رغم دخول لبنان منذ أعوام في دوامة الانهيار الاقتصادي والمالي الكارثية، ورغم التدهور المستمر عامًا بعد عام في كافة القطاعات الحياتية والمعيشية، يتمسك اللبنانيون بأمل لاح مجددًا في الأفق، مع وصول باخرة التنقيب التابعة لشركة “توتال” الفرنسية في السادس من آب إلى البلوك 9 في المنطقة الاقتصادية اللبنانية، للبدء بعملية التنقيب عن الغاز والنفط.
مصدر هذا التفاؤل بانتقال اللبنانيين من سنوات القحط إلى سنوات أقل شدة وخرابًا، يأتي من الآمال المعقودة على مخزون النفط والغاز الطبيعي الموجود في المياه اللبنانية، والذي قد يكون قادرًا – في حال تم استخراجه واستثماره جديًا – على تغيير وجه لبناني الاقتصادي والمالي نحو الازدهار الكبير. وهذه الآمال بالطبع لم تكن لتصنع لولا قواعد الردع التي رسمتها المقاومة في سبيل حماية لبنان وثرواته.
المنقذ الاقتصادي مرهون بالقرار السياسي
تتجه أنظار اللبنانيين اليوم لما ستكشفه نتائج التنقيب في البلوك 9 بعد أن كانت نتائج البحث الأولية في هذا الشأن مشجعة. إلا أن الأمور تبقى دائمًا بخواتيمها، لا سيما وأن نتائج التنقيب الحاسمة تحتاج لما يقارب الشهرين بعد، حتى تصبح جاهزة.
وبالحديث عن حجم الثروة النفطية والغاز الطبيعي في المياه اللبنانية فإن قيمة هذه الثروة ـ وفق دراسة أعدتها “المبادرة اللبنانية للنفط والغاز” تبلغ نحو 600 مليار دولار في 10 بلوكات، مع تأكيد الدراسة أن هذه الأرقام نظرية ولا يمكن تثبيتها قبل بدء الحفر في البلوكات كافة.
من جهة أخرى، تشير التقديرات الأولية لوزارة الطاقة اللبنانية، إلى احتمال وجود نحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز و660 مليون برميل من النفط السائل، أي ما يوازي 600 مليار دولار من عائدات الغاز و450 مليار دولار من عائدات النفط.
وفي هذا الشأن، يشير الباحثون إلى أن الخطر لا يكمن في احتمالية وجود النفط والغاز أو عدمه، بقدر ما يكمن في كيفية استغلال هذه الثروة وتطبيق الاستثمار الأمثل لها في ظل وجود نظام سياسي فاسد ومحاصصة سياسية. وأولى الدلائل على ذلك كانت اقتراح الحكومة إنشاء “صندوق سيادي” للنفط والغاز لمتابعة هذا الملف، دون أن يكون له حاجة فعلية سوى تعيين أشخاص وفقًا للتقسيمات الطائفية التي نشهدها في كل قطاع، ودفع رواتب مرتفعة لهم، على الرغم من أن موعد تحقيق العائدات من النفط والغاز لا زال بعيدًا، وأن شركة توتال قادرة وحدها على إتمام مهامها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المخاوف الكبرى ستكون فعليًّا بكيفية إدارة وصرف العائدات النفطية خاصة أن الذين يتحكمون بالقرار السياسي اليوم، هم أنفسهم من أداروا البلاد وأوصلوها إلى الانهيار والأزمة الحالية، مما يعني أنه لا شيء قد يتغير في البلاد، والقطاع المالي فيها.
المقاومة القوية ترسم قواعد الردع
لم يكن فساد الطبقة السياسية الحاكمة هو التحدي الوحيد لبدء عملية التنقيب عن النفط والغاز في لبنان، لأن ما كان يكنه العدو الإسرائيلي من نوايا شيطانية حول هذا الأمر تحديدًا، كان يعد التحدي الأكبر في هذه القضية، خاصة وأن لبنان بكل ثرواته وخيراته كان ولا زال محط أطماع هذا العدو.
وفي هذا السياق، كان للمقاومة الدور الأكبر في رسم قواعد الردع لهذا العدو، وبالتالي حماية السيادة اللبنانية من أي تعدٍّ لا سيما في مسألة ترسيم الحدود البحرية، حيث شكلت قوة المقاومة وقرارها الحاسم في التصدي العسكري والميداني لأي عدوان، ورقة رابحة ومضمونة للجانب اللبناني في جولة المفاوضات مع العدو الإسرائيلي، وبفضلها تمت استعادة 865 كلم2 من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية بعد أن احتله العدو الصهيوني.
دور المقاومة لم يقتصر فقط على حماية هذه الثروة ضد التعديات الإسرائيلية، بل ووفقًا لمصادر خاصة، فإن المقاومة تتابع وبشكل يومي مستجدات عملية التنقيب التي بدأت منذ السادس من آب في البلوك 9، وهي على اطلاع مستمر على كل ما يتعلق بها، وقد كان آخرها النتائج الأولية للعينة التي أخذت من طبقة جيولوجية مهمة جدًا، حيث تعتبر هذه النوعية “واعدة” مما قد يشير إلى وجود كميات مهمة من النفط القابل للاستخدام التجاري في تلك المنطقة.
مقابل هذا الدعم اللامتناهي والجهوزية التامة التي تبديها المقاومة لحماية لبنان وثرواته، فإن القرار السياسي في هذا البلد يبقى التحدي الأبرز لمصير عملية التنقيب ككل، لا سيما في ظل وجود أطراف سياسية تسعى في كل مرة إلى عرقلة تحركات الأطراف الأخرى والتعتيم على إنجازات المقاومة. لكن الأكيد في كل مرحلة ومحطة، أن المقاومة التي لم تتخل عن شعبها يومًا، لن تتخلى عنه أبدًا وستبقى صمام الردع والصد للخارج والداخل.