهيرة، من عرف نفسه وعرف عدوه انتصر في كل معركة يخوضها أو منازلة ينازلها.
إن عدم معرفة العدو كمعرفة كف اليد يعني، عدم القدرة على تحديد المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تصدر عنه، مما يفضي إلى عدم تخصيص القدرات في المكان والزمان المناسب، أو الضن بها وعدم استخدامها حيث يجب أن تستخدم، الأمر الذي يسبب الهزيمة، وفقدان القوة لمبرر وجودها. كما أن القصور في عدم معرفة العدو بالشكل الصحيح يعني فيما يعني؛ عدم معرفة نقاط ضعفه التي تشكل مقتلاً له فنأتيه منها، وعدم معرفة نقاط قوته التي يجب أن نتجنبها أو ندبر لأنفسنا تدبيراً يقيناً شرها، فحربنا مع عدونا حرب غير متكافئة في القدرات والإجراءات، وأصل أصول الحرب غير المتكافئة؛ معرفة نقاط قوة وضعف الخصم، ومعرفة نقاط قوتنا وضعفنا، ومن هذا الأصل تشتق باقي الأصول وتستنبط الإجراءات ويوضع مسار بناء القدرات.
رابعاً: الذات وما يطرأ عليها من تغييرات مادية ونفسية؛ سلباً أو إيجاباً (الذات أو الكتلة)
إن المبالغة في توصيف الذات يفضي إلى وهن القوة؛ وهن في البناء ابتداءً ناتج عن خلل في تحديد الاحتياج الحقيقي المطلوب، كنتيجة للمبالغة في توصيف الذات والثقة الزائدة عن الحد في القدرات المملوكة والمتاحة، الذي يعمي عن رؤية نقاط الضعف، ووهن في تشغيل هذه القدرات انتهاءً والذي يأتي كمحصلة لعدم تشغيل المناسب من القدرات لمواجهة التهديدات الناتج عن (نفخ) الذات.
خلاصة الأمر، أن الإعداد للحرب يشتمل على الخطوات التي تتخذها الدولة للحفاظ على قوة البلاد وخصوصاً القوة العسكرية، ودراسة النظم الممكنة للقوات المعادية لمعرفة مسرح الحرب والعمليات، لأن أول الأشياء الهامة لنجاح الحرب واستمرارها حتى تحقق أهدافها أن نقدر قوات العدو، وتنظيم القوات وتدريبهم بما يكفي وعلى أعلى مستوًى حتى يمكن التغلب على قوات العدو، كما أن العمليات العسكرية تتأثر بشدة بالموقع الجغرافي للمسرح الحربي، وبالحدود، والملامح الطوبوغرافية، والحصون، والسياسة، والاقتصاد وذلك من أجل ابتكار خطة للحرب، وذلك لكي يتمكن الجيش من التحرك بالقوات والتمركز في النقاط الأمامية للحرب، سواء كانت دفاعيةً أو هجوميةً بناءً على الخطة، وهو ما ينقلنا للحديث حول الخطط العسكرية الإسرائيلية وآليات تطبيقها وطبيعة التحديات التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي.
الخطط الأركانية (خطط الجيش الإسرائيلي متعددة السنوات)
تظهر الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية عبر الخطط الأركانية التي تقر كل خمس سنوات، وترسم من خلالها أهداف السياسة العسكرية وآليات تطبيقها، ومجالات استخدام القوة، التي تتناسب مع طبيعة التحديات التي يواجها الكيان الصهيوني. وتلحظ كل خطة جديدة المتغيرات التي حدثت في المرحلة السابقة، والناجمة عن نتائج الحروب وتبدلات الجيوسياسيةً.
يعمد الجيش الإسرائيلي بصورة متواصلة إلى تطوير قدراته القتالية في مواجهة ما يسميه التحديات العسكرية أمام “إسرائيل”، فما إن يتولى رئيس هيئة أركان قيادة الجيش منصبه، حتى يشرع في وضع خطة تدريبية بموازنة مالية ضخمة، تستخلص العبر من المواجهات السابقة، بما يسمح لها بتحقيق انتصارات، على حد وصف العدو.
خضعت العقيدة القتالية الإسرائيلية، في غضون عقدين تقريباً إلى عدة مراجعات متتالية، عبرت عنها خطط كيلع وتيفين وعوز وجدعون إلى أن وصلنا لخطة “تنوفا” (الزخم)، فكان دور القوات البرية مثار جدل وعرضة للتبديل والتغيير في المراجعات والخطط العسكرية التالية:
أولاً: خطة “كيلع” (2003 – 2006)
عمد رئيس الأركان، آنذاك، الجنرال موشيه يعلون إلى تعيين فريق عمل “طاقم التفكير الآخر” غداة غزو العراق مباشرةً، وبعد جولات من النقاشات المغلقة، أصدر ذاك الفريق كتيباً بعنوان “جزيئات ديناميكية”، أوجز فيه رؤيته تجاه المخاطر المستقبلية المتمثلة بحركات المقاومة، وكيفية مواجهتها بواسطة أسلوب “القتال المتفرق”. وهي تصنف، أي حركات المقاومة، في خانة المخاطر المنخفضة وفقاً للتعريف الإسرائيلي. وبحسب مضمون الكتيب، فهذا النوع من القتال لا يحتاج فرقاً مدرعةً لإخضاع الخصم، إذ يكفي استخدام نيران سلاح الجو، والمسح الاستخباري، والصواريخ العالية الدقة، ووحدات برية نخبوية (جزيئات ديناميكية) لتدمير قوة العدو والسيطرة على أرض المعركة. وبموازاة مشروع طاقم التفكير أعدت آنذاك، شعبة العمليات في هيئة الأركان خطة “كاسحة الجليد” وفحواها التوليف بين نيران سلاح الجو، ونشاط وحدات نخبوية.
ولدت خطة “كيلع” القائمة على فكرة “الحرب عن بعد” وقد صدقت في هيئة الأركان صيف العام، وأهم مضامين تلك الخطة وتأثيراتها على القوات البرية كانت على النحو الآتي:
- خفض حجم القوات البرية العاملة بنسبة 10% وتسريح 89 ضابطاً برتبة عميد، وعشرات الضباط برتبة عقيد من قوًى البر، كذلك الاستغناء عن وحدات احتياطية، وإلغاء كتائب حراسة المستوطنات، وتقليل أيام التدريب الاحتياطي.
