تنافس وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد على لقب “مهندس الحرب على العراق” مع عدد من كبار رموز حركة المحافظين الجدد، التي زاد نفوذها عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وبرز رامسفيلد كونه شخصية فريدة مثيرة للجدل بين فريق سيطر أعضاؤه على السياسة الخارجية والدفاعية لإدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن منهم: ديك تشيني، نائب الرئيس، وولف ولفويتز، وريتشارد بيرل، وكولين باول، وبول بريمر، وآخرون.
وأعلنت أسرة رامسفيلد وفاته أمس الأربعاء عن 88 عاما، في تغريدة مقتضبة.
تاريخ حافل من العمل الحكومي الرسمي
شغل رامسفيلد مناصب حكومية رفيعة لأكثر من 6 عقود، بدأت بدخوله الأسطول الأميركي في خمسينيات القرن الماضي، تبعها بتمثيل ولايته ألينوي في مجلس النواب ليصبح عضوا ولم يكن قد تخطى حينها الـ31 من العمر.
ثم عمل مستشارا للرئيس السابق ريتشارد نيكسون، ثم كبير موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس جيرالد فورد، وسفيرا لبلاده في منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” (NATO)، ووزيرا للدفاع مرتين كان خلالهما أصغر وأكبر من تبوأ المنصب؛ الأولى خلال إدارة الرئيس جيرالد فورد عام 1975، وكان عمره 43 عاما، والثانية في عهد جورج بوش الابن عام 2001، وكان عمر 69 عاما.
ويشتهر رامسفيلد بأنه أشرف على التدخل الأميركي -الذي لا يزال مستمرا حتى اليوم- في أفغانستان منذ عام 2001، وفي العراق منذ عام 2003، وأنه كان متحمسا لذلك.
ورغم تاريخه الطويل، نجح رامسفيلد في نيل كراهية واسعة من التيار التقدمي الأميركي المعارض للتدخلات العسكرية في الخارج.
فلقد غرد ستيفن والت، المفكر السياسي والأستاذ بجامعة هارفارد، وأحد منظري التيار التقدمي في السياسة الخارجية الأميركية، بقوله “بوسع الأميركيين من جميع الانتماءات السياسية أن يشعروا بالارتياح عندما يعلمون بوفاة دونالد رامسفيلد الذي نجم عن أفعاله مئات الآلاف من الوفيات غير الضرورية، وتكلفة تخطت تريليونات الدولارات، وزرعت قدرا أعظم من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط”.
ابن بار للمحافظين الجدد
يتذكر العالم رامسفيلد باعتباره أحد المهندسين الرئيسيين للحروب الأميركية غير المنتهية، التي دامت عقودا في العراق وأفغانستان، وهو من الصقور المعروفين بأنه من أبناء حركة المحافظين الجدد التي وجدت زخما كبيرا خلال حكم الرئيس السابق جورج بوش الابن.
ودفعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية على الولايات المتحدة إلى بروز اسم رامسفيلد ودوره ونفوذه في تشكيل إستراتيجية بلاده للرد على تلك الهجمات.
وضغط رامسفيلد كي تتدخل بلاده عسكريا في أفغانستان ثم العراق، ومن هنا يتذكره بعض الأميركيين بوصفه رجل دولة ماهر برز في وقت وظروف شديدة الصعوبة، في حين ألقى آخرون باللائمة على دوره في هذه التدخلات لما أدت إليه من زعزعة استقرار المنطقة وتورط الجنود الأميركيين في حروب لا نهاية لها.
وأكد في مذكراته أنه أمر بالتخطيط داخل البنتاغون لغزو العراق بعد أسبوعين فقط من وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حيث طالب الرئيس بوش آنذاك أن تكون الخيارات خلاقة.
وبسبب جريمة وفضائح معاملة المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب سيئ السمعة، عرض رامسفيلد الاستقالة مرتين خلال تلك الفترة لكن الرئيس بوش قال له “إنه يريده أن يبقى في منصبه”.
كما أُلقي باللوم على الوزير الأسبق بسبب المعاملة المشينة التي تلقاها المعتقلون في سجون معسكر غوانتانامو. وردّ رامسفيلد على خبر إجبار المحققين السجناء على الوقوف لمدة 4 ساعات خلال التحقيق اليومي بقوله “أقف من 8 إلى 10 ساعات في اليوم، فلماذا يقتصر وقوف السجناء على 4 ساعات؟”
استقالة رامسفيلد
ومع تزايد الغضب الشعبي الأميركي من التدخل العسكري في أفغانستان والعراق، اضطر رامسفيلد للاستقالة من منصب وزير الدفاع عام 2006، ومع ذلك، دافع عن مواقفه وأفعاله في مذكراته التي نشرها عام 2011 تحت عنوان “المعروف وغير المعروف”، بل وقبل ذلك في كلمته الوداعية بالبنتاغون عام 2006.
وقال “إن استنتاج أعدائنا بأن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة أو التصميم على القيام بمهامنا -التي تتطلب التضحية والصبر- هو أمر خطير تماما مثله مثل اختلال توازن القوة العسكرية التقليدية، وقد يكون من المريح للبعض أن يفكروا بهذه الطريقة للابتعاد عن الآلام، بل وقبح القتال، لكن العدو يفكر بشكل مختلف”.
وفي كتابه، قال مدافعا عن التدخل العسكري في العراق إن “الحرب كانت تستحق كل التكاليف، ولو بقيت حكومة صدام حسين في السلطة لكان الشرق الأوسط أكثر خطورة بكثير مما هو عليه اليوم”.
محمد المنشاوي _ الجزيرة نت