“الذكاء الاصطناعي” والأنظمة البحرية غير المأهولة

قبل نحو عقد من الزمن تقريبًا، لم يكن متصورًا ما الذي يمكن أن تشكله تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) كثورة تقنية جديدة تضاف إلى التكنولوجيا الفائقة في عصر الثورة الصناعية الرابعة إلا في أفلام الخيال العلمي، وبعد سنوات من الدراسات والبحوث والتجارب أدرجت أول موازنة خاصة بتلك التطبيقات ضمن موازنة الدفاع الأمريكية لعام 2019 بنحو 62.5 مليون دولار للأبحاث الخاصة بالذكاء الاصطناعي. وتشير تقارير أمريكية أن المداولات التي أجريت في الكونجرس بشأن هذه التطبيقات آنذاك كانت تنطوي على قدر من الفكاهة والغموض حول ما الذي يمكن أن تشكله في أسلحة وحروب المستقبل. ومع تولي إدارة الرئيس جو بايدن قفزت موازنة الاستثمار في بحوث الذكاء الاصنطاعي إلى 6 مليارات دولار. في سياق ما سبق تناقش هذه المقالة حدود توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، ودوره في تطوير القدرات البحرية والمهام القتالية، وكيف أصبح الشرق الأوسط مسرحًا للتجارب الأمريكية، مع طرح بعض التوقعات المحتملة بشأن إشعال سباق تسلح من نوع جديد في الشرق الأوسط على خلفية مساعي إيران تحدي التقدم الأمريكي.

أولًا: سباقات تسلح الذكاء الاصطناعي
لم تمر سوى سنوات قليلة على الاستثمارات العسكرية في مجال الذكاء الاصطناعي حتي توالت التقديرات الاستراتيجية الدولية إلى ما يسمي بـ”سباقات تسلح الذكاء الاصطناعي” ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حيث يكشف التقرير النهائي الصادر عن لجنة الأمن القومي الأمريكية للذكاء الاصطناعي عام 2021، أن الصين منافس قوي بل ويمكن أن تكون هي الرائدة في هذا المجال، وتضع التفوق على الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي كأحد أهدافها الاستراتيجية، واستند التقرير في ذلك إلى الاستراتيجية الصينية المعلنة عام 2017.

كما أنشأت وزارة الدفاع الوطني الصينية مؤسسات بحثية لهذا الغرض منها مركز أبحاث الذكاء الإصطناعي، ومركز أبحاث الأنظمة غير المأهولة، كما قام مركز الفكر العسكري الرئيسي في أكاديمية العلوم العسكرية (AMS) بتحديث عقيدته؛ لمواكبة التطور التكنولوجي للذكاء الاصطناعي، وأظهرت تحليلات أمريكية أن حوالي 2 ٪ من عقود جيش التحرير الشعبي الصيني مرتبطة بالذكاء الإصطناعي حتي نوفمبر 2020.

وفي هذا السياق، تعمل البحرية الأمريكية -كأكبر قوة في العالم- على دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أنظمتها الدفاعية على نطاق واسع، وهو ما يمكن مشاهدته في مسرح العمليات بمنطقة الشرق الأوسط، إلا أن السياق الأمريكي الخاص بإدماج أنظمة الذكاء الاصطناعي في البحرية الأمريكية يشير إلى أن المجال البحري حظي بأولوية رئيسة لإدخال هذه النظم حيز التجريب، والتطوير، والتشغيل في آن واحد، بالنظر لما يمكن أن يشكله ذلك من قيمة مضافة للقدرات والإمكانيات وعامل التمويل من حيث خفض التكاليف الهائلة، والعديد من المزايا الأخرى التي تساعد البشر على الأداء بكفاءة عالية.

في المقابل، كشفت دراسة نشرتها دورية Computer Integrated Manufacturing Systems الصينية (فبراير 2023) عن تمكن فريق صيني من استخدام برنامج للذكاء الاصطناعي؛ لتصميم النظام الكهربائي لسفينة حربية في يوم واحد، وهي مهمة تتطلب فريقًا من البشر بأدوات كمبيوتر متقدمة ما يقرب من عام، وأن هذا التصميم أكمل جميع مهامه بدقة 100 %، متجاوزًا مشاكل التصميم المعقدة. وذكر مركز تصميم وأبحاث السفن الصيني إن الذكاء الاصطناعي نجح في التنقل بشكل مثالي في أكثر من 400 مهمة تصميم صعبة، مما دفع كبير المهندسين في المشروع «Luo Wei» إلى إعلان أن البرنامج جاهز للتطبيقات الهندسية في صناعة بناء السفن، لتعزيز سرعة تصنيع السفن الحربية. وقد جاء هذا الإعلان بعد أسابيع من تحذير وزير البحرية الأمريكية «Carlos Del Toro»، من أن الأسطول البحري الصيني قد تجاوز الأسطول الأمريكي من حيث الحجم الهائل، وينمو بوتيرة أسرع من قدرة الشركات المصنعة الأمريكية على مضاهاته.

كذلك دخلت روسيا مضمار السباق الدولي، بالإضافة إلى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية والهند، التي يمكن اعتبارها القوى العالمية الطامحة إلى تطوير قدراتها وإمكانياتها الدفاعية اعتمادًا على الثورة التكنولوجية، والذكاء الاصطناعي بشكل رئيس فى الصناعات الدفاعية، وفي الشرق الأوسط أيضًا دخل كل من إسرائيل والإمارات هذا المجال. ويمكن تفسير هذا الإقبال الهائل على «أتمتة أنظمة الذكاء الاصطناعي» في المجال العسكري، بالنظر إلى الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي باعتباره أحد تقنيات التمكين؛ لدعم وظائف وتحقيق أهداف لا حصر لها كنظام للإشراف على الآليات كالطائرات والدبابات، لتقليل الحاجة إلى الإشراف البشري، والروبوتات والأنظمة العسكرية غير المأهولة، ومعالجة المعلومات وتفسيرها، والتعرف على الصور، كما أنه مزدوج الاستخدامات المدنية العسكرية.

ثانيًا: حدود توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري
هناك تصور يرى أن كل قيمة مضافة للإمكانيات والقدرات العسكرية في ظل الثورة التكنولوجية الحالية، بالإضافة إلى عمليات التشغيل في مسارح العمليات والحروب ستنتسب بشكل رئيس لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المستقبل، فقد حققت تلك التطبيقات طفرة في زمن قياسي، وستتلوها طفرات متسارعة في المستقبل القريب، وهو التصور الذي تتبناه القيادة المركزية الأمريكية في ضوء التقارير الصادرة عنها؛ لتقييم التجارب الميدانية على عمليات الأنظمة غير المأهولة في منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) في الشرق الأوسط.

في المقابل، هناك تصور في الأكاديميات الأمريكية، ومنها العسكرية يرى أنه لا يزال من المبكر القول بأن الذكاء الإصطناعي قد يقود قاطرة التقدم العسكري بشكل مستقل من دون مراعاة أن هناك حدود للذكاء الإصطناعي، بقدر ما هناك فرص لا يمكن تجاهلها، خاصة وأنه إذا كان من المتصور أنها تقدم خدمات هائلة للبشر، لكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن الخوارزميات التي تعتمد عليها تقوم على الذكاء البشري، بل إن القصور البشري يمكن أن ينعكس في قصور الذكاء الإصطناعي، وأن حدود التوظيف تتعلق بالإدارة البشرية وفق ما هو مرسوم لها، ولا يتعين أن تخرج عن السيطرة حتي لا تشكل سلاح مضاد.

ثالثًا: دور الذكاء الاصطناعي في تطوير القدرات البحرية والمهام القتالية
على الرغم من أن تطبيقات الذكاء الإصطناعي على أنظمة القتال البحرية لا تزال في طور النشوء، إلا أن الاهتمام بها في المركبات البحرية غير المأهولة (الدرونز البحرية) أكثر شيوعًا ورسوخًا، بحكم استحواذ (الدرونات البحرية) على اهتمام ومساحة كبيرة في الهياكل البحرية الحديثة، ومع نشرها للقيام بمهام بحرية أكثر تطورًا، فإن درجة السيطرة البشرية عليها تتناقص تدريجيًا، ومع ذلك فهي تقوم بمهام لوجستية (غير قتالية) بشكل رئيس حتى الآن، من بينها عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR)، وإعداد الاستخبارات لبيئة العمليات (IPOE)، والإجراءات المضادة للألغام (MCM)، ثم أخذت تخترق مساحات أكثر تقدمًا. على سبيل المثال: يمكن لطائرة دون طيار أن تقدم دعمًا لغواصة بحرية تحت عمق البحر؛ لتمكين الغواصة من القيام بمهمة الاستطلاع في الجو، وبفضل هذه التقنيات أيضًا طورت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة الأمريكية (DARPA) من عمل السفن المضادة للغواصات (Sea-Hunter) بمجرد تزويدها بحزم من المستشعرات التي دعمت قدراتها العلمياتية لأكثر من ألف قدم، ومع زيادة قدرات الاتصال الراداري متعدد الاتجاهات أصبح بالإمكان تتبع الغواصات لأشهر في البحار.

لكن ثمة تطور آخر في المجال العملياتي غير المأهول، يتعلق بقيادة أسراب من الدرونات البحرية التي تعمل بشكل مستقل ويمكن تشغيلها عن بُعد، على أن يتم تصميمها؛ لتنفيذ أهداف محددة بمساعدة تقنيات الذكاء الإصطناعي، بدون إشراف بشري. وقد تؤدي الاستقلالية في مثل هذه السفن غير المأهولة إلى تلبية احتياجات الحرب المستقبلية والسماح لـمركبات الخدمة الذاتية ASV (Autonomous Service Vehicles) مثل Sea Hunter بإجراء عمليات حرب كاملة النطاق ضد الغواصات مع استقلالية المهمة لإشراك الأهداف. وبالمثل، قد تكون المركبات ذاتية القيادة تحت الماء AUVs (Autonomous Underwater Vehicles) هي البدائل المستقبلية للغواصات الهجومية إذا منحت أوامرً القيادة الذاتية لذلك، ما سيحولها إلى نظم تسلح فتاكة ذاتية القيادة (LAWS). كما قد تمنح أوامرً تشغيل للقيام بحماية نشطة للموانئ والسفن الكبيرة والقوافل التجارية وخطوط الاتصال البحرية، وحتى الغواصات النووية.

رابعًا: الشرق الأوسط مسرح التجارب الأمريكية
نشرت على المسرح البحري في منطقة عمل القيادة الأمريكية المركزية (CENTCOM) في الخليج وبحر العرب عشرات الوحدات البحرية غير المأهولة “الدرونز البحرية” ضمن فرقة العمل 59 التي تم تشكليها في سبتمبر 2021، وتتبع القيادة البحرية (NAVCENT)، وبعد نحو عام تقريبًا أعلن قائد القيادة المركزية “إريك كوريلا” أنه سيجري العمل على استكمال وحدات هذا الأسطول ليضم نحو 100 وحدة بحرية تعمل تحت وفوق السطح، كما سيجري دمج هذه الأنظمة بالذكاء الإصطناعي (AI) في عمليات الشرق الأوسط؛ لمواجهة التهديدات الملاحية التي اتهمت إيران بالوقوف خلفها.

جاء هذا التطور بعد تعرض أكثر من 25 سفينة شحن تجارية لاعتداءات بحرية في مناطق خليج عمان وبحر العرب، وأغلبها سفن تعمل لصالح شركات إسرائيلية فيما عُرف خلال الفترة (2019 – 2021) بـ»حرب السفن» بين الطرفين، وأفضت تحقيقات دولية إلى إثبات تورط إيران في تلك العمليات باستخدام طائرة دون طيار إيرانية. كان من أبرز تلك التحقيقات ما أعلنت عنه القيادة المركزية في 17 نوفمبر 2022 بعد يومين من الهجوم على سفينة الشحن «باسفيك زيركون» Pacific) Zircon) –المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي (إيدان عوفير)- تم الهجوم عليها على بعد 150 ميلًا من ساحل عمان بواسطة الدرونز الإيرانية (شاهد 136) التي قامت قوة مشتركة تقودها البحرية البريطانية بجمع حطامها.

اللافت في هذا السياق أن العملية المعلن عنها جاءت بعد أقل من عام على انطلاق عمل الفرقة (59)، ومع ذلك أعلنت القيادة المركزية عن إحراز نجاح في عمليات بحرية أخرى في مسرح العمليات أغلبها بعد حادث «باسفيك زيركون»؛ حيث أوقفت نحو أربع عمليات تهريب أسلحة كانت مموهة بطريقة يصعب الكشف عنها كانت في طريقها إلى الحوثيين في اليمن خلال الربع الأخير من العام 2022 والربع الأول من العام 2023، على سبيل المثال: أعلن المتحدث باسم (CENTCOM) -آنذاك- «تيم هوكنز» في 15 يناير2023 أنه تم مصادرة أكثر من 5 آلاف سلاح و1.6 مليون طلقة ذخيرة من الوصول إلى اليمن.

أيضًا كان بالإمكان من خلال الدرونز البحرية بخلاف عملية التتبع لسفن بدائية مصنوعة من الخشب أن تقدر وزن الحمولات على تلك السفن، والتي أوضحت أن هناك فارق بين الحمولة الطبيعة التي يمكن أن تحملها تلك السفن بحكم أنها سفن صيد شراعية، وبين كونها تقوم بحمولات ثقيلة الوزن لأسلحة من خلال عمليات المسح التقني، وبالتبعية اعترضت إيران على دور هذا الأسطول، كذلك فإن جهود الفرقة تضمن التواصل مع المنصات التجارية التي صممتها Saildrone وغيرها لمواكبة وتأمين حركة الشحن التجاري في المنطقة.

على التوازي مع هذا التطور في العمليات البحرية النوعية في منطقة خليج عمان وبحر العرب، بدأت البحرية الأمريكية وبمشاركة بحرية من دولة البحرين -مقر القيادة- في أغسطس 2022، وبالتعاون مع هيئة الأمن البحري الدولي (IMSC) على إجراء أول تجربة إدماج للدرونز والذكاء الإصطناعي خلال مناورة (Sentinel Shield) التي تم تصميمها خصيصًا لهذا الغرض، وبعد نحو 5 أشهر، تحديدًا في يناير 2023 استكملت إجراءات الدمج والتشغيل خلال النسخة الثانية من مناورة (Sentinel Shield) والتي تم فيها تشبيك العمليات مع مدمرة الصورايخ الموجهة بالبحرية الأمريكية (USS Delbert D Black) بالتعاون مع البحرية السعودية، وأظهر التمرين تقدم مستوي التشغيل في هذه الأنظمة، للحفاظ على الأمن البحري في مياه الشرق الأوسط، حيث كانت الأنظمة قادرة على تقديم المساعدة في تحديد حركة الأجسام البحرية في المياه، ونقل صور للمراقبين في غرف العمليات للتعامل مع تلك التحركات.

خامسًا: تشبيك المنظومات غير المأهولة ووظائفها الرئيسة
بحلول مايو 2023 أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) عن بدء التجارب العملياتية لتشبيك ثلاث فرق عمليات هي (59 البحرية- 99 الجوية AFCENT – قوة المهام 39 ARCEN المعنية بمعالجات التشغيل المشتركة) بهدف الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي، التي يمكن أن تلعب دور التمكين في الأنظمة غير المأهولة (الدرونز) سواء البحرية أو الجوية، والتي سيمكنها بفضل هذا التقدم التكنولوجي تشبيك مراكز عمليات القيادة الأمريكية عبر العالم.

ووفقًا لكبير مسؤولي التكنولوجيا في القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) “شويلر مور” في محاضرة مع المركز الدولي للدراسات الاسترايتجية CSIS، فإن الوظائف الرئيسة التى تسمح بها تطبيقات AI من خلال التجارب التي أجريت في الشرق الأوسط، حيث تقوم بتحليل البيانات، لمساعدة محللى الاستخبارات وصناع القرار، تتمثل فى أربع وظائف أساسية، تعمل على تقصير زمن إرسال البيانات، وحماية الخصوصية، وتحسين شبكات الأمان؛ لتعزيز تشغيل إنترنت الأشياء المدعوم بتقنية 6G، من أبرزها:

1 – تفسير الأشياء
حيث توفر الحواسيب المرتبطة بأجهزة التصوير والاستشعار للأنظمة والبرامج المدعومة بـ(AI) القدرة على تفسير ما يتم نقله من ألاف بل ملايين الصور، وتحديد ماهية هذه الأشياء الموجودة في المياه.

2 – استكشاف الأنشطة البحرية غير المشروعة
يمكن استكشاف هذه الأنشطة من خلال تحليل الصور في زمن قياسي، وبمجرد إرسال المزيد من الصور عبر الأنظمة غير المأهولة (USV) المدعومة بـ (AI) يمكن فرز المستجدات منها، وإرسالها إلى مركز العمليات لاتخاذ قرار بشأنها، وفي هذا السياق يمكن القول إن تلك الأجسام قد تكون عبارة عن ألغام بحرية على غرار تلك الألغام التي كانت تلصق بالسفن ويتم تفجيرها عن بعد.

3 – تسهيل القيادة والتحكم
يلعب الذكاء الاصطناعي للدرونز بشكل عام (الجوية والبحرية) التحرك من دون تدخل بشري، وبمجرد التعرف على الأشياء الغريبة أو الشاذة، وبالتالي يكون هناك نظام تشغيلي واحد محمل بكافة البيانات الهائلة في مسرح العمليات يمكن التحرك من دون الحاجة للتدخل.

4 – تطوير عمليات التشبيك متعددة الأنظمة
وذلك من خلال تقنية Edge Intelligence، مع مشاركة هذه المنظومة للشركاء التجاريين في القطاع المدني عبر العالم، لاسيما تلك التي تتحرك في مسرح عمليات التشغيل في بيئة الشرق الأوسط، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن تلك المنظومة تقدم خدمة التدريب للشركاء التجاريين ولأنظمة ومنظومات العمل البحري.

ختامًا، حقق الذكاء الاصطناعي طفرة تشغيلية في الأنظمة غير المأهولة (الدرونز البحرية والجوية)، وفي واقع الأمر يصعب الحديث بشكل مستقل عن التقدم في مجال الدرونز البحرية دون ربط ذلك بالدرونز الجوية، فضلًا عن الأنظمة التقليدية غير المأهولة، يبدو الأمر في هذه الحالة أشبه بنظام شبكي تكنولوجي متقدم، ومع ذلك لا يمكن تجاهل المخاوف التي تحملها التداعيات المضادة للقوى في ظل سباقات التسلح الأمريكية الصينية، خاصة وأن كلا الطرفان يتنافسان على مسرح جيوسياسي متداخل، وكلاهما يبحثان حشد الأنصار لهما؛ فالولايات المتحدة تقدم الدعم لحلفائها في الجوار الصيني في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى القيود التي تفرضها على أشباه الموصلات Semiconductors، والرقائق الإلكترونية electronic chips، وفي المقابل فإن التقدم البحري الصيني الذي يشكل المحدد الرئيس في هذا التنافس في مسرح “الإندو-باسفيك”، وبحر الصين، يسابق الزمن؛ لردع الاستراتيجية الأمريكية.

كذلك من الأهمية بمكان أيضًا النظر إلى مسرح التجارب الأمريكي في الشرق الأوسط لتجربة هذه العمليات، صحيح أنها أحبطت قدرًا كبيرًا من التهديدات الخاصة بتهريب الأسلحة، بالإضافة إلى القدرة على إحباط عمليات تهريب المخدرات، وهي قيمة مضافة جديدة لإحباط مهددات من هذا النوع، وفق ما أعلنت عنه القيادة المركزية الأمريكية في 27 مايو 2023، لكن يتعين النظر بعين الاعتبار أيضًا لتداعيات من نوع أخر، ربما يتعين علينا أن نتوقع سباق تسلح من نوع جديد في الشرق الأوسط على خلفية مساعي إيران تحدي خطوة التقدم الأمريكي؛ لإحباط السلوك الإيراني في تهديد الملاحة البحرية، بالإضافة إلى تأثيرات القيود التي قد تؤدي إلى اختلالات في موازين قوى وكلاء إيران لاسيما الحوثين في اليمن، بسبب الأنظمة البحرية غير المأهولة التي تعوق وصول الأسلحة الإيرانية إليها، فضلًا عن إدراك إيران أن إسرائيل هي الأخرى تعد لاعبًا مهمًا على الساحة الدولية في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبالتالي ستبحث إيران عن السلاح المضاد لذلك، أو في الحد الأدنى المنافسة التي يمكنها أن تضر بخصومها في الإقليم، خاصة بعد أن وجهت هذه الأنظمة ضربة لأكبر منطقة شهدت حربًا للدرونز في العالم خلال الحرب في اليمن منذ 2015؛ بسبب تفوق إيران في الدرونز الجوية، وتتجه في الوقت الراهن أيضًا للمنافسة في الأنظمة البحرية.

أحمد عليبه – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

اساسي