تمتد الحدود المشتركة بين باكستان وافغانستان حوالي 2570 كيلومترا، ولدى الصين وأفغانستان حدود مشتركة يصل طولها إلى 76 كيلومترا ولكن ليس ثمة من حدود مشتركة بين الهند وافغانستان. تتميز العلاقات بين الشعب الباكستاني والشعب الافغاني بحكم التشابه الديني والثقافي والقومية والعرقية والتاريخ.
يمكن تلخيص مسرح الصراع الاستراتيجي الهندي الباكستانية الصيني في أفغانستان من عدة زوايا:
1- الصراع الباكستاني والهندي على النفوذ في أفغانستان.
2- التنافس الهندي والصيني على النفوذ في افغانستان.
أولا: الصراع الباكستاني الهندي في أفغانستان
١- تحاول باكستان عبر دعمها لحركة طالبان افغانستان ايصال حليفتها الى السلطة، وذلك لمنع استخدام الاراضي الافغانية ضد باكستان. ففي فترة حكومة أشرف غني؛ كانت الاراضي الافغانية تُستخدم من قبل الهند لضرب الامن والاستقرار في باكستان وذلك من خلال التفجيرات والعمليات الإرهابية. وكانت هذه الهجمات تنفذها مجموعات وجماعات تدعمها الهند وتقوم بتدريبها وادارتها في افغانستان وترسلها لتنفيذ العمليات الارهابية في العمق الباكستاني كحركة طالبان باكستان وغيرها. كما وتخشى باكستان ان تقع بين فكي الهندي وافغانستان من جانبي الحدود الشرقية والغربية.
٢- تريد أمريكا للهند أن تلعب دورا محوريا في أفغانستان، حيث كانت الخارجية الأمريكية تشدد في بياناتها على الدور المهم الذي تلعبه الهند في الأمن الإقليمي؛ بما في ذلك التحول في أفغانستان، وذلك عن طريق دعم الهند لأفغانستان عبر التجارة والاستثمار والتعمير ومساعدة قوات الأمن الأفغانية.
٣- حاولت الهند استغلال الولايات المتحدة التي تريد أن تجعل من الورقة الهندية عامل ضغط نفسي على باكستان، لإجبارها على التعاون معها في حرب ما يسمى بمكافحة الإرهاب ومواجهة الجماعات الإسلامية. ففي الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لكل من الدولتين في مارس 2006، حاول فيها ابراز التمييز في علاقات الولايات المتحدة بكل من الدولتين وأعلن البنتاغون تزويد الهند بطائرات اف 16 واف 18، بالإضافة إلى توقيع الطرفين أثناء الزيارة اتفاقا تاريخيا للتعاون النووي السلمي، رغم عدم توقيع الهند حتى الآن اتفاقية حظر الانتشار النووي.
٤- إن أخطر ما يعم الهند في أفغانستان هو مسألة احتلالها لكشمير، فقد شكل تاريخيا المقاتلون البشتون المتواجدون في باكستان وأفغانستان شوكةً في ظهر الهند وحدًّا لطموحاتها في كشمير. حيث تمكن هؤلاء المقاتلون الشرسون من وقف تقدم الجيش الهندي في كشمير في أعقاب الاستقلال عام 1947، واستطاعوا مساعدة الجيش الباكستاني على الاحتفاظ بثلث كشمير.
فالهند تعتبر حركة طالبان الأفغانية مقربة من باكستان، لذلك وقفت مع حكومة أشرف غني من أجل القضاء على الحركة، وكانت الهند أكثر الأطراف قلقا من الاتفاق الذي تم بين إدارة ترامب وبين طالبان، كما کان لقرار بايدن بالانسحاب من افغانستان وقعٌ يشبه الصاعقة على الهند. حيث أن الأخيرة، واعتمادا على حكومة أشرف غني، قد استثمرت أكثر من ثلاثة مليار دولار في افغانستان وكان لها تبادل تجاري وصل الى ٨٥٠ مليون دولار مع تلك الحكومة. ولأجل اهداف استراتيجية، قامت بتجنيس الاف الهنود بجنسية افغانية وكذا فتحت ١٧ قنصلية على الحدود الباكستانية لدواعي امنية ولتجنيد افراد للأغراض الاستخباراتية واستخدامها في العمليات الارهابية على الاراضي الباكستانية.
