«فورين أفيرز»: كيف ستحكم طالبان أفغانستان؟

نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية مقالًا لكارتر ملكاسيان، مستشار رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال جوزف دانفورد، من 2015 إلى 2019، سلَّط فيه الضوء على الطريقة التي يمكن أن تدير طالبان من خلالها الحكم في أفغانستان، مشيرًا إلى أن الحركة استطاعت السيطرة على زمام الأمور في البلاد بسرعة ملحوظة، ولكن حكم البلاد سيكون أمرًا مختلفًا.

توقعات لطريقة طالبان في الحكم
استهل الكاتب مقاله بالقول إن تقدم حركة طالبان نحو العاصمة الأفغانية كابل، وانهيار الحكومة الديمقراطية في أفغانستان قد تطوَّرا بسرعة مذهلة خلال أسابيع قليلة. وكان التحول المذهل للأحداث ومشاهد الفوضى واليأس، التي أعقبت هذه التطورات، سببًا في طرح وابل من التساؤلات بشأن الكيفية التي تدهورت بها الأمور بهذه السرعة.

لكن نجاح طالبان السريع أيضًا ينطوي على كثير من الأمور التي تخبرنا عن آفاق حكم طالبان وتقديراته، فمن المحتمل أن تُغيِّر طالبان خلال السنوات القليلة المقبلة رؤيتها بشأن مساحة الحرية الضرورية وغيرها من التحديات الجسيمة التي ستظهر مع مرور الوقت.

ويوضِّح الكاتب أن حركة طالبان أثبتت أنها المنظمة السياسية الأكثر فاعلية في أفغانستان. وعلى مدى عقدين من الزمان، أثبتت مبادئ طالبان وتنظيمها وترابط صفوفها، قدرة الحركة على التحمل، بينما كان السياسيون الأفغان يتناحرون والنظام الديمقراطي يتعثر.

وانطلاقًا من مفاهيمها عن الوحدة والهوية الأفغانية، اجتازت حركة طالبان عمليتين انتقاليتين للقيادة، وتغلبت على تحديات أخرى مثل صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والوجود العسكري الأمريكي الذي دام قرابة 20 عامًا. وأصبحت طالبان الآن في موقع المسؤولية وتتولى زمام السلطة في البلاد، ومن المحتمل أن تظل في موقع المسؤولية لبعض الوقت.

بيد أن هذا لا يعني أن انتصار الحركة يُمثل نهاية لـ40 عامًا من الحرب وأجواء التشكك والمصائب التي شهدتها أفغانستان. وتُواجه طالبان عددًا من التحديات مثل الفقر، والصراعات الداخلية، وزراعة المحاصيل غير المشروعة، والدول المجاورة المتدخِّلة في الشأن الأفغاني، بالإضافة إلى تهديدات التمرد المتوطنة في أفغانستان، التي أثبتت أنها لعنة تفتك بجميع حُكامها.

سنوات طويلة في طور الإعداد
ينوَّه الكاتب إلى أنه على الرغم من أن استيلاء حركة طالبان على أفغانستان بدا وكأنه حدث بسرعة لا يُمكن تصورها، كانت طالبان في الحقيقة تضع الأساس لهجومها الأخير منذ سنوات. ومنذ عام 2014، كانت طالبان تمارس ضغوطًا على القوات الأفغانية لإخراجها من مناطق الأرياف ومراكز المقاطعات المحيطة وعواصم المحافظات. وبحلول نهاية عام 2020، كانت معظم العواصم الإقليمية تقريبًا في أفغانستان عرضة لهجمات طالبان.

وبدأ الهجوم الذي انتهى بسقوط كابل في مايو (أيار). واجتاحت طالبان حوالي 50 مركزًا محليًّا من مراكز المقاطعات المحاصرة. وفي المقابل، كانت قوات الجيش والشرطة الأفغانية، في أحيان كثيرة، تهرب تاركة وراءها الأسلحة والمركبات. وفي أحيان أخرى، كانوا يُوافقون على تسليم المنطقة إلى طالبان لتجنب إراقة الدماء في مقابل توفير ممر آمن لهم.

وأحيانًا، وفي حالات أكثر مما يمكن تذكره، كانت هذه القوات تقاوم حركة طالبان؛ إذ أفادت التقارير التي نشرتها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية، أن البلاد شهدت مستويات عالية من العنف خلال أواخر الربيع وأوائل الصيف. وكانت إحدى أدوات طالبان الإستراتيجية الرئيسة هي قطع الطرق أو إقامة المعابر الحدودية على الطرق المؤدية إلى المدن الكبيرة: وكانت معظم هذه المدن تقريبًا مطوَّقة عمليًّا في الوقت الذي بدأ فيه الهجوم.

