التاريخ الأسود لمجازر الصهيونيين بحق الفلسطينيين..

لقد لخصت عبارة دافيد بن – غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني: “إن الوضع في فلسطين سيُسوى بالقوة العسكرية” أهم المنطلقات الاستراتيجية لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال، وتنفيذ برامجها التوسعية في فلسطين والمنطقة العربية، فكانت المجازر المنظمة ضد أهالي القرى والمدن الفلسطينية من جانب العصابات الصهيونية، وجيش الاحتلال فيما بعد، من أبرز العناوين لتوجهات هذه المنظمة، بغرض حمل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل من أرضهم وإحلال اليهود مكانهم.

وطوال 75 عاماً من احتلال الكيان للأراضي الفلسطينية، كان سجلّه مليئاً بمجازر وحشية ارتكبها جيش الاحتلال والمستوطنون اليهود بحق أبناء الشعب الفلسطيني، إلى درجة أن الأخيرة التي ارتُكبت بعد قصف الجيش مستشفى “المعمداني” في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، والتي وصل عدد ضحاياها إلى أكثر من 500 شهيد، لا تظهر سوى كحلقة صغيرة من مسلسل المجازر التي أودت بحياة آلاف الفلسطينيين المدنيين العزّل، الذين هم في أغلبيتهم من الشيوخ والنساء والأطفال.

ولو ألقينا نظرة على تاريخ فلسطين المعاصر، لوجدنا عشرات المجازر التي نُفذت بدم بارد، ومن دون أي محاسبة أو ملاحقة قانونية لمرتكبيها من قيادات جيش الاحتلال أو العصابات الصهيونية. وفي هذا المقال، سنستعرض أبرز تلك المجازر:

مجزرة بلد الشيخ: حدثت هذه المجزرة نتيجة غارة شنتها عصابة “الهاغاناه” الصهيونية في 31 كانون الأول/ديسمبر 1947 على قرية بلد الشيخ الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة حيفا، حيث لاحقت سكانها المدنيين العزّل لعدة ساعات، الأمر الذي أسفر عن استشهاد نحو 60 منهم، أغلبيتهم من النساء والأطفال.

مجزرة دير ياسين: وقعت المجزرة في قرية دير ياسين الواقعة غربي مدينة القدس، وذلك في 9 نيسان/أبريل 1948 على أيدي جماعتَي “الأرغون” و”شتيرن” الصهيونيتين، ونتج منها استشهاد نحو 300 من سكانها، ومعظمهم من الأطفال وكبار السن والنساء. وقد هدفت المجزرة إلى تهجير الفلسطينيين إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلاد العربية المجاورة، عن طريق بث الرعب بين المدنيين في القرى والمدن الأُخرى.

مجزرة قرية أبو شوشة: وقد حدثت هذه المجزرة في قرية أبو شوشة الواقعة شرقي مدينة الرملة، وكان هذا فجر يوم 14 أيار/مايو 1948، أي عشية موعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وفي أثناء الاستعدادات الأخيرة لقادة الحركة الصهيونية قُبيل إعلان قيام كيانهم على أرضها في اليوم التالي. وقد نتج من تلك المجزرة استشهاد نحو 60 من النساء والرجال والشيوخ وحتى الأطفال، وقد أطلق جنود لواء غفعاتي الذي نفذ المجزرة النار حينها على كل شيء يتحرك من دون تمييز.

مجزرة الطنطورة: في 23 أيار/مايو 1948، هاجمت الكتيبة رقم 33 التابعة للواء الإسكندروني قرية طنطورة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط وعلى مقربة من مدينة حيفا، واحتلتها بعد ساعات من مقاومة أهالي البلدة لقوات الاحتلال الصهيوني. وقد خلفت هذه المجزرة نحو 200 شهيد، وتم دفنهم في قبر جماعي.

