من المقرر أن تنطلق الإثنين المقبل في 15 أيار، ما يسمى بـ”مسيرة الأعلام” الاستفزازية الإسرائيلية في محيط البلدة القديمة بالقدس المحتلة، إلى باحة حائط البراق.
مسيرة استبقها الاحتلال الإسرائيلي منذ أيام بعدوان على غزة، تواجهه المقاومة الفلسطينية بردّ موحّد وحازم، وسط خشية إسرائيلية من قدرات المقاومة التي لم تدخل المعركة بعد.
أسباب إحياء مسيرة الأعلام
تقام مسيرة الأعلام في “يوم أورشليم” (القدس) الذي يحتفل به الكيان المؤقت في ذكرى سيطرته على القدس الشرقية في حرب عام 1967.
تحركاتها
يشارك في هذا الاحتفال آلاف القوميين اليهود الذين يتوافدون على المدينة ويسيرون عبر شوارعها وأزقتها لإحياء ذكرى احتلال الجزء الشرقي منها ووقوع المدينة تحت السيطرة الإسرائيلية.
تنطلق “مسيرة الأعلام” عادةً من شارع “أغرون”، الذي يشق مقبرة مأمن الله صعودًا باتجاه الباب الجديد، لكنها تنفصل ليتجه قسم من المشاركين إلى باحة حائط البراق من باب الخليل، فيما يواصل البقية سيرهم باتجاه باب العامود ليشقوا أزقة البلدة القديمة باتجاه حائط البراق وهم يهتفون ويرددون شعارات عنصرية مثل “الموت للعرب” و”محمد مات”، ووسط اعتداءات على الفلسطينيين وأصحاب المحال التجارية داخل البلدة القديمة.
أنشطتها
يحمل المشاركون فيها (وبينهم عدد كبير من الصبية والمراهقين) الأعلام الإسرائيلية ومكبرات الصوت وهم يرقصون وينشدون أغان وأناشيد قومية.
الإجراءات الإسرائيلية
تفرض الشرطة الإسرائيلية إجراءات أمنية مشددة يشارك فيها الآلاف من رجال الأمن وعناصر الجيش في القدس والضفة الغربية تحسبًا لوقوع أعمال عنف بين المتطرفين اليهود والفلسطينيين.
بدأت هذه الاحتفالات في عام 1974 لكنها توقفت خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2016 بسبب المواجهات التي كانت تندلع بين المشاركين في المسيرة والفلسطينيين.
عادةً تُجبر الشرطة الإسرائيلية أصحاب المتاجر الفلسطينيين في الحي القديم من المدينة على إغلاق محالهم لمنع حدوث احتكاكات بينهم وبين المتطرفين المشاركين في المسيرة، كما تقيم العديد من الحواجز لمنع وقوع مواجهات بين الفلسطينيين والمشاركين في المسيرة.
المرور بالحي الإسلامي
في عام 2021، وافقت السلطات الإسرائيلية على تنظيم المسيرة التي قادها اثنان من أعضاء الكنسيت من اليمين الصهيوني المتشدّد، إلا أنها تركت موضوع مسار المسيرة للاتفاق بين الشرطة والمنظمين.
وقد أثار ذلك حنق وغضب المشاركين الذين يصرّون على مرورها بالحي الإسلامي، وهذه المسألة كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت 11 يوماً من القصف المتبادل بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال.
الساسة الإسرائيليون المنظمون
من أبرز الساسة الإسرائيليين الذين يعملون على تنظيم هذه المسيرة هذا العام عضو الكنيست عن تحالف “الصهيونية المتدينة” مئير بن غفير المتحالف مع نتنياهو.
وبن غفير هو أحد تلامذة الحاخام المتطرف الراحل مئير كهانا ورئيس حزب “عوتسما يهوديت” الكاهاني الجديد، الذي اندمج في تحالف “الصهيونية المتدينة” قبل الانتخابات في خطوة أشرف عليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
أما الشخص الآخر الذي لا يقل إصرارًا عن بن غفير في تنظيم المسيرة ومرورها عبر الحي الإسلامي وباب العمود فهو بتسلئيل سموتريتش، زعيم تحالف “الصهيونية المتدينة” اليميني المتطرف المعادي للعرب والمسلمين.