وبحلول الأسبوع الأخير من شهر يوليو (تموز)، شنَّت طالبان هجمات ضخمة على محافظات هرات وقندهار ومدينة لاشكار جاه عاصمة إقليم هلمند. ووصف أحد الضباط الأفغان في لاشكار جاه، وهو محارب مخضرم شارك في القتال لمدة 20 عامًا، القتال في أوائل أغسطس (آب) بأنه أعنف قتال شهده على الإطلاق.

ومع احتدام المعارك، شنَّت حركة طالبان هجمات جديدة على عواصم المحافظات الأخرى. وسقطت مدينة زرانج عاصمة ولاية نيمروز على الحدود الإيرانية دون قتال، ولحقت بها مدينة شبرجان عاصمة محافظة جوزجان الواقعة في شمال البلاد، ثم سقطت مدينة قندوز في الشمال أيضًا، والتي كانت تقاتل فيها القوات الحكومية منذ ست سنوات. وسُرعان ما سقطت عواصم المحافظات في شمال أفغانستان في أيدي طالبان.

ومنذ هذه اللحظة، تحركت الأحداث بسرعة البرق. ومع استسلام عواصم المحافظات يمنة ويسرة، قرر الجنود الأفغان وقادتهم الهروب أو الاستسلام أو الاختباء بدلًا من القتال حتى الموت. وكان بمقدورهم رؤية الاتجاه الذي تسير فيه الأحداث.

وفي 12 أغسطس، اخترقت حركة طالبان الخطوط الحكومية في هرات وقندهار واستولت على مراكز كلا المدينتين. كما استسلمت مدينة مزار شريف، التي تمثل جوهرة تاج الشمال الأفغاني، في 14 أغسطس. وفي اليوم التالي، بدا أن القوات الحكومية، ومن بينها قوات الكوماندوز المتفاخرة، تنسحب من حول كابل وتسمح لطالبان بالدخول. ورحل الرئيس أشرف غني مختبئًا في المنفى

ويُشدد الكاتب على أن سقوط أفغانستان التلقائي لا يبدو بأي حال من الأحوال غير مسبوق في التاريخ الأفغاني. إذ يُوضِّح توماس بارفيلد، عالم الأنثروبولوجيا ورئيس المعهد الأمريكى للدراسات الأفغانية، أن الهزائم التي تعرَّضت لها المحافظات الأفغانية هي التي أدَّت غالبًا إلى انهيار الأنظمة الأفغانية سريعًا، وقد جاء ذلك بالتزامن مع تغيير المؤيدين لمواقفهم أو إلقائهم للأسلحة بدلًا من القتال حتى الموت. ويُعد صعود طالبان الأول إلى السلطة في تسعينيات القرن العشرين وسقوطها في عام 2001 أحدث مثالين يثبتان هذه الظاهرة.

خيارات قليلة في أفغانستان
يُؤكد الكاتب أن سرعة تحقيق طالبان للنصر واتساع آفاقه يُوحي بأن دوافع طالبان في الوقت الراهن لتقاسم السلطة (كما كان في الماضي) أقل بكثير من إعلانها استعادة الإمارة الإسلامية (بعد أن نجحت في السيطرة على زمام الأمور).

كما أتاح لها النصر الذي حققته إمكانية نزع سلاح الغالبية العظمى من المعارضين، كما تفعل حاليًا، وأصبحت الجهات والأطراف السياسية الفاعلة التي تتفاوض حاليًا مع طالبان بشأن تشكيل حكومة جديدة، مثل الرئيس السابق حامد كرزاي، وعبد الله عبد الله، الرئيس التنفيذي السابق في الحكومة الأفغانية، معرَّضة تمامًا لأن تجبرها طالبان على ما تريد تحت نصل السيف وفوهة البندقية. ومن خلال إجابة مقتضبة، أوضح أحد قادة أفغانستان أن السبب وراء قبول سماسرة السلطة في المنطقة الشمالية للنظام الجديد، أنه «لم يكن لديهم كثير من الخيارات».

وفي ظل مثل هذه السيادة المهيمنة لحركة طالبان، بدأت تتجلى معالم دولة طالبان الجديدة. تقول طالبان إنها حاليًا في مرحلة صياغة دستور جديد، ويناقش الملا عبد الغني بردار، أحد أبرز قيادات طالبان، في كابل مع كرزاي وعبد الله وآخرين تشكيل الحكومة القادمة.

