رأى كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) فرانك بروني أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أصبح بعد شهور من مغادرته الأبيض يعاني من عطش ونقص شديدين في الاستئثار باهتمام الناس، كأنه “رجل شره تم انتزاعه بغتة من وليمة دسمة أو بوفيه مفتوح”.
ورأى الكاتب -في مقال له- أن “هذا الأمر ليس حكرا على ترامب فقط؛ فجميع الرؤساء الأميركيين متشابهون في هذا الصدد، فإما أنهم يأتون للرئاسة وهم أصلا يتحلون بهذا الطبع وهو ما يفسر افتتاننا بهم، أو أننا نقوم نحن بتحويلهم إلى نماذج أصلية أو رموز أو حتى تأليههم”.
وتجسد “حكاية ترامب” هذه مدى الحد الذي يمكنه أن يصله المرء من أجل أن يحظى بالاهتمام، وما يمكن أن يفعله إن هو نال مراده هذا، وما قد يحدث -وهو واقع الرئيس السابق الآن- عندما انحسر هذا الاهتمام.
فترامب -كما يضيف الكاتب- يجسد بشكل مثالي الهواجس الأميركية بالثروة والسلطة، بل أكثر من ذلك؛ إنه تعبير حي عن “الهوس الأميركي” بالشهرة.
نهم الشهرة
ويضيف الكاتب أن ترامب الآن يتضور جوعا، خاصة بعد أن حظرت حساباته في موقعي فيسبوك وتويتر، ولم يعد يتصدر نشرات أخبار القنوات الأميركية على مدار الساعة، ولا يشار لاسمه في أي من عناوين الصفحات الأولى لكبريات الصحف.
وفي محاولة يائسة لإشباع نهمه بالشهرة والظهور -حسب ما يقول الكاتب- أضحى ترامب في الفترة الأخيرة يحشر نفسه مع الجموع في الجنازات أو حفلات الخطوبة والمناسبات التذكارية.
وقد تفاجأ مؤخرا أحد أعضاء نادي منتجع مارالاغو -حيث يقيم ترامب- بأنه تقدم خلال تجمع نُظم إكراما لذكرى صديق متوفى، وأخذ الكلمة وقدم بعض الملاحظات، قبل أن يغوص في جموع الحاضرين محاولا التودد إليهم.
من ناحية أخرى، يؤكد الكاتب أن الأصداء الواردة عن تحركات ترامب في الفترة الأخيرة تصوره كأنه “بطل في ميلودراما سياسية” أو “قصة رعب”، حيث تطرح عدة تساؤلات من قبيل إن كانت سطوته على الحزب الجمهوري ستستمر حتى موعد السباق الرئاسي المقبل، وإذا كان سيترشح ثانية للانتخابات عام 2024، وبأي وجه “شيطاني” سيظهر هذه المرة إن هو قرر فعلا الترشح؟
دراما نفسية
ويرى الكاتب أنه وبالتوازي مع ذلك، هناك “دراما نفسية شخصية” أخرى بصدد الوقوع، وستكون كفيلة بالإجابة عن كل هذه التساؤلات، وهي في حد ذاتها “عرض مسرحي”، حيث إن ترامب والقدر نفسه الذي كانت فترته الرئاسية لا تشبه أيا من سابقاتها ستكون فترة وصمه بـ”الرئيس السابق” أيضا إنتاجا دراميا فريدا من نوعه.
فقد غادر الرؤساء الأميركيون السابقون البيت الأبيض بعد أن قضوا فترات متفاوتة في سدة الحكم، وعاش كل منهم لحظات الاختفاء الإعلامي وخفوت الأضواء المسلطة عليهم، لكنهم استطاعوا -على الفور أو في فترات لاحقة- تلميع صورتهم وصقل إرثهم من خلال أنشطة وأعمال خيرية، وفق الكاتب.
كما أصدر بعضهم بيانات دعم مبدئي لخلفائهم، أو اختار البعض الآخر تماشيا مع أعراف وتقاليد رئاسية عمرت طويلا طريق الصمت، لكنهم في النهاية وفي كل الأحوال قاموا بشيء ما.
أما ترامب -كما يختم الكاتب- فلم يقم بأي شيء من كل هذا، ولنكن صادقين فلم تكن لديه أصلا الرغبة في القيام بأي شيء، وكان رده على “واقعه المشوه” بأنه يصر في كل مرة على “حقيقة موازية” يرى فيها أنه سيعاد إلى منصبه رئيسا، في وقت يدعم فيه الأنصار والمتملقون أوهام القوة المطلقة لديه من خلال إحاطته بفقاعة ثقة زائفة.
الجزيرة