المؤرخ إيلان بابيه لـ”عربي21″: نشهد الآن بداية نهاية المشروع الصهيوني

قال المؤرخ اليهودي المناهض للصهيونية، البروفيسور إيلان بابيه، في مقابلة خاصة مع “عربي21″، إن “هناك مؤشرات حالية تدل على أننا في بداية نهاية المشروع الصهيوني، وإن كان من الصعب التنبؤ بموعد انهيار هذا المشروع وموعد انتهائه على وجه التحديد”.

وأوضح أن “الأحداث التي سبقت 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أظهرت أن هناك حربا أهلية داخل المجتمع اليهودي بين اليهود العلمانيين والمتدينين، مع عدم وجود أرضية مشتركة يمكن الاتفاق عليها”، مؤكدا أن “هناك وهما زائفا بأنه بسبب عملية حماس عادت الوحدة، لكن الأمر ليس كذلك؛ فهي ستستمر في تمزيق المجتمع الإسرائيلي من الداخل”.

ولفت بابيه إلى أنه شعر بخيبة أمل كبيرة إزاء قرار دار النشر الفرنسية “فايارد” قبل أيام بسحب كتابه “التطهير العرقي في فلسطين”، مُعتبرا ذلك “جزءا من محاولة إسكات النقاش حول فلسطين من قِبل اللوبي الصهيوني”، وقال: “لكن لحسن الحظ، وجدنا ناشرا جديدا، وهذه الجهود لإسكاتنا محكوم عليها بالفشل”.

وأكد أن سحب كتابه، الذي يُعتبر أحد الأعمال المهمة التي تناولت الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، “يُعدّ انتهاكا لحرية التعبير، ليس فقط في فرنسا، بل في العديد من الدول الغربية التي تفتخر بكونها ديمقراطية؛ فعندما يتعلق الأمر بدعم فلسطين، لا يتم احترام هذه الحرية”.

ومنذ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قررت دار النشر الفرنسية “فايارد” سحب كتاب بابيه الذي نشرته عام 2008، ولم يعد بإمكان المكتبات والمواقع المتخصصة طلب أعمال المؤرخ اليهودي، مع إشارة تقول إن الكتاب المذكور أُوقف عن التسويق بصفة دائمة.

وزعمت “فايارد” أن السبب شكلي، وعزت المسألة لانتهاء العقد مع المؤلف في 27 شباط/ فبراير 2022، لذلك أوقفت العقد رسميا في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، الأمر الذي نفاه بابيه لأول مرة في مقابلته الخاصة مع “عربي21”.

وكشف المؤرخ اليهودي عن تعرضه لتضييقات أخرى جراء مواقفه المناهضة للصهيونية، متابعا: “بين الحين والآخر، هناك ضغوط على جامعتي لفصلي، وفي بعض الأماكن في أوروبا يتم إلغاء محاضراتي، لكن هذا لن يؤثر على نشاطي من أجل فلسطين”.

وإيلان بابيه هو أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في الجامعة ذاتها، والمدير المشارك لمركز إكستر للدراسات العرقية والسياسية، وترك التدريس في جامعة حيفا عام 2006؛ بسبب آرائه مواقفه الفكرية والسياسية، وهو ينتمي إلى تيار المؤرخين الجُدد الذين قاموا بإعادة كتابة التاريخ الإسرائيلي وتاريخ الصهيونية، وله العديد من المؤلفات في هذا الصدد.

وإلى نص المقابلة الخاصة مع “عربي21”:

دار النشر الفرنسية “فايارد” سحبت مؤخرا كتابكم “التطهير العرقي في فلسطين”، الذي يعدّ أحد الأعمال المهمة التي تناولت الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.. كيف استقبلت تلك الخطوة؟ ولماذا قامت الدار بذلك؟

لقد شعرت بخيبة أمل كبيرة بسبب قرار الناشر الفرنسي. وأنا أعتبره جزءا من محاولة إسكات النقاش حول فلسطين من قِبل اللوبي الصهيوني. لكن لحسن الحظ، وجدنا ناشرا جديدا، وهذه الجهود لإسكاتنا محكوم عليها بالفشل.

لكن دار “فايارد” قالت إنها لجأت إلى ذلك بسبب انتهاء العقد معكم.. ما تعقيبكم؟

أشك كثيرا أن هذا هو السبب. التوقيت واضح جدا، ويتم ذلك في وقت تدعم فيه فرنسا الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة.

هل هناك إجراء ما قمتم به ردا على ما فعلته دار “فايارد” العريقة؟

لا، لأن لهم الحق قانونيا في القيام بذلك. لذا، فإن الأمر متروك للرأي العام للحكم على هذا السلوك.

هل ما حدث يكشف حقيقة “حرية التعبير” التي تتحدث عنها فرنسا والدول الغربية الداعمة لإسرائيل؟

طبعا، هذا انتهاك لحرية التعبير. ولكن، كما تقول، ليس فقط في فرنسا، بل في العديد من الدول الغربية التي تفتخر بكونها ديمقراطية؛ فعندما يتعلق الأمر بدعم فلسطين، لا يتم احترام هذه الحرية.

ولحسن الحظ، وعلى عكس الحكومات، فإن الجمعيات الأهلية لا تخشى إظهار الدعم الكامل للفلسطينيين ونضالهم.

هل تتعرض لأي تضييقات أخرى جراء مواقفك المناهضة للصهيونية؟ وهل تتأثر بتلك التضييقات أم لا؟

نعم، بين الحين والآخر هناك ضغوط على جامعتي لفصلي، وفي بعض الأماكن في أوروبا يتم إلغاء محاضراتي، لكن هذا لن يؤثر على نشاطي من أجل فلسطين.

إلى أي مدى تبرر فكرة الاصطفاء الديني و”شعب الله المختار” الجرائم البشعة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي؟

هذه الفكرة مهمة لمجموعة معينة في الصهيونية، وهي الجماعات الدينية القومية. اليهود الأكثر علمانية هم أقل تحفيزا لهذه الفكرة، لكن قوة اليهود المتدينين القوميين تزايدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن هذه الفكرة تؤثر الآن على السياسات الإسرائيلية.

ما مدى تضرّر صورة إسرائيل لدى الرأي العام العالمي في أعقاب عدوانها الأخير على غزة؟

كما ذكرت، فإن المجتمعات المدنية، حتى قبل أحداث غزة، كانت مؤيدة للفلسطينيين أكثر فأكثر. إن أحداث الشهرين الأخيرين جعلتها أكثر إصرارا على التضامن مع النضال الفلسطيني.

ولم يؤثر ذلك حتى الآن على حكومات الغرب، لكننا نأمل أنه مع مرور الوقت، ستؤثر الجمعيات على سياسات الحكومات.

هل هناك التفاف يهودي كامل حول العالم خلف إسرائيل في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي اندلعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؟

العديد من اليهود حول العالم، خاصة جيل الشباب، ليسوا صهاينة. لذا، لا يمكن لإسرائيل أن تعتمد على الجاليات اليهودية في العالم لتقدم لها الدعم التلقائي وغير المشروط، وأنا سعيد برؤية العدد الكبير من اليهود الشبان الذين يرفضون الصهيونية، وهذا الموقف اليهودي الأخلاقي سوف يساعد في نضالنا ضد “معاداة السامية” وضد الصهيونية في الوقت ذاته.

في الواقع، تعتمد إسرائيل في العديد من الأماكن بشكل أكبر على الأحزاب اليمينية والصهاينة المسيحيين.

هل إسرائيل تشوّه صورة اليهود أو تسيء للديانة اليهودية؟

إسرائيل عقّدت الحياة بالنسبة لليهود في العالم. لقد ساوت بين الصهيونية، التي يعتقد كثير من الناس أنها أيديولوجية عنصرية واستعمارية، واليهودية. ومن المهم أيضا أن نتذكر أن إسرائيل هي المكان الأكثر خطورة بالنسبة لليهود؛ فهي المكان الوحيد الذي يُقتل فيه اليهود بأعداد كبيرة. هناك بالطبع معاداة للسامية، وخاصة في الغرب، ولكن هناك طرق بديلة لمحاربتها، وأفضلها هو محاربة العنصرية من أي نوع في كل بلد.

ما مدى تأثير اليهود المناهضين للصهيونية على المجتمع الإسرائيلي؟

لا يوجد سوى مجموعة صغيرة من اليهود المناهضين للصهيونية داخل إسرائيل، وبالتالي فإن تأثيرهم محدود للغاية. هناك العديد من اليهود المناهضين للصهيونية في جميع أنحاء العالم، وهم يلعبون دورا مهما للغاية في حركة التضامن مع الفلسطينيين.

هل إسرائيل هي دولة “كل اليهود” أم دولة “كل الصهاينة”؟

أعتقد أن الإجابة واضحة. إنها دولة اليهود الصهاينة، ولكن ليس كل الصهاينة؛ فهناك الكثير من الصهاينة المسيحيين.

ما هي جذور وأسباب التطرف الإسرائيلي سواء من الناحية الدينية والأيديولوجية؟

مصدر التطرف هو طبيعة الفكر الصهيوني. لقد أصبحت أيديولوجية استعمارية استيطانية في العشرينيات من القرن الماضي، ما يعني أنها اعتبرت السكان الأصليين في فلسطين بمثابة أجانب وعقبة رئيسية أمام إنشاء دولة يهودية أوروبية في وسط العالم العربي. تعمل جميع الحركات الاستعمارية الاستيطانية تحت منطق إقصاء المواطن الأصلي باعتباره السبيل الوحيد المتاح لها لبناء دولة جديدة في بلد أجنبي.

هل “الصهيونية” فكرة علمانية أم دينية؟

بدأت الصهيونية كحركة علمانية. في الواقع، أرادت علمنة الشعب اليهودي وتحديثه. لكنها استخدمت الدين كمبرر لاستعمار فلسطين، على أمل أن يقتنع اليهود والمسيحيون بدعمها.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الصهيونية أكثر تدينا، وقلت من قبل إن الصهاينة المتدينين أصبحوا الآن يتمتعون بنفوذ أكبر من أي وقت مضى.

في تقديركم، متى وكيف ستنتهي “الصهيونية”؟ وما مستقبل المحور المناهض للصهيونية؟

من الصعب التنبؤ بموعد انهيار المشروع الصهيوني وموعد انتهائه على وجه التحديد، لكن يمكن القول إن هناك مؤشرات تدل على أننا في بداية نهاية ذلك المشروع. ويبدو أن الأسمنت الوحيد الذي يتماسك المجتمع هو كراهية الفلسطينيين. وكما أظهرت الأحداث التي سبقت 7 تشرين الأول/ أكتوبر، هناك حرب أهلية داخل المجتمع اليهودي بين اليهود العلمانيين والمتدينين مع عدم وجود أرضية مشتركة يمكن الاتفاق عليها؛ فقد ثبت أن الصدع داخل المجتمع اليهودي لا يمكن ردمه. الأساس المشترك الوحيد هو الحرب والصراع، بينما لا يمكنك الحفاظ على مثل هذه الحالة إلى الأبد.

وهناك وهم زائف بأنه بسبب عملية حماس عادت الوحدة، ولكن الأمر ليس كذلك، فهي ستستمر في تمزيق المجتمع الإسرائيلي من الداخل.

كما أن هناك رفضا متزايدا للفكر الصهيوني في المجتمع المدني العالمي، الذي سيؤثر في نهاية المطاف على سياسات الدول، خاصة أن الناس بدأوا ينظرون إلى الصهيونية كنظام غير مشروع، وأصبحت تلك الفكرة واسعة الانتشار لدى الرأي العام العالمي، وهذا حتما ستكون له آثار على مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وسيقدم الجيل الفلسطيني الشاب توجها أكثر توافقية ووضوحا للحركة الوطنية الفلسطينية المجزأة.

أيضا هناك تطور واضح في الولايات المتحدة الأمريكية، من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الرغبة في عدم التورط الأمريكي في الشرق الأوسط

ولا يزال من الممكن أن يؤدي التحول الديمقراطي في العالم العربي في المستقبل إلى دعم عربي أكثر إيجابية لفلسطين، ما يعني المزيد من الالتزام تجاه فلسطين.

وسيبدأ المجتمع المدني في العالم في التأثير على السياسات التي ستجعل من إسرائيل دولة منبوذة.

هل يمكن أن تدخل إسرائيل في “انقلاب أبيض” على الصهيونية في ظل احتمالية تغير ديمغرافيتها مستقبلا؟

أخشى أنه لن يكون هناك أي تغيير من داخل المجتمع اليهودي، حتى لو تغير التوازن الديموغرافي. ولن يأتي ذلك إلا من خلال ضغط فعال من الخارج في شكل عقوبات، ومن المنطقة.

كيف ستنتهي الحرب الإسرائيلية على غزة برأيكم؟

من الصعب القول. ويبدو أن الأمر سيستغرق وقتا أطول مما تصوره الإسرائيليون لهزيمة حماس عسكريا، وأن حماس ستقاتل حتى آخر رجل. لذلك يمكن أن تكون هذه فترة طويلة.

وبمجرد حدوث ذلك -إذا حدث ذلك- فسوف تقوم إسرائيل بضم جزء من قطاع غزة إلى إسرائيل، وتحاول إقناع المصريين باستقبال اللاجئين، أو بلدان أخرى، وإذا لم ينجح ذلك، ستتركهم داخل قطاع أصغر، وسيحاولون إقناع قوة متعددة الجنسيات بتولي المسؤولية، ومحاولة بناء نوع من الحكم الذاتي هناك، من دون حماس.

فهل سينجحون في كل هذا؟ أنا متشكك جدا. لكن الكثير يعتمد على ما إذا كانت الحرب ستندلع في شمال إسرائيل على الحدود مع لبنان، وماذا سيحدث في الضفة الغربية وداخل إسرائيل؟ وكيف سيكون رد فعل العالم على كل هذه التحديات؟

عربي 21

اساسي