ومهما كانت نتائج هذه المناقشات، فمن المرجح أن تحتفظ الحكومة الجديدة بالشريعة الإسلامية بوصفها المصدر الأساسي الوحيد للنظام القانوني، مع تركيز السلطة والصلاحيات تحت قيادة أحد زعماء طالبان، وتقاسم قدر رمزي من السلطة مع القادة الأفغان الآخرين (منهم ربما كرزاي أو عبد الله، ولكن من المحتمل أن يحصل الزعماء الدينيون والقبليون الأقل شهرة الذين تعاطفوا مع قضية طالبان على قدر أكبر من ذلك بكثير من السلطة). وقد يسمح الدستور الجديد بإجراء انتخابات، لكنها ستُجرى بطريقة تحافظ على سيطرة طالبان على اختصاصات الدولة الأساسية.

وألمح الكاتب إلى أن طالبان كانت قد وعدت خصومها، في أثناء لحظة الانتصار، أنها لن تمسَّهم بأذى إذا ألقوا أسلحتهم. وبالتأكيد أنهم سيواصلون تقديم مثل هذه الوعود من أجل اكتساب حالة رضا شعبي عن النظام الجديد، بل ربما يُقدمون بعض التنازلات لشراء ولاء الخصوم القدامى. لكن اتساع رقعة سيطرة طالبان العسكرية يجعل مثل هذه الالتزامات بعيدة تمامًا عن المصداقية. ومع مرور الوقت، لن يكون أمام قادة طالبان أي سبب يحملهم على عدم استخدام قوتهم العسكرية لتعزيز السيطرة واحتكارها.

طالبان عصيَّة على الانقسامات
وأظهر انتصار طالبان أيضًا قدرًا من التماسك بين صفوفها قد يستمر على الأرجح. وكان من الصعب دائمًا التأكد من وحدة طالبان؛ إذ تتشكل طالبان من الحركة الرئيسة في جنوب أفغانستان، وشبكة حقاني ومعقلهم في شرق أفغانستان، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الجماعات القَبَلية المرتبطة بالحركة وكوادر مسلحة أقل حجمًا. ويعكس الهجوم المنسق عبر أفغانستان حجم التعاون والتماسك بين هذه المجموعات المختلفة. وعلى النقيض من المجاهدين في عام 1989، لم تتشرذم طالبان وتنقسم إلى فصائل متناحرة عندما انسحب المحتل الأجنبي.

وفي الواقع أن الحكومة الأفغانية السابقة هي التي عانت من الانقسام (خاصة بين أشرف غني المدعوم من البشتون في شرق البلاد وعبد الله عبد الله وغيره من القادة الشماليين). وفي الأسبوع الذي سبق انهيار الحكومة الأفغانية، كان قادة الشمال يبلغون المسؤولين الأمريكيين أنه «لا يوجد أحد يريد أن يموت من أجل أشرف غني». ويبدو أن طالبان أقل عرضة للانقسامات التي عانت منها الحكومة الديمقراطية.

ويخلُص الكاتب إلى أن هذا التماسك سوف يُساعد طالبان بالضرورة على فرض درجة من النظام على المناطق الخاضعة لسيطرتها، لا سيما المحافظات الواقعة في الجنوب والشرق، والتي شهدت بداية نشأتها، وتكمن فيها جذورها. كما أن الوحشية وحدها لا تُفسر قدرة طالبان على إرساء النظام، فأمراء الحرب الأفغان أيضًا يمتلكون قدرًا لا بأس به من الوحشية. والفارق بينهما أن طالبان يمكن أن تمارس الوحشية دون الاقتتال فيما بينها.

يقول الكاتب: وفي عام 2019، ألقى عضو في مجلس شورى كويتا (مجلس قيادات حركة طالبان، وأغلبهم يعيش في مدينة كويتا الباكستانية قرب حدود أفغانستان) القيادي في حركة طالبان، عليَّ محاضرة قائلًا إن: «طالبان تطيع أميرًا واحدًا. ويعتمد أسلوب قيادتنا على السمع والطاعة. ونحن لسنا مثل الأفغان الآخرين».

بيد أن الأمر الذي قد يكون أكثر إثارة للقلق هو أن انتصار طالبان يُشير إلى أن حكومتها الجديدة قد تحظى بدعم شعبي أكبر من الذي تمتعت به عندما تولت الحركة زمام السلطة خلال المدة من عام 1996 إلى عام 2001. إذ أدَّت سنوات القتال التي خاضتها طالبان في الشمال إلى اكتسابها بعض الدعم من الطاجاكستانيين والأوزباكستانيين، الذين اختلفت معهم في السابق. وفي المدن، أخذ بعض الشباب الحليقي الأذقان يلتقطون بشغف صورًا مع أعضاء طالبان، وأصبح واضحًا أن بعض الأفغان المتعلمين، على أقل تقدير، في المناطق الحضرية يعملون مع طالبان.

لعنة الحكومات الأفغانية
يرى الكاتب أنه على الرغم من كل مواطن القوة التي أظهرها الانتصار العسكري لحركة طالبان، توجد تحديات ونقاط ضعف أخرى سوف تستمر، وعلى الأرجح سوف تنمو، بمرور الوقت.

ويعتقد الكاتب أن السياسات والنزاعات القَبَلية لعنة تطارد كل الحكومات الأفغانية، وحركة طالبان ليست استثناءً وستكافح هي الأخرى من أجل إدارة تلك الخلافات، وذلك لأن القبائل الأفغانية لديها خصومات طويلة الأمد وغالبًا ما تُعطي أولوية لعمليات الوَسَاطَةِ الفردية على قبول المصالحة. وعندما يتعلق الأمر بقضايا الأراضي والمياه، ستحاول طالبان إرضاء المزارعين المُعْدمين الذين كانوا مصدرًا أساسيًّا للدعم، ولكن القرارات ذاتها ستزعِج في المقابل زعماء القبائل الذين سيشعرون بالتعرُّض للخسارة.

وحتى في ظل الشريعة الإسلامية، سيرغب زعماء القبائل في الدفاع عن أراضيهم، التي هي مصدر رزق أسرهم، ولذلك، فالصدامات القَبَلية والدعوات إلى الانتقام أمر لا مفر منه وستكون صداعًا في رأس طالبان، كما كان الحال في تسعينيات القرن الماضي.

هل تزدهر زراعة خشخاش الأفيون؟
ويتوقع الكاتب أن تكافح طالبان أيضًا لتحقيق التوازن بين الضرورات المتضاربة عندما يتعلق الأمر بزراعة خشخاش الأفيون، فقد شكَّلت الضرائب المفروضة على القطاع غير المشروع مصدرًا رئيسًا لإيرادات طالبان، وقد أدَّى السماح بزراعته إلى توفير دعم مدي للمزارعين الفقراء، وهم عامل رئيس في نجاح طالبان العسكري؛ إذ إن الملجأ الذي وفَّره هؤلاء المزارعون لطالبان ساعدها على الاقتراب من مراكز الأقاليم على مدى السنوات الست الماضية.

ومع توليها زمام السلطة، ستواجه طالبان ضغوطًا خارجية هائلة، وربما من جيران أقوياء مثل الصين وإيران، لاتخاذ إجراءاتٍ صارمة لمنع زراعة خشخاش الأفيون (كما فعلت لمدة وجيزة تحت الضغوط الدولية في عام 2000). وبالنظر إلى الأهمية السياسية والاقتصادية التي تُمثلها زراعة خشخاش الأفيون للحركة، فلن لن يكون لهذا الانتقاد الدولي على الأرجح تأثير كبير.

ويعني النجاح العسكري السريع لطالبان أيضًا أن الحركة ستخسر التمويل الدولي الذي كان من المرجَّح أن يستمر في التدفق إلى حد ما على الأقل، لو وصلوا إلى السلطة من خلال تسوية سياسية توافقية. ولا يبدو أن استمرار هذا التمويل ممكن سياسيًّا من جانب معظم المانحين الآن. وهذا يجعل طالبان أكثر اعتمادًا على زراعة خشخاش الأفيون والتمويل من الصين.

بين القبول الإقليمي والمعارضة الداخلية
وأوضح الكاتب أن القيادة السياسية لطالبان عملت، قبل هجومها وأثنائه، على تعزيز علاقاتها مع العالم الخارجي. وزارت الحركة باكستان وإيران وروسيا والصين، ولم يبدِ أيٌّ من تلك الدول معارضة جادة لاستيلاء طالبان على السلطة. وتُعد الرغبة في القبول الإقليمي للحركة أحد الأسباب التي تجعل طالبان تسعى جاهدةً لتصوير نفسها على أنها محترفة ومعتدلة وغير متحيزة.

ولكن من غير المرجح أن تستمر طالبان في تلقي الدعم المستمر من القوى الإقليمية الأربع، نظرًا إلى ديناميات المنافسة الإقليمية. وإذا كان لنا أن نسترشد بوقائع التاريخ، فإن دولة أو أكثر من جيران أفغانستان سوف ترى في مرحلة ما سببًا لمعارضة نظام طالبان بل دعم قوات المعارضة التي تحارب من أجل تقويض الحركة.

وقد تتحول هذه المعارضة في نهاية المطاف إلى تحدٍّ، مهما طالت احتمالات وقوعها في الوقت الراهن. ومن غير المرجح أن تمر سيطرة طالبان على أفغانستان مرور الكرام من دون منازع. وبالفعل يدَّعي أحمد مسعود (نجل المقاوم الشهير أحمد شاه مسعود)، وأمر الله صالح (نائب الرئيس أشرف غني)، أنهما سيُعيدان إحياء حركة مقاومة في وادي بنجشير. وفي ضوء أحداث الأشهر الثلاثة الماضية، هناك سبب يدعو للتشاؤم حيال توقعاتهم. فقد كانت هذه القوات في وضع أفضل بكثير للقتال قبل بضعة أشهر.

وفي ذلك الوقت، تساءل عديد من المراقبين (من بينهم كاتب المقال) عما إذا كان قادة الشمال سوف يحشدون قوتهم ويدافعون عن أقاليمهم. وكثيرًا ما أكد هؤلاء القادة لمسؤولي الولايات المتحدة أنهم يخزِّنون الأسلحة ومستعدون «للذهاب إلى الجبال» لخوض حرب عصابات أخرى إذا لزم الأمر. ولكن مع بعض الاستثناءات (محمد عطا وعبد الرشيد دوستم وإسماعيل خان)، كانت استجابة هؤلاء الزعماء وقواتِهم ضعيفة.

كان قادة المليشيات الشمالية على خلاف مع الرئيس أشرف غني، ولذلك ترددوا عندما تعلق الأمر بالدفاع عنه. وبالقدر نفسه من الأهمية، أصبح لدى كثيرين منهم الآن منازل مُتْرفة خارج أفغانستان، وذاق أنصارهم طعم الاستمتاع بالحياة الحضرية، فقد أصبحوا، حسب توصيف صحفي من كابول، «برجوازيين (من أصحاب رؤوس الأموال)». (وقد أفادت تقارير بأن أحمد مسعود يجري محادثات مع طالبان أثناء كتابة هذا المقال).

وفي أفغانستان، لا تنطوي الطريقة التقليدية للحرب في كثير من الأحيان على مواجهة العدو مباشرةً، ولكنها تتمثل في الاختباء لخوض حرب عصابات. لقد وجد البريطانيون والسوفيت والأمريكيون، فضلًا عن طالبان ذاتها أثناء توليها السلطة في آخر مرة، أنفسهم جميعًا في الطرف المتلقي لهجمات العصابات المسلَّحة تلك.

هل أنجزت طالبان مهمَّتها؟
وشدَّد الكاتب على عدم قدرة أي حاكم على تحقيق الاستقرار في أفغانستان على مدى السنوات الأربعين الماضية. وكانت هناك أوقات أخرى بدا فيها للوهلة الأولى أن الحرب أنهكت الشعب الأفغاني وأن الحرب قد وضعت أوزارها، مثل وقت الانسحاب السوفيتي في عام 1989، وعند الاستيلاء الأول لحركة طالبان على السلطة في عام 1996، وكذلك مع تدخل الولايات المتحدة في عام 2001.

وفي كل مرة من تلك الأحداث، يعود العنف إلى ما كان عليه قبل مدة طويلة، وساعد في ذلك الانقسامات الداخلية في أفغانستان والتضاريس الوعرة وندرة الموارد ومثيرو المشكلات من جيرانها. ولا تزال العقبات نفسها التي تحول دون حكم مستقر شاخصة اليوم. وحتى لو بدا أن طالبان في وضع جيد يسمح لها بفرض النظام، فإنها لا تزال تواجه تحديات بنيوية حقيقية.

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه من المفهوم في الوقت الراهن أن تشعر طالبان بنشوة لحظة «المهمة أُنجِزت» خاصتها. ولكن هناك سببًا وجيهًا للاعتقاد بأن 40 عامًا من الحرب الأهلية والصدمات في أفغانستان ربما لم تنتهِ بعد. وبطريقة أو بأخرى، سوف تجد طالبان على الأرجح أن حكم أفغانستان أصعب من السيطرة عليها.

ساسة بوست

اساسيافغانستانطالبان