هل “تخطط” السعودية لموجة إعدامات جديدة؟

قال نشطاء إن المتظاهر السعودي مصطفى آل درويش الذي قِيل إنه ارتكب جرائم خلال مراهقته، يمكن أن يواجه عقوبة الإعدام في أي لحظة.

وأضاف النشطاء أن حالة آل درويش (26 عاما) ليست الوحيدة وسط مخاوف من اعتزام السلطات السعودية تنفيذ موجة إعدامات جديدة .

فقد استنفد مصطفى آل درويش الذي يواجه عقوبة الإعدام في السعودية، في أواخر الشهر الماضي آخر خياراته القانونية. وعلى وقع هذا، ينتظر آل درويش تنفيذ عقوبة الإعدام في أي وقت على خلفية مزاعم ارتكابه جرائم عندما كان مراهقا. ولا يتطلب تنفيذ الحكم سوى توقيع الملك سلمان بن عبد العزيز.
وتم إحالة قضية آل درويش إلى رئاسة أمن الدولة إثر قرار المحكمة العليا بتأييد حكم الإعدام بحقه عقب استنفاد سلسلة من الطعون ضد الحكم.

وتحذر دعاء دهيني، باحثة حقوق الإنسان في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، من تداعيات الأمر.

وفي مقابلة مع DW، قالت دهيني إن هذا القرار “يعني أنه لم يعد هناك أي خطوة قانونية يمكن اتخاذها. وفي الوقت الحالي تشعر عائلة آل درويش في السعودية بالقلق والخوف من تنفيذ حكم الإعدام ضده”.

موافقة ملكية

وإزاء ذلك، يعتمد تنفيذ حكم الإعدام بحق آل درويش فقط على “توقيع العاهل السعودي وموافقته”، حسبما ذكر طه الحاجي – المستشار القانوني في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان.

ومثل الحاجي في السابق متهمين في قضايا محكوم عليهم بالإعدام في السعودية لكنه يعيش في الوقت الحالي في ألمانيا.

وأضاف الحاجي أن موافقة العاهل السعودي على تنفيذ أحكام الإعدام تحدث خلف الأبواب المغلقة ولا يوجد جدول زمني لموعد تنفيذ الحكم.

وتثير قضية آل درويش الكثير من القلق، بحسب ما ذكرته منظمات حقوقية دولية أبرزها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمة “ريبريف ” الحقوقية ومقرها بريطانيا.

يشار إلى آل درويش اعتقل في 2015 لمشاركته في احتجاجات ضد السلطات السعودية بين عامي 2011 و 2012 وكان عمره وقتها يتراوح بين 17 و 18 عاما.

وشملت التهم الموجهة إليه المشاركة في “تمرد مسلح ضد الحكومة وتشكيل شبكة إرهابية مسلحة والسعي إلى زعزعة النسيج الوطني من خلال المشاركة في أعمال شغب بلغت أكثر من عشرة وقائع”، بحسب ما ذكرته السلطات السعودية.

وقال آل درويش إنه أعترف بهذه الجرائم تحت التعذيب فيما تشكو عائلته من أنه لم يُسمح بتمثيل قانوني مناسب حتى وصل الأمر إلى عدم تمكنهم في معرفة ما يحدث له.

وينتمي آل درويش لعائلة من الأقلية الشيعية التي تتعرض للتهميش والاضطهاد من قبل السلطات السعودية، وفقا لما تقوله المنظمات الحقوقية.

قمع المعارضة
وفي مارس / آذار العام الماضي، أصدر العاهل السعودي أمرا ملكيا يحظر إصدار إحكام الإعدام بحق أي مواطن يرتكب جريمة وهو في سن الثامنة عشر واقتصار الأمر على أحكام بالسجن لعشرة أعوام.

بدورها، أكدت لجنة حقوق الإنسان في السعودية على إلغاء عقوبة الإعدام بحق القصر، بيد أن الأمر لا يزال غير رسمي.

وبموجب هذا القرار، قررت السلطات السعودية في مارس / آذار الماضي تخفيف عقوبة الإعدام بحق ثلاثة شبان من الأقلية الشيعية وهم علي النمر وداود المرهون وعبد الله الزاهر الذين كانت أعمارهم تتراوح بين 15 و17 عاما عندما أُلقي القبض عليهم لأول مرة.

وقررت السلطات السعودية تخفيف الأحكام بحق الشبان الثلاثة إلى الحكم بالسجن عشر سنوات وبهذا يتوقع أن يتم إطلاق سراحهم عام 2022 بالنظر إلى قضوا فترة العقوبة.

وعود منقوصة
ورغم ذلك، يبدو أن هذا الأمر لا ينطبق على جميع السجناء الأصغر سنا الذين صدر بحقهم عقوبة الإعدام ومن بينهم آل درويش وعبد الله الحويطي الذي أُدين بالقتل والسطو المسلح في عام 2017 عندما كان في عامه الرابع عشر.

ودفع الحويطي البالغ من العمر 18 عاما ببراءته، قائلا إنه اعترف بالجريمة تحت التعذيب.

من جانبه، قال الحاجي إن “الوعود التي أصدرتها السلطات السعودية بوقف إعدام القصر مرحب بها إلا أن هناك قلقا حيال إمكانية الالتفاف عليها”.

وأشار إلى أنه في عام 2018 صدر قانون في السعودية من المفترض أن يحظر عقوبة الإعدام في الجرائم التي يرتكبها القصر، لكن عمليا فإن هناك العديد من السبل للتحايل على القانون.

فعلى سبيل المثال، يمكن الاعتماد على كيفية تفسير الجريمة.

وفي هذا الصدد، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن بعض المذنبين القصر توجه إليهم اتهامات مثل السعي “إلى زعزعة النسيج الوطني عبر المشاركة في احتجاجات ومراسم تشييع وترديد شعارات معادية للنظام.”

ويصنف الإدعاء هذه الجرائم باعتبارها شديدة الخطورة بموجب الشريعة الإسلامية ولذا يتم المطالبة بعقوبة الإعدام.

تغيير التهم

وفي رده على قضية القصر الذين صدر بحقهم عقوبة الإعدام، قال مايكل بَيْج – نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش– إن “أبواق النظام تعمل على تسويق الإصلاحات القضائية على أنها تقدم فيما يمضي الإدعاء في تجاهل هذه القرارات بشكل صارخ”.

وأضاف “إذا كانت السعودية جادة في إصلاح نظام العدالة الجنائية، يتعين عليها في البداية حظر عقوبة الإعدام بحق المذنبين القصر في كل القضايا.”

ويشير نشطاء في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى مثال آخر يتعلق بغياب الشفافية في النظام القضائي السعودي ما يعني أن ظروف الاعتقال قد تتغير.

وأوضحت دعاء دهيني، باحثة حقوق الإنسان في المنظمة، ذلك بقولها “على سبيل المثال، يتم الاحتجاز لسنوات وبعد ذلك ربما تضيف السلطات السعودية بعض الأشياء إلى لائحة الاتهامات توضح أن الشخص قد بلغ سن الرشد عندما ارتكب هذه الجريمة”.

تحذير من موجة إعدامات جماعية
وقال نشطاء المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إن الأمر يتجاوز التطورات المثيرة للقلق حيال حالات صدور أحكام بالإعدام في جرائم ارتكبها قاصرون إذ أعربوا عن بالغ قلقهم إزاء مؤشرات مصدرها السعودية بشأن قرب تنفيذ موجة إعدامات جديدة.

ففي أبريل / نيسان عام 2019، أُعدم 37 شخصا في وقت واحد في السعودية من بينهم اثنان كانا طفلين وقت ارتكاب الجريمة أما في يناير / كانون ثان، تم إعدام 47 شخصا في موجة إعدام جماعية.

وعزت جييد بسيوني – التي ترأس فريق منظمة ريبريف المعني بالشرق الأوسط – انخفاض تنفيذ أحكام الإعدام في 2020 إلى عدة عوامل أهمها جائحة كورونا و”الوقف غير الرسمي في تنفيذ عقوبة الإعدام في جرائم المخدرات غير العنيفة”.

مؤشرات مقلقة

ويخشى نشطاء المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان من عودة تنفيذ أحكام الإعدام إلى الارتفاع مرة أخرى خاصة أنه تم تنفيذ معظم أحكام الإعدام في عام 2020 والبالغ عددها 27 حكما في أواخر العام ذاته.

وفي ذلك، قالت دعاء دهيني إن “هناك العديد من الحالات تقترب من إنهاء كافة الإجراءات القانونية المتعلقة بها خلال الشهرين المقبلين”.

وتشير إحصائيات المنظمة في مارس / آذار إلى أن هناك 53 شخصا حاليا ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام في السعودية من بينهم 16 حالة سوف تستنفد إجراءات الاستئناف الأخيرة، فيما صدرت أحكام إعدام نهائية غير قابلة للطعن أو الاستئناف في ثلاثة حالات منها حالة آل درويش.

وقالت المنظمة إن من الحالات الـ 53 توجد خمس حالات لجرائم كان مرتكبوها دون سن الثامنة عشر، مضيفة أن معظم الحالات تعود إلى منطقة القطيف التي تعد معقل الأقلية الشيعية في السعودية.

بدورها حذرت دهيني من “كافة الخطوات التي يتم اتخاذها الآن ستكون لها عواقب ونشعر بأن ثمة لشيء يتم التحضير له”.

أما جييد بسيوني فأشارت إلى أن “المشكلة تكمن في أن هناك دائما فجوة بين ما تقوله السلطات السعودية بشأن الإصلاحات في أنظمة العدالة الجنائية وما تقوم به بالفعل”.

وأضافت “في الماضي تلى الحديث عن إنهاء عقوبة الإعدام بحق الأطفال، موجة إعدامات جماعية. وعندما نقول أن مصطفى آل درويش وأقرانه في خطر الإعدام فهذا يرجع إلى أن حكم الإعدام قد ينفذ بجرة قلم”.

ولم ترد السفارة السعودية في برلين على طلبات للتعليق على الأمر.

dw