مخيم عين الحلوة: “عاصمة الشتات”

هو الأكبر بين مخيمات لبنان، أُنشئ سنة 1948 بمبادرة من الصليب الأحمر الدولي، وفي سنة 1950 تولت الأونروا الإشراف عليه، يجاور مدينة صيدا، إذ يبعد عنها نحو 3 كم. وهو يضم أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على الرغم من مساحته المتواضعة التي تبلغ نحو 1,5 كم2. لذلك أُطلق عليه اسم “عاصمة الشتات”.

من أين جاءت تسميته؟
يُقال أن التسمية هي نسبة إلى عين ماء عذبة كانت في المكان حيث أُقيم المخيم. وفي هذا يقول سليمان حسن أحد أبناء المخيم، أن التسمية تعود إلى العين الحلوة التي كانت بجانب نهر البرغوثي، خارج حدود المخيم الحالي، بالقرب من منطقة السكة. وهناك بدأ تجمع اللاجئين الفلسطينيين الذين نصبت لهم الشوادر بالقرب منها، للاستفادة من مياه العين المتميزة بعذوبتها. واستمر الوضع على هذا المنوال إلى أن استأجرت الأونروا عقاراً كبيراً شيّد عليه المخيم الحالي، فانتقل إليه اللاجئون حاملين معهم اسم العين. لكن افتقار المخيم إلى شبكة مياه في بادئ الأمر، جعل العين مقصداً لأبنائه حيث كانت النسوة ينقلن المياه على رؤوسهن في أوعية من التنك إلى داخل المخيم. ولاحقاً استحدثت الأونروا حنفية مياه واحدة داخل كل تجمّع من التجمعات التي كان يتشكل منها عين الحلوة.[1]

السكان
وفق سجلات الأونروا يبلغ عدد اللاجئين المسجلين في المخيم نحو 47,500 لاجئ، لكن مصادر الأهالي واللجان الشعبية تؤكد أن العدد أكبر من هذا، والسبب في ذلك يعود إلى عدة عوامل؛ فالمخيم الذي أُنشئ في البداية لاستيعاب بضعة آلاف من اللاجئين، استقبل على عدة فترات موجات من اللاجئين الفلسطينيين النازحين من مخيمات أُخرى خلال الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان، منها مجموعات من مخيم النبطية الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية، ومجموعات أُخرى من الناجين من مخيم تل الزعتر، ومخيمات الشمال، ومخيمات صور. وعليه تحّول المخيم شيئاً فشيئاً إلى ملجأ مزدحم بصورة تفوق قدرته الاستيعابية. وبسبب ضيق المساحة، أخذ المخيم يتمدد عمودياً وعشوائياً، فباتت الصورة عبارة عن منازل متلاصقة يفصلها عن أحدها الآخر زواريب ضيقة جداً بالكاد تتسع للمرور.

عند تأسيسه، كان مخيم عين الحلوة، وعلى غرار باقي المخيمات، عبارة عن خيم اصطفت الواحدة قرب الأخرى، وبعد أن تحولت إلى غرف سكنية مبنية بحجارة اسمنتية التصق المنزل بالآخر وتداخل بعضها في بعض. وباتت المنازل تعاني الرطوبة والظلمة وضعف التهوية جرّاء ضيق المساحة، وبسبب عدم وجود رقابة وفوضى البناء وصعوبة إدخال المواد المطلوبة فإن جدران المنازل وسقوفها ضعيفة إلى درجة أن عدداً كبيراً من هذه المنازل يعاني تصدعاً في جدرانه، وتشققاً في أسقفه، وتسرباً للمياه إلى داخل المنازل، الأمر الذي يزيد في الأضرار الناجمة أصلاً عن ضعف دخول الشمس إلى داخل الغرف.[2]

ينحدر سكان المخيم من عدة قرى فلسطينية أهمها، عمقا وصفورية وطيطبا والمنشية والسميرية والنهر والصفصاف وحطين والرأس الأحمر والطيرة وترشيحا ولوبية وصفورية وعكبرة وعرب أبو شوشة، ونمرين … وتحمل أحياء المخيم البالغ عددها واحد وثلاثون، أسماء القرى المذكورة، كما في المخيمات الأُخرى.

يقسم المخيم شارعان: الفوقاني والتحتاني، فيبدأ الأول من مستشفى صيدا الحكومي وينتهي في درب السيم بعدما يلامس أحياء البركسات وطيطبا وعكبرة والصفصاف والرأس الأحمر والطيرة وعمقا والصحون والنداء الإنساني وجبل الحليب والكنايات ولوبية، بينما يبدأ الثاني من أحياء التعمير التحتاني وينتهي بدرب السيم ويلامس الطوارئ والملعب الأحمر والمنشية والزيب وصفورية وعرب الغوير وحطين.[3]

على هذه المساحة يقوم المخيم الأشهر في لبنان وتتداخل أحياؤه ومعها تتداخل مناطق النفوذ؛ إذ تتقاسم التنظيمات والفصائل أحياء المخيم الضيقة والمكتظة، بحيث بات كل حي محسوباً على تنظيم معين. لكن الواضح أن المواطن العادي هو من يدفع الثمن في حال وقوع اشتباكات داخل المخيم. ويحيط بالمخيم تجمعات سكانية يقطنها لبنانيون وفلسطينيون وسوريون، وهي مخيم الطوارئ ومنطقة التعمير ومنطقة البركسات وجبل الحليب. وقد ساهم لجوء عدد من العائلات الفلسطينية والسورية بسبب الأزمة السورية في زيادة العبء السكاني والبطالة في المخيم، وأدى من ناحية ثانية إلى ارتفاع في إيجارات المنازل.

ومنذ إنشائه، لا يزال المخيم عرضة لهزات أمنية تصيب الحجر والبشر. وعلى مدى السنوات تعرضت مساكنه، لعمليات تدمير كلي وجزئي، إمّا بسبب الاعتداءات الإسرائيلية وأبرزها عمليات التدمير الممنهج خلال اجتياح 1982، وإمّا بسبب الأحداث الأمنية الداخلية التي تعصف بالمخيم من حين إلى آخر، وتؤدي في الغالب إلى إلحاق أضرار جسيمة في المنازل الواقعة ضمن رقعة الاشتباكات.

وتسأل نفسك وأنت تنظر إلى تلك المساكن المزدحمة، كيف يعيش هؤلاء؟

في الواقع هم يعيشون حياتهم بطريقة اعتادوا عليها. يعمل منهم من يجد عملاً، وأطفالهم يذهبون إلى مدارس المخيم، ونسبة من شاباتهم وشبابهم تتابع الدراسة الجامعية، ومجموعات أُخرى تبحث عن سبيل للهجرة، بينما ينتظم عدد آخر منهم في التنظيمات والفصائل المسلحة. وعندما يطرأ حدث أمني، تخلو زواريب المخيم وشوارعه، ويحاول بعض سكانه المغادرة أو النزوح إلى أحياء آمنة. ولا شك في أن الأزمة السورية زادت من حدة الخلافات بين الفصائل الموجودة في المخيم بسبب تضارب المواقف من هذه الأزمة.[4]

يسيطر الجيش اللبناني على مداخل المخيم الأربعة، وزاد من وطأة الإجراءات الأمنية الجدار الذي أقامه الجيش حول المخيم على الرغم من موجة الاحتجاجات الكبيرة التي سادت في أوساط أبناء المخيم الذين اعتبروا الجدار شكلاً من أشكال الحصار والعزل، لكن الجدار أصبح أمراً واقعاً في نهاية المطاف.

العمل
لا يختلف أبناء عين الحلوة عن غيرهم من أبناء المخيمات فيما يتعلق بالعمل؛ فمعظم الأعمال موسمية، وأبرزها الزراعة والبناء بالإضافة إلى أصحاب المهن والحرف الصغيرة. ويسألونك عن البطالة، فحدّث ولا حرج، إذ إن نسبتها ترتفع يوماً بعد يوم؛ فالأوضاع الاقتصادية السيئة في لبنان تنعكس أيضاً على المخيم وتترك النسبة الأكبر من سكانه ضمن فئة العاطلين عن العمل. وتعتمد عائلات كثيرة على التحويلات التي تصلها من أبنائها في الخارج، أو على مساعدات تقدمها التنظيمات الفلسطينية والجمعيات، بينما يستفيد المتفرغون في تلك التنظيمات من رواتب شهرية، وإن كانت غير كافية.

أحد سكان المخيم، إبراهيم الشايب، من قرية الرأس الأحمر، يشير إلى البطالة المرتفعة جداً، على الرغم من أن نسبة جيدة من الشباب هي من خريجي الجامعات، فهناك أطباء ومهندسون وأصحاب مهن حرة، لكن المحزن جداً، يقول الشايب، أن ترى مهندساً كيميائياً أو مدنياً يعمل سائق تاكسي أو بائع أحذية أو بائع خضروات.

ويتميز المخيم بسوقه التجارية الكبيرة التي تتوسطه، فالزائر يجد هناك أنواعاً متعددة من البضائع، منها الملابس، واللحوم إضافة إلى الخضار والفاكهة. يقصده الناس بسبب رخص الأسعار التي تناسب الفقراء في المخيم وخارجه. وقبل أن يسيطر الجيش اللبناني على المداخل ويقيم حواجزه هناك، كانت السوق وجهة لأبناء صيدا والمناطق المجاورة. ولا شك في أن هذه السوق تشكل متنفساً لأبناء المخيم، فهي مصدر رزق لعائلات، ومتنفس لسكان بالكاد يتمكنون من سد رمقهم. كما تنتشر في المخيم ورشات الحدادة والبويا وصالونات الحلاقة، وغيرها من المهن.

الخدمات
أمّا بالنسبة إلى الخدمات، فمما لا شك فيه أن تقليص تقديمات الأونروا فاقم من مأساة سكان المخيم، الذين كانوا يعتمدون على هذه التقديمات، وخصوصاً الصحية منها. أضف إلى ذلك تقليص المساعدات التي كانت تأتي من التنظيمات وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، والتي كان يستفيد منها عدد كبير من سكان المخيم.

المياه
يعتمد سكان المخيم على مياه الآبار التي تقوم الأونروا واللجان الشعبية بتغطية مصاريفها وتأمين ما يلزم لتشغيلها من مازوت وصيانة، لكن المشكلة تبرز في حال تعطل أحد الآبار ما يمنع وصول المياه إلى الأحياء التي تتغذى منها. بينما يحدثك كثير من أبناء المخيم عن مشكلة تلوث مياه الشرب وهو ما يسبب أمراضاً لا سيما بين الأطفال.

الكهرباء
على الرغم من إعادة تأهيل شبكة الكهرباء خلال السنوات الماضية، فإن السكان يعانون كثرة انقطاع التيار الكهربائي، وهو ما يجبرهم على اللجوء إلى التغذية بواسطة المولدات حيث تصل كلفة الاشتراك الشهري إلى مئة دولار.

وبحسب أمين سر اللجان الشعبية في لبنان، أبو إياد الشعلان، فإن اللجنة الشعبية في عين الحلوة تنسّق مع المؤسسات المحلية والدولية التي تُعنى بالشأن الفلسطيني مثل الصليب الأحمر الدولي، والمجلس النرويجي للإغاثة، ومؤسسة نبع*، إضافة إلى الأونروا فيما يتعلق بتأمين الخدمات في المخيم، كما تشرف اللجنة الشعبية على عمل تلك المؤسسات كترميم المنازل، وصيانة الكهرباء والبنى التحتية ومولدات الآبار والإشراف على المساعدات الأُخرى، بالإضافة إلى الرقابة الدورية على المواد الغذائية في المحال التجارية.

التعليم
على صعيد التعليم، هناك ثماني مدارس للأونروا بينها واحدة ثانوية، بالإضافة إلى رياض الأطفال التي يزيد عددها على عشر. وتشهد صفوف المدارس كثافة كبيرة في عدد التلامذة، وهو ما يفوق قدرة استيعابها، وعلى الرغم من ذلك، نقف هنا لنشير إلى ظاهرة التسرّب المدرسي في عين الحلوة، التي يعود سببها الرئيسي إلى الأوضاع المعيشية المأساوية التي تجبر الأهالي على عدم إرسال أولادهم إلى المدرسة، بحيث يلتحق قسم كبير من هؤلاء بسوق العمل بهدف مساعدة عائلاتهم.

الصحة
فيما يتعلق بالصحة: هناك مركزان صحيان للأونروا، ومراكز طبية أُخرى منها الأقصى والنداء والقدس وخالد بن الوليد، بالإضافة إلى عدد من العيادات الخاصة وأكثر من عشرين صيدلية. وقريباً من المخيم يقع مستشفى الهمشري التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي يستقبل المرضى على اختلاف جنسياتهم.

وتتسبب الأوضاع المأساوية في المخيم بظهور أمراض مزمنة بين السكان، ويشير الشايب إلى هذه المأساة التي يعاني جرّاءها سكان المخيم، حيث ينتشر عدد من الأمراض أبرزها السكري والضغط والتبول اللاإرادي بين الأطفال. وقد أدى تقليص خدمات الأونروا في المجال الصحي إلى حالات وفاة عديدة، وخصوصاً بين مرضى القلب والكلى والسرطان وسجلت في السنوات الأخيرة حالات مأساوية أدت إلى وفاة بعض المرضى، ولا توجد في المخيم سيارة إسعاف مجهزة، ويتم نقل المرضى بواسطة سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر وسيارات الأجرة، وهو ما يعرض حياة المرضى للخطر.[5]

وفي هذا المجال، أظهرت دراسة صدرت عن مؤسسة شاهد في سنة 2011، أن نسبة 61.1% من الأمراض المنتشرة بين سكان مخيم عين الحلوة هي أمراض الضغط والتنفس. وربما تكون الأسباب واضحة منها عدم توفر البيئة الصحية المناسبة، وعوامل الفقر والبطالة والأزقة المعتمة، وهو ما يضغط بقوة على سكان المخيم.[6]

أضف إلى كل ذلك مشكلة النفايات، إذ إن تكدسها في الشوارع، وانبعاث الروائح منها خلال فصل الصيف، يؤدي حتماً إلى زيادة نسبة التلوّث والأمراض وانتشار الحشرات.

أمّا محاولات الهجرة، فقد وصلت إلى ذروتها خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً مع انتشار عمليات التهريب عبر البحر، أو من خلال السفر إلى دول أوروبية. ولا تقتصر محاولات الهجرة على الشبان بل تشمل أيضاً العائلات. وتنشط شبكات التهريب التي يلجأ إليها فلسطينيو المخيمات ومنهم أبناء عين الحلوة. إذ عمد كثير من العائلات إلى بيع المنازل والأثاث لدفع تكاليف السفر. ويشار هنا إلى أن عدداً من الذين تمكنوا من الوصول إلى دول أوروبية اضطروا إلى العودة لاحقاً بسبب ما عانوه في مخيمات اللجوء في تلك الدول فأصبحوا بلا مأوى أو عمل. أمّا المأساة الأكبر فتكمن في انقطاع أخبار عدد من الشبان الذين غادروا وانقطعت أخبارهم، وتركوا خلفهم عائلات تنتظر خبراً يعيد الأمل إليهم.

وبعيداً عن هموم اللجوء والفقر والعزل، هناك وجه مشرق يضيء بعضاً من عتمة المخيم. ومنها مثلاً أن مجموعة من شبّان المخيم شكلت فريق دفاع مدني بهدف خدمة الأهالي عند الحاجة، ولهذه الخطوة أهمية كبيرة لا سيما وأن فرق الدفاع المدني غير متوفرة في المخيمات الفلسطينية. وبحسب قائد الفريق في المخيم، فإن الهدف الأول هو خدمة الأهالي بكل حيادية فلا تمييز بين جهة وأُخرى، بل العمل على تخفيف أضرار الحوادث قدر المستطاع. مع الإشارة إلى أنه عمل تطوعي الهدف منه تعزيز فكرة التطوع والعمل المدني في المجتمع الفلسطيني، والمساهمة في إبعاد الشبان عن الشارع واستقطاب أكبر عدد منهم ضمن فريق الدفاع المدني.[7]

أمّا المصوّر والصحافي عبد الحليم الشهابي، ابن قرية لوبية، فيحكي عن انسداد الآفاق في وجه الإبداع الفلسطيني. فهو يعشق الصورة، ويبرع في هذه المهنة، وعلى الرغم من أنه زوّد، ولا يزال، وكالات أنباء بصوّره، فإنه يحاول الحصول على وظيفة تمنحه الشعور بالآمان. وعندما يحدثك عن هواية التصوير، تشعر بشغفه، وعشقه لهذه المهنة، وخصوصاً عندما يخبرك أن صورة كسوف الشمس التي التقطها سنة 2013، وأرسلها إلى وكالة رويترز، هي الصورة نفسها التي اشتهرت عالمياً، لكن الأهم في نظره، أنها خرجت من عاصمة الشتات، من عين الحلوة.

ولا ننسى هنا الإشارة إلى النوادي الرياضية، وفرق الرقص الفلكلوري، والمؤسسات الثقافية، يضاف إليها المقاهي التي يقصدها سكان المخيم للترفيه.

ولا يكتمل الحديث عن عين الحلوة من دون العودة إلى الملحمة البطولية خلال اجتياح 1982، فمَنْ من اللاجئين لم يسمع عنها؛ كم استمرت المعارك في تلك المساحة الضيقة؟ أسبوعان تقريباً صمد المخيم قبل أن يسقط، إذ ظل يقاوم ورفض مقاتلوه الاستسلام حتى بعد سقوط مدينة صيدا.

فعلى الرغم من سكون جبهة صيدا خلال الأيام الأولى للاحتلال، بقيت جبهة مخيم عين الحلوة مشتعلة، وراح من بقي في المخيم يقاتلون، وأجبروا العدو على خوض معركة كانت المعادلة الوحيدة فيها بالنسبة إلى الفلسطينيين إمّا الموت .. وإمّا الموت. ولا خيار ثالث من نوع الاستسلام أو التسليم بالأمر الواقع الجديد.. أسطورة جسدها في حينه [مقاتلون فلسطينيون] قرروا الصمود في المخيم وتمكنوا لمدة 17 يوماً من منع العدو من الدخول الى مخيمهم مع أنه تحول إلى كتل من دمار وكأن زلزالاً دمره عن بكرة أبيه. لم يبق منه جدار واحد واقف إلاّ وسوي بالأرض، حتى أضحى جبلاً من الركام على امتداد مساحة كيلومتر مربع هي مساحة المخيم الجغرافية. ويومها، أُعلن أن أطفال الـ”آر بي جي” في مخيم عين الحلوة، وهم فتية لم تتجاوز أعمارهم سن الـ14، منعوا العدو من السيطرة على أكبر مخيمات اللاجئين في لبنان وتصدوا لدباباته بالـ”آر بي جي.”[8]

وفي مقابلة أجرتها صحيفة “هآرتس” مع أحد ضباط العدو الإسرائيلي الذين شاركوا في معركة عين الحلوة ويدعى النقيب إيلي ليفي، تحدث عن صمود المقاتلين في المخيم، ونقتبس من المقابلة:

“إن عدد المقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا داخل عين الحلوة يقل كثيراً عن عدد الذين كانوا داخل صيدا نفسها، وعلى الرغم من ذلك فالمقاتلون الفلسطينيون في عين الحلوة قاوموا بعنف وشراسة حقيقية …. أريد أن أقول بأن رجال عين الحلوة أثبتوا شجاعة نادرة حقاً، فكل فلسطيني في هذا المخيم قاتل حتى الموت فعلاً. أتعرف ماذا يعني ذلك، إنه يعني بأن معارك انتحارية حقيقية قد دارت هناك. بحيث إن الكثيرين منهم لم يبقوا على قيد الحياة وأعتقد بأن الذين وقعوا في أسر قواتنا لا يتجاوزون العشرين مقاتلاً، وجميعهم كانوا من الجرحى إذ لم نأسر مقاتلاً فلسطينياً واحداً في عين الحلوة لم يكن جريحاً.”[9]

بدورها، كان للمرأة في عين الحلوة دور كبير في إعمار المخيم الذي دمّر بنسبة كبيرة خلال الاجتياح الإسرائيلي؛ فبعد أن قام جيش الاحتلال الإسرائيلي باعتقال معظم شباب المخيم ورجاله، تحمّلت نساء المخيم المسؤولية الكبيرة تجاه العائلة وعملية إعادة البناء، ولا شك في أنها أدّت المهمة على أكمل وجه.

ماذا يعني مخيم عين بالنسبة إلى أبنائه؟
أظهرت دراسة مؤسسة شاهد التي ذُكرت سابقاً أن نسبة 32.6% من أفراد العينة يعني لهم المخيم القلق والتوتر وعدم الشعور بالأمان الاقتصادي والنفسي، في حين بلغت نسبة الذين ينظرون الى المخيم على أنه رمز وهوية وانتماء لفلسطين 26.9%، وتعتبر نسبة 28% المخيم مجرد محطة لجوء وقد تكون محطة للجوء آخر، وهو تعبير عن التشاؤم، أمّا نسبة 9% فينظرون إلى المخيم على أنه وطن نهائي لهم، وأنهم سوف يمضون بقية حياتهم فيه.[10]

في النهاية المخيم هو ملجأ الناس الذين لا مأوى آخر لهم، والذين يحلمون بالعودة إلى قراهم التي هجّروا منها خلال النكبة، وهو المكان حيث يتحول المنزل إلى قرية فلسطينية مصغرة، فيها كثير من ذكريات الزمن الجميل، فتجد فيه صوراً قديمة، وأُخرى للقدس وقبة الصخرة والمسجد الأقصى، تزين الجدران، والمطرزات التراثية موزعة هنا وهناك، وبعض المقتنيات القديمة، منها النحاسيات والمقششات والفخاريات والثياب. وهو المخيم حيث تتحول الجدران إلى لوح مفتوح تكتب عليه الشعارات الوطنية والمواقف السياسية لتكشف مدى انغراس تفاصيل الحياة بفلسطين، منها “الثورة مرت من هنا”، “بالدم نكتب لفلسطين”، تحية إلى الشهداء … على عهدهم باقون”.[11]

هذا هو مخيم عين الحلوة، حيث تعيش شريحة من اللاجئين في شبه “غيتو” تحت ذرائع ومصطلحات كثيرة منها: البؤر الأمنية، التطرف، الإرهاب، ملف المطلوبين …. وغيرها.

لكنه في الواقع مكان تتراكم فيه مصطلحات أُخرى: لجوء وفقر وقهر وتهميش وصمود ونضال وحب بقاء، وفوق كل ذلك: ملامح حياة تحاول أن تنتزع حقها في الوجود على الرغم من محاولات وأدها.

و”عين الحلوة” الذي يُنسب إلى عين ماء حلوة، بات في أمس الحاجة إلى كل ما هو عذب وحلو.

تلك العين الحلوة ما عادت حلوة.

[1] سوزان هاشم، “ولكن أين العين في عين الحلوة؟”، جريدة “الأخبار”، 21 حزيران/ يونيو 2010.
[2] أنيس محسن، “عين الحلوة آخر عواصم الشتات: فقر وسلاح وجهود لمنع الانفجار”، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 105 (شتاء 2016)، ص 183 – 202.
[3] محمد دهشة، “عين الحلوة” (صيدا: المطبعة العصرية، 2018)، ص 30.
[4] Reliefweb, ,South Lebanon: Ein El Hilweh Camp Profile 2017.

  • جمعية عمل تنموي بلا حدود – نبع: مؤسسة اجتماعية تأسست سنة 2001، تنفذ مشاريع في المخيمات والقرى اللبنانية، وهي مدعومة مالياً من مؤسسات دولية أهمها الاتحاد الأوروبي.
    [5] محمد دهشة، “مصدر سبق ذكره، ص 46-47.
    [6] “الوجه الآخر لمخيم عين الحلوة – المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والسياسية”. دراسة أصدرتها مؤسسة شاهد في 25/1/2011.
    [7] “دفاع مدني في مخيم عين الحلوة”، العربي الجديد، 15 شباط/ فبراير 2019،
    [8] محمد صالح، “عين الحلوة.. قصة المرأة التي أعادت بناء مخيمها”، موقع الخيام.
    [9] “شهادة ضابط إسرائيلي مبتور الساق”، “مجلة الجيل”، (عدد وثائقي خاص عن الحرب)، المجلد 3 (تموز/ يوليو، آب/أغسطس، أيلول/ سبتمبر، تشرين الأول/ أكتوبر، تشرين الثاني/ نوفمبر، كانون الأول/ ديمسبر 1982)، ص 44-53.
    [10] “الوجه الآخر لمخيم عين الحلوة …”، دراسة أصدرتها مؤسسة شاهد في 25/1/2011، مصدر سبق ذكره.
    [11] محمد دهشة، مصدر سبق ذكره، ص 32 – 33.

سناء حمودي – مركز الدراسات الفلسطينية

اساسيصيدافلسطينلبنانمخيم عين الحلوة