انتهت قمة البريكس التي عقدت في جنوب إفريقيا باتخاذها قرارًا تاريخيًا بدعوة 6 أعضاء جُدد للانضمام إلى التكتل هم إيران والسعودية والإمارات ومصر وأثيوبيا والأرجنتين. وكانت حوالي 40 دولة أبدت اهتمامها بالانضمام إلى التكتل فيما تقدّمت 20 دولة بطلب رسمي للانضمام. وبحسب رئيس جنوب إفريقيا فإنّ عمليات ضم أخرى ستجري في مراحل تالية. وتُعتبر هذه الخطوة محطة رئيسية في مسار التكتل بعد إقرار بنك التنمية الجديد عام 2014. يعكس توسيع البريكس احتدام الصراع بين الأقطاب الدولية وسعي دول الجنوب للاستفادة من الفرص التاريخية في ظل تراجع المعسكر الغربي. ومع الأخذ بعين الاعتبار تنوّع هذه الدول وتعدّد دوافعها التي تقف وراء الانضمام فإن معظمها يسعى إلى أن يكون حاضرًا في مسار بناء النظام العالمي الجديد والتغلّب على المخاطر المصاحبة لأفول النظام الحالي. وبطبيعة الحال انقسمت التحليلات بين متفائلة بشأن ولادة كتلة عالمية متماسكة قادرة على مقارعة الهيمنة الغربية وأخرى متشائمة وجدت في الخطوة إجراءً رمزيًا محدودًا.
الآثار الإيجابية المحتملة:
- تكريس فكرة صعود كتلة من دول الجنوب العالمي بمقدار من التماسك البيني بهدف تصويب اختلالات النظام الدولي القائم، وتأكيد سردية وجود كتلة صاعدة شرقية في مواجهة المنظومة الغربية. هذا الأمر يشجع الدول خارج المعسكر الغربي على الثقة أكثر بالتحوّلات الدولية وإبداء الرغبة بتحدّي المنظومة الدولية الغربية الليبرالية ومنح فكرة تعدّد الأقطاب زخمًا إضافيًا.
- اكتساب البريكس مصداقية إضافية بتأكيد وجود حد أدنى من التوافق الداخلي وأنه على الرغم من وجود تعارض في بعض المصالح بين أعضائها فإنها تطوّر مساحة المصالح المشتركة مثل بناء مسار مختلف للتنمية وإصلاح المؤسسات الدولية وتطوير شكل جديد من العولمة. وهكذا يصبح للجنوب العالمي القدرة على التعبير عن صوته ومصالحه ورؤاه بوضوح أكبر. ولذا من الممكن أن يبرز تكّتل البريكس كشريك موثوق في مقابل التخبّط داخل المعسكر الغربي الذي ما يزال يحاول إعادة بناء روابطه مع الدول التي أنكرها طويلًا.
- يمنح الإطار الموسّع حصانة إضافية للقوى الدولية والإقليمية المعادية لواشنطن ويوفّر لها مرونة وقدرة على الصمود والتفاعل. إن التكتّل هو مسار مرن يصعب مواجهته بالطرق نفسها التي تواجه أميركا بها الصين وروسيا وإيران. وبناء عليه تصبح هذه الدول أقدر على تخفيف آثار العقوبات والعزل الأميركي لها، كما أنه يساعد دولاً مثل الهند على التملّص من الضغوط الأميركية للانحياز إلى واشنطن في الصراع الدولي ويساعدها على إقامة علاقات متوازنة.
- اكتساب التكتّل وزنًا جيوسياسيًا وجيواقتصاديًا وجيواستراتيجيًا أعلى. فالبريكس أصبحت أكثر تنوّعًا لا سيما من حيث ضمها لأبرز الدول المصدّرة والمستهلكة للطاقة، وهو ما يحسّن من موقعها التفاوضي مع الغرب. ولدى عدد من الأعضاء الجدد قدرات استثمارية هائلة مع مزايا اقتصادية متكاملة يمكن دمجها. كما أن لعدد من الأعضاء الجدد موقعًا جيواستراتيجيًا حيويًا مثل مضيق هرمز والبحر الأحمر وقناة السويس.
- ستصبح دول التكتّل أكثر قدرة على بناء أطُر مشتركة في مجالات التنمية والعملات والاقتصاد وكذلك على مواجهة الإجراءات الأحادية الغربية مثل العقوبات المالية والحظر التجاري. إن انضمام هذه الدول يقوى من إمكانية تعزيز أطر التعاون المالي وتقليص هيمنة الدولار في التبادلات التجارية من خلال التبادل بالعُملات المحلية أو أنظمة دفع خارج السويفت أو اعتماد المقايضة، وهو ما يمكن أن يرسي القواعد لنشوء عُملة جديدة بعد سنوات.
- تصبح قدرة الغرب على منافسة القوى الصاعدة على اجتذاب دول الجنوب العالمي أكثر صعوبة وهو ما يجعل كلفة هذه المنافسة عالية على الغرب. وهذا من شأنه منح الكتل الاجتماعية المعادية للهيمنة الغربية في دول الجنوب العالمي زخمًا ومشروعية يساعدها في تطوير وجودها داخل الأطر السلطوية والتأثير في توجّهات السياسة الخارجية لبلادها. إن احتدام التنافس على اجتذاب دول الجنوب العالمي يولّد مخاطر وفرصًا، مخاطر ناتجة عن محاولة الغرب ممارسة الإكراه للإمساك بهذه الدول، وفرصًا متولّدة من محاولة الأقطاب الدولية تقديم حوافز ومنافع لاجتذاب تلك الدول.
- تعزيز المخاوف الأميركية من الصعود الصيني، فهذه التوسعة اعتبرت نجاحًا صينيًا في المقام الأول وهو نجاح تلا دورها في الوساطة بين إيران والسعودية العضوين الجديدين في التكتل. وإن كانت الولايات المتحدة على لسان مستشار الأمن القومي جايك سوليفان حاولت التخفيف من آثار الخطوة بالقول إن البريكس ليست ندًا جيوسياسيًا لبلاده، فمجيء الخطوة في هذا التوقيت يُنظر إليه على أنه جزء من مسار متسارع وهو ما يظهر في الجهود الأميركية من خلال التحضير لقمة الـ 20 المقبلة في الهند والتي من أهدافها الأساسية اجتذاب دول وازنة تتبع استراتيجية التحوّط.
- تمثّل دول تكتّل البريكس، بما فيها تلك المدعوّة للانضمام، أنظمة سياسية غير ليبرالية تتبنّى خليطًا من الهوية القومية والدينية وترفض وجود صيغة عالمية للديمقراطية بل تنادي بخصوصية التجارب المحلية للمشاركة الشعبية. ولذلك تمثل هذه التوسعة ضغطًا إضافيًا على النظام الدولي الليبرالي وتشجّع دولًا أخرى على مواجهة محاولات التطويع واللبرلة ومحاولات التدخل في شؤونها الداخلية. فقد تجد أنظمة سياسية أخرى في الانضمام لبريكس خطوة تساعد على تحصين استقرارها الداخلي والقدرة على العمل مع شركاء غير غربيين بدون شروط مرهقة ذات نزعة تدخّلية.
تحدّيات ما بعد توسعة العضوية
- أصبحت البريكس تضمّ دولاً أكثر لديها توتّرات بينية حسّاسة مثل الصين والهند أو إيران والسعودية أو مصر وأثيوبيا. يمكن للتكتّل أن يساعد في تهدئة هذه التوتّرات ويشجّع على الحوار ولكنها مهمّة صعبة نظرًا لعمق تلك الخلافات ولكون البريكس إطارًا اقتصاديًا على عكس مجموعة شانغهاي التي تختص بقضايا الأمن. في المقابل قد تساهم البريكس في تنمية المصالح الاقتصادية المشتركة ما يسمح بإيجاد حوافز للتعامل مع التوتّرات الأمنية. مع العلم أنه يمكن لضم الدول الجديدة في بريكس إلى مجموعة شانغهاي أن يمثّل رافعة إضافية لمعالجة المسائل الأمنية وتعزيز الروابط بين مجالي الأمن والاقتصاد لدى الدول الأعضاء.
- يفرض ازدياد عدد أعضاء البريكس ضرورة تطوير آليّات التشاور واتخاذ القرار وإلا تتكبّل بالانقسامات والتباينات الداخلية. فهل سيتمكن التكتل من تفعيل بنك التنمية وإيجاد أطُر إضافية قادرة على توليد الثروة وتعزيز التبادل وإتاحة الفرص لا سيّما مع التيقّظ الغربي لمحاولة تنشيط مؤسّسات النظام الدولي؟
- من بين الأعضاء الستة الجدّد خمسة على علاقة جيدة بالولايات المتحدة، مما قد يزيد من حذر التكتّل من قرارات تؤدّي إلى استفزاز واشنطن. مثلاً تؤكّد الهند وجنوب إفريقيا على رفض فكرة أن البريكس تتبنّى معاداة الغرب أو معاداة أميركا، كما تختلف مواقف دول التكتل من الحرب في أوكرانيا. ثم إن عددًا من أعضاء البريكس هم أيضًا في مجموعة العشرين ويشاركون في اجتماعاتها وتحرص واشنطن في الفترة الأخيرة على استرضائهم بتبنّي مطلب إصلاح المؤسسات الدولية على سبيل المثال. وفي هذا السياق أعلن البيت الأبيض أن قمة نيودلهي لمجموعة العشرين المقبلة ستكرّس دول القمة كمنتدى رئيسي للتعاون الاقتصادي. وعليه فإن أعضاء التكتل متفقون على الرغبة بالخروج من الأحادية ولكنهم يتمايزون في قضايا مرتبطة بالبدائل ويختلف مستوى تشبيك مصالحهم مع النظام الدولي القائم. وهنا يمكن أن تكون البريكس منصة نقاش وحوار داخلي في القضايا المشتركة.
