د. عصام حجي: عجز ميزانية المياه في مصر وسياسات مقترحة لتخفيف سيناريوهات ملء سد النهضة

نشرت مجلة الأبحاث البيئية البريطانية العريقة (Environmental Research Letters) بتاريخ 11 يونيو 2021 بحثاً أجرته جامعة جنوب كاليفورنيا بالتعاون مع جامعة كورنيل ووكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، تحت إشراف عالم الفضاء المصري الدكتور عصام حجي، وشارك فيه كلاً من الدكتور أبو طالب زكي أبو طالب من جامعة كاليفورنيا والدكتور أحمد الشرقاوي من جامعة كورنيل، وجاء تحت عنوان: “عجز ميزانية المياه في مصر وسياسات مقترحة لتخفيف سيناريوهات ملء سد النهضة”.

وقد حدد البحث حجم العجز المائي لمصر الذي من المتوقع أن يسببه سد النهضة وآثاره الاقتصادية، وقدم حلولاً مقترحة للتغلب على العجز المائي السنوي المتوقع حدوثه أثناء فترة ملء السد. وأشار البحث إلى أنه في الوقت الذي يوفر فيه سد النهضة، الذي تبلغ سعته 74 مليار متر مكعب، فرص تنموية كبيرة واعدة لإثيوبيا، فإنه سيشكل عجزاً مائياً صعباً لمصر. وبحسب البحث فإنه يُتوقع أن تعاني مصر خلال سنوات الملء من عجز مائي يصل إلى 31 مليار متر مكعب سنويا وهو ما يعادل نسبة 40% من الموازنة المائية الحالية لمصر. وفي حالة ملء السد على مدى ثلاث سنوات، فستتراجع الرقعة الزراعية في مصر بنسبة قد تصل إلى 72%، مما يؤدي إلى خسارة إجمالية للناتج المحلي الإجمالي الزراعي بمقدار 51 مليار دولار. وأشار البحث إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد سينخفض بنسبة 8% تقريباً، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 25%.

ونظراً لأهمية موضوع البحث، وما قد يشكله سد النهضة الإثيوبي من آثار مدمرة على مصر، كما سيتضح من الدراسة، قام المعهد المصري بترجمة البحث وإتاحته للباحثين، وذلك على النحو التالي:

ملخص

يُعَدُّ نهر النيل نظاماً بيئياً فريداً ومصدراً مائياً أساسياً للدول المشاطئة لحوضه. ويُشكّل النمو السكاني والتغيرات في أنماط هطول الأمطار والنزاعات المرتبطة بحقوق إنشاء السدود واستخدام المياه – تحديات كبيرة في كيفية استخدام وإدارة موارد المياه الأساسية للحوض. وتُشكل عوامل الضغط هذه مصدر قلق خاص لمصر ذات الكثافة السكانية المرتفعة، وهي الدولة الأكثر بعداً في تلقي تدفق مياه النيل.

في عصور سابقة، منحت الاتفاقيات التي تم التوصل إليها إبان الحقبة الاستعمارية مصر والسودان غالبية حقوق استخدام المياه على نهر النيل دون أن تتلقى إثيوبيا المجاورة مخصصات كبيرة من هذه المياه. واليوم، تخطط إثيوبيا لزيادة إنتاجها من الطاقة من خلال إنشاء سد النهضة الذي يعمل من خلال تدفق مياه نهر النيل. وفي حين أن السد الذي تبلغ مساحته 74 مليار متر مكعب يوفر فرصاً تنموية واعدة بالنسبة لإثيوبيا، فإن تغير أنماط تدفق المياه في نهر النيل سيشكل عجزاً مائياً من الصعب تحمله بالنسبة لمصر – وهو الأمر الذي لا يزال محل جدل كبير، وخاصة معدلات الملء وتخفيف الآثار المترتبة عليها، حيث لم يتم بشكل كبير الاتفاق على ضوابطها حتى الآن.

ولتناول هذا النقص، فإننا نقدر أن متوسط ​​إجمالي عجز الميزانية السنوية للمياه بالنسبة لمصر خلال فترة ملء السد – مع الأخذ في الاعتبار التسرب من خلال الصخور المتصدعة تحت وحول خزان سد النهضة، والعجز المائي الأساسي وافتراض عدم وجود جهود محتملة لتخفيف الآثار من قِبل السلطات المصرية – سيبلغ حوالي 31 مليار متر مكعب في السنة، وهو ما يتجاوز ثلث إجمالي ميزانية المياه الحالية لمصر. وبالإضافة إلى ذلك، فسنقدم مؤشر جدوى لمختلف الحلول المقترحة للتخفيف من العجز المذكور بعاليه وتقييم تأثيره الاقتصادي على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

وتشير نتائجنا إلى أنه يمكن معالجة العجز السنوي الذي لم يتم توفيره خلال فترة الملء بشكل جزئي عن طريق تعديل تشغيل السد العالي في أسوان، والتوسع في استخراج المياه الجوفية واعتماد سياسات جديدة لزراعة المحاصيل. وإذا لم يتم تنفيذ إجراءات للتخفيف الفوري للآثار المترتبة على هذا العجز المائي المتوقع، فإن سيناريو الملء قصير الأجل لمدة ثلاث سنوات قد ينتج عنه تقليل المساحة المزروعة حاليا بنسبة تصل إلى 72%، مما يؤدي إلى خسارة كلية في الناتج المحلي الإجمالي الزراعي بمقدار 51 مليار دولار خلال فترة الملء المذكورة آنفاً. ويمكن أن تتسبب هذه الأرقام في انخفاض كبير في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 8% تقريباً، مما يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة الحالية بنسبة 11%، مما سيؤدي بالتالي إلى عدم استقرار اجتماعي واقتصادي حاد.

مقدمة:

يُعَدُّ نهر النيل، وهو أطول أنهار الأرض وأقدمها، بيئة فريدة ونظاماً بيئياً يمر بأربع مناطق مناخية مختلفة. كما أنه مصدر مهم للمياه بالنسبة لإحدى عشرة دولة في إفريقيا، هي: بوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وجنوب السودان، والسودان، وتنزانيا، وأوغندا. وتشمل الروافد الرئيسية لنهر النيل، النيل الأبيض، الذي ينبع من منطقة البحيرات الكبرى في وسط أفريقيا، والنيل الأزرق، وأنهار السوباط وعطبرة، التي تتدفق من المرتفعات الإثيوبية.

وعلى العكس من ذلك، يتركز استغلال النيل في الغالب في دول المصب، وتحديداً في مصر والسودان، واللتان تعتمدان على مياه النيل بنسبة 98.26% و96.13% من الطلب السنوي على المياه، على التوالي. وخلال العقود الماضية، لم تنخرط دول المنبع المشاطئة للنيل، والتي يمكن أن تُعَوِّل على أنصبة أعلى من موارد المياه العذبة، في النزاعات حول حقوق تقاسم مياه النيل، ولكن الضغوط المناخية والبشرية قد تكثف من احتياجاتها الحالية والمستقبلية من المياه. ويمكن أن يؤدي هذا إلى واحدة من أكبر حالات الضغوط المائية في العصر الحديث.

ولطالما كان نهر النيل المصدر الأساسي للحفاظ على ممارسات الري في الحوض لأكثر من 5,000 عام. وبدأ تطوير البنى التحتية الكهرومائية على نطاق واسع في أوائل القرن العشرين. وشمل ذلك خزان أسوان المنخفض في عام 1902، تلاه السد العالي في أسوان في عام 1961. وبسبب هذه السدود، شهد الجزء الأدنى من الحوض تداعيات بيئية متزايدة، لا سيما ما يتعلق منها بتقليل تدفق الطمي في اتجاه مصب النهر. وقد أدى ذلك إلى خفض خصوبة التربة في الأراضي الزراعية في تلك المناطق وتوفير المياه بشكل عام مع تسريع التآكل في ساحل دلتا النيل وتسرب مياه البحر إليها.

