يصادف اليوم الذكرى السنوية لانسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية عام 2009 إثر تطبيق اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن عام 2008 والتي أفضت لانسحاب أميركي كلي من البلاد نهاية عام 2011 بعد 8 سنوات على غزو البلاد.
لكن الحكومة العراقية عادت واستدعت هذه القوات لمساعدتها على مواجهة زحف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين اكتسحوا العديد من المدن العراقية في يونيو/حزيران 2014.
وبعد انتصار القوات العراقية على هذا التنظيم وهزيمته عام 2017 وما تلا ذلك من توتر بين فصائل عراقية وواشنطن بلغ ذروته بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي في غارة أميركية قرب مطار بغداد مطلع عام 2020، وتصاعد الهجمات الصاروخية ضد مصالح الولايات المتحدة ردا على ذلك، عادت بعض القوى السياسية في العراق للمطالبة بانسحاب القوات الأميركية من البلاد ونجحت في تمرير قرار بهذا الشأن من مجلس النواب العراقي بعد أيام من تلك الحادثة.
جولات الحوار
ولا ينفك الساسة العراقيون من كتلة الفتح بزعامة هادي العامري في الحديث عن وجوب الانسحاب الأميركي من العراق، وتجدد بقوة هذه الأيام بعد الغارات الأميركية التي استهدفت -قبيل فجر أول أمس الاثنين- مواقع للحشد في منطقة القائم قرب الحدود السورية، وأسفرت عن عدد غير محدد من القتلى.
وأكدت كتلة الفتح في بيان اطلعت عليه الجزيرة نت، ضرورة إخراج القوات الأجنبية من العراق، خاصة الأميركية منها فورا ودون مماطلة أو تسويف.
ورغم انعقاد 3 جولات من المحادثات العراقية الأميركية خلال الأشهر الماضية، فإن أيا منها لم تفض لانسحاب الولايات المتحدة من البلاد واقتصرت على تقليص أعداد قواعدها وعديد قواتها في البلاد.
هل تنسحب أميركا فعلا من العراق؟
وردا على هذا السؤال تعتقد عضوة لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي ناهدة الدايني أن الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق قريبا، وأن جولات الحوار الثلاث بين البلدين أكدت استمرار التعاون بين بغداد وواشنطن في مختلف المجالات ومنها الأمنية.
وتضيف ناهدة -للجزيرة نت- أنه قد يحدث انسحاب عسكري معلن، لكنها أشارت لوجود اتفاقيات وصفتها بـ(السرية) ضمن اتفاقية الإطار الإستراتيجي قد تتيح بقاء قوات أميركية بمسميات أخرى.
ما نوع الانسحاب المتوقع؟
يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أنه لن يجري انسحاب أميركي نهائي من العراق، خاصة أن الحكومات العراقية السابقة وحتى الحالية كانت وما تزال تؤمن بأن وجود القوات الأميركية -بأي توصيف كان- يمثل ضرورة لدعم العراق في جهوده لمكافحة الإرهاب.
ليس ذلك فحسب، إذ يتابع الشمري في حديثه للجزيرة نت أن المباحثات الأخيرة بين البلدين رسمت توصيفا جديدا لوجود تلك القوات بما يتعلق بالمهام الاستشارية والتدريب والتسليح، إضافة إلى أن الحوارات الثنائية بحثت تحديات الإرهاب المقبلة، بما يؤكد أن العراق ما يزال يستشعر خطر تنظيم الدولة على العراق.
على الجانب الآخر، يشير النائب عن كتلة “سائرون” النيابية صباح طلوبي إلى أن البرلمان العراقي طالب قبل عام ونصف العام بخروج القوات الأميركية من البلاد بقرار برلماني، مؤكدا على أن ذلك يمثل رأي الشارع العراقي.
ويضيف طلوبي أنه وإذا ما سحبت واشنطن قواتها من العراق، فإنه لا مشكلة في التعامل مع الولايات المتحدة دبلوماسيا وفق التعامل بمبدأ المثل، بحسب تعبيره، بما يعني أن بغداد ستتعامل مع واشنطن وفق المصالح التي تخدم الشعب العراقي.
ما رأي الكتل الكردية في الانسحاب؟
يرى عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية هه ريم كمال خورشيد عن التحالف الكردستاني أن الظروف الحالية في العراق تختلف كليا عما كانت عليه عندما انسحبت واشنطن من العراق سابقا، حيث إن القوات الأميركية كانت تعد حينها قوات احتلال، أما الآن فقد دخلت البلاد بطلب من الحكومة العراقية.
ويفصِّل خورشيد في حديثه للجزيرة نت أن الانسحاب الأميركي الذي بدأ فعليا قبل أشهر من الآن لا يعني خروج تلك القوات كليا، فواشنطن عضو في التحالف الدولي الذي ما يزال يعمل في البلاد لمحاربة تنظيم الدولة.
ويشير خورشيد إلى أن واشنطن تدرك ما وصفه بـ(الأخطار المحدقة بالبلاد) خاصة تدخل دول الجوار واستمرار خطر الإرهاب الذي عاد لينفذ الكثير من الهجمات، وبالتالي ستبقي واشنطن على بعض من قواتها في البلاد.
ما نوع الانسحاب الذي تفضله أميركا في الوقت الحالي؟
يرى الخبير الأمني والإستراتيجي أحمد الشريفي أن القوات الأميركية دخلت العراق عام 2014 بطلب عراقي حكومي وموافقة برلمانية، وبالتالي فإن الانسحاب الأميركي الحالي لا يخرج عن كونه انسحابا جزئيا، بما يعني تقليص وترشيق القطعات العسكرية مع الإبقاء على قوات نوعية ذات قدرة قتالية عالية.
وعن الأسباب التي تراها واشنطن ضرورية في بقاء جزء من قواتها بالبلاد، يتابع الشريفي (المقرب من دوائر صنع القرار العراقي) أن واشنطن ترى وجودها ضامنا لاستمرار التحالف بين البلدين، فضلا عن رؤية واشنطن في أن تتوفر لديها قوة قتالية للردع تجاه أي خرق إقليمي للعراق، بحسب تعبيره.
وكيف تتعامل الحكومة مع قرار البرلمان العراقي بإخراج تلك القوات؟
يوضح الشريفي أن القرار لا يعد ملزما للحكومة، على اعتبار أنه لم يحظ بالتوافق السياسي الوطني، خاصة أن الكتل السياسية الكردية والسنية اعترضت على ذلك القرار، إضافة إلى أن بعض الكتل الشيعية لم توافق عليه.
ومن ثَم، يوضح أن الكتل السياسية القريبة من إيران فرضته على بقية الكتل، فتمت الموافقة عليه مجاملة لتلك القوى لا أكثر، على اعتبار أن حادثة اغتيال سليماني والمهندس أدخلت العراق في توترات أمنية خطيرة.
من جهته، يرى الخبير الأمني عبد الخالق الشاهر أن المنطقة تشهد صراعا كبيرا بين واشنطن وطهران للهيمنة على الشرق الأوسط، بما يجعل انسحاب القوات الأميركية من البلاد أمرا بعيد المنال خاصة من قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار (غربا) وقاعدة حرير في محافظة أربيل (شمالا).
وما مدى فائدة جولات الحوار بين البلدين مع إصرار واشنطن على البقاء؟
يعتقد الشاهر أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ووزيري الدفاع والداخلية لا يودون انسحابا أميركيا وشيكا، وبالتالي قد تكون جولات الحوار هذه من أجل كسب الوقت لا أكثر.
ولم يتسنَّ للجزيرة نت الحصول على أي رد من الحكومة العراقية أو قيادة العمليات المشتركة العراقية التي أحجمت عن الرد على هذه التساؤلات رغم العديد من المحاولات.
كيف يمكن استقراء المشهد السياسي فيما يتعلق بالانسحاب الأميركي من عدمه؟
يتفق الباحث السياسي غانم العابد مع تصريحات الشاهر، ويضيف أن التصريحات الأميركية الأخيرة تؤكد أنها لن تنسحب من العراق وأن وجودها سيستمر عسكريا وسياسيا وإن تغيرت المسميات.
وعن كيفية تعامل الحكومة العراقية مع المطالبات الملحة لكتلة الفتح والفصائل المسلحة بالانسحاب الأميركي؟
يتابع العابد في حديثه للجزيرة نت أن الأشهر القليلة المتبقية من عمر الحكومة الحالية لن يجعل تلك القوى قادرة على فرض مزيد من الضغوط على الكاظمي.
ولا يخفي العابد إمكانية استمرار الهجمات المتبادلة بين واشنطن والفصائل المسلحة بما لا يؤدي إلى مواجهة شاملة، لافتا إلى أن علاقات واشنطن ببغداد قد تشهد عقد اتفاقيات جديدة بعد الانتخابات المبكرة المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بما يتوافق مع الخارطة السياسية التي ستفرضها الانتخابات.
أحمد العابد – الجزيرة نت