- إلغاء ما عرف بقيادة الجبهة الوسطى، وتقليص موازنة القوات البرية خلال سنوات 2003 – 2006، نحو 30%.
- الاستغناء عن بعض برامج إنتاج دبابة “ميركافا – 4” وناقلات جند مدرعة، والصواريخ المضادة للدبابات، والمدافع، تدريجاً، خلال السنوات الخمس اللاحقة.
- إعادة تأهيل القوات المسلحة وتدريبها، لاستيعاب البرامج والأسلحة الحديثة.
- الإبقاء على الميزانيات المخصصة للأبحاث والتطوير، خصوصاً في مجال الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار.
وفي أعقاب فشل “حرب لبنان الثانية” 2006 صب أغلب الجنرالات والخبراء الإسرائيليين جام غضبهم على خطة كيلع، منتقدين أسلوب إدارة الحرب، ومغالاة القيادة العسكرية في الاعتماد على سلاح الجو، وإهمال دور الجهد البري. وتم تحميل القدر الأكبر من المسؤولية إلى الجنرال دان حلوتس، القادم من سلاح الجو إلى رئاسة هيئة الأركان. علماً أن مفهوم كيلع صدق في عهد موشيه يعلون، وعلق الخبير العسكري عميراً ربابورات على أسباب الفشل قائلاً: “لقد تبنى الجيش الإسرائيلي المقاربة التي ترى أن سلاح الجو المدعوم باستخبارات قوية هو الحل لكل المشاكل؛ فالسلاح الذي ولد كمساند للقوات البرية تحول إلى السلاح المفترض به أن يهزم العدو”.
ورأى الباحث والمفكر العسكري الإسرائيلي العقيد رون تيراً: “إن المشكلة تكمن في التبني الحماسي الزائد عن الحد للنظرية الأميركية Effects Based Operation (العمليات القائمة على التأثيرات وهي مفهوم عسكري أمريكي ظهر خلال حرب الخليج لتخطيط وتنفيذ العمليات التي تجمع بين الأساليب العسكرية وغير العسكرية بهدف تحقيق تأثير معين. تم تطبيق النهج القائم على التأثيرات في العمليات لأول مرة في العصر الحديث في تصميم وتنفيذ حملة عاصفة الصحراء الجوية عام 1991.)
بدوره، اعتبر الباحث الأميركي ديفيد جونسون أنه قبل العدوان على لبنان، وقعت ثلاثة أحداث أثرت على الإسرائيليين في توقعاتهم بشأن مستقبل الحروب، وهي حرب كوسوفو وغزو أفغانستان وغزو العراق. هذه الحروب كشفت عن ثورة في الشؤون العسكرية؛ بخاصة في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وشن الغارات المحددة. كل هذا، عزز لدى بعض المسؤولين الإسرائيليين اعتقاداً بأن الهجوم الجوي يعتبر وسيلةً ناجحةً لكسر عزيمة العدو، وتحديد نتائج النزاع سلفاً، من غير خسارة ضحايا كثر وأضرار جانبية، ومن دون تكلفة عالية، تؤثر على الرأي العام.
ثانياً: خطة “تيفين” (2008 – 2012)
جاء الإعلان عن خطة “تيفين” الخماسية لتطوير الجيش الإسرائيلي، بين عامي 2008 – 2012، بهدف رئيس يتمثل ببناء الجيش وتسليحه وتدريبه من أجل أن يكون في وسعه أن يؤدي مهمته، وهي “الدفاع عن إسرائيل ومواطنيها”. كما أن الخطة تفحصت “مجمل التهديدات والانعطافات المحتملة في المنطقة، بهدف الاستعداد والمواجهة، وكذلك بهدف أن يتم، في وقت لاحق، وضمن عملية منظمة، وفي إطار الموارد المتوفرة، تقديم أجوبة على التحديات المستقبلية”.
افترض الإسرائيليون أن تعيد خطة تيفين المستخلصة من دروس “حرب لبنان الثانية” البريق إلى القوات البرية التي خضعت خلال السنة التي سبقت إقرارها إلى تدريبات ومناورات مكثفة. فعكست الخطة إعداد إسرائيل لحرب قادمة، ولذلك فإن أهدافها تدور حول الآتي:
- تعزيز كفاءة القوات البرية، كماً ونوعاً، ورفع قدرتها على المناورة ببعديها الأفقي والرأسي، وسرعة الحركة.
- تقوية الذراع الطويلة للقوات الجوية وأنظمة الإنذار والتجسس الفضائي، لتأمين السيطرة الجوية المطلقة على منطقة الشرق الأوسط.
- تحسين التفوق النوعي للقوات البحرية ورفع قدرتها للعمل في المياه العميقة، وقطع خطوط المواصلات البحرية في البحرين الأحمر والمتوسط، وقدرتها على استخدام صواريخ كروز من قطع بحرية.
- من أهم أهداف الخطة الوصول إلى “جيش متعدد الأهداف”، قادر على الانتقال من مهمة إلى أخرى بعد إخضاعه لعمليات ملاءمة. وهذا الهدف يصعب تحقيقه على المستوى الاستراتيجي، ويمكن تحقيقه على المستوى التكتيكي.
أعادت خطة تيفين إلى الجيش الإسرائيلي روحية المناورة والحركة والنار، وحملت في طياتها إلغاءً عملياً لمفاعيل خطة كيلع، ونظرية “الحرب عن بعد” وفكرة الجيش الصغير والذكي. وأرجعته إلى المربع الأول في إستراتيجيته القائمة على الحرب الخاطفة السريعة، وعمادها تقوية القوات البرية إلى جانب سلاح الجو.
