كيف انقلبت الأدوار بين “إسرائيل” وإيران؟

في الوقت الذي كانت فيه إيران تعيش عزلة إقليمية ودولية شبه كاملة، كانت “إسرائيل” تتمتع بدعم دولي غير محدود، فكيف انقلبت الأدوار بين طهران وتل أبيب خلال الأشهر الأخيرة؟

تناول تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية عنوانه “إسرائيل تشعر بأنها محاصرة بالتزامن مع كسر إيران لعزلتها”، رصد تبادل الأدوار بين الدولتين في الأشهر الأخيرة، فالأولى تعيش انقساماً داخلياً غير مسبوق وتواجه عزلة دولية متصاعدة بسبب حكومتها الأكثر تطرفاً، بينما الثانية اتخذت خطوات ملموسة لكسر الحصار الذي عانت منه على مدى سنوات.

إذ تعيش “إسرائيل” حالةً من التوتر الداخلي تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي يريد نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، وياريف ليفين وزير العدل تمريرها رغم المعارضة الشرسة داخلياً والتذمر الخارجي من أقرب الحلفاء، أي الولايات المتحدة الأمريكية.

العداء بين “إسرائيل” وإيران


وعلى مدى سنوات، تنظر “إسرائيل” إلى إيران المسلحة نووياً باعتبارها ستكون خطراً وجودياً، ولهذا ركّزت جهودها على مواجهة إيران، لكن الكثير من الأمور تغيرت على مدار الأشهر القليلة الماضية.

إذ كسرت إيران عزلتها الدبلوماسية، وأقامت تحالفاً عسكرياً مهماً مع روسيا التي تريد منها الدفاعات الجوية، وأحيت العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، علاوةً على أن إيران تُخصب كميات أكبر من اليورانيوم، بينها كمية صغيرة كانت قريبة للغاية من مستوى التخصيب اللازم لصنع الأسلحة، رغم نفي إيران وجود أي خطط لديها لصنع قنبلة نووية.

وتأتي كل هذه التطورات بالتزامن مع الأزمة السياسية داخل إسرائيل، التي أشعلتها محاولة بنيامين نتنياهو إدخال تعديلات جوهرية على عمل السلطة القضائية، يصفها خصومه بأنه “انقلاب قضائي”؛ مما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى موقف تضطر معه إلى إصدار تحذيرات يومية، وإخطار الجميع بأنها لن تتردد في التحرك -حتى ولو بمفردها- إذا شعرت بتهديد كافٍ من جانب إيران.

“إسرائيل” تريد مهاجمة إيران


يقول من يعرفون “إسرائيل” إن الأمر يرتبط باتخاذ موقف قوي أمام الرأي العام، لكن النية الجادة موجودة أيضاً. إذ قال دينيس روس، مبعوث البيت الأبيض الأسبق إلى الشرق الأوسط، لـ”بلومبرغ”: “تُقوِّي إيران دفاعاتها، مما يعني أن “إسرائيل” قد تفقد خيار الهجوم. وبصفتي شخصاً عمل على هذه القضية وتحدث إلى الإسرائيليين لوقتٍ طويل، فإن القناعة الوحيدة لدي على المستوى الشخصي هي أنهم لن يسمحوا لأنفسهم بفقدان ذلك الخيار مطلقاً. فلا يجب أن ينتظر المرء حتى اللحظة الأخيرة”.

ويستشهد المسؤولون الإسرائيليون بهذا الموضوع أينما ذهبوا. إذ قال نير بركات، وزير الاقتصاد الإسرائيلي، لقناة Bloomberg TV في نيويورك مؤخراً: “إيران تهدد العالم. ويريدون صنع قنبلةٍ من أجل استخدامها. وقد نكون هدفهم الأول، لكننا لسنا الهدف الوحيد”.

لكن يظل هناك كثير من التساؤلات حول قدرة “إسرائيل” على توجيه ضربةٍ حاسمة، خاصةً إذا تحركت بمفردها وليس بالتعاون مع الولايات المتحدة، التي تقول بدورها إنها تريد حلاً دبلوماسياً للبرنامج النووي الإيراني، على الرغم من نفي واشنطن وطهران التقارير المتداولة مؤخراً حول استكشافهما لاتفاق نووي جديد سراً.

لكن في الوقت نفسه، قالت إيران في الأسبوع الجاري، إنها وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على وشك التوصل إلى اتفاق لتبادل السجناء، في مؤشر على وجود قنوات خلفية للتفاوض بين الجانبين.

ومن جانبه، يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم تتم دعوته إلى البيت الأبيض بعد منذ عودته للمنصب قبل نحو 6 أشهر، في سابقة تاريخية، الموقف الأمريكي من إيران، حيث أخبر Sky News الأمريكية بأن “الدبلوماسية لا تنجح إلا عند اقترانها بتهديدٍ عسكري له مصداقية”.

“إسرائيل” على شفا الحرب الأهلية


لكن هناك شكوك في قدرة نتنياهو على ضرب إيران، داخل أوساط مراقبي “إسرائيل” المحنكين، إذ تؤمن المستشارة الأقدم لشؤون الشرق الأوسط في International Crisis Group، دينا إسفندياري، بأنه يشتت الانتباه عن المتاعب التي يواجهها في أرض الوطن، خاصةً الغضب واسع النطاق حيال خططه لإضعاف القضاء.

وأضافت إسفندياري للوكالة الأمريكية: “عندما تتحول كل الأوضاع إلى فوضى على الجبهة الداخلية، فإن أفضل ما يمكن فعله هو تأكيد وجود عدوٍ خارجي”.

لكن خصوم نتنياهو أنفسهم يقولون إنهم يدعمونه فيما يتعلق بإيران، حيث أوضح زعيم المعارضة يائير لابيد، خلال زيارته لنيويورك مؤخراً: “ليس هناك تحالف أو معارضة مناهضة لهذا الأمر (توجيه ضربة عسكرية لإيران) في إسرائيل. فالجميع متفق على الفكرة نفسها”.

وفي السر، يشعر المسؤولون الإسرائيليون بالقلق حيال قدرتهم على إتمام المهمة دون مشاركة حليفهم الرئيسي، الولايات المتحدة، إذ يخشون أن الانقسامات العميقة في نسيج المجتمع الإسرائيلي قد تُعيق تحضيراتهم، وتمنح الأعداء انطباعاً بأنهم أكثر ضعفاً.

بينما قال يعقوب ناغال، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق: “إن الاتفاق السعودي الإيراني يساعد الإيرانيين على الشعور بأنهم أقوى. ويقدم الإيرانيون المال، والتدريب، والتعليمات، والأسلحة من أجل دفع “إسرائيل” إلى مواجهة متعددة الجبهات”. كانت السعودية وإيران قد توصلتا لاتفاق، بوساطة صينية، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.

يُذكر أن طائرات الحرب الإسرائيلية دمرت مفاعلاً نووياً عراقياً عام 1981، وآخر سورياً عام 2007. كما أن هناك حديثاً دائراً حول فعل الأمر نفسه مع إيران. وقد أوشكت “إسرائيل” على فعل ذلك مرتين في عهد نتنياهو. لكن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي يُعتبر أكثر تشدداً اليوم.

ومن المؤكد أن التحضيرات المكثفة على الجانبين تمثل أداةً لبعث الرسائل، وهدفها إقناع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بأن “إسرائيل” جادة، وكذلك إبطاء أو إيقاف تخصيب اليورانيوم وإنتاج الصواريخ بواسطة إيران.

ما التداعيات الإقليمية لضرب إيران؟


من المحتمل أن تؤدي أي خطوة إسرائيلية لقصف إيران إلى زعزعة استقرار أسواق النفط وإشعال حريقٍ إقليمي، مما سيؤثر على دول المنطقة وكذلك طرق الشحن عبر الخليج. وقد يؤدي القصف كذلك إلى إثارة ردود فعل قوية ضد إسرائيل، سواءً من حزب الله أو حتى من جانب حركة حماس.

إذ يُعتقد أن جماعة حزب الله اللبنانية تمتلك أكثر من 100.000 صاروخ، وتستطيع الانتقام بإشعال الجبهة الإسرائيلية-اللبنانية، وفقاً لبرادلي بومان، ضابط الجيش الأمريكي السابق الذي يعمل في Foundation for Defense of Democracies. وأوضح بومان: “إذا تم استخدام جزء من تلك الترسانة ضد إسرائيل، فهناك خطر قائم يتمثل في غمر الدفاعات الإسرائيلية”.

كما تُعَدُّ تقوية العلاقات الإيرانية مع روسيا مصدر قلق آخر داخل إسرائيل، حيث قدمت إيران الطائرات المسيرة، وسعت في المقابل إلى الحصول على مساعدة روسيا في تطوير الصواريخ والدفاعات الجوية. بينما بعثت “إسرائيل” بمسؤولين رفيعي المستوى إلى موسكو في مايو/أيار؛ وذلك لإقناع روسيا بالامتناع عن ذلك.

ولا شك في أن تزايد احتمالات الضربة الإسرائيلية يزعزع استقرار دول أخرى في المنطقة. إذ تعرضت السعودية لسلسلة هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على المنشآت النفطية وغيرها، وقد أعلنت جماعة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن مسؤوليتها عن تلك الهجمات.

رياض قهوجي، مؤسس مجموعة INEGMA للأبحاث الأمنية في دبي، قال إن قيادة المملكة العربية السعودية رأت في توقيع اتفاق لعودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران بوساطة صينية وسيلةً “لتقليل التوترات مع الجيران والتركيز على التنمية”.

ويقول العديد من المسؤولين الإسرائيليين إن أحد الآثار الإيجابية لإعادة التقارب الإيراني-السعودي كان شعور الولايات المتحدة بالتهديد، وذلك نتيجة الدور الصيني، مما دفعها إلى تعزيز جهودها من أجل المصالحة مع الرياض. وقد يساعد ذلك في تحقيق هدف “إسرائيل” الكبير الذي يتمثل في إقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية.

وتنظر “إسرائيل” وواشنطن إلى الاتفاق السعودي الإسرائيلي باعتباره جائزةً كبرى، لأنها ربما تعزز أمن “إسرائيل” وتُثني إيران عن شن أي هجمات مباشرة.

ومع ذلك، صرحت السلطات السعودية علناً بأن الشرط المسبق لتحقيق ذلك يتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة. بينما صرحت للولايات المتحدة في السر بأنهم يريدون ضمانات دفاعية وأمنية، ووصولاً إلى أحدث الأسلحة، ومساعدة في تطوير احتياطيات اليورانيوم الخاصة بهم.

على الجانب الآخر، يبدو أن “إسرائيل” تركز على المواجهة العسكرية المحتملة بدرجةٍ متزايدة في الوقت الراهن. إذ رصدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخراً كميةً صغيرة من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء تبلغ 84%، أي أقل بقليل من مستوى الـ90% المستخدم في صنع الأسلحة.

وفي أواخر مايو/أيار، قالت الوكالة إن تفسير إيران لم يكن كافياً، حيث زعمت طهران أنه مجرد منتجٍ ثانوي بطريق الخطأ. واتهم نتنياهو الوكالة بـ”الخضوع”، قائلاً إن إيران تكذب. وبهذا ظهر دليل آخر على شعور “إسرائيل” بالعزلة الدولية في قضية تعرفها أفضل من الجميع وتخشاها أكثر من غيرها.

عربي بوست

اساسياسرائيلايران