صرح سموتريتش في شهر أبريل/ نيسان الماضي بأنه سيتأكد بنفسه من عدم بقاء عرب أو مسلمين في الكيان المؤقت لا يقبلون بحكم اليهود عليهم. جاء كلامه خلال سجال كلامي عبر الإعلام مع النائب عن القائمة العربية المشتركة في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي. وقال سموتريتش إنه سيتأكد: “من عدم بقاء نائب عربي ومسلمين آخرين في إسرائيل إذا لم يعترفوا بأن الأرض تابعة لليهود”.
الأب الأول للمسيرة
الأب الأول للمسيرة هو الرابي تسفي يهودا كوك، الزعيم الروحي والتاريخي للصهيونية اليهودية، الذي يعتبر القائد الروحي حتى للحزب الوطني الديني “المفدال”، الذي ضم كل أجنحة وحركات التيار الديني الصهيوني، بينها “هبوعيل همزراحي”، أولى حركات التيار الديني الوطني، وأصبح لاحقاً يعرف بتيار الدينية الصهيونية.
مع الوقت تزايدت قوة التيار الديني “الوطني”، الذي يشار إليه اليوم بالتيار الديني الصهيوني؛ وسيطر على الحكومات المتعاقبة، سواء حزب “العمل” أو اليسار الإسرائيلي، وحتى سيطر على وزارة التربية والتعليم لسنوات طويلة.
خلال تلك السنوات، ضم التيار الديني طلاب وتلاميذ جهاز التعليم الديني الصهيوني لهذه المسيرة، ونقلها من ساعات المساء إلى ساعات الليل. كما شجع تلاميذ حركة الشبيبة الدينية للتيار الديني الصهيوني “بني عكيفا” للانضمام إلى المسيرة.
وفي هذه السنوات، أضاف التيار الديني طقوس الرقص والغناء المأخوذة أيضاً من تراث الحركة الحسيدية اليهودية، التي كان الرابي كوك تربى على تعاليمها قبل أن يؤيدها التيار الحركة الصهيونية باعتبارها أداة للوصول إلى خلاص اليهود.
وعهد الرابي كوك، ثم مركز الراب في القدس الغربية، بالتعاون ودعم من وزارة التعليم الإسرائيلية، بترتيبات هذه المسيرة مع كل الطقوس التي أضيفت لها لجمعية “عام كلافي”، والتي تعني “شعب كالأسد”.
استفزاز الفلسطينيين
يرى الفلسطينيون أن هذا الاحتفال عمل استفزازي من قبل الجماعات القومية الإسرائيلية وحركات الاستيطان المتشددة، الذين يحاولون المرور عبر الحي الإسلامي في البلدة القديمة، انطلاقاً من باب العمود وصولا إلى حائط المبكى/حائط البراق، أقدس المواقع لدى اليهود حيث يجتمع المشاركون في نهاية المسيرة.
تاريخ مسيرة الأعلام
عام 1968: نظمت المسيرة لأول مرة على يد الحاخام يهودا حزاني من المدرسة الدينية المعروفة باسم ميركاز هراف-مركز الحاخام وتحولت إلى تقليد سنوي.
تنظم المسيرة في ما يعرف بيوم القدس الذي يحي فيه الكيان المؤقت ذكرى احتلال الشطر الشرقي من القدس عام 1967، والذي تسميه يوم توحيد القدس وإحلال السيادة الإسرائيلية واليهودية على المدينة والأماكن الدينية اليهودية فيها.
ازداد عدد المشاركين في المسيرة من عام إلى عام ويقدر عددهم حاليا بأكثر من 30 ألف مشترك معظمهم من الوطنيين المتدينين من القدس ومستوطنات الضفة الغربية المحتلة وكافة أنحاء الكيان المؤقت.
تجبر قوات الاحتلال الفلسطينيين على إغلاق محالهم التجارية بالتزامن مع مرور المسيرة من البلدة القديمة حيث يعتدي المشاركون فيها بشكل استفزازي على بيوت ومحال الفلسطينيين ويطلقون شعارات “الموت للعرب” ويرقصون حاملين الأعلام الإسرائيلية.
يموّل المسيرة جمعية “عام كالبيا” الدينية الاستيطانية وبلدية القدس ووزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وشركة تطوير وإعادة تأهيل الحي اليهودي، ووصل حجم التمويل عام 2018 إلى نحو 300 ألف دولار.
بين الأعوام 2010-2016 منعت شرطة الاحتلال الإسرائيلي المشاركين في المسيرة من الدخول إلى البلدة القديمة عبر باب الأسباط.
عام 2011: حوّلت شرطة الاحتلال الإسرائيلي مسار المسيرة ليمر من حي الشيخ جراح مرورا بشارع رقم 1 الذي يفصل شطري القدس الغربي والشرقي وسمحت للمشاركين فيها بدخول البلدة القديمة من أبواب عدة.
بين عامي 2015-2016: رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية التماسات قدمتها جمعيات يسارية وحقوقية إسرائيلية لمنع مرور المسيرة من الحي الإسلامي.
عام 2017: في الذكرى الـ50 لاحتلال القدس سمح للمشاركين في المسيرة بالطواف حول أسوار البلدة القديمة والدخول إليها أيضا من باب المغاربة.
عملية سيف القدس
عام 2021: تحت تهديد المقاومة الفلسطينية منعت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو مرور المسيرة عبر باب العامود وحوّلتها إلى باب الخليل.
المقاومة الفلسطينية أطلقت دفعة من الصواريخ صوب القدس، مما أجبر أجهزة الأمن الإسرائيلية على تفريق المسيرة على الفور، واندلعت إثر ذلك عملية “سيف القدس” حسب التسمية الفلسطينية، و”حارس الأسوار”، حسب التسمية الإسرائيلية.
بعد سيف القدس
عقب انتهاء الحرب على غزة أعيد تنظيم مسيرة الأعلام في 15 يونيو/حزيران 2022، ضمن المسار التقليدي واعتبر ذلك أول قرار مهم للحكومة آنذلك في الكيان المؤقت برئاسة نفتالي بينيت حيث مرت من باب العامود وسط حالة توتر وترقب شديدة.
عام 2022: قرّر منظمو المسيرة تحديد عدد المشاركين في عبور القدس القديمة وصولا إلى حائط البراق بـ16 ألف شخص، نصفهم سيسير عبر باب العامود إلى طريق الواد، بينما سيمر النصف الآخر عبر باب الخليل.
حشدت شرطة الاحتلال الإسرائيلي نحو 3 آلاف عنصر لتأمين مسار المسيرة واستدعت 3 كتائب تابعة لحرس الحدود من صفوف الاحتياط، فضلا عن نشر آلاف أفراد الشرطة في كافة أنحاء الكيان المؤقت مخافة حدوث أي تدهور أمني، وأعلن عن وضع الشرطة في حالة تأهب قصوى.
وسّع الجيش الإسرائيلي من دائرة انتشار منظومة القبة الحديدية حول القدس وفي مناطق عدة في وسط وجنوب إسرائيل، تحسبا لإطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخ وقت تنظيم المسيرة.
زعيم منظمة “لاهافا” المتطرفة بنتسي غوبشتاين دعا لاعتبار اقتحام الأقصى هو يوم البدء بهدم قبة الصخرة المشرفة، وأُرفقت دعوته هذه بتصميم يضم جرافة تنهش قبة المصلى الذهبية.
بعد يوم واحد من إطلاق هذه الدعوة صادق وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومير بارليف بعد اجتماع عقده مع المفتش العام للشرطة يعقوب شبتاي على مرور “مسيرة الأعلام” من باب العامود والحي الإسلامي في البلدة القديمة وصولا إلى حائط البراق.
تحذيرات الفصائل الفلسطينية
سبق وحذّرت الفصائل الفلسطينيّة من التداعيات المترتبة على مسيرة الأعلام التي نظّمها المستوطنون العام الماضي، وأكدت أنها لن تسمح بالمساس بمنجزات معركة “سيف القدس”.
وقالت غرفة العمليّات المشتركة التابعة للفصائل: “إن الشعب الفلسطيني لن يسمح بكسر قواعد الاشتباك والعودة إلى مربع الاستفزازات”.
قالت حركة “حماس” إن تجاوز الحكومة الإسرائيلية للخطوط الحمراء سيفجّر الأوضاع، ودعت الوسطاء وصناع القرار في المنطقة إلى الضغط على الكيان المؤقت لكبح جماحها.
أكدت “حماس” في بيانها أن “المقاومة لن تتخلى عن واجبها في حماية الشعب الفلسطيني ومقدساته وأنها جاهزة للتعامل مع جميع السيناريوهات”.
مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير