انتشرت اليوم صورة تجمع السفيرة الأميركية دوروثي شيا بالمبعوث الأميركي عاموس هوكستاين، في مقهى أمام صخرة الروشة.
الصورة العادية جدًا بظاهرها، إذ إنّها تجمع دبلوماسيين عاملين في لبنان، استوقفت أهل المقاومة على منصات التواصل بشكل لافت. وإن كان من دلالات للصورة التي تعمّدت السفيرة نشرها لإيصال رسائل ما، فدلالات شكل تفاعل الناس مع المشهد أعمق وأجمل.
تحاول السفيرة التي شارفت على انتهاء مهمتها في لبنان القول إنّها تمضي وقتًا لطيفًا وآمنًا في لبنان، ونسيت ربّما أنّ جزءًا أساسيًا من مهمتها التحريضية هي تصوير لبنان كبلد تحتلّه إيران، وهو ما تدفع صبيان سفارتها إلى قوله كلّ يوم، بمناسبة وبغير مناسبة.
حماقة الأعداء مفيدة دائمًا، فهي تورّطهم دائمًا في فضح أنفسهم وفي كشف نسبة استخفافهم بعقول جمهورهم. كيف يدعي مختلف غلمان عوكر وجارياتها الشعور بالخطر ويطالبون بحمايات أمنية وأحيانًا دولية، فيما رأس الأفعى التي يعملون كأدوات لدى ذيلها تتحرّك على هذا القدر من الأمان والراحة؟
من جهة ثانية، تريد شيا الإيحاء بأن زيارة هوكستاين تأتي في سياق طبيعي وبأن “الأميركي” مرتاح في الملفات التي يناقشها في لبنان. فيما الوقائع تقول إن جميع الملفات التي جاء هوكستاين للتحدّث فيها هي ملفات عالقة وعسيرة بالنسبة للأميركي، من ملف استخراج النفط إلى رئاسة الجمهورية مرورًا بقرار التمديد لقوات اليونيفيل وبالخيمة التي تؤرّق اسرائيلهم. في كلّ هذه المواضيع، يستشعر الأميركي عجزه وفشل أدواته التقليدية العاملة في لبنان في تحقيق أي تقدّم يُذكر.
بعيدًا عمّا تريده شيا من صورة تنتشر، الطريقة التي تلقّف بها أهل المقاومة الصورة تستحق الوقوف عندها طويلًا. الناس على هذه الأرض تجيد التصويب على العدوّ مهما حاول أن يبدو لطيفًا. حتى الذين لا يعنيهم أصلًا من هو هوكستاين وما هي مهمته، يعرفون بفطرتهم الوطنية أنّها زيارة معادية، وأنّها لا يمكن أن تحمل خيرًا لبلدهم مهما حاول الأميركي العكل على تلميع صورته في أذهانهم سواء عبر الأنجيئوز أو عبر الصور والتسجيلات التي تقدّمه كبطل إنساني خارق. عزّ على الكثيرين منهم المشهد الآمن الذي يتحرّك فيه العدو في عاصمة هي، شاء الأميركيون أم أبوا، عاصمة مقاومة، لكنّ ذلك لم يمنعهم من استخدام الصورة لتقريع شخصياتها ولتذكيرهم بأن العداوة التي بينهم وبين من يمثّل هؤلاء لم تنته. حضرت كل مشاعر العداوة تجاه الأميركي القاتل والكاذب والناهب والذي لا يمكن أن يحضر معه إلّا الشرّ.
الآن، وبانتظار قراءات الزيارة وتفاصيلها التي ستحتل عناوين الصحف في اليومين المقبلين، ليس من التنبؤ القول إن الأميركي سيعجز مرة جديدة عن تحقيق ما يبتغيه في جميع الملفات المطروحة، ليس لأن ثمّة حكومة تواجهه أو قرارًا سياديًّا يمنعه، إنّما لوجود مقاومة يعرف جيّدًا أنّها لن تسمح له بتمرير ما يريد. وهو لا يكفّ عن المحاولة ليس لآمال كبيرة لديه بمكاسب قد يجد إليها سبيلًا، إنّما لأوهام تلازمه وتجعله في سعي دائم لتحقيق مكسب ما يعينه على إعادة تثبيت كياناته المهتزة والمهدّدة في المنطقة.