وهذا ما أكده أشكنازي بالقول “لا يوجد بديل عن القوات البرية، لا في الجيش الإسرائيلي، ولا في غيره من الجيوش. إن التغييرات التكنولوجية والتحديث، والنيران الموجهة عن بعد، وتعزيز قوة الأسلحة الجوية والبحرية، لا يمكنها أن تشكل بديلاً من القوات البرية، لقد أكدت الحرب على لبنان أهمية المعركة البرية التي تشترك فيها قطاعات من مختلف الأسلحة باعتبارها عنصراً مركزياً وحيوياً لقدرة الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة، وأنه لا يمكن حسم كل شيء عن بعد “.
لم تقتصر الحماسة للخطة الخمسية الجديدة على أشكنازي وجنرالاته، فقد علق أيهود باراك عليها قائلاً: “هذه الخطة تعزز قوة الجيش الإسرائيلي، وتكيفه لمواجهة التحديات التي تنتصب أمام الدولة، وهي تشكل رافعةً للتجديد والبناء وتحسين التفوق النوعي”.
لم تكن خطة تيفين التي أعادت الروح إلى القوات البرية موضع إجماع لدى المراتب القيادية الإسرائيلية بشقيها المدني والعسكري، وكان بعضهم لا يزال يراهن على التكنولوجيا وقدراتها العالية في توفير الإجابات عن الأسئلة الصعبة التي أفرزتها “حرب لبنان الثانية”
ورغم أن خطة تيفين تشمل تزويد الجيش الإسرائيلي بعدد كبير من الدبابات والطائرات، وتنبيهه من جملة التهديدات والتحديات والانعطافات، إلا أنها بنظر هذه المحافل تفتقد تماماً إلى البعد القيمي الذي ينفخ الروح في الجسم، وهو اعتراف بفشل الخطط السابقة، خاصةً نموذجي حرب لبنان 2006، وحرب غزة 2009، فغابت التسوية بين “الضرورات والمخاطر”، وتبين أن الموارد اللوجستية مصابة بنواقص كثيرة في عناصر مختلفة مثل: التصدي للصواريخ قصيرة المدى، والإخفاقات في بناء القوة.
ثالثاً: خطة “عوز” (2011-2014)
سرعت الرهانات التكنولوجية في ولادة خطة عوز، التي فرضت على الجيش الإسرائيلي استدارة نصف دائرية، مطيحه بخطة تيفين ورؤًى أشكنازي، حول بعث الروح في جيش الشعب، ومعها كل الجهد المبذول، خلال السنوات الماضية، من تدريبات ومناورات واستحداث وحدات برية جديدة.
تنص الخطة الخماسية “عوز”، بصورة عامة، على تقليص فرق سلاح البر نظراً إلى اندثار خطر الحرب التقليدية على جميع جبهاتها الحدودية وآخرها الجبهة السورية، وعلى وجوب زيادة الإنفاق على المشروعات المتعلقة بأجهزة الاستخبارات، وبالقدرات القتالية المتطورة لدى أسلحة الجو والبر والبحر، وعلى المشروعات المتعلقة بالحرب السيبرانية في شتى الجوانب، وأساساً جمع المعلومات الاستخباراتية، والدفاع والهجوم.
تأتي “خطة عوز”، وفقاً لتصريحات قيادة الجيش الإسرائيلي، استجابةً لتغير طابع الحرب في العقدين الماضيين من حرب بين جيوش نظامية إلى حرب بين جيش نظامي وميليشيات مسلحة؛ ولاعتماد الحرب الجديدة أكثر فأكثر على إطلاق النار عن بعد، من خلال استخدام الصواريخ والقذائف والطيران الحربي، وبالتالي تحول الجبهة الداخلية إلى جبهة قتال. ويشير محللون عسكريون إسرائيليون إلى أنه حال تطبيق “خطة عوز” سيصبح الجيش الإسرائيلي بحلول العام 2018 “جيشاً صغيراً ذكياً ومزوداً بأسلحة متطورة ودقيقة أكثر بكثير من ذي قبل.
ما إن أبصرت خطة عوز النور، حتى بدأ أهل الاختصاص والإعلام في الكيان الصهيوني، التبشير بمفاهيم ومصطلحات حقبة ما قبل “حرب لبنان الثانية” فعاد الحديث عن الجيش الصغير والذكي، والحرب غير المتناظرة، والحسم بواسطة النيران الكثيفة، لا سيما نيران سلاح الجو والصواريخ المجنحة المتطورة.
إذا نظرنا إلى لب خطة عوز، لوجدنا روحيةً كيلع قابعةً في أعماقها، وكأن تلك الحرب لم تحدث قط، وخلاصاتها ودروسها لم تكن موضع تمحيص ومتابعة على مدى أشهر. وفي قراءة لتأثير خطة عوز على القوات البرية نركز الحديث على النقاط الثلاث التالية الواردة في الخطة:
- تسريح خمسة آلاف جندي نظامي.
- وقف استخدام سلاح المدرعات لدبابات قديمة يعود تاريخها إلى ستينات القرن الماضي، وإخراجها من الخدمة خلال السنوات الخمس المقبلة تدريجاً.
- إدماج وحدات من المدفعية وتقليص عديد قواتها.
تشير البنود الثلاثة، بوضوح، إلى تقليص ملاك سلاح البر. وبهذا الخصوص كتب عوفر شيلح عن خفض ميزانية القوات البرية، وتخفيض المناورات التي تكلف ميزانيات طائلةً وشيلح صاحب كتاب “لماذا يجب إحداث ثورة في الجيش الصهيوني؟” وهو من أكثر المتحمسين لفكرة الجيش المهني المحترف، ويعبر عن رأي شريحة من الخبراء الإسرائيليين، الذين يعتقدون أن حيز العمليات البرية، سيضيق كثيراً في نزاعات المستقبل. ويقترح هؤلاء، العناية أكثر فأكثر بوحدات النخبة والقوات المنقولة جواً، كونها أكثر ملاءمةً لخوض القتال قبالة تنظيمات مقاومة، تجنح نحو الحرب غير المتماثلة.
رابعاً: خطة “جدعون” (2015 – 2019)
انطلقت الخطة السنوية المتعددة “جدعون” التي بادر بها وقادها رئيس هيئة الأركان جادي آيزنكوت منتصف سنة 2015، بهدف تطوير الجيش “الإسرائيلي” على مختلف الأصعدة من خلال إعادة التقييم وإنشاء منظومات جديدة.
تكمن أهمية الخطة في أنها استخلصت معظم دروس حربي لبنان الثانية 2006، وغزة 2014، حيث برزت فيها أخطاء نبعت من عدم فهم الأوامر بتحديد أهداف الحرب، وتعريف الحسم والانتصار، ولماذا يجب أن نطمح، وماهي حدود تقسيم الوظائف بين المستويين السياسي والعسكري، وتأتي هذه الوثيقة لتعطي رداً لهذه الأسئلة.
تنص الوثيقة على تشكيل مركز تنسيق في قسم العمليات التابعة للجيش الإسرائيلي بين مختلف أذرع الجيش والأجهزة السرية، وبناء قدرة لإنزال قوات ونقل فرق مشاة لميادين القتال عبر المروحيات والطائرات، بهدف شن غارات ميدانية على مراكز “الثقل للعدو”، جنباً إلى جنب مع توسيع حدود القدرة على القيام بعمليات خاصة واسعة النطاق في عمق “العدو”.
في إطار الخطة المتعددة السنوات لـ “جدعون”، طبقت عدة خطوات تنظيمية أهمها: توحيد ذراع العمليات البرية وذراع السايبر واللوجستيك من أجل تعزيز الرؤية البرية الكاملة، وكما تم إلحاق الكتيبة في التكنولوجية والإمدادات البرية. وتم صياغة مفهوم الذراع الموحد، وبصورة أساسية عبر بناء القوات البرية ضمن مسؤوليات القيادة، والأنظمة التكنولوجية واللوجستية، وبمسؤولية هيئة الأركان العامة.
يرى “إيزنكوت”، حتى ثلاثين عاماً سيبقى العامل البشري هو ساحة المعركة الرئيسية، على الرغم من أن القتال سيكون له مكونات تكنولوجية، وحتى اللحظة أظهرت الوقائع الميدانية أهمية وضرورة القوات البرية، ويمكن أن نخلص إلى أنه سيكون من الأهمية المناورة الأرضية والالتقاء الجسدي للقوات المحاربة، وجهاً لوجه، على الرغم من التغيير الذي حدث بشكل جذري في طبيعة القتال، مثل الحروب السيبرانية والتكنولوجية.
في المقابل يعتقد بعض الخبراء العسكريين ان الخطة الجديدة لم تحمل أي جديد، باستثناء التعديلات التي طالبت بها لجنتا مريدور عام (1986) وعام (2006) التي كان من أهمها ضم مصطلح الدفاع إلى جانب مصطلحات الردع والإنذار المبكر وحسم المعركة إلى الاستراتيجية الجديدة. ونتيجةً للتطورات التكنولوجية والعولمة، أضيفت ساحتا حرب جديدتان هما (التجسس والقرصنة الإلكترونية والصراع من أجل اكتساب الرأي العام الدولي) وهي ساحات ليست مقتصرة على إسرائيل فقط، بل لكل دول العالم.
خامساً: خطة “تنوفا” (2020 – 2024)
دخلت خطة “تنوفا”، حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني 2020 وتنتهي في عام 2024، تحل “تنوفا” محل خطة “جدعون”، التي قادها رئيس الأركان السابق، غادي إيزنكوت، وكان مركزها تعزيز القوات البرية، وتعزيز قدرة الجيش الإسرائيلي على الردع والنشاط التشغيلي في إطار (الحرب بين الحربين) التي تهدف إلى تآكل قدرات العدو. انتهى هذا الفصل وفتح الفصل الخاص بكوخافي، الذي سيشكل صورة جيش الدفاع الإسرائيلي في العقد القادم.
يرى شموئيل إيفن باحث في معهد بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية ان خطة “تنوفا” كانت ضروريةً لتحسين قدرات الجيش الإسرائيلي في ضوء التغيرات السلبية في المجال الأمني – خاصةً فيما يتعلق بمحور إيران وسوريا وحزب الله، في وقت الموافقة على خطة جدعون (2016)، كان هذا المحور منشغلاً أكثر بالحرب الأهلية في سوريا، وكان الاتفاق النووي مع إيران لا يزال سارياً. بالإضافة إلى التغييرات في كلتا المسألتين، اعتقد كوخافي أن هناك دروساً ومناهج معينةً يجب تنفيذها في الجيش الإسرائيلي.
في 26 يناير 2020، وافق وزير الجيش آنذاك نفتالي بينيت على خطة “تنوفا”، لكن تقرر أن المداولات داخل مجلس الوزراء من أجل الموافقة على خطة ” تنوفا” لن تحدث إلا بعد الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، في 13 فبراير 2020، أعلن الجيش الإسرائيلي: “بعد عملية متعمقة وشاملة، تنوفا، الخطة المتعددة السنوات الجديدة للجيش الإسرائيلي (2020 – 2024) التي تدور حول تكثيف فتك الجيش – في النطاق والدقة”.
تهدف الخطة في الأساس إلى جعل الجيش أكثر تكنولوجيةً وأشد فتكاً، وهو هدف وضعه كوخافي بعيد دخوله إلى منصبه الحالي، حيث صرح بعد استلامه المنصب بأنه سيعمل على جعل الجيش أكثر فتكاً، من خلال توسيع قوة النار التي يستعملها، وبصورة واسعة ومتعددة في البحر والجو واليابسة، وفي حرب السايبر والحرب الإلكترونية.
ويشكل الدفاع عن الحدود ركناً مركزياً في خطة كوخافي، غير أن خطته تعتمد على الاستثمار بالجيش بحيث يكون 70% للهجوم و30% للدفاع. ويشير محللون إسرائيليون إلى أن هذا التوجه قد لا ينسجم مع تصور نتنياهو حول رؤيته التي تركز في العقد القادم على السايبر، سلاح الجو والدفاع الجوي.
وفي عرضه لخطته الخمسية، قال كوخافي إن “تنفيذ الخطة متعددة السنوات “تنوفا” سوف يمكن الجيش الإسرائيلي من اكتساب قدرات كبيرة، فهي تعزز القوة الفتاكة للجيش، سواء في الحجم أو الدقة، وتخلق ظروفاً لتقصير مدة المعركة، والتحديات حولنا لا تعطينا الإمكانية للانتظار ولذلك وبرغم تعقد التعقيدات، فإن الخطة بدأت تنفذ.
يشبه مفهوم التشغيل الذي تفرضه خطة كوخافي الجديدة إلى حد كبير الوثيقة التي كتبها عضو الكنيست بار – ليف وعوفر شيلح في بداية عام 2019، وهم أعضاء اللجنة الفرعية للجنة الشؤون الخارجية والدفاع، تحت عنوان “القوة البرية في جيش الدفاع الإسرائيلي في العقد المقبل”.
خلاصة تقييم الخطط الخمس المتتالية
خلال أقل من عقدين من الزمن تغيرت استراتيجية الجيش الاسرائيلي العسكرية خمس مرات ولكم أن تتخيلوا تأثير هذه التغييرات المتتالية في الاستراتيجيات (التي اعتمدت بمعدل استراتيجية كل أربع سنوات والتي تختلف جوهرياً عن سابقتها) على جيش محترف ومعقد كالجيش الاسرائيلي.
ولقد حذر مفوض شكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي، الجنرال يتسحاق بريك، من أن تغيير الخطط سيخلق أزمات داخل الجيش، الذي وصفه بأنه “تنظيم متوسط المستوى ويعاني من تآكل إثر أعباء أثقل مما ينبغي تفرضها مهمات، وعدم إلتفات القيادة العليا للمشاكل، ووجود أزمة معنوية بين الضباط الشبان، الذين لم يعودوا معنيين بالالتزام بالتوقيع على فترة جديدة للخدمة الدائمة بسبب الوضع في الوحدات العسكرية. وتراجع الجاهزية لدى الجيش فيما يتعلق بحجم التدريبات التي يخوضها. وحذر بريك من الخطة العسكرية المتعددة السنوات، المعروفة باسم “جدعون”، التي تنص على تسريح ضباط من الخدمة الدائمة، في سن 28 عاما أو 35 عاما أو 42 عاما، مشيرا إلى أن حجم هذه الأزمة سيتضح بعد عدة سنوات. واعتبر ان تقليص 4000 وظيفة في الخدمة الدائمة، ونقل وظائف من القوات البرية إلى وحدات الاستخبارات والسايبر والتكنولوجيا تسبب “بتراجع كبير في صفوف العسكريين، تمثل بالسطحية والضحالة في تنفيذ المهمات. كما يوجد تراجع كبير في حافزية الخدمة العسكرية.
كل هذه الإشكاليات تضع تحديات أمام الجيش في القيام بالمهام في ساعات الطوارئ، بالتزامن مع تراجع دافعية الجنود والضباط لتمديد فترة بقائهم في صفوف الجيش لمدة زمنية أطول، لا سيما في الجهاز التكنولوجي وأدت إلى تدهور خطير في قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ مهماته وتضررت جهوزيته للحرب.
بعد أربع سنوات من إقرار خطة جدعون تولى أفيف كوخافي قيادة الجيش الاسرائيلي في وقت وجهت فيه الاتهامات لرئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت بالمسؤولية عن تراجع القوة العسكرية الاسرائيلية وترسيخ عقيدة عسكرية سلبية، أفقدت الجيش هيبته وقوة ردعه، وخلق فجوة كبيرة بينه وبين ضباطه وقياداته العسكرية، نتيجة لاختلاف وجهات النظر حول قضايا وملفات مهمة، لعل أهمها الامتناع عن القيام بأي عمل عسكري كبير على الجبهتين الشمالية والجنوبية، لمواجهة الأخطار المحدقة باسرائيل، والاكتفاء بعمليات عسكرية محدودة وسرية، وفق توجهات آيزنكوت ونتنياهو، وهو ما عزز الشكوك حول قدرات الجيش الاسرائيلي واستعداداته لخوض مواجهات عسكرية كبرى، وافتقاده لروح المبادرة والمفاجأة، مما أثر بالسلب على الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي، بصورة عامة، وتراجع الرغبة لدى الشباب في الانضمام للجيش الاسرائيلي، بصورة خاصة.
ما يهمنا من الخطط هنا هو اقتراحات التطوير التي أدخلت في صلب آخر خطتين وهما ” خطة جدعون” و ” حطة تنوفا” واللتان تقومان على تضمين الاستراتيجية القتالية للجيش الإسرائيلي لمبادئ أساسية في أي مواجهة يخوضها على أكثر من جبهة في آن واحد، هي:
- الإنذار
- الردع
- الحسم
- الانتصار الساحق في المعركة
وهذان الأخيران يعتمدان على القوات البرية بشكل أساسي
خطة “تنوفا” الاستراتيجية الرباعية أو وصفة “كوخافي”
تعتمد الاستراتيجية الرباعية الأبعاد للقوات البرية المبنية على خطة “تنزفا” على المشاركة في القتال فوق الأرض وتحتها والحرب الالكترونية، وإنشاء شبكة استخبارية “غير مرئية” في ساحة المعركة بهدف جمع المعلومات معتمدةً “على طائرات استطلاع قادرة على رصد أي شيء يصدر عنه إشارة”، ما يؤدي على الفور إلى تحديد موقع الهدف بشكل آلي وتشغيل نظام عسكري مضاد يستخدم قذائف ذكية يمكن التحكم بها أثناء طيرانها بهامش خطأ لا يتعدى الخمسة أمتار. وتحويل سلاح المدفعية بالكامل إلى استخدام القذائف “ذكية التوجيه”. وكل وحدة قتالية في سلاح البر أقترح أن يتم تزويدها ببطارية دفاع جوي لتواجه الهجمات الصاروخية والانتحارية، الطائرات من دون طيار، كما أنّ كل وحدة تابعة لسلاح الجو تكون حاضرة في المعركة ستستخدم مطاراً صغيراً مع فريق متكامل للسيطرة يقوم بالتنسيق مع القوات البرية. هذه القوات المشتركة بين الجو والبر سيغطيان منطقة عمليات يصل ارتفاعها حتى ثلاثة آلاف قدم، أما ما فوق ذلك فسيكون من مسؤولية سلاح الجو وحده. وتقوم الاستراتيجية الجديدة على تزويد كل كتيبة هندسية بمجموعة خاصة للتعامل مع الأنفاق حيث سيتم تعزيز وحدة “ياهالوم” النخبوية، مع توافر قدرات لوجستية ومنظومة اتصالات مستقلة.