- ما تزال الفروقات في الوزن الاقتصادي بين دول التكتل كبيرة، فالصين هي القطب الاقتصادي للتكتل فيما تعاني مصر من أزمة اقتصادية حادّة وتواجه إيران وروسيا حصارًا غربيًا مشدّدًا. وتعكس الأرقام التي تنشر حول قوة البريكس القوة الاقتصادية للصين ثم الهند بشكل أساسي ولكل من دول التكتل تحدّيات اقتصادية شديدة وتمرّ بفترات من التراجع والركود. كما أن بعض دول التكتل مستقرة سياسيًا وأمنيًا بينما تعاني دول أخرى من توتّرات ملحوظة مثل أثيوبيا ومصر وروسيا.
- إن توسعة البريكس ستحفّز الجهود الغربية لإعادة التواصل مع دول الجنوب العالمي واسترضائها ولا سيما الاقتصاديات الصاعدة منها ولذا يطرح الغربيون أفكارًا حول إصلاح المؤسسات الدولية لمنح هذه القوى بعض ما تطالب به، إضافة إلى مشاريع وشراكات اقتصادية وتنموية ودمجها في شبكات سلاسل توريد غربية وتخفيف التدخّل في شؤونها الداخلية. هذه المحاولات من شأنها أن تضع ضغوطًا على قدرة أعضاء البريكس على صناعة السياسات وتوحيد المقاربات. وهنا يجب طرح احتمال أن تضغط واشنطن على الدول الحليفة المدعوّة وتغويها للامتناع على قبول دعوة الانضمام والذي له مدى زمني ينتهي في كانون الثاني 2024.
- إنّ المركزية الصينية داخل البريكس تجعل من أية أزمة في القوة الصينية، مثل أزمة اقتصادية كبيرة، تهديدًا جوهريًا لنموذج بريكس. كما أن هذه المركزية تجعل بكين تتحكّم إلى حدّ ما في سرعة ومسار التكتل بما يوائم سياستها الخارجية التي لا تتطابق بالضرورة مع خيارات الدول الأخرى.
الخلاصة:
إن خطوة توسيع تكتل البريكس هي نقلة ضمن مسار، ولذا إن تقويمها لا يصح بالنظر إليها من خارج سياق اللحظة الدولية الحالية ولا بتجاهل تنوّعات البنية الداخلية للتكتل وظروف كل من دوله. إن مسار البريكس مستدام وغير صراعي ومتدرّج لكنه طويل الأمد ويرتكز على قضايا يمكن التوافق عليها ويعبّر عن التحوّل المتواصل منذ سنوات في النظام الدولي. وقد أبدى هذا المسار مقدارًا من المرونة بحيث أنه حتى مع حصول تحوّلات داخلية في دول مثل الهند والبرازيل حين وصل للحكم شخصيات يمينية مقرّبة من واشنطن، استمر التكتل في الحفاظ على تماسكه وتقدّمه.
عزّزت هذه الخطوة من فكرة الانقسام بين المنظومة الغربية وباقي دول العالم التي تظهر إرادة التحدي والاستعداد للمنافسة لالتقاط فرصة ثمينة لاستعادة أدوارها التاريخية التي حرمت منها على مدى 200 عام على الأقل. إن بعض آثار هذه الخطوة لن تتحقق قبل سنوات بحال اكتمال شروطه، مثل التمكّن من تحييد الدولار من معاملات هذه الدول أو إدخال عملة دولية جديدة، ولكن يمكن تطوير بدائل أقل راديكالية من ذلك ضمن المدى المنظور، بما يضعف الإجراءات الأحادية الغربية كالعقوبات.
إن دعوة الجمهورية الإسلامية إلى بريكس بعد أسابيع من انضمامها إلى منظمة شانغهاي تمثل تكريسًا لشراكة إيران الإقليمية والدولية وحيوية دورها للقوى الكبرى، كما أنّ ذلك يقوّي التيار الثوري في داخل الجمهورية بتأكيد الأولوية المطلقة لخيار العمق الشرقي. علاوة على أن اجتذاب التكتل لكلّ من السعودية والإمارات ومصر يمثّل رافعة لدمج دول المنطقة مع العمق الآسيوي سواء الحليف (اليابان، كوريا الجنوبية) أو المنافس لواشنطن، وهو ما يعزز من واقعية طروحات الاتجاه شرقًا، ويؤكد وجود بدائل للخيارات الغربية. وأخيرًا يمكن للبريكس أن تكون إطارًا إضافيًا للتفاعل الإيجابي بين إيران والدول العربية الثلاث.
حسام مطر – المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق