على مدى أكثر من 10 ساعات من الأسئلة الحرجة بمجلس الشيوخ الأميركي بحثا عن تفاصيل وخبايا ما جري في الساعات والأيام الأخيرة التي سبقت الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان الذي استكمل يوم 31 أغسطس/آب الماضي، أكد كبار قادة وزارة الدفاع (بنتاغون) حدوث تقصير وسوء تقدير كامل للأوضاع داخل أفغانستان.
واتفق كل من وزير الدفاع الجنرال لويد أوستن، ورئيس الأركان الجنرال مارك ميلي، وقائد القيادة الوسطى العسكرية الجنرال فرانك ماكينزي، على وقوع أخطاء كان من الواجب تجنبها، من أهمها التعويل على الجيش الأفغاني، وسوء تقدير نفوذ وقوة وتماسك حركة طالبان.
وفي جلسة عقدت أمس الأول أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، واستغرقت 5 ساعات و29 دقيقة، أقر كبار قادة البنتاغون في جلسة علنية بعدد من الأخطاء والكثير من التقصير عندما تعلق الأمر بانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.
وخلال جلسة أخرى عقدت أمس الأربعاء أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب واستغرقت 4 ساعات و37 دقيقة، كرر كبار العسكريين الأميركيين مسؤولياتهم عن الأخطاء الفنية المتعلقة بالانسحاب.
كما ألقوا باللوم على القيادة السياسية، ممثلة في إدارتي الرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن، في سوء التقدير السياسي سواء بالاتفاق غير المشروط على الانسحاب والالتزام بجدول الانسحاب المتفق عليه مع طالبان.
رفضت تأمين كابل
واعترف قائد القيادة الوسطى الجنرال فرانك ماكينزى بأن حركة طالبان عرضت السماح للجيش الأميركي بالسيطرة على الأمن في كابل حتى يغادر البلاد رسميا يوم 31 أغسطس/آب الماضي.
وذكر ماكينزي أن قادة طالبان قدموا هذا العرض خلال محادثة جرت في العاصمة القطرية الدوحة، في اليوم الذي سقطت فيه الحكومة الأفغانية وفر فيه الرئيس أشرف غاني إلى خارج البلاد.
وقال الجنرال الأميركي إنه التقى رئيس الجناح السياسي لحركة طالبان عبد الغني برادر يوم 15 أغسطس/آب الماضي “لنقل رسالة له بأننا سننسحب، وإذا حاولوا إعاقة هذا الانسحاب فإننا سنعاقبهم بشدة على ذلك”.
وخلال الاجتماع عرضت طالبان السماح للجيش الأميركي بتأمين كابل، بيد أن ماكينزي قال إنه ليس مخولا الموافقة على مثل هذا العرض، وأكد أنه لم تتوفر له الموارد اللازمة للقيام بهذه المهمة.
وردا على سؤال حول ما إذا كان نقل عرض حركة طالبان إلى الرئيس بايدن، لم يدل ماكنزي يإجابة حاسمة، وأضاف أن الممثل الأميركي الخاص للمصالحة في أفغانستان زلماي خليل زاد كان حاضرا في هذه المناقشة.
وقال ماكنزي لبرادر إن المهمة الأميركية تتعلق فقط بإجلاء المواطنين الأميركيين والمتعاونين الأفغان، ويحتاج الجيش الأميركي فقط إلى المطار للقيام بذلك. واتفق الجانبان على سيطرة الولايات المتحدة على مطار كابل حتى نهاية يوم 31 أغسطس/آب الماضي.
وشدد ماكينزي أمام جلسة مجلس النواب على أن مناقشة طالبان لم تكن بمثابة “عرض رسمي”، ولذلك السبب لم يتابع الأمر، لكنه أضاف أن العرض نقل إلى القيادات العليا في البنتاغون.
وفى وقت لاحق من الجلسة، قال ماكينزي إنه ذهب إلى الدوحة ليطلب من طالبان الابتعاد مسافة 30 كيلومترا عن كابل لتجنب أي احتكاكات بين الطرفين، لكنه بحلول يوم الاجتماع كانت طالبان بالفعل سيطرت على وسط كابل.
لن يعود لأفغانستان
من جانبهما، أكد كل من الجنرالين ميلي وأوستن أمام مجلس النواب أن هناك احتمالا جديا بأن يعيد تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية العمل من أفغانستان في أوائل ربيع عام 2022.
وقال ميلي إن التهديد الإرهابي من أفغانستان أقل حاليا مما كان عليه قبل أشهر، لكن “الظروف يمكن أن تكون مناسبة لإعادة تشكيل وإحياء تنظيم القاعدة و/أو تنظيم الدولة”.
ووافق الوزير أوستن على هذا الطرح، وقال إن “تنظيم القاعدة قد تدهورت قوته مع مرور الوقت، والآن تسعى المنظمات الإرهابية إلى الحصول على مساحات غير خاضعة لطالبان حتى تتمكن من التدريب والتجهيز، وبالتالي من الواضح أن هناك إمكانية أن يحدث ذلك هناك في المستقبل”.
جدير بالذكر أن اتفاق الدوحة الموقع بين إدارة ترامب وحركة طالبان في فبراير/شباط 2020 يرتكز على أن تسحب الولايات المتحدة جميع قواتها من أفغانستان مقابل وعد طالبان بعدم السماح للمنظمات الإرهابية باستخدام البلاد منطلقا لأي هجمات، لكن مسؤولي البنتاغون الثلاثة شككوا خلال اليومين الماضيين في أن طالبان ستلتزم ببنود هذا الاتفاق.
وقال الوزير أوستن -أمام لجنة الخدمة المسلحة بمجلس الشيوخ- إنه ليس من المقرر أن يعود الجيش الأميركي إلى أفغانستان في المستقبل القريب، إلا أنه قال كذلك “لن أستبعد أي شيء، أقول فقط إنه ليس متأكدا أننا سنعود أو نضطر إلى العودة إلى أفغانستان مرة أخرى. ولكن إذا فعلنا ذلك، فإن الجيش سيوفر خيارات جيدة ذات مصداقية ليتمكن من القيام بذلك وأن يكون بطرق فعالة”.
نصح بايدن
وأجمع المسؤولون الثلاثة الأرفع في البنتاغون على أنهم أوصوا ببقاء 2500 جندي أميركي في أفغانستان، وهو ما يتناقض مع التصريحات التي أدلى بها الرئيس بايدن عدة مرات خلال الأسابيع الأخيرة.
واعترف كل من ماكنزي وميلي بأنهما اتفقا مع توصية قائد القوات الأميركية داخل أفغانستان الجنرال أوستن ميلر ببقاء 2500 جندي، رغم أنهما نفيا ذكر تفاصيل ما نصحا بايدن به بصورة مباشرة، حيث أقرا بأن ذلك يخالف قواعد خصوصية الحوارات الخاصة التي تجمعهم بالرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وكرر الأعضاء الجمهوريون بلجنة القوات المسلحة السؤال عما اعتبروه كذبا من الرئيس جو بايدن الذي نفى في سياق مقابلة أجراها مع شبكة “إيه بي سي” (ABC) في أغسطس/آب الماضي، أن يكون كبار قادته العسكريين قد أوصوه بترك 2500 جندي في أفغانستان، وقال بايدن حينذاك “لا، لم يحدث ذلك”.
الجزيرة