تساؤل لا بد من إثارته من أجل تحديد الرابط بين الحدث الفلسطيني القديم-المتجدد، وبين الخطاب الإعلامي الذي يطرح “اللقاء الوطني الإعلامي” فكرة تجديده كشرط لإدارة المواجهة، وذلك في مؤتمره الأول في بيروت. لا بد أيضاً من تعريف مفهوم الإنتصار والمعايير التي تعتمدها حركات الثورة أو التحرر والمقاومة لمقاربة هذا التعريف.
في المفهوم الحسيني القائم على معادلة “إنتصار الدم على السيف”، تتقدم معايير إنتصار المشروع الثقافي التأسيسي لنهضة الأمة على حسابات الربح والخسارة بالمعنى المادي. هذا بالإضافة الى توفر شروط تلك المعادلة من حيث التماهي بين القائد: الإمام، وبين العقيدة: نهج الجد (الرسول صلعم)، وبين القضية: طلب الإصلاح، والأنصار: أهل الحسين(ع) وأصحابه، ولذلك تحوّل هذا المفهوم الى نهج ثوري مستدام تستلهم منه معظم حركات المقاومة معاني الشجاعة والإستشهاد والإيثار.
لذلك كانت “كربلاء” وما زالت في التاريخ الإسلامي والشيعي منه بالأخص، منعطفاً مفصلياً في مسار الصراع لإستعادة الرسالة كشرط حتمي لصوابية التدين، كذلك كمرجعية سياسية-معرفية للتمييز بين الحق المسلوب والباطل المفروض بالقوة.
ولذلك لم يتم توصيف “كربلاء” يوماً على أنها معركة عسكرية تقليدية، يمحي التاريخ أسماء الخاسرين فيها من صفحاته ويُمجِد المنتصرين.
وفق هذا المفهوم، فإن فلسطين تنتصر كل يوم لأن أهلها تمكنوا من مراكمة معاني الشجاعة والإستشهاد والإيثار على مدى عشرات السنين، ولذلك لم يسقط حقهم المسلوب بفعل تقادم الزمن.
الفارق المستجد الذي نشهده اليوم في فلسطين هو الإتحاد بين هذا المفهوم الحسيني وبين عوامل القوة الإرادية والعسكرية والسياسية والإعلامية التي تجسدت بقوة في المعركة الأخيرة على أرض فلسطين، كل فلسطين.
أما طرح عنوان “تجديد الخطاب الإعلامي”، فإنه يحمل في طياته إعترافاً بأن الخطاب الإعلامي الذي تعتمده وسائل إعلام قوى المقاومة بات خطاباً قديماً ولا يرقى الى مستوى أفعال هذه القوى. بالتالي، هل يستطيع أحدٌ أن يدعي أن إنجازات المقاومة في المنطقة مرتبطة بمستوى فعالية هذا الخطاب وتأثيره على الرأي العام؟
إن مراجعة بسيطة لأداء بعض تلك الوسائل تبين بوضوح أن الخطاب الذي تعتمده “شعاراتي” لا يحاكي المفاهيم والقيم الحديثة التي أرستها المقاومة لدى شريحة أساسية وفاعلة في ماضي وحاضر ومستقبل الصراع ضد العدو الإسرائيلي، وهي شريحة الشباب. الى جانب أن حملاتها الدعائية تستحضر أفعالاً وخطابات لرموز وأناشيد لقوى ثورية كان لها تأثير حماسي بارز في وجدان أجيال الخمسينيات والستينيات وحتى بداية السبعينيات، في حين أن تلك الشريحة تعتبر أن رموز المقاومة “الحديثة” هم الذين يستحقون الإستحضار الدائم وليس الموسمي، وذلك نظراً لنجاحهم في نقل الصراع مع هذا العدو الى مستوى هدّد وجوده.
وهذا يعني أن هذه المقاومة الحديثة تحتاج الى تحديث في خطاب وسائل إعلامها يأخذ في الإعتبار المسؤولية التي تقع عليها في بث روح الديمومة لقضية الصراع المركزية حول فلسطين، وبالتالي لن ينفع هذا الخطاب أيُّ تجديد للقديم وأيُّ إعتماد للآليات الدعائية التقليدية.
وبصراحة مطلقة، فإن خسارة حضور قناة “المنار” فضائياً بعد توقيف بثها قسرياً على الأقمار الصناعية العربية، أفقد مشروع المقاومة الكثير من عناصر قوته خصوصاً لجهة تأثيرها في تواصل وتفاعل الشباب العربي مع قضيتهم المركزية فلسطين.
وبالتأكيد لست في معرض المجاملة، إنما لا بد من الإشارة الى أن قوة “المنار” كانت تتجسد في الثقة التي منحها إياها الجمهور العربي وحتى جمهور العدو ومواقع القرار والدراسات لديه، هذه الثقة التي بنيت على المصداقية القائمة على إقتران القول بالفعل.. والأهم أن “المنار” كانت تعبر عن مسار متكامل تجتمع فيه كافة مفاهيم الصراع ضد العدو الإسرائيلي، ولذلك قيل: “المنار قناة المقاومة”.
وعلى أي حال، فإن مجرد فتح النقاش حول الخطاب الإعلامي لدى الوسائل المفترضة لإعلام المقاومة، هو بحد ذاته تطور يجب الإستفادة منه لإجراء قراءة نقدية جريئة، لا أن تتحول هذه الفرصة الى مناسبة لتبادل المجاملات والمديح.
محمد عبيد – 180 بوست