ثانيا: التنافس الهندي الصيني على النفوذ في افغانسـتان
1-تسعى الهند إلى توسيع نفوذها السياسي والعسكري إقليمياً ودولياً، وتعتبر نفسها من أهم اللاعبين الأساسيين في جنوبي شرق اسيا. في عام 2012 قامت حكومة الهند باستضافة قمة دلهي الاستثمارية حول أفغانستان، والتي دعت فيها القطاع الخاص في الدول الإقليمية إلى الاستثمار في أفغانستان؛ وذلك لإنشاء ما أطلقت عليه حلقة حميدة من التنافس الاقتصادي السليم في أفغانستان.
2- تقول الاحصائيات إن القطاع الهندي الخاص يستثمر ما يزيد عن عشر مليارات دولار في أفغانستان، هذا عدا عن إنشاء مشروع خط الغاز الذي سيمر بين تركمانستان عبر أفغانستان وباكستان إلى الهند، بينما بلغت مساعدات الهند 3 مليار دولار للحكومة الأفغانية وللرئيس الفار أشرف غني.
3- تستغل الهند الحاجة الأمريكية لها كدولة إقليمية كبرى تحاول أن تنضم لنادي الدول الكبرى في تحجيم الصين، التي يعتبرها الاستراتيجيون الأمريكيون العدو الأساسي الذي يمكن أن يهدد تربع أمريكا على عرش قمة النظام الدولي. وفي هذا الصدد، كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ريكس تيلرسون قد صرح بأن الهند بلدٌ محوريٌّ بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، وأن البلدان سيواصلان الاستفادة من روابطهما الاقتصادية القوية.
وبعدها زار تيلرسون نيودلهي لتحديد معالم ما بات يطلق عليه “الشراكة الاستراتيجية لمائة عام” بين البلدين، وفي كلمة له خلال زيارته، أشاد تيلرسون بدور الهند في المنطقة، وقال إنها تعتبر مع بلاده من أهم البلدان الساعية إلى إحلال الاستقرار العالمي، وهاجم في الوقت نفسه القيادة الصينية، وأضاف أن الهند بحاجة إلى شريك موثوق في المحافل الدولية، واعتبر بصراحة أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي هذا الشريك الموثوق، نظراً للقيم المشتركة والرؤية المتطابقة حيال الأمن والاستقرار بالعالم، بينما تتحدى الصين وتنتهك القوانين الدولية عبر الاستفزازات في بحر الصين الجنوبي.
4- ونظرا للحدود بين الصين وأفغانستان؛ فإن أمريكا بخطواتها تلك تريد منح الهند نفوذاً في أفغانستان والتأثير على الساحة الأفغانية، وقطع الطريق على الصين. وقد اتخذ التواجد الهندي شكلا استخباراتيا، بحسب تقرير لفورين بوليسي الأمريكية، فقد تمكنت المخابرات الأفغانية بواسطة معلومات من المخابرات الهندية من اعتقال مواطنين صينيين في كابول، في عملية شملت ضبط كميات من الأسلحة والمخدرات، واتهامات لباكستان بالتورط. وبحسب التقرير فإن ما حدث وإن لم ينته بإدانة رعايا بكين، فإنه يظهر قوة نفوذ الاستخبارات الهندية في البلد المضطرب من جهة وخشية نيودلهي من منافسة صينية، من جهة ثانية.
بعد الانسحاب الأمريكي توقفت كل المشاريع الهندية في أفغانستان وتراجع دور مخابراتها وهي تعاني اليوم من خيبة امل. وهي تدرك تماما بان طالبان ستعتمد على باكستان عن طريق علاقاتها الاستراتيجية والسياسية والاستثمارات الصينية لحل المشاكل الاقتصادية وللخروج من الازمات المالية. وتدرك تماما بان طالبان لا تقبل بعلاقة مميزة مع الهند ولا تريد لها دورا في المستقبل.
بعد سيطرة طالبان على كابل، اصبحت باكستان محط انظار لجميع الدول في العالم. فهناك حركة دبلوماسية اوروبية غير مسبوقة تجاه باكستان حتى الامم المتحدة تثمن دور باكستان في حركة الانجلاء. وقد ارسلت منظمة الصحة العالمية مساعداتها الى الشعب الافغاني من خلال اسلام اباد. واستضافت باكستان قادة جميع القوميات والاحزاب الافغانية وهي تساعد قادة افغانستان لتقريب وجهات النظر والوصول الى النظام التوافقي الذي يشمل الجميع. فيما وجه الناطق باسم طالبان دعوة للاستثمارات الصينية. لذا، فإن كل هذه التطورات بالتزامن خروج الهند من مسرح الاحداث، هو سبب ھستریا وخيبة امل وقلق هندي.
السيد شفقت حسين شيرازي – مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير