المقاومة كضرورة دفاعية وجودية

المقدمة
بعد الصدمة الكبيرة التي تلقّاها الكيان المؤقت في السبت الأسود صباح السابع من أكتوبر، ودخوله في حرب متعدّدة الجبهات مع محور المقاومة، لا سيما حزب الله الذي عبّر عن مشاركته في المعركة من خلال عمليات الإسناد، والتي كبّدت العدو أثمان باهظة دفعته بعد عام ونيّف من استمرار الهجمات والضربات لانتهاج مسار هستيري جعلته يقدم على عمليات من مستوى ونوع جديد كان أبرزها تفجير البايجر وأجهزة اللاسلكي لدى المقاومة والتي أوقعت عددًا كبيرًا من الشهداء والجرحى وشّكل ضربة قاسية لحزب الله، ولم يستطع استيعاب الصدمة بعد حتى عاد العدو واستهدف من جديد ثلّة من القادة المجاهدين لا سيما قادة الرضوان على رأسهم الحاج “إبراهيم عقيل”، ليتم بعدها استهداف سماحة الأمين العام السيد نصرالله في عملية اغتيال لم يشهدها التاريخ استخدم فيها أطنان من المتفجرات للتأكد من القضاء الهدف وتبعها استهدافات طالت السيد هاشم صفي الدين ومجموعة من القادة بالإضافة لتدمير القرى والمدن الجنوبية وتهجير سكانها معلنًا بذلك بدء مرحلة جديدة بإعلان الحرب على لبنان.

لم تكن العمليات العسكرية التي ساند بها حزب الله المقاومة الفلسطينية على مدى العام، سببًا وحيدًا في دفع العدو لتصعيد عملياته وعدوانه على لبنان، بل كل المخططات الصهيونية التي وضعتها حكومة نتنياهو المتطرفة كانت دليلًا على أن لبنان سيكون الساحة التالية بعد غزة خاصة وأنه قد فشل في تحقيق أي نصر أو هدف يذكر في القطاع سوى القتل والتدمير واستهداف القيادات. وعليه، كان لا بدّ للمقاومة في لبنان أمام المخططات الصهيونية التي هي وليدة سنوات سابقة، وبناءً على الواجب الشرعي والأخلاقي والإنساني الذي يفرض مواجهة هذه الحالة المرضية التي تتآلف مع الجرائم والتي تشكّل خطرًا على أمنه القومي، وهذا ما أثبتته العمليات التصعيدية الأخيرة التي أصابت المقاومة، إلّا أن حزب الله كمدافع عن أرض وشعب لبنان وبناءً على عقيدته وإيمانه بصواب القضية وجوهريتها، استعاد عافيته وها هو من جديد يحاول مجابهة المشروع الصهيوني الأمريكي الذي يهدّد أمنه القومي واستقراره.

وعليه، في هذه الورقة عرض لأبرز العناوين التي تتناول حق المقاومة في الدفاع عن نفسها في مرحلة ما بعد الحرب وتعرض التوجهات الصهيونية الحقيقية والتوسعية التي دفعت لدخول المقاومة في حملة إسناد لغزة بالإضافة للدور الأساسي للأميركي في هذه المعركة كما واستعادة المقاومة لعافيتها وجهوزيتها من جديد لحماية وتأمين الأمن القومي اللبناني وتخطيها للهجمات القاسية التي تعرّضت لها.

أولًا: مواجهة الكيان مهمّة وواجب شرعي، أخلاقي وإنساني
منذ بداية الثورة الإسلامية في إيران، وحتى قبل أن تبدأ، أي في العام 1962، تحدّث الإمام الخميني عن زوال الكيان وضرورة مواجهته كمهمّة شرعية وأخلاقية وإنسانية، وقد أفتى بحقوق وشرعية دعم القضية الفلسطينية. فقبل أن تصبح إيران دولة إسلامية، كان هناك تأسيس للنظرة إلى هذا الكيان وضرورة مهاجمته، انطلاقًا من خلفية معروفة بأبعادها الدينية والشرعية والإنسانية، وقد تمظهرت هذه الرؤية ضمن سياسات ومسار سياسي واستراتيجي وعسكري، لا يزال مستمرًا حتى الآن. وكان رئيس الوزراء، مناحيم بيغن، قد اعتبر انتصار الثورة في تلك المرحلة، زلزالًا ضرب المنطقة وستستمر تداعياته إلى عقود، وهذا ما أثبته الواقع، إذ لا يزال لهذا الزلزال هزّات ارتدادية على الكيان تظهر كل فترة، حيث بدأت الانتصارات في الصراع العربي – الاسرائيلي انطلاقًا من هذه الثورة.

إنّ ما قامت وتقوم به الجمهورية الإسلامية في إيران، هو ليس بمشروع إيراني، إنّما واجب على أي مسلم على وجه الكرة الأرضية، سواء كان موجودًا في المغرب أو حتى في ماليزيا أو باكستان أو أيٍّ من دول الاغتراب، هذا الواجب قد أسقطه المسلمون عن أنفسهم، وبالتالي، تولّت إيران القيام بما تخلّى وتراجع المسلمون عن القيام به، فالتضحية والمبادرة الفعلية في المواجهة تولتها هذه الثورة ودعمت الحالات الفعلية الحقيقية في هذه المنطقة، حيث أن رفض الوجود الصهيوني من خلال الكلمة والتعبير عن الرأي لن يغيّر شيء، إنّما الدعم الواقعي الملموس المادي المكلّف الذي تدفع إيران ثمنه، ماليًا وفي الحصار وفي الحروب وفي العقوبات وفي الحروب والثورات الملونة، هو الذي يستطيع إحداث التغيير.

من خلال هذا الواجب، تقول إيران أنها تقوم بدور دعم المقاومة الميدانية في رأس الحربة. وقد جمعت في هذه الرؤية بين النظرة الأخلاقية، الشرعية وبين النظرة الاستراتيجية المتعلقة بأمنها القومي، فليس هناك تناقض، لأن حالة التحرر هي حالة بسيطة جدًا، وأصيلة. فالإنسان الطبيعي الذي لديه أخلاق إنسانية عادية جدًا، كشعوب العالم التي تقف مع غزة (كنيكاراغوا التي قطعت علاقاتها مع الكيان)، إيران تقف وإيّاه في الموقع نفسه، ولكن الفارق أن الشريعة هنا هي التي تلزم بالدعم والتضحية في سبيل المستضعفين. هناك بلدان وشعوب ودول أخرى، ولكن الجمهورية الإسلامية بالتحديد والفضاء الثقافي الذي تتحرك فيه الثورة الإسلامية في هذه المنطقة، والذي كان نموذجه وسيبقى نموذجه سماحة السيد الشهيد، يمتاز بالتضحية لأجل المستضعفين ولو كانوا في بلد آخر، فشهادة سماحة الأمين العام لحزب الله هي تعبير عن هذه الرؤية الخمينية التي بدأت في العام 1962، “ليس فقط نحن نؤيد المستضعفين، أو نحن نقف موقف جيد مع المستضعفين… لا فنحن نبادر لإنقاذهم”.

إن الجانب الشرعي والأخلاقي يلتزم بأمن الإنسان وحالته الطبيعية، حيث أن الشريعة فرضت على المسلمين أن يواجهوا الظلم، على الرغم من أنه في كل نظريات الأمن القومي، أي دولة قامت بغزو دولة مجاورة يجب أخذ الحذر منها الأمر والتّنبّه. وأمام شعب متوحش إلى هذه الدرجة، وعشرات آلاف المجازر والقتلى في صفوف المدنيين في فلسطين، وبالعودة لتاريخ العدو وتجربته في جنوب لبنان، ومن خلال الوثائق، ككتاب لـ “رؤوفين أرليخ” تحت عنوان “المتاهة اللبنانية”، أشار فيه إلى لبنان منذ الثلاثينات، أي قبل المقاومة الفلسطينية وحتى قبل المقاومة في لبنان أو قبل أن يدرك أي لبناني لمشروع الاستيطان في الجنوب أي قبل حوالي 100 عام، حيث كان مشروعهم احتلال جنوب لبنان، وأصبح واضحًا أن الكيان المؤقت منذ العام 2000 يبحث عن فرصة لعودة الاحتلال، وها وهو اليوم من خلال عدوانه الهمجي يحاول تحقيق هذا المشروع لاحتلال هذا البلد وربّما أكثر من ذلك. التاريخ السابق كان عبارة عن سنوات من الاحتلال للبنان والاجتياحات، فقد احتل لبنان في العام 1982، واستمرت محاربته لـ 18 عامًا ليخرج بعدها، لم يكن هناك سعي لإضعافه أو محاصرته لم يكن هناك طرف يقدم المساعدة، إنما اليوم يتم العمل ضمن وحدة الساحات لإضعاف هذا الكيان وهذه التركيبة النفسية والخلاص منها، بالتدريج وبالنقاط، مع عدم القبول بالعيش معه، فكل الشعب اللبناني وحتى شعوب الأرض تعتبر ما يحدث في غزة أمر غير مقبول لا على المستوى الاخلاقي ولا حتى الأمني.
ثانيًا: لبنان بجوار كيان مجرم ومريض

أ‌-الكيان في حالة مرضية تتآلف مع الجريمة
إن الاستمرار بالتفكير المنفصل عن التاريخ والسياق، يُعدّ جهلًا كبيرًا، إذ أن “الشعب” اليهودي الذي جاء إلى لبنان وفلسطين، جاء من دول كثيرة، وتمركز في دولة وأرض لها شعب، وأقدم على ذبح هذا الشّعب بدون أي سبب ولا أي مبرر. وبحسب المذكرات اليهودية التي تتعلق بالعلاقات اليهودية الفلسطينية قبل العام 1948، يظهر أنه في المدن، وخاصة في مدن الشمال مثل طبريا وعكا وحيفا وحتى القدس، كان هناك علاقات عادية جدًا، حيث كان هناك بلديات، كان اليهود أعضاء فيها، وكان هناك شراكة وحياة طبيعية فيها تجارة وعلاقات اقتصادية، وحياة دينية طبيعية لليهود. هؤلاء اليهود نفسهم شاركوا في القتل والذبح مع بداية عملية الاجتياح في العام 1948، هذا المجتمع وهذه الفئة موجودين هنا، بمعنى أنهم حين قتلوا، قتلوا أصدقاءهم وأقرباءهم، وجيرانهم، والذين جاءوا من الخارج قتلوا أشخاص لا يعرفون عنهم شيء، وبالتالي، نحن نتعامل مع هذه الطبيعة، مع شعب مريض متوحش متآلف مع الجريمة، هذا الشعب إذا تم تصنيفه بالمقارنة مع شعوب العالم، يعتبر بأنه في حالة مرضية صعبة جدًا.

وهذا ما تؤكّده كل الإجراءات التي يقدم عليها اليمين المتطرف إن كان في السجون أو المساجد أو حتى طرد السكان وهدم بيوتهم ومصادرتها وغيرها من الإجراءات. الأمر الذي يُحتّم عدم الوقوف والمراقبة من بعيد في ظل وجود عدو مريض ومجرم في طبعه في الجوار، وماضيه مليء بالمجازر والاحتلالات والغزوات؛ ففي العام 1982، دخل إلى لبنان، تحت ذريعة وجود مقاومة فلسطينية، لكنه بالمقابل أقدم جيشه على قتل 15 ألف لبناني بشكل مباشر خلال هذه الفترة، معتبرًا ذلك أمرًا طبيعيًا ولا توجد أي مشكلة فيه. وها هو اليوم يقوم بإلقاء قنابل ضخمة جدًا على خيم للنازحين بشكل يومي بدون الشعور بأي ذنب أو مشكلة، وطالما أن هذا الكيان موجود سيقوم بهذه الاعمال.

ب‌-الاستعمار الجديد يغطي جرائم الاحتلال
يعتمد الغرب التبرير الدائم لكل سياسات وجرائم العدو تحت عنوان “حق الدفاع عن النفس”. وعلى الرغم من انتقالهم إلى الاستعمار الحديث، بالأساليب نسبيًا من دون إبادة جماعية، إلا أن تاريخ الاستعمار لديهم هو نفس الحالة الإسرائيلية، في الكونغو، الهند، الصين… حيث تم ارتكاب إبادات جماعية، حتى في أميركا كان هناك الهنود الحمر، كذلك النازية ارتكبت إبادات والحلفاء وكل القوى التي شاركت في الحروب العالمية ارتكبت إبادات عامة، بين بعضهم البعض. بعد الحرب العالمية الثانية تحدّثت هذه الدول واتفقت على عدم العودة الى السلوك الإبادي المباشر، واستعاضوا عنه بأساليب أخرى: اقتصادية، أمنية، استخباراتية كما وإدارة نظم سياسية وغيرها. إلّا أن الأمر مختلف بالنسبة لفلسطين كون المحتل موجود على أرض ليست له، وهناك شعب موجود بنفس الأرض، وبالتالي، لا تزال مضطرة الى البقاء في النموذج الاستعماري القديم، القتل والإرهاب.
وعلى الرغم من أن الغرب لم يعد مضطر لذلك ولكن في ثقافته وتاريخه لا يوجد ما يمنعه من إبادة شعب آخر ولا يصنّف هذا الأمر على أنه غير أخلاقي بل يُعدّ أمرًا طبيعيًا. إذ أن تاريخ الغرب الاستعماري يعتبر أن إدارة السكان في دول أخرى والسيطرة على مواردهم تمثّل خدمة لهذه الشعوب، وقد قدّم الغرب ذلك على أنه خدمات الرجل الأبيض وواجباته وعمد على ارتكاب آلاف المجازر في كل مكان. وعليه، يعمد الاستعمار الجديد على تغطية جرائم الكيان الذي يمارس أقصى أنواع الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، دون أن يهتمّ أحد أو يتحرّك.

ت‌-الحلم الصهيوني في استعادة الاحتلال
منذ 18 عامًا، والعدو الصهيوني يحاول أخذ الشريط الحدودي والسيطرة عليه والاستيطان فيه، بالإضافة إلى القضاء على المقاومة. فهم يدّعون منذ العام 1948 أن الشريط الحدودي لهم، ولديهم حلم بالسيطرة لما بعد الليطاني. في العام 2006، أتوا بخطة متكاملة للقضاء على المقاومة، ولا علاقة لعملية الأسر وحدث التبادل، إنما الكيان كان قد حضّر الخطة مسبقًا، ولو كان الأمر يتعلق بالأسر لكان قد خرج شخص من السجن أو مجموعة محدودة مقابل الأسيرين وينتهي الأمر، إلّا أن المخطّط كان غير ذلك، فهو أراد أن يعيد الاحتلال والقضاء على المقاومة. فمنذ العام 2000 وحتى العام 2006 لم تهاجم المقاومة الكيان ولم تقتحم مواقع، ولكن نية الغزو لدى العدو كانت قائمة بشكل دائم. وبعد هزيمته في العام 2006 أعاد التخطيط للحرب على لبنان وأجرى مناورات عدّة للجبهة الداخلية، وكان واضحًا الإعداد لهذه الحرب، وهذا ليس بالأمر المستغرب فالكيان قام باجتياح لبنان 3 مرات (1978، 1982 و2006) وقضية الفلسطينيين كانت حجة وهو دائمًا كان يحاول اقتناص الفرص للقيام بالغزو.

ث‌-الأطماع الصهيونية
إن الأطماع الصهيونية في الهيمنة الإستراتيجية على المنطقة برّمتها، قائمة منذ نشأة الحركة الصهيونية حتى يومنا هذا. وفيما يتعلّق بلبنان كان هناك مجموعة من الأطماع التاريخية في الجنوب:

ج‌-الحق في الدفاع عن النفس أمام المخططات التوسعية
تمارس المقاومة بدورها حقها في الدفاع عن أرض لبنان وشعبه، وهذا أمر طبيعي لكل المجتمعات، إلا أن الغرب يريد نقل ثقافته إلينا، في الوقت الذي يرفض فيه السماح لأي دولة كانت أن تأتي وتمارس حقوق سيادية لديه كما يفعل الأمريكيون هنا. فالدول الغربية لا تقبل منّا أن نمارس السيادة كما يمارسونها، هي تريد فقط النقل الثقافي بحدود معيّنة في قضايا تفيدهم، حيث لا وجود للوضع الطبيعي المتفق عليه في كل العالم، أي ليس لدى كل دولة وكل شعب حقه في السيادة وفي الأمن.

وعليه، لا يمكن دائمًا منع عدو متوحّش من خلال الردع بامتلاك السلاح على اعتبار أن العدو لن يقدم على أي خطوة، هذا خطأ لأن المخطط الصهيوني هو للسيطرة على الدول المجاورة وبالتالي، هو لم يخض تجربة العام 1948 والحروب الأخرى في الاحتلال، بطريقة ليّنة، هو لم يطالب: ” أعطونا الجولان وأعطونا سيناء وأعطونا الضفة الغربية”، بل على العكس فقد صادق على كل ذلك بالجرائم. وبالتالي لا يكفي الرّدع وحده للتعامل مع الكيان، إذ أن ذلك سيمنحه ويسمح له بالاعتداء، بل يجب أن يكون هناك ردع وإضعاف لهذه الحالة، حالة الغرور، التي يعبّر عنها سموتريتش المتحدث صراحة عن طموحه التوسعي باحتلال سبع دول، وهذا ما يحتّم ليس فقط الدفاع إنما عدم القبول بوجود الكيان. إن العدو الصهيوني لم يخرج من لبنان لأنه أراد ذلك إنّما خرج بالقوّة نتيجة تصاعد العمليات والاستنزاف، كما أنه ونتيجة العمليات الاستشهادية خرج من بيروت، بعد أن احتلها، ولولا الظروف الإقليمية والدولية كان لا زال في حرب باردة، واستمر في مخططه واحتل الشمال، وصولًا إلى سوريا فلا مشكلة لديه في ذلك. فهو دخل لبنان بحجّة طرد الفلسطينيين، ومكث لـ 18 عامًا، وشنّ حرب طويلة أقام فيها حرب 1993 و1996 واغتيالات وتفجير وأزمات وحاول إثارة الفتن والحروب الأهلية لوقف المقاومة، وهذا الأمر غير طبيعي وغير إنساني ولا يمكن قياسه مع الحالات الأخرى. والمشكلة هي مع هذه التركيبة الصهيونية والنفسية اليهودية الموجودة في فلسطين، التي لا حدود لها، ولا حدود لأطماعها. وفي هذه الحالة وأمام هكذا عدو لا بد من المواجهة حتى لو كان الثمن باهظًا لمواجهة قدرة العدو على الإلغاء. فالكيان سيواصل شنّ الحروب وبالتالي، يقع على المقاومة العمل على إيصاله إلى مرحلة اليأس وإيجاد حلول جذرية للتعامل معه، ولا يمكن التعويل على الردع لوحده أو حتى على القرارات الدولية، فهناك حوالي 200 قرار دولي بحق الكيان لم ينفذ منه شيء.

ح‌-الإسناد ضرورة لصد وردع المخطط الصهيوني
في العام 2006، قام العدو بالغزو وشنّ الحرب لسببين:
1- المطامع الذاتية.
2- انتقامًا لما حصل في العام 2000 من الهزيمة الأولى والدليل أنه جاء وقال: “أنا اريد الدخول إلى بنت جبيل”.

وهنا يطرح السؤال، أنّه بعد العام 2006 وبعد الهزيمة التي تلقّاها ألا يريد الانتقام مرّة أخرى وشن حرب جديدة على لبنان! طبعًا هو يعمل منذ سنوات تحضيرًا لهذه الحرب، وجهّز لها قدرات هائلة من تجسّس وأسلحة وتدريبات. وبالتالي، فإن الحرب التي وقعت ليس وليدة الأحداث والإسناد، إنما نتيجة نتيجة تصميم وتخطيط استمر لسنوات. فهناك العديد من الخطط التي أعدّت منذ العام 2006 وحتى العام 2023 والتي تُعنى بغزو جيش الاحتلال للبنان، وهناك حوالي الـ30 تصريح رسمي وأكثر من 25 دراسة، تناولت هذا الأمر بالإضافة إلى محاولات عدة لا سيما في العام 2017، حيث كان يتم التحضير لهجوم مبالغ على لبنان، هدّد السّيد الشهيد حينها أنه سيتم قصف ديمونا، ردًّا على الحشد العسكري لجيش الاحتلال في الشمال حيث كانت نيّة الغزو حاضرة، وجاء التصريح ليعطّل الهجوم. وقد تمّ اختيار هذا العام في الوقت الذي كانت فيه المقاومة منشغلة في الحرب السورية، حيث أراد العدو استغلال ذلك لينفذ هجومًا على لبنان. وفي خطة أخرى، نشرها يعقوب عميدرور، وهو جنرال متقاعد، في العام 2020 تحدّث فيها عن تدمير المقاومة في لبنان بالتفصيل والكيفية.

ومع بدء الحرب، انتقل العدو الى مرحلة المبادرة، وتعامل مع الواقع من منطلق أنه لم يعد من المناسب والجيد البقاء في حالة ردع مع المقاومة بل ينبغي القضاء عليها وإلغاء حالتها. أمام هذا الواقع، بات على المقاومة التحرّك وعدم الانتظار، فلا القانون الدولي أو القرار الدولي 1701 يمكنه بسهولة حل القضية، إذ أن العدو في حالة غير طبيعية بكل ما للكلمة من معنى: متوحش، طامع، متحفز للغزو يمتلك دائمًا خطط للانقضاض على المقاومة، في ظل دعم وتوجيه أمريكي، وهذا ما أكّده مقال نشر في الشهر الأول في واشنطن بوست قال فيه بايدن: “هل نحن نريد وقف إطلاق نار دائم في الشرق الأوسط أو القضاء على المقاومة فيه؟” هذا الأمر يؤكّد أن هذه العملية كانت موجودة وأن الخطة التي تنفّذ الآن تجاه المقاومة هي موجودة في الأساس وكان سينفّذها العدو في الوقت الذي يريده سواء شاركت المقاومة في الإسناد أو لم تشارك. وعليه، إن الإسناد منح المقاومة القدرة على إعداد نفسها والتدرب والتّعلم خاصة في المواجهة الحدودية، كما أن الإسناد قد وفّر الفرصة لكشف مخططات العدو وخلق مشكلة النزوح لديه دون التخطيط المسبق لذلك، وهذا ما استفادت منه المقاومة حيث أن ربع سكان الكيان هاجروا إلى الخارج نهائيًا. ففي السابع من أكتوبر، لم تبدأ المقاومة بقصف المستوطنات، وإنما بدأت بعملية في مزارع شبعا، لكن نتيجة مخاوف الإسرائيليين مما حدث في السبت الأسود، سارعوا إلى الانسحاب دون سعي منها لتهجيرهم، وقد اعترف العدو لاحقًا أن ذلك كان خطأ فادحًا وتاريخي قد ارتكبوه، وبسبب هذه الأخطاء ومع استمرار عمليات المقاومة كان لتصعيدها نتائج خدمت المقاومة. ولولا مشاركتها في هذه الجبهة، وتهيئتها لقدراتها ومخازنها وجمهورها ومقاتليها، وإعدادها للخطط وانتشارها مع وجود نيّة لدى العدو على شن مثل هذا العدوان، لكان الوضع كارثيًا ولأصيبت بالشّلل في ظل غياب الاستعداد والجهوزية وتحضير العدو لمخطط البايجر واللاسلكي والاغتيالات، كما استهداف البنية الصاروخية، التي يزعم أنه أصاب أهدافها ومخازنها، فأن يقدم العدو على ذلك والمقاومة خارج دائرة الحرب على اعتبار أن لا علاقة لها بما يحصل في غزة لكانت المقاومة في وضع مأساوي وتحت احتلال لا يمكن الخروج منه بعشرات السنين، في ظل طموح الكيان لاحتلال ما استطاع من أراضي في سبيل تحقيق خططه التوسعية والاستيطانية، والتي يعبّر عنها ليبرمان صراحة: “كل شيء بين نهر الليطاني وإسرائيل يجب أن يكون تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي” داعيًا لاحتلال جنوب لبنان. وبالتالي لا يمكن التعامل مع هكذا عدو إلا بالقوة، وذلك بناء على تاريخه وتجربته مع كل القوى والدول المحيطة به، فهو لا يرتدع إلا بالقوة.

وعليه، إن دخول الكيان المؤقت في حرب مع غزة، وتخطّيه الحدود على المستوى الأخلاقي والقانوني لأقصى الحدود، وفي ظل إعلان بايدن بشكل واضح أنهم لا يريدون ويرفضون وجود حالات المقاومة في المنطقة. أمام هذا الواقع، كان على المقاومة التحرّك وعدم انتظار العدو أن يباغتها، والأكيد أن المقاومة عندما بادرت سمحت له أن يبدأ وهي على أتمّ الجهوزية. وهذا ما تثبته اليوم الوقائع الميدانية، حيث باتوا يعترفون بذلك، وهذا ما أشارت له صحيفة يديعوت أحرونوت التي قالت أن حزب الله لا يزال قادرًا على إيلام الكيان، وإلحاق الضرر الكبير به. وذلك على الرغم من ادعاءات عدد من المسؤولين الاسرائيليين تدمير 50% من قدراته الصاروخية، ونجاح عمليات اغتيال في تحقيق أهدافها، وبالتالي، فإن العدو يعترف بأنه رغم ذلك حزب الله ما زال قادر اليوم على إطلاق الصواريخ، والمسيرات على مستوطنات الشمال.

ثالثًا: الحرب على لبنان مخطط دائم الحضور
من الطبيعي جدًا أن يطالب الناس العيش بأمان، دون التكلف بحروب والمخاطرة فيها، وهذا حق للجميع، وهذا الوضع الطبيعي الذي تريده المقاومة. ففي العام 2000 لم تشن المقاومة حربًا ضد الكيان مع أنه كان محتلًا لأرض لبنان، ويقوم بطلعات جوية، كما وبعمليات اختراق أمني، وبثّ الفتن في لبنان، ويتدخل في كل ما يخص هذا البلد، ومع ذلك لم يتم فتح جبهة ضده. كذلك الأمر مع عملية الأسر عام 2006، والذي كان بمثابة حق للمقاومة لإخراج أسرانا من سجون العدو، إلا أنه كان مستعدًا لتدمير كل شيء كونه كان بانتظار فرصة لاستغلالها لتطبيق خططه. وبالتالي، طالما هو موجود يعني أن لبنان في حالة انتظار العدوان، وهذا ما تؤكده تصريحات قادته منذ العام 2006 وحتى 2023، حيث هناك حوالي 30 تصريح رسمي تتحدث عن شن حرب على لبنان، وهذا قبل حرب غزة والإسناد، فهو يصرّح علنًا برغبته في بشن الحرب ويجهّز الجيش والخطط والتشكيلات والأسلحة والدعم والاستخبارات والتجسس، والطلعات الجوية وكل خطوات التحضير للحرب. هناك العديد من الشواهد الطبيعة االتي تشير إلى نوايا العدو العدوانية واستعداداته الدائمة:

•الشواهد الواقعية
1.التهديد بالتصعيد العسكري
أ‌)كل تحرك للمقاومة الاسلامية على الحدود مع فلسطين المحتلة يعتبره العدو سببًا كافيًا للاستهداف ولشنّ عملية عسكرية واسعة.
ب‌)التهديد بالتصعيد العسكري وتدمير الضاحية الجنوبية.
ت‌)التهديد باستخدام قوة هائلة وواسعة لضرب كل لبنان.
ث‌)التهديد بالتصعيد العسكري ردّا على تبني الحكومة اللبنانية مشروع المقاومة اللبنانية في بيانها الوزاري.
ج‌)تهديد الجيش اللبناني ومطالبته بالبقاء على الحياد.
ح‌)التركيز في التصعيد العسكري على ضرب البنى التحتية وإعادة لبنان إلى العصر الحجري.
خ‌) التهديد بالتصعيد العسكري بحجة وجود مصانع للصواريخ الدقيقة وتقنيات ايرانية لتطوير الصواريخ في الضاحية الجنوبية.
د‌)استخدام كل وسائل الضغط السياسي والدبلوماسي برعاية أمريكية بكشف ما لدى حزب الله من قدرات والتهديد بالحرب.
ذ‌)تهديد حزب الله وقادته والشعب اللبناني.
ر‌)التصعيد العسكري بعد مجزرة مجدل شمس بضوء أخضر أمريكي وذلك باستهداف القائد في المقاومة الاسلامية فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.

2.التصريحات الاسرائيلية
أ‌)2010: تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، بأن “إسرائيل ستواجه أي تهديد من لبنان بقوة كبيرة”.
ب‌)2017: تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي غادي أيزنكوت، بأن “إسرائيل لن تتردد في شن عملية واسعة ضد لبنان إذا واجهت تهديدات من حزب الله”.
ت‌)2018: تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بأن “إسرائيل ستستهدف البنية التحتية المدنية في لبنان في حال اندلاع حرب”.
ث‌)2019: تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن “إسرائيل لن تتردد في شن عملية عسكرية ضخمة ضد لبنان إذا تطلب الأمر”.
ج‌)2020: تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، بأن “إسرائيل مستعدة لإطلاق عملية واسعة ضد لبنان إذا واجهت أي تهديد من حزب الله”.
ح‌)2021: تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، بأن “إسرائيل ستستهدف البنية التحتية والقدرات العسكرية لحزب الله في لبنان إذا تطلب الأمر”.
خ‌)المزيد من التهديدات على لسان مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بأن حزب الله سيدفع المزيد من الأثمان نتيجة انخراطه في الصراع، وأن جيش الاحتلال يستعد للانتقال من الدفاع إلى الهجوم.
د‌)عقب حدوث حادثة “مجدل شمس”، تصاعدت حدّة التهديدات وتضاعف عددها لتشمل مختلف أقطاب الكيان السياسية سواء المعارضة أو الحكومة أو الجهات العسكرية كما والإعلامية.
ذ‌)الدعوات لفتح النار على كل لبنان واستهداف البنية التحتية وتدفيع حزب الله الثمن.
ر‌)التحريض على القيام بضربة استباقية، وقد ورد ذلك على لسان عسكريين وسياسيين اسرائيليين:
1-جدعون ساعر: “لا تنتظروا الهجوم، ينبغي تحصيل ثمن الآن من إيران”.
2-ليبرمان: “يجب أن نبادر نحن بالهجوم متعدد الجبهات”.
3-المراسل العسكري لـ قناة 14: “انتظار رد حزب الله الذي قد لا يأتي قريبًا خطأ فادح”.
4-وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار: “يجب أن نكون نحن من يبدأ الهجوم”.
ز‌)التلميح لعمل عسكري استباقي:
1-مسؤول إسرائيلي يقول لـ يديعوت: “إذا وصلت لنا معلومات استخباراتية مؤكدة 100% عن الموقع الذي سينطلق منه الهجوم فإن خيار الضربة الاستباقية مطروح على الطاولة”.
2-رئيس بلدية حيفا: “صدرت التعليمات الضربة الأولى 4 أيام تحت الأرض في الملاجئ. (الإشارة الى المدة الزمنية قد يعني أن إسرائيل تريد شن ضربة استباقية تستمر لمده 4 أيام)”.
3-أمير بوخبوط: “الجيش الإسرائيلي لا يفكر في توجيه ضربة استباقية ضد تشكيلات معينة من حزب الله في هذه المرحلة، ولكن لا يمكن استبعاد ذلك الاحتمال إذا وصلت معلومات استخباراتية عن نوايا غير عادية”.
س‌)طرح الضربة الاستباقية في حال نفذت الخيارات:
1-أمير بوخبوط: “هناك مرحلة حيث يتعين على إسرائيل أن تسأل نفسها ما إذا كان عليها توجيه ضربة استباقية”.
ش‌)طرح الحل في غزة من ثم التوجه الى الساحة الشمالية:
1-القناة 12: “علينا إنهاء الحرب في غزة، ثم السير إلى الشمال بكل قوة. هناك حل واحد، وهو الانتقال إلى معركة مخطط لها في الشمال، ومن أجل ذلك، يجب إنهاء المعركة في غزة”.
2-الإشارة الى أن معركة لبنان أصعب من معركة غزة:
3-المحلل العسكري لـ يسرائيل هيوم: “الاستجابة لدعوات مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين بشن حرب واسعة ضد حزب الله: لبنان أصعب بكثير من غزة وحزب الله أقوى بمئة مرة من حماس”.
3.الاستعدادات الاسرائيلية للقيام بالعدوان
-استعدادات الجيش وجهوزيته لمواجهة أي تحرك من قبل المقاومة.
-الاستعداد للاجتياح البري وبقوة كبيرة إلى الأراضي اللبنانية.
-تجهيز واستعداد وحدة ايغوز كأول وحدة من بين الوحدات المقاتلة الاسرائيلية للدخول إلى لبنان.
-تنظيم المناورات العسكرية والتدريبات في الشمال التي تحاكي عملية التوغل في الأراضي اللبنانية.
-الطلعات الجوية الإسرائيلية التي تخترق المجال الجوي اللبناني وتنتهك السيادة.
-تركيب أجهزة التجسس والرصد على طول الحدود مع فلسطين المحتلة وتنظيم شبكات التجسس والعملاء على الأرض.

رابعًا: الدّور الأمريكي
أ‌-التدخل الأمريكي
يزعم البعض بأن إيران من خلال دعمها للقضية الفلسطينية هي تتدخل في شؤون دول أخرى، والبعض يعتبر أن لا علاقة لإيران بهذه القضية، هنا لا بد من البناء على قاعدة واحدة، إذا كان التدخل في شؤون دول أخرى ممنوعًا هذا أمر جيد يتفّق عليه الجميع، لكن هذا أمر لا تلتزم به الولايات المتحدة، وهذا بات واضحًا في سياساتها المنتهجة والتي تعبّر عنها السفيرة الأمريكية، التي باتت تدعو للتحضير لزمن ما بعد حزب الله، أي تتعامل أميركا مع لبنان على أنه واحدة من القطاعات الأمريكية.

يدّعي الغرب والأمريكيون أنهم يريدون من لبنان أن يكون دولة مستقلة، وذلك يعني أن يكون دولة ذات سيادة، ولو كان هذا الأمر صحيحًا لما تدخّلت كل الدول في شؤونه، لكن الأمريكي، صاحب السياسات الداعمة للكيان بالسلاح وكل الاجتياحات كما والداعمة للعدوان السابق والحالي ودوره في إدارة الفتن وعمليات سحب الأموال والتخريب الاقتصادي ونشر الفساد في لبنان، والذي يزوّد الكيان بالقذائف والطائرات لقصف هذا البلد وبتمويل منه، وبالتالي، تدمير وتخريب واستبدال وإفشال أي حياة طبيعية في لبنان، هو من يحق له التدخل، بينما إيران التي تريد إعادة لبنان للوضع الطبيعي المستقل السيادي الطبيعي، والذي يمنع التغوّل الاسرائيلي عليه ولو كان بحرب، تُتّهم بأنها تتدخل في شؤون دولة أخرى.

تعتبر الولايات المتحدة أن كل مكان في العالم هو من ضمن مصالحها وأمنها القومي وليس لدى أي جهة الحق في التدخل. وعلى الرّغم من أن لبنان مجاور للكيان المعادي المتوحش الذي لديه طمع في الغزو وفي الاحتلال، وعبّر عن ذلك تاريخيًا باللغة وبالسلوك وبالاجتياحات واحتل أرض لبنان واجتاحه، وهو كيان مصطنع لا زال حتى اليوم يعبّر عن طموحاته التوسعية والاستيطانية، إلّا أن ذلك من وجهة نظر الأمريكي لا يمنحه الحق في الدفاع عن نفسه إنما تمنح ذلك للعدو.

يتم ملاحظة الضباط الأمريكيين الذين يذهبون لتدريس اختصاصات تتعلق بالأمن القومي في الدول الأخرى، يسعون للترويج لوجود تحوّل في نظريات الأمن القومي. هذا التحوّل لم يعد يتعلق بالصراعات الخارجية، حيث أصبحت الأولوية للداخل، والإرهاب، للمافيات للتماسك الاقتصادي، هذا هو الأمن القومي. إلّا أن أميركا تستطيع التدخل في كل دول العالم، هذا لا يُعدّ مشكلة، إنما هو ضمن القانون وفيه مصلحة كل الناس، وهذا شي طبيعي، وتعتبره حق لها، في حين الدول الأخرى لا تستطيع.

ب‌-تفكيك البنية التنظيمية بدعم أمريكي
إن الكيان المؤقت لم يأخذ قرار المواجهة إلّا بعدما تصوّر أنه فكّك البنية التنظيمية للمقاومة، ولو لم يكن لديه هذه القدرة الاستخباراتية على شن هذا الهجوم، لما أقنع غالانت والأمريكيين بهذه العملية، الذين قدّموا له القذائف والصواريخ التي قصفت الضاحية وتمّ فيها اغتيال السيد نصرالله، الطائرات التي نقلت قذائف الـ جي بي يو، وصلت من قبرص، قبل سبعة أيام من العملية، وهي طائرات إسرائيلية، ولكن طائرات التجسس الأمريكية كانت موجودة خلال عملية البيجر وكانت موجودة خلال عملية الاغتيال وكانت موجودة في قبالة الشاطئ اللبناني تنسق وتخطط. وعليه، فإن الكيان لا يستطيع وحده قتال محور المقاومة ولا حماس ولا حتى المقاومة في لبنان، ومن يعطيه القدرة على الحرب هي الولايات المتحدة، فقد وصل بين 500 و600 سفينة حتى الآن من الأسلحة الأمريكية.

وعليه، فإن القصف الإسرائيلي للضاحية واغتيال الأمين العام تمّ بعد تحصيل القنابل من الأمريكيين، ما يدلّ على أن من قام بالعملية أمريكي أي أن العملية أمريكية، كما أن الكوادر في الجيش وفي كل النخب الأمريكية والإسرائيلية والتدريبات وتطوير تقنية السلاح الإسرائيلي فيما يتعلق بالتجسس كلها تتم في المجمعات الأمريكية. وقد عبّر بايدن صراحة أنهم “لا يريدون حماس ولا مثيلاتها في الشرق الأوسط”، وهناك من ينخدع بأنه لا علاقة لأمريكا وأنها تضغط على الكيان بالمال والسلاح، لكن الواقع والذي عبّر عنه بايدن أن الولايات المتحدة هي من تتولى القيادة في هذه الحرب “من واجبنا أن نتولى القيادة”، وذلك ليس فقط في لبنان إنما في المنطقة، إذ يزعم أن عدم تولّيهم الأمر سيورطهم في حروب قادمة يضطرون فيها للقتال بأنفسهم في المنطقة، وبالتالي هو يوكّل الأمر للإسرائيلي كي لا يغرق بلاده.

خلال الأشهر الأولى للحرب، أجمع المسؤولون الأمريكيون في تصريحاتهم أنه “ينبغي على الكيان الدفاع عن نفسه وله الحق في ذلك”، وتكرّر ذلك عشرات المرات مع التزام الإدارة الأمريكية بهذا الكلام. ويظهر ذلك في محاولة الإسرائيلي تنسيق مصالحه مع المخاوف الأمريكية وما تريده، ما يؤكّد أن هذه الحرب هي حرب أمريكية، يتمّ فيها اتخاذ القرارات والتنسيق بصورة تتحقّق من خلالها المصلحة الأمريكية على مستوى المنطقة والعالم.

ت‌-الخداع الأمريكي
يتعامل الأمريكي بعقلية اللص، الكاذب، المنافق والمحتال، وفي متابعة للأحداث ولتعاطي الأمريكي معها يظهر أنه في البداية قدمت الإدراة الامريكية عرض إيجابي ومقبول للبنان، في الوقت الذي كان يجري فيه التحضير للاغتيال، حيث أقدم نتيناهو على إعطاء أوامره لخفض التصعيد ومن ثمّ مناقشة هذا الخيار وتم الموضوع.
بالعودة للأمريكيين، فقد تزامن ترويجهم للتسويات والاتصالات الدبلوماسية بشكل متكرّر مع التّحضير لعملية ما كما حصل في بيروت، حيث روّجوا إلى أن الإسرائيلي لن يستهدف بيروت والضاحية والواقع كان عكس ذلك، حيث أقدموا على اغتيال السيد فؤاد شكر. ومن خلال كل هذه التجارب؛ الاستهداف تلو الاستهداف، التطمين تلو التطمين، يوجب على المقاومة في المرحلة المقبلة تكذيب كل التطمينات الأمريكية وعدم الوثوق بها.

تعمل المقاومة، بعد سلسلة الاغتيالات التي استهدفت قادتها على محاولة المعالجة وإحداث التحول والتغييرات، والمعالجة الحقيقية والصحيحة بدأت الآن وهي التي أوقفت لحدّ ما نجاح عمليات الاغتيال الأخيرة. إن تنفيذ عملية البيجر وضرب جزء كبير من الكادر والقيام بعملية إطباق معلوماتي، ساعد العدو في ضرب أهداف منحته هامشًا يستهدف من خلاله كل حركة، بمعنى أن إخراج القيادات من مكان إلى مكان أصبح صعب جدًا، خاصة أنه لم يكن هناك وضوح في كيفية عمله كما حصل الآن، ولذلك حلت المشكلة، لأن هذا كان كمين إستراتيجي كبير جدًا طبعًا ساهم فيه الأمريكيون تقنيًا وإستراتيجيًا وتضليلًا ودبلوماسيًا وإعلاميًا بكل الوسائل. حدّد الأمريكي والإسرائيلي برنامح عمل رتبوا فيه الخطوات التي من بينها اغتيال سماحة السيد، من أجل سلب المقاومة القدرة على رد الفعل، وتمّ تأجيل استهداف الضاحية إلى ما بعد الاغتيال لتفادي رد الفعل المباشر، وقد كان لديهم برنامج منظم بحيث أن كل خطوة تؤدي إلى التالية وصولًا إلى الاغتيال. إلّا أن هذا كله تمّ تعطيله، ونحن أمام مسار جديد في المعركة، فعلى الرغم من غياب الأمين العام والقيادات الكثيرة، إلا أن الميدان هو الذي يحكم.

خامسًا: المقاومة تستعيد عافيتها بعد المباغتة
أ‌-حفاظ المقاومة على القدرة والثبات
ليس لدى الكيان مشروعية في الاعتداء على لبنان، ولا البقاء في فلسطين، الآن هو بعد 75 سنة، يعتقد أنه سيحارب في غزة ومحيط غزة وينتهي الأمر! هذا أمر غير ممكن كونه لا يمتلك المشروعية. كما أنه لا يستطيع القضاء على المقاومة في لبنان من خلال عمليات الاغتيال، فهي بدأت مع الشيخ راغب في البداية ومع السيد عباس ومع الحاج عماد. عادة عندما تستهدف الإغتيالات حركة المقاومة في نشأتها، أي في بداية تكوينها، من الممكن أن يكون للاغتيال تأثير مؤذٍ جدًا بالنسبة لها، لكن حتى في بداية الاحتلال فشلت هذه السياسة. ففي تلك المرحلة حيث كان الجنوب تحت الاحتلال، اغتالوا قيادات ليس فقط الشيخ راغب، بل قيادات كثيرة في مستويات مختلفة، كانت قيادات ناشئة غير منظمة بشكل واضح، لكن الشخصيات التي كانت مبادرة تم تصفيتها، ولاحقوها، واستمروا في ذلك حتى الآن. لكن الأمر الذي يجهله العدو، أن هذه القيادات قيمتها في نظر الناس أنها تعبر عن المقاومة التي هي العودة للحياة الطبيعية، فالفطرة الإنسانية تتجه دائمًا نحو الاستقلال ونحو الحرية بشكل طبيعي، مقاومة أي معتدي كخلايا الجسم، وهذه القيادة تعبّر عن هذه الفطرة وعن الطبيعة، وبالتالي، إلغاء القيادات لا يغيّر لونها الطبيعي أو النظرة للحياة الطبيعية “بدون إسرائيل”. إن إلغاء القيادات في لحظة المواجهة يرجعنا إلى الكلام عن الجدوى، فهم اعتقدوا أنهم بقتل السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه، سيقضون على المقاومة، كما يعتقد الأمريكي والسعودي أنهم يستعطون حذف المقاومة والقضاء عليها وبذلك يحلون المشكلة، وهذا أمر صعب التحقق فالمقاومة ثابتة ومحافظة على قدرتها وقوتها في حماية شعبها ومواجهة العدو.

الإسرائيلي يرى الإنجاز من زوايا مختلفة، لا سيما تلك المتعلقة بالبيئة الحاضنة، إذ أنه عند استشهاد القائد واستشهاد عدد كبير من الكوادر يتم طرح سؤال عن الجدوى، وهل ستستطيع المقاومة أن تعيدنا إلى الحرية؟ هل تستطيع أن تحمينا؟ هذا سؤال ممكن أن يطرح، ولكن الأصل أن البيئة تريد الحرية والاستقلال والعز والعيش بكرامة. وهذا ما تثبته اليوم المقاومة على الحدود والتي ببطولاتها وعملياتها تعبّر عن جهوزيتها وقدرتها واستعدادها، وهذا ثمرة ما بناه السيد الشهيد، بنى مقاومة وبنى ثقة وبنى قدرة قتالية، كان دائمًا يقول: “إننا نستطيع”، “نحن نقدر”، وذلك بناءً على ما بناه وعلى ما رآه في شبابه الذين حاربوا. فقد تحوّل الفرد الذي يقاوم بنفسه إلى منظومة، بمعنى أنه في الحالة الطبيعية للمقاومة هو يقاتل ويكمل ويقوم بكل واجباته القتالية اعتقادًا منه بأن ذلك واجب يمليه عليه، ليس فقط ضميره، إنّما إنسانيته، دينه، عقيدته وولاؤه لهذه المقاومة ودفاعه عن شعبه. وقد كان سماحة السيد، يقول دائمًا، أن ميزة هذه المقاومة هي العلاقات العاطفية الدافئة مع المجاهدين مع المنظمين مع الجمهور مع أهلها مع محبيها. فالحب الزائد هنا عند المقاتل هو أمر آخر عنصر إضافي دخل، فالمقاتل عندما يرى أن القائد استشهد، التضحيات تصبح سهلة، حيث قدم أغلى ما يملك، أعز إنسان عند المقاومين في هذه الحياة استشهد، وبالتالي هذا دافع آخر للمقاومة. وأمام هذا التحوّل يبدأ البحث حول كيفية الاعتماد على النفس الذي يُعدّ أمر مهم جدًا في ظل غياب القائد الذي يرفع المعنويات ويُكتسب منه القدرة. وقد أثبتت المقاومة تجاوزها للاختبارات؛ اختبار الصدمة، اختبار الفقد، اختبار الحزن، اختبار غياب الزخم المعنوي الهائل للعمليات. وبعد مرور 13 يوم على العملية البرية وبالمقارنة مع اليوم 13 في العام 1983 في حينها كانت الدبابات قد وصلت إلى اليرزة، حتّى الآن هم لم يستطيعوا المكوث في أي نقطة جغرافية في الجنوب، فالقدرة العسكرية التي كانت موجودة ليست أقل من الآن، على الرغم من تفجير البيجر والاغتيالات بالمستوى التي حدثت الآن، كل ذلك يؤكّد أن المقاومة تجاوزت كل الاختبارات، والتاريخ سيسجل أن المقاومة قاتلت في لحظة بلا قائد وبدون مجلس جهادي وبلا كوادر وأذلّت الاسرائيلي. عمليًا هو يستدعي جيش جرار، مئات الغارات، مدافع الدبابات إجراءات تجسسية، ليتمكّن من سحب دبابة واحدة، ويتجاوز الأمر حوالي الـ24 ساعة. وبالتالي، على الرغم من إمكانية دخول العدو لبعض القرى، قد يتقدم وقد يقوم باجتياح واسع ولكن المقاومة ترتقي بكيفية التعامل معه، إذ أن دخول دبابات الى بعض المناطق قد يكون مفيد جدًا للمقاومة لأن المنطقة ستكون مجهزة كمنطقة قتل أكثر نفعًا.

ب‌-الميدان يتحكّم بحركة العدو
إن المقاومة اليوم هي التي تتحكّم بحركة العدو ميدانيًا، وتؤثر عليه، وبالتالي تؤثر على حركة الحرب. فعلى المستوى الصاروخي، لم تبدأ المقاومة بعد باستهداف الكيان، هي فقط تعيد تأسيس المعادلات وتعيد الحضور الصوتي فقط. أمّا ما هو معدّ في لبنان من أنواع وأحجام وكميات، لم يكشف عنه على الأرجح، يعني لا تزال في بداية القصف، سواء على صعيد نوع الأهداف وحجمها، أي حجم الصواريخ اليومية وأشكالها وأنواعها وحجم تأثيرها أي القدرة التفجيرية.

في 20 أيلول، صرّح غالانت بأنهم دمروا القدرات الصاروخية متوسطة المدى وباتت لا تستطيع استهداف الكيان، وهو الآن يتفاجأ، على الرغم من عدم بدء القصف الحقيقي، لأن التدمير الذي يقوم به الإسرائيلي لن يكون بدون ردّ، كونه يقوم بعملية تدمير للمنازل في الجنوب وفي البقاع كما في الضاحية، وهذا سيكون له ثمن إذ أن المقاومة اليوم تختلف عن المقاومة في العام 2006، فقد باتت تمتلك القدرة والرصيد الصاروخي والإرادة، كما وتمتلك غرفة العمليات والتنسيق.

1-لبنان ليس غزّة
في تقرير لـCNN، وبشهادة شهود إسرائيليين وضباط، تم الإشارة إلى أن الجنود يصنفون الحرب بأنها مختلفة تمامًا عسكريًا وجغرافيًا. هاليفي في بداية الشهر الرابع للحرب، جاء إلى الحدود مع لبنان، وخاطب جنوده قائلًا: “نحن أرسلناكم إلى كل مكان في غزة واستطعتم أن تدخلوا ونحن سنرسلكم لكل مكان في جنوب لبنان وتستطيعون الدخول”، وعاد بعدها ليقول: “لن نمنح حزب الله فترة تسمح له بالتنفس”. هو يخاطب الجنود بأنهم يمتلكون الثقة للمواجهة في جنوب لبنان لأنهم في غزة ذهبوا لكل الأماكن، لكن هذه القيادات تعرف طبيعة المنطقة، فهاليفي شارك في اشتباك عملية العام 1997، وأغلب القيادات العليا الموجودة في الجيش تعرف الميدان اللبناني وتعرف طبيعته وتدرك التحولات التي حصلت ما بين 2006 حتى 2023، هم يعرفون لكنهم يحاولون بناء الثقة لدى المقاتل الإسرائيلي تحت عنوان “أنت ذهبت إلى هناك فيمكنك المجيء إلى هنا” ،لكن الجنود يجيبون بـ”لا”، فالموضوع عندما يتعلق بلبنان يصبح مختلفًا، أن تحارب في منطقة ممنوع دخول السلاح إليها، أمّا في لبنان فالحالة مختلفة كليًّا على مستوى التسليح، كذلك على مستوى التضاريس، ففي غزة الجغرافيا مختلفة، ساحل سطحي ليس فيه تضاريس أمّا لبنان فالجنوب ممتلئ بتلال متلاصقة، جميعها تلال حاكمة بمعنى أن كل تلة تطلّ على قرية أخرى، وبالتالي، هو يحتاج الدخول إلى كل تلك التلال والسيطرة عليها. وهناك كلام إسرائيلي عن أنه كلّما دخل الجيش إلى تلّة سيجد النيران تطلق عليه من تلّة أخرى، وهذا موجود في كل الأماكن والاتجاهات، وعليه، فإن العملية البرّية في لبنان أمر صعب ومعقّد.

2-فشل المباغتة الأمنية في تحقيق الأهداف
بات من الواضح أنه لولا القدرة على القيام بمباغتة أمنية استراتيجية كالتي أقدم عليها العدو، لما استطاع الدخول في حرب مع لبنان. ما يعني أن إمكانية عودته إلى معادلات خلال الحرب أمر وارد، فإذا كانت القدرة الصاروخية لم تُضرب، وقيادة السيطرة لم تُدمر أو لم يتم القضاء عليها كما كان يفترض في عملية المباغتة الأولى، إذا هو سيضطر للعودة إلى القواعد التي كانت قبل هذه العملية كونها بلا أثر. لقد تمّ تهجير 300 – 400 ألف خلال الفترة الماضية مع بداية القصف، واستهداف حيفا، حيث كان هناك حديث عن وجود 300 ألف بدون ملاجئ في حيفا لأنه لم يكن من المتوقع أن تصبح حيفا فارغة، مع الإشارة إلى التعتيم الإعلامي حول الموضوع. وبالتالي، فإن الإسرائيلي لديه مشكلة في استهداف العمق وهذا ما حاول تجنّبه دائمًا، فهو وفق مخطّطه أراد خوض حرب سريعة نظيفة دون تكلفة يدخل فيها إلى جنوب لبنان، في الوقت الذي ستكون فيه المقاومة فاقدة لقدرتها الصاروخية كما والقيادة والسيطرة والكادر وقوة الرضوان وقيادتها، وبالتالي سيدخل لبنان خلال أسبوع وينهي كل شيء كما حصل في العام 1982. لكن ما حصل فاجأ العدوّ، فعلى الرغم من الضربات القاسية التي تلقّتها المقاومة إلّا أنها أثبتت قدرتها على التعافي، وبعد مرور حوالي الأسبوعين على انطلاق العمليات البرية لا يزال جيش الاحتلال عاجزًا عن تثبيت أي وجود له في أي نقطة كانت داخل الشريط الحدودي اللبناني، وبالتالي إمكانية عودة الإسرائيلي إلى معادلات تتعلق بقصف المدنيين والتدمير واستهداف الضاحية وغيرها من المناطق، أمر ممكن وبالتالي العودة لمستوى مختلف في إدارة الحرب.
ومع بدء العمليات البرية، أصدرت الـCNN تقريرًا أكّد على وصول الحرب الصهيونية ضد حزب الله إلى طريق مسدود، فيما الاشتباكات العنيفة الحدودية تشير إلى أن النصر لن يكون سهلًا طبعًا بالنسبة للكيان، وأن مستوى المقاومة من جانب حزب الله فاجأ العديد من المراقبين بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة واستشهاد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. وفي الوقت نفسه أشار التقرير إلى مواصلة حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل بشكل منتظم.

ت‌-المقاومة تعيد رسم المعادلات
تسعى المقاومة اليوم، بعد مجموعة الهجمات التي أصابت قيادتها ومقاوميها، لترميم حالتها التنظيمية نتيجة المباغتة. وهنا يجب الإشارة إلى أن الكثير من دول العالم تعرضت لمباغتة عسكرية كما حصل مثلًا مع أميركا (الهجوم على بيرل هاربر)، ولكن هي من انتصرت في الحرب، حيث جاء الرّد الأميركي بإرسال 6 طائرات لقصف طوكيو، مصنع أسلحة، عادت طائرة واحدة من أصل 6 طائرات، وعليه قام الأمريكي بردّ فعل رمزي بسيط جدًا، ولكن بعد فترة انتصرت أميركا بالحرب. كذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي تعرضت لمباغته عسكرية في الحرب العالمية الثانية وفي الأخير هي من انتصرت. وفي لبنان، في العام 2006 حصل الأمر نفسه. وبالتالي ما نشاهده الآن هو استعادة الروح، والمبادرة واستعادة القدرة والتنسيق. والجدير بالذكر، أن المقاومة استطاعت حتى الآن كشف الاختراق الذي يؤدي إلى إغتيال القادة، والدليل أنه خلال الأيام الأخيرة توقفت الاغتيالات، نتيجة معرفة المقاومة لكيفية وصول العدو إلى المعلومات وبالتالي تم استهداف الثغرة ولم يعد قادر على الاغتيال. وما يؤكّد ذلك أنه في بيروت أعلن أنه استهدف ولم يصيب الهدف، وبالتالي هناك أمر تغير في المعادلة الاستخبارية وهذا يُعدّ أمرًا إستراتيجيًا على مستوى الحرب، هنا المقاومة بدأت تستعيد روحها وقدراتها كما وتستعيد مفهوم الأمن وحماية قادتها وتحمي غرف عملياتها، وعليه بدأ يظهر التحول التدريجي والذي نشاهد ثماره بالتدريج وبالتصاعد.

فبعد اغتيال الشهيد الأقدس السيد نصرالله، كان على المقاومة أن تضع الخطط وتعزّز الروحية وتهيّئ البنية. فعلى مستوى الخطط كانت موجودة ومُعدّة، كذلك على مستوى الروحية، بقي حضور القائد الذي يعطي زخم معنوي. وعليه، كان هناك جانبين لغياب السيد:
أ‌-حضوره في قلوب المقاتلين والمجاهدين والشهداء.
ب‌-الثأر لهذا الدم. فهذا الدم له ثأر، وثأره ليس شخصي، ثأره للقبيلة أجمع.
ومع استعادة المقاومة لعافيتها تعود الأمور إلى طبيعتها، موازين القوى التي تخيّل الإسرائيلي أنها أصبحت لصالحة 100٪ الآن تعود إلى طبيعتها. وحزب الله يعيد الآن سير القواعد على مستوى الاشتباك كما وفرض قواعد جديدة اليوم، حيفا مقابل الضاحية وتل أبيب مقابل بيروت، هذه القواعد التي كانت موجودة سابقًا. وبالتالي، تصعّد المقاومة بزخمٍ وعزمٍ أقوى ببركة دماء الأمين وثأرًا له.

مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

اساسي