وبالرغم من ان استراتيجية الجيش الإسرائيلي في فترة كوخافي، اعتمدت توجيه ضربة متعددة الابعاد، تدمج بين توجيه ضربات جوية دقيقة ومكثفة ضد العدو وتنفيذ مناورة برية سريعة وفتاكة ومرنة. الا انه وخلال المواجهات الأخيرة التي خاضتها إسرائيل والتي سبقت معركة “سيف القدس” فضلت استخدام سلاح الجو والمدفعية، وكانت مترددة وحذرة جدا في استخدام القوات البرية. وبالتالي كان على رئيس الأركان الجديد فحص قدرات الجيش الإسرائيلي على القيام بمناورة برية واسعة، طويلة الأمد.
رسم افيف كوخافي خطوطا عريضة لصورة العقيدة القتالية الجديدة للجيش الاسرائيلي للسنوات المقبلة ترتكز على مبدأ ايقاع الهزيمة بالعدو من خلال القضاء على مقدراته العسكرية ومشغليها من فوق الارض (ومن تحتها) من بعيد، بواسطة سلاح فتاك ودقيق – ثمرة التفوق التكنولوجي الاسرائيلي. وتعبر النجاعة والفتك عن التطلع للوصول الى الحسم في الحرب التالية بأسرع وقت ممكن “بثمن زهيد” وبمستويات من الدقة الاعلى للغاية. ضرورية، ضمن امور اخرى، من اجل شل فعالية “مركز الثقل” وسلاح “جيوش الارهاب” اي السكان المدنيين.
وتهدف خطة التطوير إلى إعادة النظر في مفهوم الأمن الإسرائيلي، وفي هيكلة الجيش، قيادةً وتشكيلات، والانتقال بالقوة المسلحة من حالة الحرب حكماً وحتماً إلى حالة الحرب أو اللاحرب احتمالاً، ومن القرن العشرين الزاخر بالحروب والنزاعات المسلحة إلى القرن الحادي والعشرين المتميز بالعولمة والفضائيات وثورة المعلومات ومن مذهب عسكري تقليدي يعتمد على النيران والتشكيلات العسكرية الكبيرة إلى مذهب عسكري يزداد اعتماده على الابتكارات التقنية والصاروخية والفضائية القادرة على الإسهام في شؤون الحرب وتصنيع أسلحة دقيقة ذكية تتولى صد هجوم محتمل من مدى بعيد.
يقول كوخافي: “سوف يتجه الجيش الإسرائيلي في المرحلة القادمة إلى الحفاظ على حجمه وتفوقه البشري والنوعي والتسليحي والتقني، ليصبح أكثر ذكاءً، وترمي خطة تطوير الجيش الإسرائيلي إلى تحديث الجيش وتحسين نوعيته وتعزيز تفوقه من خلال توظيف الطاقات العلمية والثقافية الإسرائيلية وتشغيلها في مشروعات تطوير الأسلحة وتوسيع دائرة الاكتفاء الذاتي من حاجة الجيش إلى الأسلحة والاعتدة بمختلف أنواعها. كما ان تكيف الجيش وفق العصر السيبراني لجديد هو تحدٍ لا يمكن التقليل من أهميته ومن تعقيده”،
ويتابع كوخافي ” ومن المنتظر ان تشهد القوات البرية الإسرائيلية تحولاً كبيراً في السنوات المقبلة مع تعزيز الكتائب وفق استراتيجية القتال الرباعي الأبعاد في مواجهة الخبرات التي راكمها أعداؤه كحزب الله بنسخته الحديثة السريعة والمتنقلة والضاربة، والثقة” والقدرة التشغيلية العالية التي اكتسبها الحزب من مشاركته في الحرب السورية طوال السنوات الماضية. واستطاع الحزب تطوير ترسانة جديدة من الأسلحة تتضمن أجهزة رؤية ليلية عالية الجودة، أجهزة الكترونية قتالية، مئات الطائرات من دون طيار، قذائف ثقيلة وصواريخ قادرة على حمل نصف طن من المتفجرات، بالإضافة إلى القدرات الجديدة المكتسبة كالمناورة في أرض العدو وإعادة تشكيل القوات بسرعة كبيرة.”
كوخافي: تصفية الحساب مع جبهة غزة والتحضير لمعركة حارس الأسوار
عانت الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة من حمل زائد من الأهداف تزداد بشكل متراكم مع الخصائص الأساسية للقطاع:
- احتكاك دائم بين الجيش الإسرائيلي والمتظاهريين الغزيين على طول الجدار
- – الوضع الاقتصادي السيء في المنطقة،
- – تطور قدرات كتائب القسام كماً ونوعاً وتعاظم القدرات العسكرية للفصائل المنضوية في غرفة عمليات المشتركة والتي تنشط جميعها في الميدان
- تزيد الاحتمال للتصعيد وفي نهاية المطاف للمواجهة.
وضع الأمور هذا استوجب ان يكون لدى الجيش الإسرائيلي خطة عملية ناجعة في حالة المواجهة تؤدي الى ردع المقاومة بكافة فصائلها وخصوصاً كتائب القسام وسرايا القدس لفترة طويلة.
وقد راقبت المقاومة اداء كوخافي (الذي كان قائد قوة غزة لعامين قبل أن يتسلم منصبه كرئيس أركان) بشكل عام، وكيفية تعامله مع تحديات قطاع غزة على وجه الخصوص على ضوء العلاقة الانتقامية المحتملة، في ضوء تجربته الماضية التي تتلخص في عدم التردد في استعمال القوة المفرطة بشكل دائم في المواجهات والحروب، خاصة وان هذه التجربة تشير الى عدم اخذ الاحتياطات اللازمة لتجنيب السكان المدنيين ويلات هذه القوة المفرطة بحيث انه لا يحسب اي حساب لهم.
خلصت المقاومة بعد 6 اختبارات للقوة وتسع جولات صغيرة إلى تقدير أنهسرعان ما ستندلع جولة عسكرية جديدة، وان كان خطر المواجهة العسكرية الواسعة في قطاع غزة قد تم تأجيله في هذه المرحلة، الا ان عودته قريبا تبدو حتمية، وفق الاعتبارات التالية:
- الجولات الأخيرة، تركت أثارا عميقة على الرأي العام الإسرائيلي، الذي رأى في نتائجها خنوعا للمقاومة. ومما يزيد من خطورة دلالات ردة الفعل الجماهيرية حقيقة أنها تركزت في المناطق التي تحتضن قواعد اليمين والليكود على وجه الخصوص.
- 2. – كشفت موجات التصعيد الأخيرة بين عامي 2019 و 2021 عن ثغرات في قدرة الردع الاسرائيلية ووجهت المعارضة اتهامات لحكومة نتنياهو بأن توجهاته لعدم التصعيد، والاستمرار في مسار التهدئة، بحجة تعميق الفصل بين غزة والضفة، أعطى الفرصة لحماس لفرض معادلات عسكرية وسياسية جديدة، وجعلت حماس والجهاد تُمليان على إسرائيل، طبيعة ووتيرة الأحداث. وهو ما وضع الحكومات الاسرائيلية المتتالية أمام خيار ضرورة استعادة الردع المفقود في غزة.
ورداً على ذلك كلف نتنياهو رئيس أركانه ومجلس حربه بتطبيق تكتيك يفضله نتنياهو ويعتمد على «الانهاك المتدرج» للمقاومة في غزة، مصحوباً بـ»تكتيك الاستدراج الناعم» لفرض معادلة «الهدوء مقابل الغذاء والكهرباء»، على أن يُبقي لجيش الاحتلال، يداً طليقة في تنفيذ ما تعتقده عمليات استباقية ووقائية ضد أهداف فلسطينية، في الزمان والمكان اللذين يراهما، دون المغامرة في الدخول في حرب مدمرة مع المقاومة في غزة.
اضافة الى الاعتبارات الاستراتيجية التالية:
- استراتيجيا؛ تسعى إسرائيل لاستمرار الانقسام الفلسطيني وتعتبره خيارا استراتيجيا يسمح لها أيضاً بتهويد سريع ومريح للدولة بدءاً من تهويد القدس.
- أمنيا؛ تبحث إسرائيل عن بديل يضبط الاوضاع في قطاع غزة في مرحلة ما بعد إنهاء حكم حماس ومواجهة واسعة بهذا الشكل ستدخل اسرائيل في اضطرابات أمنية لسنوات ستخسر خلالها الكثير من ابنائها.
- اقليميا؛ على صعيد العلاقات العربية الاسرائيلية والتي تبشر بانفتاح وغير مسبوق شكل دائما هدفا استراتيجيا للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، وبالتالي فان حرباً مدمرة تشنها اسرائيل على قطاع غزة، ستكون بالتأكيد عائقا أمام هذا الامر والأهم في ذلك أنه في أي حرب مدمرة قد تشنها اسرائيل فإن نتنياهو سيغامر بإدخال ” إيران ” ومعها حزب الله وكل محور المقاومة مجدداً إلى قلب اللعبة الفلسطينية.
معركة سيف القدس: العين تكسر المخرز
في الحادي عشر من أيار 2021 وعند الساعة 18:00 نفذت المقاومة الفلسطينية تهديدها الذي كانت قد أطلقته قبل 48 ساعة وحذرت فيه العدو من المساس بحرمة المسجد الأقصى والاستمرار في حماية الاعتداءات على أهالي حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة. إلا أن العدو الذي كان تقديره بأن التهديد الفلسطيني لو طبق فلن يتعدى ساعات أو أيام قتالية يمكن استيعابها وضمها إلى الاشتباكات الصاروخية العشرة التي دارت بين عامي 2018 و2021 بين المقاومة الفلسطينية وجيش العدو. سرعان ما أدرك العدو خطأ تقديراته ومعلوماته الاستخبارية حول نوايا المقاومة عندما نفذت المقاومة رشقة صاروخية كبيرة على القدس وغوش دان وتل أبيب واستهدفت بصاروخ كورنيت جيباً عسكرياً لضابط المعلومات المسؤول عن الاستخبارات العسكرية في غلاف غزة ثم أتبعت المقاومة رشقتها الأولى برشقة ثانية بعد ثلاث ساعات بالتمام على تل أبيب وبيت يام وبتاح تكفا وغوش دان واللد أسمتها ” بتوقيت البهاء”.
بدأ الاسرائيلي منذ اللحظة الأولى يحصي الخسائر ومع ازدياد ساعات المعركة كانت الخسائر تتعاظم حيث حققت المقاومة منذ اللحظة الأولى أيضاً عدة مكاسب الأساسية في تطبيق مبادئ الحرب أهمها:
- المبادأة
- المفاجأة
- المرونة
- حرية العمل
- التعاون
- خفة الحركة
- سرعة العمل
- اختيار الهدف
- الاقتصاد في القوة
- 10- الاتجاه
- البساطة
- الروح المعنوية
- كسب الرأي العام
استمرت المعركة 11 يوماً استطاعت المقاومة فيها تحقيق إنجازات عديدة أهمها:
- عدم السماح للعدو بقطع الاشتباك على خطوط التماس عند الحافة الأمامية
- استهداف 6 مطارات عسكرية رئيسية وجعل العمليات الجوية منها صعبة ومعقدة
- حرمان سلاح الجو من بنك أهدافه التي استنفذها كلها في حملة قصف واحدة
- تجاوز القبة الحديدية بأساليب إلكترونية وتكتيكية عسكرية
- ضرب منظومات القيادة والسيطرة الاسرائيلية المحلية
- التشويش على عمل منظومة الرصد والحرب الالكترونية من خلال استهداف مراكز بنيوية لوحدات ال 8200 و9900 في بئر السبع والنقب.
- التحكم بمديات إطلاق الصواريخ بالأعداد المقررة وفق خطة إدارة النار
- إلزام 80 بالمئة من الاسرائيليين بالبقاء في الملاجئ وتطوير ذلك في الايام الثلاثة الأخيرة للمعركة بفرض حظر تجول على سكان المناطق المركزية وخصوصاً غوش دان وتل أبيب.
- وقف الحياة نهائياً في مدن عسقلان واسديروت وأشدود والتشويش على مينائي اشدود وعسقلان
- تعطيل الملاحة الجوية في مطار بن غوريون لأكثر من يوم والتهديد بتعطيل مطار رامون
- شن حرب نفسية على جنود العدو بحيث لم تجرؤ قيادتهم على زجهم في أي عمليات برية خوفاً من مفاجآت المقاومة خاصة بعد اكتشاف قيادة الجيش والاستخبارات الاسرائيلية لأكبر عملية خداع تعرضوا لها في المعلومات التي كانوا يمتلكونها عن الأنفاق الهجومية والدفاعية للمقاومة وهو ما عرف خلال الحرب بفضيحة فخ مترو غزة.
- براعة المقاومة في إدارة المعركة الاعلامية وتطبيق دروس الحرب النفسية بشكل متطور يؤازرها جيش الكتروني ضخم في دول الشتات وداخل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وأراضي الـ 1948.
- كسب معركة الصورة الاعلامية في اليوم الثالث بعدما بدأ سلاح الجو الاسرائيلي تنفيذ مبدأ كوخافي والذي ينادي بالسحق وتبين للعالم أجمع أن السحق استهدف بنى تحتية في غزة وأبراجاً سكنية مدنية ومراكز وكالات أنباء عربية وعالمية.
- حرمان العدو من تحقيق أي صورة نصر فيما أصبح واضحاً أن ردعه تضرر بشدة.
نتائج معركة سيف القدس وآثارها على العدو
تظهر الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية عبر الخطط الأركانية التي تقر كل خمس سنوات، وترسم من خلالها أهداف السياسة العسكرية وآليات تطبيقها، ومجالات استخدام القوة، التي تتناسب مع طبيعة التحديات التي يواجها الكيان الصهيوني. وتلحظ كل خطة جديدة المتغيرات التي حدثت في المرحلة السابقة، والناجمة عن نتائج الحروب والتبدلات الجيوسياسيةً.
وبعد عرضنا لدراسة التحديات التي تواجه الخطط الأركانية الإسرائيلية متعددة السنوات (كيلع وتيفين وعوز وجدعون وتنوفا) وبدراسة ما خرج من استخلاصات أولية عن معركة “سيف القدس” يمكننا استنتاج ما يلي:
- تبين من خلال استعراض الخطط القتالية الإسرائيلية، أنها في غضون عقدين خضعت تقريباً إلى خمس مراجعات متتالية، كان واضحاً فيها التركيز على التفوق الجوي، وانعكس ذلك تدريجياً على إهمال نسبي للقوات البرية؛ إذ سادت قناعة لدى القيادات العسكرية بأن المناورة والمعركة البرية تنتمي لحروب الماضي، ولهذا كان اهتمامهم الأكبر بتحديث وتقوية القوات الجوية، لتصبح أساس ومحور التحديث الفعلي في الجيش الإسرائيلي.
- الخطط الصهيونية المتواصلة تؤكد ما تشكله المقاومة من حالة استنزاف للمقدرات الصهيونية على الصعيد البشري والمادي. وقد أثبتت المواجهة المباشرة قدرة المقاتلين المقاومين على مواجهة جيش العدو، على الرغم من العمل الدؤوب على استخلاص العبر.
- أبرز ما في الرؤية الاستخباراتية الإسرائيلية الراهنة هو عدم قدرة الاستخبارات العسكرية على ادعاء الوضوح في استشراف مجريات الأمور، والسبب في ذلك التغييرات المتسارعة في خريطة التهديدات في المنطقة التي من شأنها أن تؤدي إلى أخطاء في التقديرات الاستخباراتية، فلا رؤيا بعيدة المدى والحسابات رهن التطورات.
- أظهرت الدراسة أن القوة قد تحمل في طياتها سبب فشلها ووهنها وسبب دمارها في نفس الوقت الذي تحمل فيه سبب موت ودمار وذل متحديها، لذلك فإن مالك القوة إن لم يعِ ويعرف ويدرك ويتصرف بناءً على قاعدة تقول: أن مجرد امتلاك أسباب القدرة، لا يعني أنك تملك أسباب القوة إن لم تكن عارفاً بأسباب ومسببات وهنها وضعفها.
- الأداء الفاشل للقوات الإسرائيلية واستبعاد تدخل القوة البرية في معركة سيف القدس وضع يد الإسرائيليين على جرح نازف لهم، فرغم أنهم وضعوا خطط وبرامج عسكريةً متعددةً وعلى مدى 20 عاماً، لكن لم تخرج حتى الآن نتائج إيجابية مشجعة تجعل الجيش الإسرائيلي يبادر لتنفيذ عمليات عسكرية معتمداً بالدرجة الأولى على القوات البرية.
- أثبت الواقع العملياتي للجيش الإسرائيلي، وجود العديد من الثغرات والفجوات في عملية التعلم والاستجواب واستخلاص الدروس وتطبيقها، هذه الفجوات لدى العدو ليست موجودةً على المستوى الاستراتيجي فقط، ولكن أيضاً في العمليات التكتيكية، وفي كثير من الحالات أدت المفاجأة التكتيكية والاستراتيجية إلى ضرورة إيجاد حلول فورية أثناء القتال عجزت القوات الإسرائيلية على التعامل معها ميدانياً.
- شكلت المقاومة المسلحة عنصراً مهماً من عناصر تراجع جاهزية الجيش الإسرائيلي وضعف قواته البرية، بتطوير قدراتها القتالية التي دخلت بها مرحلة جديدة من الصراع، وأصبح باستطاعتها إيقاع عدد كبير من القتلى والإصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي.
- يبين تطور قدرات قوى المقاومة العسكرية بعد كل مواجهة مع الاحتلال، حيث ترتقي لمراحل متقدمة من الإعداد والتخطيط والتجهيز العسكري المفاجئ، لكونها قد استوعبت الدروس الماضية، مما يقودها لتغيير تكتيكاتها في المواجهة القادمة.
مركز دراسات غرب اسيا