يُعَدُّ استغلال نهر النيل أمراً بالغ الأهمية لضمان استخدام المياه لأكثر من 260 مليون شخص يعيشون في البلدان الواقعة على ضفاف النهر، وسيكون العدد أكثر من ذلك مع زيادة السكان في مصر وإثيوبيا والسودان. من المتوقع أن تصل هذه الدول وحدها إلى إجمالي عدد سكان يبلغ حوالي 340 مليون بحلول عام 2050. ومن المتوقع أن يؤدي هذا النمو السكاني، إلى جانب التنمية الاقتصادية والتغيرات المتوقعة في أنماط هطول الأمطار واستنفاد المياه الجوفية الناجم عن الاحتباس الحراري، إلى زيادة الطلب الإقليمي على المياه مما يشكل ضغوطاً وتحديات إضافية على استخدامها. علاوة على ذلك، فإن الطبيعة العابرة للحدود لحوض النيل والشكوك المحيطة بتطور ديناميكيات التدفق، مع أنماط هطول متغيرة للغاية في أحواض تجميع وتصريف المياه، تتسبب في جدل متزايد حول حقوق المياه بخصوص حصص مياه النهر. ويتجلى هذا الحال بالنظر للحقبة الاستعمارية البريطانية، والتي سعت إلى زيادة تدفق النيل إلى مصر والسودان المستعمرتين من قِبل بريطانيا. فعلت بريطانيا ذلك من خلال إبرام اتفاق مع ملك إثيوبيا يمنع أي عمل في النيل الأزرق يعيق تدفق المياه إلى روافد النيل الأخرى. وهناك جدل بأن الاتفاقية كانت بين نظامين ملكيين لم يعد لهما وجود الآن وبذلك تكون قد أُلغيت.

بدأت الخلافات حول حقوق المياه على نهر النيل في عام 1959، عندما وقعت دولتا المصب، مصر والسودان، اتفاقية ثنائية “للاستفادة الكاملة من مياه النيل”. لم يتم تخصيص ميزانية مائية على وجه التحديد لأي من دول المنبع. وعلى مر السنين، تم التوسط في النزاعات من قبل المنظمات الدولية، مثل البنك الدولي، الذي يخضع تمويله لأي مشروع تنموي على نهر النيل لموافقة جميع دول التعاون. ومع ذلك، غالباً ما استخدمت مصر هذا المطلب لصالحها، مما حدَّ من إنشاء أي بنى تحتية كبيرة على النهر، مما قد يؤثر على حصتها من مياه النيل. ومع ذلك، فقد تم بذل جهود كبيرة نحو التعاون في عام 1999 مع تأسيس مبادرة حوض النيل. انضمت جميع الدول المشاطئة إلى المبادرة، باستثناء إريتريا التي لا تزال مراقِبة. ومنذ ذلك الحين، تم تنفيذ أو التخطيط لعدد متزايد من مشاريع البنية التحتية على امتداد نهر النيل.

في عام 2011، أعلنت الحكومة الإثيوبية عن خطة لبناء سد لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر النيل الأزرق يسمى سد النهضة الإثيوبي الكبير. تتمثل أهداف إثيوبيا المعلنة حالياً في زيادة إمكانات توليد الطاقة الكهرومائية لديها من أجل إنتاج الطاقة الزائدة لتصديرها إلى البلدان المجاورة، وتعزيز أنشطة الصيد الخاصة بها وتوسيع شبكة طرق الاقتصاد المحلي. يعكس القرار الأحادي الجانب للحكومة الإثيوبية عدم وجود تعاون حقيقي بين الدول المشاطئة ويفتح المطالبة بإعادة النظر في حقوق المياه على نهر النيل. هذا هو الحال بشكل خاص مع مثل هذا المستقبل غير المؤكد الذي يتميز بزيادة الضغوط المائية. مع النمو السكاني المتوقع في كل من السودان ومصر، من المتوقع أن ترتفع الضغوط المائية الإقليمية. كما يخشى كلا البلدين من انخفاض حصصهما من المياه خلال فترة الملء الأولية لسد النهضة.

تدّعي الحكومة الإثيوبية أنه لن يتم ملاحظة أي آثار كبيرة فيما يتعلق بتوافر المياه في دولتي حوض النهر. وعلى العكس من ذلك، هناك إجماع واسع على أنه ستكون هناك تأثيرات قابلة للقياس ناجمة عن سياسات الملء المختلفة للخزان بخصوص حصة المياه في السودان ومصر. وحتى يومنا هذا، لم يتم إجراء تقييمات بيئية و / أو اقتصادية أحادية للتأثيرات التي تسلط الضوء على تأثير الحجز والتشغيل المستقبلي للسد. وخلال مراحل الملء، سيتم تقليل تصريف مجرى النيل الأزرق، مما يقلل من كمية المياه التي تتدفق إلى النيل. وسيكون لذلك آثار واضحة وقابلة للقياس على الأمن المائي لمصر والسودان من حيث الميزانية والجودة.

بين مايو 2011 ومايو 2013 وبناءً على دعوة من الحكومة الإثيوبية لدول المصب (أي مصر والسودان)، أجرى فريق خبراء دولي مراجعة شاملة لوثائق التصميم والخصائص الجيوتقنية لسد النهضة. ومع ذلك، أشار التقرير النهائي إلى أن المستندات المقدمة من قبل الحكومة الإثيوبية تفتقر إلى المبرر الاقتصادي للقدرة الكهربائية المقترحة البالغة 6,000 ميجاوات. بعد سنوات قليلة من الاختلاف السياسي القوي حول المياه، اجتمعت مصر والسودان وإثيوبيا على إنشاء أول اتفاقية لإدارة السد في مارس 2015. تضمنت هذه الجولة “إعلان مبادئ” يجب اتباعه كمبدأ توجيهي لما يتعلق بالإدارة الشاملة لاستخدام المياه.

لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن التأثيرات الفعالة لسد النهضة على إمدادات المياه في مصر، ناهيك عن النظام البيئي لنهر النيل، خاصة في ظل نقص المعلومات المنشورة بشأن المواصفات الفنية للمشروع. يقوم المجتمع الدولي لعلوم المياه باستكشاف العديد من السيناريوهات حول العجز المائي الإضافي المحتمل الناجم عن السد إلى جانب مقترحات التخفيف. ومع ذلك، لم تأخذ أي من النماذج التي درست هذه المسألة، في الاعتبار الزيادة المتوقعة للعجز المائي الذي ستشهده مصر بمفردها (دون احتساب العوامل الخارجية المساهمة مثل سد النهضة)، والتي يجب تضمينها عند النظر في حلول التخفيف أو التكيف المستقبلية.

يقع سد النهضة على بعد حوالي 500 كم شمال غرب العاصمة أديس أبابا، على امتداد النيل الأزرق، على بعد 20 كم من الحدود الجنوبية للسودان. عندما يبدأ السد في العمل، سيكون أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا بامتداد جانبي يبلغ 1800 متر، وارتفاع أقصى للجدار يبلغ 155 متراً، وبسعة إجمالية تبلغ 74 مليار متر مكعب (مليار متر مكعب). يشتمل المشروع أيضاً على محطتين لتوليد الطاقة الكهرومائية مثبتتين على الضفتين اليمنى واليسرى لنهر المصب وتتألفان من 16 توربين فرانسيس والتي ستمنح قدرة إجمالية مركبة تبلغ 6 جيجاوات، ويقدر الإنتاج السنوي المحتمل بـ 15 جيجاوات ساعة. من بين الفوائد التي تعود على دول المصب، من المتوقع أن يحتفظ سد النهضة بمعظم مواد الطمي الرسوبية التي تتدفق مع النيل الأزرق.

وهذا من شأنه أن يسمح لسدود الطاقة الكهرومائية في السودان بإنتاج ما يصل إلى -36% من الطاقة الإضافية سنوياً ويقلل بشكل كبير من التكاليف السنوية لتجريف الخزانات والقنوات. علاوة على ذلك، فإن سد النهضة سيخلق نظام تدفق أكثر انتظاماً على مدار العام بأكمله للنيل الأزرق في السودان، والذي سينعكس أيضاً في الجزء الرئيسي من نهر النيل. وعليه يضمن التدفق المستمر إنتاجاً سنوياً أكثر استقراراً للكهرباء وإمدادات مياه الري للسودان. أما بالنسبة لمصر، فإن استمرارية تدفق النيل وانتظامه والتحكم في الترسيب يتم تحقيقها حالياً من خلال التحكم في السد العالي بأسوان.

كان مشروع البنية التحتية الضخم هذا قيد الإنشاء منذ عام 2011 وتشير التقارير أنه في مرحلة الاكتمال النهائية. بدأت المرحلة الأولى من مشروع ملء سد النهضة خلال موسم الصيف الممطر لعام 2020، ومع ذلك لا يزال من غير المؤكد متى ستبدأ مراحل الملء اللاحقة، وما الآثار البيئية الإقليمية التي سيولدها التدفق المتغير لنهر النيل على المدى القصير والطويل على المجتمعات والنظم البيئية بدول المصب. وأشار تقرير حديث صادر عن مختبر عبد اللطيف جميل العالمي للمياه والأمن الغذائي أن هناك أربعة مخاوف فنية رئيسية تتطلب اتخاذ قرار بشأنها:

(1) التخطيط اللازم لتنسيق تشغيل السد العالي بأسوان وسد النهضة خلال فترة الملء والجفاف المطول في نهاية المطاف،

(2) الاتفاق الفني على تصميم السد (منع التسرب والانسكاب)، والذي يتعلق أيضاً بعدم اليقين المتعلق بحجم المياه الممنوحة لمصر والسودان خلال فترة الملء،

(3) الحاجة إلى اتفاقية بيع الطاقة الكهرومائية من سد النهضة، و

(4) تقييم التأثيرات المحتملة على دول المصب، مصر والسودان، لا سيما على القطاع الزراعي.

وقد أثار بناء سد النهضة مناقشات غير حاسمة حول المنظورات الهيدرولوجية والهندسية والاقتصادية والجيوسياسية للمشروع. ومن الصعب تحديد أين يجب أن تستهدف سياسات التعاون الحالية والمستقبلية، لأن المعلومات المتاحة عن المشروع والدعم التقني العلمي المحتمل غالباً ما تكون مبعثرة ومتناقضة متى كانت متاحة للجمهور. وحتى في هذه المراحل النهائية من المشروع، يتوفر القليل من البيانات أو المعلومات للجمهور حول سد النهضة للسماح بالمحاكاة المناسبة للتأثيرات البيئية والاقتصادية الشاملة التي سيحدثها إنشاء السد على البلدان المشاطئة الثلاثة. ونظراً لطبيعة الموضوع الحساسة وطنيا ودوليا، أعلنت الحكومة الإثيوبية فقط الخطوط العريضة الرئيسية للمشروع مع تفاصيل فنية غير كافية. ومع ذلك، فإن المزيد من المعلومات أصبحت متاحة مع تقدم المشروع، وبالتالي أصبحت التنبؤات المستقبلية أكثر دقة. لهذه الأسباب، أثناء إجراء مراجعة شاملة للأدبيات حول سد النهضة، ركزنا تحليلنا في الغالب على أحدث المنشورات والتقارير المُحكَّمة المتاحة.

في حين أن هناك عدم يقين كبير فيما يتعلق بالتأثير الفعال للسد على التدفق الناتج، إلا أن هناك إجماعاً واسعاً على أن التأثيرات الرئيسية من حيث عجز المياه في بلدان المصب ستتم ملاحظتها في الغالب خلال سنوات الملء. وبشكل عام، فمدة فترة الملء تتناسب عكسياً مع انخفاض تدفق المياه، على الرغم من أنه يتعين على المرء أيضاً مراعاة التأثيرات المختلفة للتسرب والتبخر. ونظراً لعدم تقديم أي إعلانات رسمية حول سياسات الملء حتى الآن، فقد تم اختبار جميع الدراسات المدروسة اختباراً مختلفاً، ولكن قابل للمقارنة، لسيناريوهات الملء من خلال تحديد معدلات حجز ثابتة أو متغيرة للسد. علاوة على ذلك، تشمل الخصائص المميزة الأخرى نمذجة التغير المناخي، وتقدير بعض الجوانب الفنية غير المعروفة للبنية التحتية للسد، وأنواع النتائج التي توفرها.

لقد لاحظنا أيضاً أنه لا توجد دراسات منشورة حالياً تتناول عجز ميزانية المياه من منظور عالمي من خلال الجمع بين تأثيرات المصب لسد النهضة وندرة المياه الكبيرة الحالية التي تعاني منها دول مثل مصر بالفعل والتي ستزداد سوءاً في المستقبل القريب العاجل. وتعاني مصر بالفعل من ضغوط أو إجهادات مائية حادة، يتم تخفيفها حالياً من خلال إعادة الاستخدام المتكرر لمياه الصرف الزراعي. وهذا بدوره يؤثر على جودة المياه بشكل عام من خلال زيادة ملوحتها وتركيز الملوثات. علاوة على ذلك، تناولت دراسات قليلة جداً التحليل العام لإمدادات المياه الإضافية التي سيحتاجها السد لمواجهة الخسائر الناجمة عن التسرب الطبيعي من الخزان. تتكون الكتلة النوبية، التي تم بناء خزان سد النهضة والسد نفسه فوقها، من صخور نارية ومتحولة عالية التصدع.

ويمكن أن يتسبب هذا الإعداد الهيدروجيولوجي في حدوث تسرب كبير للمياه من الخزان، والذي يمكن أن يصل إلى -25%. وعلى الرغم من أنه سيتم بناء الخزان بالكامل لتخزين ما يصل إلى 74 مليار متر مكعب، إلا أن الحجم الفعلي المطلوب لملء الحوض قد يصل إلى 110 مليار متر مكعب إذا أخذنا في الاعتبار الخسائر الناجمة عن التسرب والتبخر. قامت دراسة لويلر وآخرين (2020) بمحاكاة استجابة السد العالي في أسوان خلال سيناريوهات فترات ملء مختلفة وكذلك الفترة التي تلي ملء الخزان بما في ذلك سيناريو الجفاف متعدد السنوات وخلصت إلى أن مخاطر نقص المياه في مصر، استجابة لبناء سد النهضة منخفض نسبياً. ومع ذلك، فإن تبني سياسات زراعية جديدة تعتمد على المحاصيل ذات الاستهلاك المنخفض للمياه سيكون أمراً ممكناً لتجنب الآثار السلبية للجفاف متعدد السنوات.

في هذه الدراسة، قمنا بتقييم آثار سد النهضة على التوافر قصير المدى لتدفق نهر النيل في مصر من خلال النظر في سيناريوهات واستراتيجيات ملء مختلفة تمت محاكاتها في أحدث الأدبيات المنشورة. بعد ذلك، نقوم بتقييم إجمالي عجز ميزانية المياه من سد النهضة المرتبط بالعجز الذي توقعه النمو السكاني، ونقترح سياسات التخفيف ونناقش الآثار الاجتماعية والاقتصادية لكل من سيناريوهات ملء سد النهضة.

1- الطُرق

2.1 سيناريوهات ملء سد النهضة

 تشمل السيناريوهات المدرجة في تحليلنا لموارد المياه في مصر تأثير ملء السد وقدرات التخزين المحتملة، ويتم تلخيصها على النحو التالي:

1- تم افتراض ثلاثة سيناريوهات لسعة التخزين: 74 و 35 و 18.5 مليار متر مكعب وثلاثة سيناريوهات لفترة التعبئة: 5 و 10 و 20 سنة. أشارت النتائج إلى أنه مع فترة ملء سد النهضة البالغة خمس سنوات بسعة تخزينية تبلغ 74 مليار متر مكعب، فإن خزان السد العالي بأسوان سيُفرغ وسيصل إلى الحد الأدنى لمستوى المياه البالغ 147 متراً بحلول العام الخامس.

2- تم فحص 7 استراتيجيات لمعدل الملء: الاحتفاظ بنسبة 100%، و 50%، و 25%، و 20%، و 15%، و 10%، و 5% من تدفق النيل الأزرق. أظهر التحليل أن معدلات ملء الخزان السنوية من 8-15% يمكن أن تكون مفيدة لتوليد الطاقة الكهرومائية لإثيوبيا مع تأثير ضئيل على تدفق التيار إلى مصر بافتراض عدم وجود تأثير كبير لتغير المناخ حتى عام 2039. كما خُلص إلى أن معدلات الملء الأكبر تتجاوز سياسة 15% سيكون لها آثار سلبية على تدفق التيار. على سبيل المثال، مع سياسة معدل التعبئة بنسبة 100% (أي ما يعادل 2.5 سنة للوصول إلى مستوى الإمداد الكامل) سيؤدي إلى تقليل تدفق التدفق بنسبة 55%.

3- تم فحص خمس سياسات؛ ثلاث سياسات مع حجز 5 أو 10 أو 25 % من إجمالي التدفق الشهري، في حين أن السياستين الأخريين مشروطة بتجاوز متوسط ​​التدفق التاريخي أو 90% من متوسط ​​التدفق التاريخي. أظهرت النتائج أن سياسة الملء بنسبة 5% لن تؤثر بشكل كبير على التدفق السفلي ولكن لن يساعد أيضاً في الوصول إلى مستوى الإمداد الكامل للخزان. من ناحية أخرى، يمكن لسياسة 25% أن تقلل متوسط ​​التدفقات النهائية بأكثر من 10 مليار متر مكعب في السنة.

4- تم افتراض ثلاثة سيناريوهات بناءً على الحد الأدنى من التصريفات الشهرية التي سيتم إطلاقها في نهاية المطاف: 75% و 50% و 25%. وتمت محاكاة كل من هذه السيناريوهات بثلاثة افتراضات لمعدل التسرب (منخفض، متوسط ​​، مرتفع)، مما أدى إلى ثمانية عشر سيناريو ملء مع الأخذ في الاعتبار تغير المناخ في ظل الظروف الرطبة والجافة. أظهرت النتائج أنه مع الإفراج عن الكمية 50 والكمية 75 لمتوسط التفريغ الشهري، قد تنخفض التدفقات بنسبة 10-19% و16-44% على التوالي، في حين أن الإفراج عن الكمية 25 شهرياً ستؤدي إلى تقليل 5-13% فقط من متوسط ​​التفريغ والشهري إلى دول المصب ومستوى الإمداد الكامل، سيتم الوصول إلى المستوى في ثماني سنوات. تتوافق خسائر التبخر التي تمت محاكاتها أثناء عملية الملء مع 6.5-8.7% من متوسط ​​التدفقات السنوية بينما تراوحت خسائر التسرب بين نسبة ضئيلة إلى 24-32% من التدفقات الداخلة. وتم تسليط الضوء بشكل خاص على سيناريو خسارة التسرب القصوى في هذه الدراسة.

5- تم الإشارة إلى أنه في سيناريو ملء سد النهضة خلال سبع سنوات، ستواجه مصر نقصاً كبيراً في كمية المياه المرتبطة بتخفيض بنسبة 20% إلى 30% من إنتاج الكهرباء من السد العالي بأسوان.

6- تم تحليل خمسة سيناريوهات إصدار سنوي مختلفة: 25 و 30 و 35 و 40 و 45 مليار متر مكعب / سنة. أشارت النتائج إلى أن الحد من مخاطر التدفق إلى مصر وتوليد الطاقة يمكن تحقيقه من خلال مجموعات من الإصدارات السنوية المتفق عليها من سد النهضة وكذلك اعتماد سياسة إدارة الجفاف للسد العالي في أسوان.

7- تم الأخذ في الاعتبار خمس سياسات تعبئة: حجز 5 و 10 و 25% من تدفق النيل الأزرق والاحتفاظ بكميات أكبر من متوسط ​​التدفق التاريخي أو 90% من متوسط ​​التدفق التاريخي مع تغيرات محتملة في هطول الأمطار تبلغ -20، -10، -5، 0، +5، +10، +15، + 20% بحلول عام 2060. أظهرت النتائج أن حجز 10% أو 25% من التدفق الشهري سينتج عنه 6% أو 14% متوسط ​​انخفاض في التدفق إلى مصر خلال أول 5 سنوات على التوالي.

8- تم اقتراح سيناريوهين مع الحجز الجزئي للمياه: 10 و25% من التدفق الداخلي، استراتيجية ملء عتبة واحدة تسمح بحجز أي حجم تدفق يزيد عن متوسط ​​التدفق التاريخي في الخزان وثلاث استراتيجيات تعبئة مطلقة: 4 و 6 و 8 سنوات. أشارت النتائج إلى أن سيناريوهات 25% و6 سنوات و8 سنوات يمكن أن توفر أفضل السيناريوهات لكل من دول المنبع والمصب.

من أجل تقييم العجز الكلي في ميزانية المياه، وأفضل سياسات التخفيف والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لكل من سيناريوهات ملء سد النهضة، نستخدم ثلاث طرق تم تلخيصها هنا على النحو التالي:

2.2 تقييم عجز الميزانية المائية

للحد من الغموض حول عجز ميزانية المياه في مصر الناجم عن سد النهضة، نقوم بتحديث تقديرات عجز الميزانية المائية باستخدام نموذج ميزانية المياه في دراسة مازوني وآخرون، 2018) والنظر في التوقعات السكانية المستقبلية في إطار سيناريو المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة، التنافس الإقليمي. يتم اختيار سيناريو المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة، وسيناريو التنافس الإقليمي بشكل إيجابي لأنه يشتمل على أكبر التحديات نحو التخفيف والتكيف، مع تنافس إقليمي قوي. علاوة على ذلك، نقوم بتنفيذ سيناريوهات التعبئة المختلفة من حيث المقاييس الزمنية والكميات المحتجزة التي نستمدها من مراجعة شاملة للأدبيات ونجمع أحدث التحليلات. نقدم تلخيص لسيناريوهات التعبئة المختلفة أو الاستراتيجيات التي اعتمدتها كل دراسة من الدراسات التي راجعناها على حدة. ثم نشتق متوسط ​​العجز المائي السنوي الإضافي لمصر الناتج عن ملء السد وعن الخسائر الناجمة عن التسرب. يتم التركيز بشكل خاص على فقدان المياه من السد بسبب التسرب لسببين:

أولاً، تم التقليل من خسائر التسرب إلى حد كبير في الدراسات السابقة التي تناولت تقييم تأثير سد النهضة؛

ثانياً، يمكن أن تصل الخسائر المرتبطة بالتسرب سنوياً إلى 15 مليار متر مكعب مقارنة بخسائر سنوية أقل بكثير مرتبطة بالتبخر تبلغ 3.8 مليار متر مكعب فقط.

في تحليلنا، نختار فقط الدراسات المُحكَّمة المنشورة حول هذا الموضوع في السنوات الخمس الماضية منذ أن تم نشر بعض المواصفات الفنية الرئيسية لسد النهضة مؤخراً فقط (مثل السعة الإجمالية للسد). من بين جميع الدراسات التي تم النظر فيها، تم استكشاف سياسات تعبئة مختلفة إما من خلال النظر في عدد ثابت مسبقاً من السنوات طوال فترة الملء، باستخدام معدلات الاحتفاظ الجزئي من إجمالي التدفق الشهري الذي يدخل في الخزان والذي يضمن حجزاً دائماً لـ الماء كل شهر لملء السد، أو مرة أخرى عن طريق تطبيق سياسات قائمة على عتبة محددة، مع معدلات الاحتفاظ المشروطة بقيمة ثابتة معينة، والتي بدلاً من ذلك لا تضمن الاحتفاظ بالتخزين في السنوات التي يكون فيها تدفق التيار أقل من خط الأساس المحدد. ولكي نتمكن من مقارنة نتائج الدراسات المختلفة، قمنا بتوسيط نتائجها عبر السيناريوهات المناخية التي أخذوها في الاعتبار في تحليلهم لتتناسب مع استخدامنا للمسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة، التنافس الإقليمي.