مجزرة قبية: طوقت وحدتان عسكريتان من قوات الاحتلال الصهيوني في 14 تشرين الأول/أكتوبر 1953، بقيادة أريئيل شارون، رئيس وزراء الكيان السابق، قرية قبية الواقعة في الضفة الغربية غربي مدينة رام الله، والتي كانت آنذاك تحت سيادة المملكة الأردنية. وبعد قصف مدفعي مكثف استهدف المساكن، اقتحمتها القوات المدججة بأحدث الأسلحة مطلقة النار بصورة عشوائية على المدنيين العزّل، وعمد بعض الجنود إلى وضع شحنات متفجرة حول بعض المنازل، فنسفتها فوق ساكنيها. وقبل ذلك، رابط هؤلاء الجنود بالقرب من المنازل، وأطلقوا النار على كل من حاول الفرار، فكانت حصيلة هذه المجزرة استشهاد 67 شخصاً، من الرجال والنساء والأطفال.

مجزرة خان يونس: نفذ جيش الاحتلال الصهيوني في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1956 مجزرة بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة، فراح ضحيتها أكثر من 250 شهيداً، بعد أن قامت قواته بتجميع بعضهم في الساحات العامة وإطلاق وابل من الرصاص عليهم. وبعد تسعة أيام من المجزرة الأولى، أي في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، نفذت وحدة من الجيش مجزرة وحشية أُخرى، راح ضحيتها نحو 275 شهيداً من المدنيين في المخيم نفسه.

مجزرة صبرا وشاتيلا: وقعت هذه المجزرة في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وذلك بين 16 و18 أيلول/سبتمبر 1982، بعد اجتياح جيش الاحتلال الصهيوني، بقيادة أريئيل شارون للعاصمة بيروت، حيث تعرض المخيم لحصار ثم قصف متواصل خلّف سقوط 1500 شهيد من الفلسطينيين واللبنانيين العزل، بينهم مئات الأطفال والنساء.

مجزرة الحرم الإبراهيمي: وهي مجزرة نفذها الطبيب اليهودي باروخ غولدشتاين في مدينة الخليل فجر 25 شباط/فبراير 1994، برفقة عدد من المستوطنين وجنود الاحتلال، بحق المصلين الفلسطينيين في المسجد الإبراهيمي خلال أدائهم صلاة فجر الجمعة الموافق للخامس عشر من شهر رمضان المبارك 1414هـ. وقد استشهد في هذه المجزرة 29 مصلياً، في حين نجح بعض المصلين في الانقضاض على باروخ وقتله.

مجزرة جنين: في الفترة بين 1 و11 نيسان/أبريل 2002، اقتحمت آلاف القوات الصهيونية مدينة جنين بحجة القضاء على المقاومة، وقامت حينها بارتكاب أعمال القتل العشوائي، واستخدام الدروع البشرية، ومنع وصول الغذاء والدواء والمساعدات الطبية إلى أهالي المدينة. وقد استشهد في هذه المجزرة أكثر من 500 فلسطيني، معظمهم من المدنيين العزل.

تشرين الأول/أكتوبر، شهر الزيتون والمجازر
لشهر تشرين الأول/أكتوبر خصوصية ومكانة تاريخية عند الشعب الفلسطيني، يكاد لا ينازعه عليها أي من الأشهر؛ فهو شهر الزيتون والبذل والعطاء للأرض، لكن جرائم الاحتلال الصهيوني التي لا تتوقف يوماً، بل تمضي في وحشيتها وجنونها وعربدتها، جعلت من هذا الشهر مصدراً لجرح لا يندمل، ولأوجاع تبدد أحلام الفلسطينيين، بفعل رصاص الغدر المنبعث من سلوك همجي لا يقدم عليه إلاّ جيش تسلح بالإجرام، وتجرد من كل القيم والأخلاق، واستعاض عنهما بالتوحش.

في تشرين الأول/أكتوبر الدامي، تتوقف ذكريات الفلسطينيين، وتتناثر أحلامهم مع تناثر قطرات دمهم المسفوك من قبية وكفر قاسم إلى القدس وغزة، وهذا بفعل رصاص الجُبن والخِسّة، ومجازر اعتادوا عليها في هذا الشهر تختزل سادية الاحتلال الصهيوني، وتذكّرهم في كل عام بغطرسته وإجرامه.

مجزرة كفر قاسم:
بعد ثلاث سنوات على مجزرة قبية، وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر 1956، كان جنود صهيونيون من حرس الحدود على موعد مع مجزرة جديدة رهيبة، وهذه المرة في قرية كفر قاسم شرقي مدينة يافا المحتلة منذ سنة 1948. فعشية العدوان الثلاثي على مصر، فرضت قيادة جيش الاحتلال صباح ذلك اليوم حظراً مفاجئاً للتجول على أهالي عدة قرى عربية محاذية للأردن، ومنها كفر قاسم، التي كان سكانها عائدين مساء إلى بيوتهم من حقولهم في أثناء موسم الزيتون، ولم يكونوا حينها يعلمون بموعد بدء سريان الحظر.

وكانت التعليمات الموجهة إلى الجنود أن يكون تنفيذ حظر التجول صارماً، وهذا عن طريق إطلاق النار على كل مخالف له. ولدى عودة المئات من أهالي القرية إلى بيوتهم، كان جنود الاحتلال الصهيوني بانتظارهم، فعاجلوهم بإطلاق الرصاص عليهم، ليرتقي جراء ذلك 49 شهيداً، منهم 23 طفلاً دون سن الثامنة عشر، بدم بارد وخلال ساعة واحدة فقط، بالإضافة إلى أضعافهم من الجرحى، ولم تبق عائلة في القرية إلاّ ولها نصيب من الضحايا. وحدث أن أُبيدت عائلة بأكملها في هذه المجزرة الوحشية، وكان قوامها 14 فرداً، لترتوي أشجار الزيتون في كفر قاسم بدماء الشهداء الطاهرة.

مجزرة المسجد الأقصى:
وقعت هذه المجزرة حينما حاول متطرفون يهود، يُطلق عليهم اسم “أمناء جبل الهيكل”، وضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم في ساحة المسجد الأقصى، وذلك في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1990، فقام أهالي مدينة القدس بمحاولات لمنعهم من تدنيس المسجد، الأمر الذي أدى إلى وقوع اشتباكات بين المتطرفين اليهود الذين يقودهم جرشون سلمون ونحو خمسة آلاف فلسطيني قصدوا الأقصى لأداء صلاة الظهر فيه، وتدخّل حينها جنود الاحتلال الموجودون بكثافة داخل الحرم القدسي، وأمطروا المصلين بوابل من الرصاص، من دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ، وهو ما أدى إلى استشهاد نحو 21 فلسطينياً.

مجزرة مستشفى المعمداني:
تتكرر اليوم، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2023، مجازر الاحتلال الصهيوني، وهذه المرة في مدينة غزة، فتتعانق دماء أهلها مع دماء أهالي قبية وكفر قاسم والقدس، في يوميات القتل والإجرام التي يتلذذ عبرها جيش الاحتلال -مدعوماً بآلة الحرب الأميركية- بدم الأطفال والشيوخ والنساء، فتتوالى قوافل الشهداء تَتْرى، ومن دون أن يقتل هذا المشهد الإجرامي الدامي إحساس الفلسطيني بالحياة، أو الإبقاء على روح الكفاح والمقاومة في داخله، وهو صاحب الحق الشرعي في أرضه.

ولا تُعتبر المجزرة الأخيرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في السابع عشر من هذا الشهر، بعد قصف قواته لمستشفى المعمداني في حي الزيتون جنوبي المدينة، والتي وصل عدد ضحاياها إلى أكثر من 500 شهيد، وآلاف الجرحى، سوى حلقة صغيرة من مسلسل المجازر التي ارتكبها الجيش الصهيوني في شهر تشرين الأول/أكتوبر، وفي غيره من الأشهر، وأودت بحياة الآلاف من الفلسطينيين، أغلبهم من المدنيين العزّل.

المصادر:

  • سعيد سلامة. “الذكرى الثانية والستون للنكبة”. دائرة شؤون اللاجئين، رام الله، 2010.
  • مجزرة صبرا وشاتيلا.. شاهد على إرهاب الكيان الصهيوني المتواصل.
  • إلياس شوفاني. “مجزرة الطنطورة في السياق التاريخي لتهويد فلسطين”. “مجلة الدراسات الفلسطينية”. العدد 43 (صيف 2000).
  • إسلام شحدة العالول. “التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني”. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2023.
  • ياسر علي. “المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني”. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2009.
  • رنا بركات. “كيف نقرأ المجزرة في فلسطين؟: التاريخ الأصلاني بوصفه منهجية للتحرير”. “مجلة عمران للعلوم الاجتماعية”، العدد 39. المجلد 10 (شتاء 2022).

الزبير بن بردي – مركز الدراسات الفلسطينية

اساسيطوفان الاقصىغزةفلسطين