الاغتيال الإسرائيلي أو القتل المتعمد في نظر القانون الدولي

المقدس الوحيد عند إسرائيل هو ما يحقق أهداف المشروع الصهيوني وتكسر جميع قواعد القانون الدولي وصولا لهدفها. والسبب في ذلك أن إسرائيل ولدت خارج رحم القانون الدولي وتستمد شرعيتها صراحة من قوتها وقدرتها على سحق أعدائها ذلك أن إسرائيل تضع لنفسها معياراً خاصاً وهو آمنها النفسي حتى لو انتهكت في سبيل ذلك كافة القوانين الدولية. فإسرائيل فرحت بقرار التقسيم بينما لم يصدق العرب أن المهاجرين اليهود الغرباء المتسللين يمكن أن يقتسموا الأرض مع أصحابها وظلت إسرائيل تلوم العرب وتتهمهم بعدم الرغبة في السلام وهو المصطلح الذي يعني شيئاً واحداً هو السلام الإسرائيلي. بسبب رفضهم لقرار التقسيم.

وقد اعتمدت الحكومة الإسرائيلية سياسة الاغتيالات الاستباقية وفي أي وقت من أجل أمنها. فقد اغتالت خيرة رجال المقاومة كما اغتالت شخصيات عربية مؤثرة مثل جمال حمدان وحامد ربيع وعالم الذرة المصري يحي المشد المشرف على برنامج العراق النووي كما قامت بضرب المفاعل في العاشر من يونيو 1981 كما اغتالت عدداً من علماء الذرة الايرانيين وفي عقر دارهم.

وكتب الصهاينة مقالات في أمهات الدوريات العالمية عما أسموه القتل المتعمد targeted killing ولم يعقب أحد ويعترض أكاديمياً أو سياسياً وقانونياً وسلوكياً فأصبحت يد إسرائيل طليقة في هذا المجال. ومعلوم أن إسرائيل تغتال علماء الذرة في إيران، كما أنها تقوم بالإعداد لتدمير المنشآت النووية الإيرانية أياً كان الاتفاق في محادثات فيينا، لأن إسرائيل تطبق القاعدة العربية “ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك” والغريب أن الضحايا لا يعترضون ولا يصعدون الموضوع إعلامياً ودولياً، خاصة وأن إسرائيل كانت تعترف وتفخر بهذه الجرائم، بل إن إسرائيل كانت تتعمد الاغتيال حتى لو كان المستهدف لم يعد يشكل خطراً على إسرائيل.

فما هو موقف القانون الدولي من جرائم الاغتيال الإسرائيلية؟
تبرر إسرائيل دائماً سلوكها الإجرامي بأنه تطبيق لحقها في الدفاع الشرعي عن النفس. وهذا تبرير باطل لأن هذا السلوك لا تنطبق عليه شروط الدفاع الشرعي كما وضعتها المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

والواقع أن طوائف ضحايا هذه الجرائم يمكن تصنيفهم إلى خمس فئات كلها لا حق لإسرائيل في تصفيتها:

الفئة الأولى: هي المقاومة ضد إسرائيل والمقاومة شعبتان: شعبة لبنانية في حزب الله وإسرائيل لا تجرؤ على اغتيال قياداته بسبب قوة حزب الله وفرض قواعد الاشتباك مع إسرائيل ولا تجازف إسرائيل بكسرها.

أما الشعبة الثانية فهي جناح المقاومة الفلسطينية وتنطبق على إسرائيل قاعدة “من أمن العقاب أساء الأدب” خاصة أنها تعتبر المقاومة الفلسطينية كبرى التحديات للمشروع الصهيوني. ومعلوم أن المقاومة تعيق صفقة القرن ولذلك تصفي إسرائيل المقاومين تارة لأن المقاومة عقبة في تنفيذ المشروع الصهيوني، وتارة أخرى في إطار سياسة الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني وكان أحدثها اغتيال ثلاثة من الشباب المقاوم في غزة بطريقة انتقامية لا أخلاقية.

وهذه الفئة المقاومة لها الحق التام في المقاومة وأساس مشروعيتها هو اغتصاب الأرض وإبادة الشعب ولذلك فاغتيال المقاومة جريمة مركبة وهي انتهاك للحماية للمقاومة التي يوفرها القانون الدولي فالقانون الدولي الانساني يحظر الاغتيال لأن حالة الحرب مستمرة في فلسطين ما استمر الاحتلال.

الفئة الثانية: هي فئة علماء الذرة وسجل إسرائيل في هذا المجال طويل في مصر والعراق وإيران يصعب تفصيله. وهذه الفئة مدنية يعد اغتيالها جريمة بشعة ولا يمكن تبريرها بأن إسرائيل تعرقل المشروعات النووية الأخرى حتى تنفرد هي بالسلاح النووي.

الفئة الثالثة: هي فئة الشخصيات السياسية والعالمية التي تكشف خبايا المشروع الصهيوني. ومعلوم أن جمال حمدان وحامد ربيع هما أدق من كتب عن هذا المشروع وخطره على مصر وجمال حمدان صاحب مجلدات شخصية مصر وحامد ربيع صاحب المشروع الفكري المناهض للحركة الصهيونية وهما من نشر الوعي بهذا المشروع الخطير في الجامعات وبين المثقفين المصريين والعرب ولاتزال مؤلفاتهما هي المراجع الأساسية في هذا الباب.

الفئة الرابعة: هي العاملون في المشروعات النووية العربية والايرانية فقد اغتالت إسرائيل العلماء الألمان العاملين في برامج التسليح المصرية وبرنامج إنشاص النووي في الخمسينات من القرن الماضي، كما اغتالت في وقت مبكر سميرة موسى، مروراً بيحيى المشد والعلماء الإيرانيين والعاملين في المشروعات.

الفئة الخامسة: هم الشخصيات الدولية المحايدة والنزيهة مثل الكونت برنادوت، وكذلك اغتيال بعض الدبلوماسيين البريطانيين في القاهرة حتى توقع مصر في بريطانيا. هذه مجرد أمثلة للطوائف الخمس التي أمكن صدها.

ولا تعترف إسرائيل بأي قانون يحول دون تحقيق مآربها فهي تبرر هذه الجرائم في إطار مشروعها المستند إلى العدوان والقوة في المنطقة ولا تسنده أية قاعدة قانونية. وحتى قرار التقسيم كان مناقضاً لميثاق الأمم المتحدة وهذا القرار كان له رمزية خاصة لإسرائيل ولم تعترف به شهادة ميلاد لها بينما عابت على العرب رفضهم المشروع للقرار الجائر.

في ضوء ما تقدم أطالب بمناقشة هذا الموضوع في المحافل الدولية والأكاديمية في مجالات القانون والعلوم السياسية وتعريف المجتمع العربي والدولي بخطورة السكوت على هذه الجرائم.

عبد الله الأشعل – مركز سيتا

اساسي