2.3 مؤشر الجدوى لعمليات التخفيف المختلفة

نورد بشكل مختصر جميع الاستراتيجيات المقترحة الأكثر منطقية التي يمكن أن تتخذها مصر للتخفيف من الآثار قصيرة المدى لملء سد النهضة من حيث عجز المياه على وجه الخصوص: خفض تشغيل السد العالي في أسوان (أي أن يتم تكييف قواعد عمل السد العالي في أسوان لمواكبة انخفاض المياه)، والتوسع في استخراج المياه الجوفية، واختيار نوع المحاصيل، وتحديث نظام الري، وتغيير قنوات الحقول إلى أنابيب، وزيادة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي، وحصاد الأمطار، وتوسيع نطاق تحلية المياه، وتقليل التبخر في بحيرة ناصر. نقوم بعد ذلك بتطوير مؤشر جدوى مقابل محسوب من خلال تحليل من الدرجة الأولى للمدة والتكلفة والفائدة لاستراتيجيات التخفيف المقترحة للحصول على مؤشر حدودي يسمح لنا بتقييم إمكانية التطبيق العملي لكل حل ممكن. يُعبَّر عن المؤشر كدالة تناسبية عكسياً للوقت المطلوب لتنفيذ الاستراتيجية (أي، يشار إليها فيما بعد باسم سرعة التنفيذ) وتكاليفها السنوية، وتتناسب بشكل مباشر مع الفوائد من حيث حجم المياه في مليار متر مكعب في السنة:

تم ضبط المعاملات الثلاثة (fi’D, A’D, and fi’D) على 1/3 لإعطاء نفس الوزن لكل متغير. بالنسبة لمتغير المدة، نختار 5 سيناريوهات مع القيم المجردة المتزايدة لكل منها: المدى القصير = 1، المدى القصير المتوسط ​​= 2، المدى المتوسط ​​= 3، المدى المتوسط ​​= 4، المدى الطويل = 5. بالنسبة للتكاليف، نحسب كل من النفقات السنوية بسبب المصروفات الرأسمالية، التكاليف المستهلكة على مدى عمر الحل نفسه وتكاليف التشغيل السنوية. نشتق أولاً حداً أدنى وأعلى لجميع المتغيرات لكل استراتيجية تخفيف، ثم نضبط كل متغير على 0.11 فترة زمنية، ونحسب أخيراً مؤشر الجدوى العام كمجموع مرجح للمكونات الثلاثة. نظراً لوجود نطاقات وقيم مختلفة للتكاليف ووقت التنفيذ لكل مقياس، يتم تقديم مجموعة من القيم لمؤشر الجدوى لكل استراتيجية تخفيف.

2.4 نمذجة الأثر الاقتصادي

نحن نستخدم نموذجاً اقتصادياً مبسطاً لتقييم آثار سيناريوهات ملء سد النهضة على الناتج المحلي الإجمالي لمصر كدالة زمنية للزراعة. يقدم هذا النموذج تحليلاً من الدرجة الأولى يوفر تقديراً أدنى حداً للتأثيرات الاقتصادية بناءً على التغييرات التي يمكن ملاحظتها على الفور والناجمة عن عجز ميزانية المياه للقطاع الزراعي (أي خسارة في إنتاجية المحاصيل بسبب التدهور الكلي) وليس حساباً لـ عواقب ذلك على القطاع الصناعي التي يصعب تقييمها بسبب نقص الدراسات المُحكَّمة المنشورة. يستخدم النموذج (الشكل 1) متوسط ​​توقعات معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي من البيانات التاريخية لثلاث حالات: معدلات نمو منخفضة (1.76%)، ومتوسطة (4.47%)، أو مرتفعة (7.16%) من توقعات إجمالي الناتج المحلي لمصر (البنك الدولي، 2016). تمثل هذه التوقعات تقديرات إجمالي الناتج المحلي بخلاف تأثير سد النهضة. ثم نقوم بحساب الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي لسيناريوهات ملء سد النهضة 3 و 5 و 7 و 10 و 21 عاماً. قمنا أخيراً بحساب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي باستخدام البيانات التاريخية والتوقعات السكانية من مراجعة 2019 للتوقعات السكانية في العالم (التوقعات السكانية العالمية للأمم المتحدة، 2019) لكل من سد النهضة الإثيوبي الكبير والحالات غير المرتبطة بسد النهضة الإثيوبي. يتم تقدير فقد المياه سنوياً وخسارة الأرض المكافئة تقريباً، حيث سيؤدي فقدان كل 5 مليار متر مكعب إلى تدهور إجمالي قدره -0.42 مليون هكتار. يتم تقييم إجمالي مساحة الأراضي الزراعية في مصر (-9.1 مليون فدان أي ما يعادل -3،822 مليون هكتار) على أنها إجمالي الناتج المحلي الزراعي لمصر لحساب التغير في الناتج المحلي الإجمالي بسبب التدهور الكلي الذي غالباً ما يتم التعبير عنه بالوحدة المحلية فدان (الفدان الواحد يساوي 4,200 متر مربع). نقوم أيضاً بتقييم الزيادة في البطالة بسبب تدهور الأراضي في القطاع الزراعي (الذي يوظف ربع قوة العمل في مصر) باستخدام متوسط ​​عدد المزارعين للفدان من وزارة الموارد المائية والري المصرية.

3. النتائج

تتعلق نتائج بحثنا بثلاث نتائج:

الأولى، تتعلق بتقييد توقعات عجز الميزانية المائية خلال سيناريوهات التعبئة المختلفة؛

والثانية، حول جدوى استراتيجيات التخفيف لمعالجة هذا العجز؛

والثالثة، على الأثر الاقتصادي الناتج عن إجمالي عجز ميزانية المياه؛

وذلك كما هو مفصل على النحو التالي:

3.1 تقدير عجز ميزانية المياه

 يوضح الشكل 1 التوزيع الناتج لمخرجات كل سيناريو مدروس من حيث السنوات اللازمة لملء سد النهضة والعجز السنوي المتوقع في المياه من إمدادات المياه العذبة المتجددة في مصر من خلال هذه العملية. من الواضح أن كل معدل تعبئة يتم اختياره سيكون له آثار مختلفة على وقت ملء الخزان وبالتالي تأثير نسبي على تخفيضات التدفق في اتجاه مجرى النهر. نتيجة لذلك، وجدنا أن الوقت التقديري المطلوب لملء سد النهضة يتوزع بين 2.5 سنة كحد أدنى و29.6 سنة كحد أقصى، بمتوسط ​​10.86. ولمزيد من التفاصيل حول التأثير على التدفقات السنوية إلى مصر، يلخص الشكل 2 في شكل مربع مخطط التوزيع الإحصائي لعجز المياه السنوي الناتج عن ملء سد النهضة، والتسرب المستنتج، والتنبؤات المتوقعة في فجوة الميزانية المائية الفعلية في مصر. وينشأ المكون الرئيسي للعجز الكلي المائي لمصر من فجوة المياه الفعلية بين الطلب الداخلي وإمدادات المياه المتجددة المتاحة حالياً. هذا الاختلاف، الذي يقابل 18.35 مليار متر مكعب / السنة في القيمة المتوسطة، يتم تعويضه حالياً من خلال إعادة استخدام مياه الصرف داخل دلتا النيل والسحب غير القانوني للمياه الجوفية العميقة (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2018).

وكلاهما يساهم في تدهور جودة المياه بشكل عام. الجدير بالذكر أن كمية العجز المائي المذكورة أعلاه في مصر لا تشمل التغذية السنوية للمياه الجوفية من بحيرة ناصر وشمال السودان إلى حوض النوبة. وقد تم تقديره باستخدام نموذج تدفق المياه الجوفية ثنائي الأبعاد، عند مستوى البحيرة على ارتفاع 178 متراً فوق مستوى سطح البحر، حيث يتلقى خزان (المياه الجوفية) النوبة إعادة شحن سنوية تبلغ 6 مليار متر مكعب / سنة مقارنة بـ 0.7 مليار متر مكعب / السنة، عندما ينخفض ​​مستوى البحيرة إلى 170 متر فوق مستوى سطح البحر. وبشكل عام، يمكن أن تصل التغذية السنوية للمياه الجوفية من بحيرة ناصر وحوض شمال السودان إلى 8.5 مليار متر مكعب / السنة خلال فترات هطول الأمطار المكثفة في إفريقيا الاستوائية (على سبيل المثال، الفترة بين 2012 و 2015. ولن تتأثر كمية إعادة تغذية المياه الجوفية السنوية من هطول الأمطار فوق مخزون شمال السودان، والتي يمكن تقديرها تقريباً بمقدار 2.5 مليار متر مكعب / السنة. إلا أن السيناريوهات المختلفة لملء سد النهضة ستؤثر بالتالي على مستويات بحيرة ناصر، وبالتالي فإن التغذية السنوية إلى طبقة المياه الجوفية النوبية العميقة ستُعاق بشكل كبير. ويجب التحقيق في استجابة الخزان النوبي للسيناريوهات المختلفة لملء السد لتقدير موثوق به للعجز المائي في مصر.

المكونان الآخران (على سبيل المثال، حجز المياه أثناء فترة الملء والتسرب من السد)، اللذان يرتبطان بشكل مباشر ببناء سد النهضة، يخلقان مجتمعين فجوة مائية إضافية تبلغ -12.15 مليار متر مكعب / السنة خلال الطول المتوقع لفترة ملء السد. يمكن أن يتراوح الانخفاض في تدفق التدفق في مصر بسبب خسائر التسرب في سد النهضة، دون النظر إلى القيم المتطرفة، من 43 مليون متر مكعب / سنة كحد أدنى إلى 10.4 مليار متر مكعب / سنة كحد أقصى، بافتراض أن إجمالي التدفق الداخلي يتراوح بين 43.2 و 53.3 مليار متر مكعب ومعدلات تسرب 1 و 32%. ومع ذلك، فإن الانخفاض الرئيسي الفعلي في إمدادات المياه السنوية يرجع إلى ملء السد نفسه. وتتراوح الخسارة المقدرة، باستثناء القيم المتطرفة، بين 2.72 و 22.67 مليار متر مكعب / سنة.

وبالنسبة المئوية، ستؤدي تأثيرات سد النهضة إلى زيادة إضافية في العجز المائي الحالي لمصر بين +34.4% و +98.7%، والتي هي في المتوسط ​​-83% بسبب الملء والباقي -17% إلى التسرب، بافتراض معدل النضح الأقصى. وإذا أخذنا في الاعتبار جميع المكونات، فقد تواجه مصر في سنوات ملء سد النهضة عجزاً سنوياً إجمالياً في المياه من 7.24 إلى 36.5 مليار متر مكعب / السنة (موزعة بالنسبة المئوية على النحو التالي: 32% بسبب ملء السد، 8% للتسرب، تحت سد النهضة، و 60% من العجز الجوهري في الميزانية المائية)، وهو ما يتوافق مع متوسط ​​+ 35.5% من الطلب السنوي الحالي على المياه. جدير بالذكر أن هذه التقديرات تمثل السيناريو الأسوأ، حيث لم يتم اتخاذ أي إجراءات من قبل السلطات المصرية للتخفيف من هذه المعدلات المتوقعة لعجز المياه بسبب النقص الفني أو عدم الاستقرار السياسي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر أحداث الفيضانات المحسّنة على النيل الأبيض بشكل إيجابي على ميزانية المياه المصرية من خلال إدخال أكثر من 25 مليار متر مكعب إلى بحيرة ناصر على مدى ثلاث سنوات (على سبيل المثال، حدث فيضان بين عامي 1999 و 2001.

3.2 مؤشر الجدوى

يوضح الشكل 3 الجدوى الناتجة عن كل حل مقترح والمساهمة النسبية لكل استراتيجية للتخفيف أخذناها في الاعتبار لحساب المؤشر. يشير فحص تقديرات مؤشر الجدوى (الشكل 3) إلى أنه من بين جميع الحلول المقترحة لمعالجة عجز الميزانية المائية، فإن الخيار الأكثر عملية (مؤشر الجدوى >50%) لمصر على المدى القصير سيكون تخفيض العمليات مؤقتاً أو حتى تعليقها بالكامل في السد العالي بأسوان لتعويض التدفق السفلي جزئياً أثناء ملء سد النهضة.

ويمكن استرداد الخسارة في حوض خزان أسوان وتوزيعها في السنوات التالية بعد بدء تشغيل السد عندما يعود تدفق مجرى النيل الرئيسي إلى معدله المعتاد. وهذا بالطبع من شأنه أن يقلل بشكل كبير من إنتاج الكهرباء من محطة الطاقة الكهرومائية في أسوان (يُحسب هنا كتكلفة للاستراتيجية المقترحة) ويؤخذ في الحسبان جميع الآثار اللاحقة لهذا الخيار. وتشمل الحلول الفعالة الأخرى تعظيم سحب المياه الجوفية (مؤشر الجدوى >35%)، على الرغم من أننا هنا لا نأخذ في الحسبان التأثيرات البيئية على نظام الخزان الجوفي الأحفوري. ومع ذلك، فإن هذا المقياس فعال من حيث التكلفة مقارنة بالمقاييس الأخرى (الشكل 3)، ومع ذلك فإن إجمالي إنتاج الآبار الحالية لا يمكنه سد فجوة العجز المائي الناجم عن سد النهضة بإجمالي إمكانات تصل إلى 4.65 مليار متر مكعب / السنة. يمكن تحسين هذا الحل من خلال التوسع في استخراج المياه الجوفية من طبقات المياه الجوفية الضحلة شرق وغرب دلتا النيل. علاوة على ذلك، تمثل طبقات المياه الجوفية غير المستكشفة إلى حد كبير شرق وغرب وادي النيل ممرات قيّمة لتوسيع استخراج المياه الجوفية بسبب:

أ) الطبيعة المتصدعة والكارستيدية للخزان الجوفي الذي ينتج عنه إنتاجية عالية من المياه الجوفية تصل إلى 1600 متر مكعب / يوم.

ب) التغذية الوفيرة من طبقة المياه الجوفية النوبية العميقة من خلال التصاعد الارتوازي على طول الصدوع وبالتالي جلب المياه العميقة بشكل طبيعي (حتى 1500 متر) إلى مستويات ضحلة (أقل من 600 متر) بدون تكلفة.

ج) ملوحة المياه الموثوقة نسبياً للأغراض المنزلية والزراعية (<3000 مجم / 1.

يوضح تقدير مؤشر الجدوى أيضاً أن تغيير نظام الزراعة نحو زراعة المحاصيل التي تتطلب كميات أقل من المياه يمكن أن يكون أيضاً حلاً ممكناً (مؤشر الجدوى >20%). يبلغ معدل استخدام مياه المحاصيل الحالي في مصر 1.4 متر مكعب / متر مربع / سنة، وبالتالي هناك حاجة إلى 53.7 مليار متر مكعب من المياه سنوياً لري 9.1 مليون فدان. ومع استبدال قصب السكر ببنجر السكر وقصر زراعة الأرز على العدد الرسمي للفدان (حوالي مليون فدان أي 850 ألف فدان أقل من أراضي الأرز الفعلية في مصر 1.9 مليون فدان)، سيكون معدل استخدام المياه للمحاصيل منخفضاً ليصل إلى 1 م 3 / م 2 / سنة، والتي تتطلب فقط 38.3 مليار متر مكعب لري 9.1 مليون فدان.

الخيارات الأخرى لها مؤشر جدوى أقل من 10%، مما يعني أنها إما تتطلب الكثير من الوقت لتنفيذها أو أن التكلفة مرتفعة للغاية، مما يؤدي مرة أخرى إلى فعالية منخفضة في التخفيف من عجز المياه. على سبيل المثال، يعد تحديث نظام الري عملية مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، حيث يكلف تحديث أنظمة الري التي تبلغ مساحتها 3,140 هكتاراً فقط في صعيد مصر 11.6 مليون دولار أمريكي. نظام الري الحالي هو نظام الري السطحي (أي الري بالغمر) الذي يعتمد بشكل شبه كامل على السد العالي في أسوان لتنظيم المياه من خلال أكثر من 29,000 كم من القنوات والقنوات الفرعية مما يؤدي إلى فقدان أكثر من 3 مليارات متر مكعب من مياه النيل سنوياً من خلال التبخر بالإضافة إلى نقص المياه عند نهاية القناة. هذه الآثار السلبية للري السطحي تشجع الحكومة المصرية على تطبيق الأساليب الحديثة للري مثل أنظمة الري بالرش والري بالتنقيط والري بالفقاعات، وكذلك تبطين قنوات الري.

3.3 الناتج المحلي الإجمالي وتوقعات البطالة

يمكن الاطلاع على توقعات معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للزراعة وإجمالي الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الشكلين 4 و 5 على التوالي. في السنوات 2022 و2023 و 2024، يشير نموذج الترتيب الأول لدينا إلى خسائر محتملة في إجمالي الناتج المحلي الزراعي، لإجمالي فترة الملء، تبلغ – 51 مليار دولار لسيناريو الملء لمدة 3 سنوات، – 28 مليار دولار لسيناريو الملء لمدة 5 سنوات، – 17 مليار دولار لسيناريو الملء لمدة 10 سنوات، و – 10 مليار دولار لسيناريو الملء لمدة 21 عاماً. هذه الخسائر الاقتصادية ناتجة عن تدهور إنتاج المحاصيل نتيجة النقص في مياه الري اللازمة للحفاظ على الأنشطة الزراعية. ما ورد أعلاه يقلل من مساحة الزراعة الحالية كما هو موضح في القسمين 2.4 و 3.2، ومن ثم في الناتج المحلي الإجمالي الزراعي المرتبط به. وستؤدي الخسائر في القطاع الزراعي (أي الناتج المحلي الإجمالي الزراعي) إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للفرد لمصر للأعوام 2022 و 2023 و 2024 من 2,815 دولاراً و 2,890 دولاراً و 2,968 دولاراً للحالة قبل آثار سد النهضة، وصولاً إلى 2,633 دولاراً و 2,703 دولاراً و 2,777 دولاراً عند المحاسبة فقط عن الخسائر الزراعية الناشئة عن سيناريوهات ملء سد النهضة على المدى القصير.

وتظهر توقعات البطالة في الزراعة المصرية في الشكل 6 والجداول التكميلية. فمن بين 28.8 مليون عامل في مصر، يعمل حوالي 5.5 مليون في القطاع الزراعي (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2018). ويشغل شخص واحد ما يقرب من 1.4 فدان (0.6 هكتار) من الأراضي الزراعية؛ ومن ثم فإن سيناريو الملء قصير الأجل المقترح لسد النهضة لمدة ثلاث سنوات قد يؤدي إلى تدهور 2.8 مليون هكتار من الأراضي، مما قد يؤدي إلى خسارة 4.75 مليون وظيفة في المصب في مصر. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى خسارة مقلقة لأكثر من ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية في مصر، مما يؤدي إلى بطالة أكثر من 60% من العمال الزراعيين. سيرتفع معدل البطالة الإجمالي من 11% الحالية إلى 25% في المستقبل.

إن دقة نموذج التأثيرات الاقتصادية الخاص بنا محدودة بعدة عوامل رئيسية:

أولاً، لا يأخذ في الحسبان الوقت الذي سيحتاجه النيل لاستعادة التدفق الكامل بعد انتهاء ملء سد النهضة، ونتيجة لذلك، لا يأخذ في الحسبان الآثار الاقتصادية في السنوات التي تعقب ملء السد. ومن غير المحتمل إلى حد كبير الارتفاع الفوري في الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الذي يلي انتهاء فترة الملء حيث إن العديد من الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية يمكن أن تكون لا رجعة فيها. يبدو أن سيناريو الملء لمدة 21 عاماً، مع أدنى تأثير للقيمة الحالية الصافية على الناتج المحلي الإجمالي لمصر، هو السيناريو الوحيد الذي له آثار اقتصادية يمكن التحكم فيها على المدى الطويل على بلد يعاني بالفعل من ضغوط شديدة بسبب عدم الاستقرار الخطير والزيادة السريعة في عدد السكان.

ثانياً، يفترض النموذج أنه مقابل كل خسارة وحدة في تدفق نهر النيل، ستواجه موزعاتها وحدة خسارة متساوية من المياه. من المرجح أن تتجلى تأثيرات المصب مثل فقدان الأراضي والمياه المتاحة للاستخدام الصناعي والبلدية على أنها انخفاض غير خطي بمعدل أعلى بكثير لكل وحدة انخفاض في النيل نفسه. علاوة على ذلك، يفترض النموذج أن توزيع المياه عبر الزراعة والصناعة والاستخدامات البلدية سيظل دون تغيير. أخيراً، لا تشمل هذه الأرقام التأثيرات على قطاع تصنيع الأغذية وتجهيزها المتنامي والذي ساهم بنسبة -6% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر في عام 2019 (وزارة الزراعة الأمريكية، 2020). ومن المحتمل أن تواجه صناعات الخدمات الأخرى المرتبطة بالصناعة والزراعة عواقب وخيمة بسبب انخفاض قدرات الإنتاج. على هذا النحو، فإن نتائج الانخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدل البطالة ينبغي اعتبارها حدوداً أقل، والضرر الاقتصادي بالنظر إلى جميع العوامل المذكورة أعلاه سيكون أعلى.

4- التداعيات واستراتيجيات التخفيف

الغرض من هذه الدراسة هو تقييم آثار سد النهضة على التوافر المصري قصير الأجل لتدفق مجرى النيل من خلال النظر في سيناريوهات التعبئة المختلفة التي تمت محاكاتها بناءً على أحدث الدراسات المُحكّمة المنشورة مع مراعاة التسرب والزيادة في عجز الميزانية المياه الفعلية في مصر. تتفق النتائج التي توصلنا إليها مع العديد من الدراسات على أن سيناريوهات الملء على المدى القصير (من 3 إلى 5 سنوات) ستسبب نقصاً ملموساً في إمدادات المياه لمصر خلال مرحلة ملء السد. وتشير التقديرات إلى أن هذه الفجوة الإضافية في الميزانية المائية تتزامن مع زيادة عامة في العجز المائي الحالي في مصر بأكثر من الثلث (+ 34%) لتتضاعف تقريباً إلى (98.7%). من هذه الفجوة في الميزانية المائية ، هناك في المتوسط ​​- 83 % سيكون بسبب كمية المياه اللازمة لملء السد، بينما في الحالات القصوى، يمكن أن يفقد ما يصل إلى -17 % بسبب التسرب الطبيعي داخل خزان سد النهضة.

سيكون لنقص المياه هذا عواقب مباشرة على الاقتصاد المصري، ومعدلات التوظيف، وتدفق الهجرة إلى الخارج، والاكتفاء الغذائي. لا تأخذ خسارة الناتج المحلي الإجمالي المبينة أعلاه في الحسبان البطالة في الصناعات المرتبطة، مثل النقل أو السياحة، ولا الضرر الناجم عن ندرة الغذاء الناتجة، لأن هذه الآثار تتعدى الأثر الاقتصادي المباشر للبطالة. قد يؤدي فقدان المياه في البلديات، والذي لا يمكن تحويله على الفور إلى خسارة مالية، إلى آثار ضارة كبيرة على المدى الطويل على السكان المتضررين. وفي حالة حدوث موجة كبيرة من البطالة، فإن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لجزء كبير من القوى العاملة في مصر سيكون أيضاً على المحكّ، وهناك احتمالية خطيرة بأن تُصبح الآثار السلبية لانخفاض النشاط الاقتصادي وزيادة البطالة بشكل دوري. وفي المقابل، قد تؤدي الأضرار الاقتصادية في مصر إلى تقليل الإنفاق على التعليم، وتقليل نشاط الأعمال الصغيرة وعلى جودة الصحة، وزيادة معدلات الجريمة.

ندرة المياه على وجه التحديد شديدة العواقب بسبب آثارها على سلوكيات السكان والحكومات. الصراع على جزيرة زامبيزي، والنزاعات على نهر الميكونج، والنزاعات بين الفرات ودجلة، وأعمال الشغب حول المياه في جميع أنحاء العالم في العقود القليلة الماضية، كلها مؤشرات على أن النزاع الحالي بين مصر وإثيوبيا يمكن أن يتسبب في اندلاع صراع خارجي، في حين أن هناك اضطرابات مدنية أيضاً قد تحدث داخل مصر. ومن المتوقع بالفعل أن يكون لفقد المياه بسبب تغير المناخ آثار سلبية على شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهي المنطقة الأكثر عرضة لفقدان الناتج المحلي الإجمالي بسبب ندرة المياه المتزايدة، مما يؤدي إلى زيادة الهجرة وإشعال الصراعات القديمة. ومن الضروري النظر في هذه العواقب المدمرة حتى تتمكن مصر من إعادة تخصيص مواردها نحو حلول التخفيف الموضحة في الشكل 3 ولكي تفكر إثيوبيا في إبطاء سد النهضة.

من ناحية أخرى، سيكون لبناء سد النهضة بعض الآثار الإيجابية على دول المصب. ففي مصر، يمكن القول إن التخفيض لتراكم الرواسب في بحيرة السد العالي بأسوان بنسبة 90-97% في عام 2060، مقارنة بكمية التراكم للرواسب في عام 2020 دون تشغيل / بناء سد النهضة، سيزيد من عمر السد العالي بأسوان. وفي السودان، سيوفر بناء سد النهضة وما يترتب عليه من انخفاض في تراكم الرواسب في بحيرة النوبة (أي الجزء السوداني من بحيرة السد العالي بأسوان) فرصة لاستخراج الطين والطمي المتراكم من خلال التجريف وبناء برك الرواسب البرية التي يمكن أن تستخدم للأغراض الزراعية وتنمية المجتمعات الصغيرة.

لقد درسنا أيضاً العديد من الإجراءات الإدارية واستراتيجيات التخفيف التي يمكن أن تؤمّن الطلب على المياه في مصر من خلال تقليل آثار مشروع سد النهضة. باستخدام مؤشر الجدوى المحدد حسب الاحتياج، نجد أن أفضل خيار لمصر هو إعادة تقييم التشغيل الحالي لمحطة الطاقة الكهرومائية للسد العالي في أسوان للتخفيف من النقص القادم في المياه، جنباً إلى جنب مع زيادة سحب المياه الجوفية كدعم لها، كخيار للحفاظ مؤقتاً على الطلب على المياه. ويجب أيضاً دمج استراتيجيات الحفاظ على المياه خاصة في قطاعات الزراعة من خلال تحويل الإنتاج الوطني نحو أنواع المحاصيل التي تتطلب كميات أقل من المياه.

إذا قررت الحكومة الإثيوبية أحد فترات الملء الأقصر، هناك طرق التعويض الممكنة لتعويض الخسائر الزراعية في مصر، والتي حددناها على أنها الجانب السلبي الاقتصادي الأساسي لسيناريو ملء سد النهضة لمدة ثلاث سنوات. ونظراً لأن إثيوبيا تقوم حالياً بتأجير أراضيها الزراعية لدول متعددة، فيمكنها توفير عقد إيجار طويل الأجل، بسعر تفضيلي، لبعض أراضيها الزراعية الفائضة لاستخدام مصر كطريقة للتعويض المباشر عن الخسارة في إنتاج المحاصيل. ويمكن لمصر في المقابل تطوير البنية التحتية اللازمة في هذه الأراضي الزراعية لتصبح مناطق محاصيل عالية الإنتاجية مع بنية تحتية للري تحافظ على النظام البيئي للنيل. وعلى المدى الطويل، سيكون هذا الحل مفيداً أيضاً لإثيوبيا عندما يتم إعادة الأراضي المؤجرة إلى الإدارة الإثيوبية.

وبدلاً من ذلك، يمكن لإثيوبيا الاستفادة من بعض فائض الكهرباء الناتج عن سد النهضة لتعويض مصر مالياً عن خسارة الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أن هذا الحل غير مرجَّح لأنه يتطلب الاعتراف المتبادل بحجم الأضرار المالية الناشئة عن سد النهضة، والذي لا يمكن تحقيقه في السياق السياسي والاقتصادي الحالي. من المتوقع أن يولد سد النهضة -16000 جيجاواط / ساعة من الكهرباء و 1 مليار يورو من فائض المبيعات. وتستورد مصر حالياً ما يزيد قليلاً عن 50 جيجاوات ساعة من الكهرباء. على الرغم من تشابه السكان، تستهلك مصر من الكهرباء 15 ضعف ما تستهلكه إثيوبيا. إن تقديم الكهرباء المدعومة أو بدل الكهرباء لمصر سيكون أيضاً حلاً قابلاً للتطبيق من شأنه أن يسمح لمصر بإبطاء استخدام أجهزة السد العالي الخاص بها في أسوان وزيادة وصولها السنوي إلى المياه من تلقاء نفسها.

بينما تقدم دراستنا نتائج أولية، فإنها تشير بشكل لا لبس فيه إلى عجز قادم مقلق في الميزانية المائية لمصر خلال سيناريو ملء قصير الأجل مدته ثلاث سنوات. ستسمح السيناريوهات الأطول للملء والتي تزيد عن 7 سنوات بعجز أكثر قابلية للإدارة أقل من 10 مليار متر مكعب في السنة يمكن تخفيفه باستخدام الموارد الحالية وتقليل الآثار الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها. كلما زادت المعلومات الفنية التي يمكن الحصول عليها عن الخطط التشغيلية المستقبلية لسد النهضة، زادت الدقة التي يمكن تحقيقها في نمذجة وتوقع عجز ميزانية المياه بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة به. ومع ذلك، نظراً لأن جميع النتائج تتقارب على أساس زمني، ولكن مع انخفاض حاد في إمدادات المياه في مصر، فمن المعقول العثور على استراتيجية مربحة للجميع للتخفيف من الآثار على الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. يتطلب ما ورد بعاليه توقعاً دقيقاً لعجز ميزانية المياه في مصر، وتأثيره على القطاع الزراعي وإجمالي الناتج المحلي الإجمالي، كما هو موضح هنا، بالإضافة إلى معالجة طبيعة الآثار البيئية قصيرة وطويلة المدى لمثل هذا الخزان الضخم على نظام نهر النيل نفسه والذي لا يزال مقيداً بشكل سيئ ناهيك عن فهمه في هذه المرحلة.

ملحق: الأشكال التوضيحية

الشكل 1: مدة الملء وما ينتج عنها من عجز سنوي إضافي في المياه لمصر بسبب ملء السد في ظل السيناريوهات المنشورة المدروسة

الشكل 2: العجز المائي السنوي لمصر خلال فترة ملء السد.

الشكل 3. مؤشر الجدوى المحسوب لكل استراتيجية تخفيف مقترحة

الشكل 4. إسقاط التطور والخسائر في الناتج المحلي الإجمالي الزراعي لمصر في ظل سيناريوهات الملء لسد النهضة.

الشكل 5: إسقاط قصير الأجل لتطور وخسائر إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للفرد في مصر في إطار سيناريوهات ملء سد النهضة مع الأخذ في الاعتبار فقط الخسائر في القطاع الزراعي (أي الناتج المحلي الإجمالي الزراعي).

الشكل 6: معدلات البطالة المتوقعة والزيادة في إجمالي البطالة في مصر وفق سيناريوهات الملء. تستند توقعات البطالة وفق بيانات البنك الدولي والعمالة لكل فدان في المناطق الزراعية في مصر.

  • عادل رفيق – المعهد المصري للدراسات
اثيوبيااساسيالسودانمصرنهر النيل