نشر موقع «ميدل إيست آي» تقريرًا للصحافي ريحان الدين، يشير في بدايته إلى تقرير جديد أفاد بأن ما لا يقل عن 47 من أفراد قبيلة الحويطات السعودية اعتُقلوا أو احتُجزوا لمقاومتهم إخلاء المنطقة ليفسحوا المجال لمدينة نيوم العملاقة.
ونشرت منظمة القسط لحقوق الإنسان تقريرًا بعنوان «الجانب المظلم من نيوم» يوم الخميس (16 فبراير/شباط)، ذكرت أسماء جميع المعتقلين أو المختفين بسبب معارضتهم للمشروع، ووثق التقرير تفاصيل انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت ضد الذين جرى إخلاؤهم.
إخلاء قسري
أوضح ريحان الدين أن المدينة السعودية الجديدة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار (والتي يزعم المنظمون أنها ستكون 33 ضعف حجم مدينة نيويورك) من المخطط أن تشمل المدينة الكبرى مشروع «ذا لاين» بطول 170 كيلومترًا، وهو مدينة من ثمانية جوانب تطفو على الماء، ومنتجع تزلج مع قرية عمودية مطوية، فضلًا عن المشروعات الفخمة والمعمارية الصعبة الأخرى.
يجري بناء المشروع في محافظة تبوك شمال غربي المملكة، حيث عاشت قبيلة الحويطات النازحة حتى وقت قريب منذ قرون. ووجد التقرير أن 15 من أفراد القبيلة حُكم عليهم بالسجن تتراوح أعمارهم بين 15 و50 عامًا، وحكم على خمسة بالإعدام؛ واحتُجز 19 آخرون دون معلومات إضافية عن مصيرهم، بينما أُطلق سراح ثمانية.
ويشير التقرير إلى تمديد ملحوظ في أحكام السجن منذ منتصف عام 2022، تزامنًا مع إعادة تهيئة وضعية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان داخل المجتمع الدولي، بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
وقالت لينا الهذلول، رئيسة المراقبة والاتصالات في منظمة القسط لموقع «ميدل إيست آي» أثناء إطلاق التقرير في لندن: «العلاقة واضحة. كلما جرت إعادة تأهيل (ولي العهد) محمد بن سلمان، ساءت الأمور».
تمديد العقوبات
يذكر ريحان الدين أنَّه حُكم على عبد الإله راشد إبراهيم الحويطي، وعبد الله دخيل الله الحويطي بالسجن لمدة 50 عامًا، وحظر سفر لمدة 50 عامًا لدعمهم رفض عائلتهم للإخلاء القسري لإفساح المجال لبناء نيوم، كما ذكرت «ميدل إيست آي» في سبتمبر (أيلول).
واعتقلت مها سليمان القرني الحويطي، المرأة الوحيدة المعروفة من بين المعتقلين، في فبراير (شباط) 2021 لتغريدها على «تويتر» عن تكاليف المعيشة، والحداد على وفاة أحد أفراد القبيلة.
وحُكم عليها في البداية بالسجن لمدة عام، ثم زادت المدة إلى ثلاث سنوات عند الاستئناف. وفي أغسطس (آب) 2022، في انتهاكٍ للقانون السعودي، أعيدت محاكمتها بالتهم نفسها وحُكم عليها بالسجن 23 عامًا.
ويشير ريحان الدين إلى أنَّه في أبريل (نيسان) 2020 قُتل الناشط القبلي عبد الرحيم الحويطي بالرصاص بعد وقت قصير من تصويره مقاطع فيديو احتجاجًا على إخلائه لإفساح المجال أمام المدينة الضخمة.
ووفق التقرير، اعتقل أحمد عبد الناصر الحويطي، ابن شقيق عبد الرحيم، في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 لتعبيره عن تعاطفه مع وفاة عمه وبتهمة «سعيه لزعزعة النسيج الاجتماعي وتفكيك التماسك الوطني». وقد أدين في البداية بعقوبة السجن لمدة خمس سنوات، ثم زادت إلى 21 سنة عند الاستئناف.
ومن بين الخمسة المعروفين المحكوم عليهم بالإعدام شاذلي أحمد محمود الحويطي شقيق عبد الرحيم. واختفى شاذلي قسريًّا في البداية لمدة شهرين في أواخر عام 2020، قبل اتهامه بـ«إنشاء منظمة إرهابية للتمرد على الحاكم وإنشاء حساب على تويتر لتمزيق التماسك الوطني».
في مايو (أيار) 2022، أضرب عن الطعام بعد أن وُضع في الحبس الانفرادي في سجن ذهبان، فجرى إطعامه قسريًّا عبر أنبوب في معدته. وأكد التقرير أن «هذه العقوبات القاسية المفروضة على أفراد قبيلة الحويطات هي جزء من اتجاه أوسع بدأ في صيف عام 2022، حيث حكم على الأفراد بالسجن لفترات طويلة تصل إلى 50 عامًا لمجرد نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي والسياسي».
وأشار التقرير إلى «أن هذه التطورات مجتمعة تمثل تدهورًا حادًّا في أوضاع حقوق الإنسان بعد تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع محمد بن سلمان».
أخبرت الهذلول «ميدل إيست آي» أنه عقب زيارات بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، والرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى السعودية العام الماضي، حدثت «موجة جماعية من عمليات الإعدام» و«أحكام مطولة لم يسبق لها مثيل. ولا تريد الحكومة حتى إخفاء ذلك، لقد كانت الرسالة واضحة للشعب: لديَّ ضوء أخضر لقمعكم. أنتم مكمَّمون والعالم يحميني».
وأشارت إلى أن السلطات السعودية «زادت بشكل كبير» من استخدام عقوبة الإعدام في عام 2022، مقارنة بعام 2021، حيث أعدمت ضعف عدد الأشخاص.
عمليات الإخلاء تمثل خرقًا للقانون الدولي
ينقل ريحان الدين عن التقرير كيف طردت السلطات السكان، غالبًا ضد إرادتهم، في انتهاك للقانون الدولي. وفي مارس (آذار) 2020، أرسلت السلطات قوات خاصة، وأحيانًا 40 سيارة في كل مرة، لمداهمة منازل من يقاومون الإخلاء وترهيبهم.
وذكر التقرير أن القوات السعودية ألقت القبض على 20 مواطنًا لقدومهم للدفاع عن طفل مخطوف. وزُعم أن القاصر قد اختطفته الشرطة السرية بعد أن كتب شعار «لن نغادر» على الجدران. وأضاف أن معظم الذين جرى إجلاؤهم أجبروا على شراء منازل في الأحياء الفقيرة في محافظة تبوك بسبب قلة التعويضات التي حصلوا عليها.
وذكر التقرير أن مصادرة المنازل تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، اللذين صادقت عليهما السعودية. ووجدت منظمة القسط أن السلطات تصرفت بطريقة تمييزية ضد أفراد القبائل، ولم تحترم الإجراءات القانونية الواجبة، في انتهاك للعديد من الاتفاقيات الدولية.
ويشير التقرير إلى أن العديد من الشركات العالمية قدمت خدمات استشارية ووقعت اتفاقيات مع نيوم، ومن ثم فهي «تتحمل مسؤولية حقوق الإنسان للشركات». وجاء في بيان القسط: «تدعو القسط الشركات المشاركة في نيوم إلى إعادة تقييم مشاركتها في مشروع نيوم، والاستعداد للانسحاب، ما لم تجر معالجة الآثار السلبية على حقوق الإنسان».
ويختتم ريحان الدين بأنَّه من بين الشركات التي قيل إنها منخرطة في نيوم مجموعة بوسطن الاستشارية، وماكينزي وشركاه، وسامسونج، وأوليفر وايمان.
ساسة بوست