تنفذ الولايات المتحدة حصاراً تقنياً على الصين لمنع تحولها لقوة عظمى تكنولوجية، مهددة بإشعال حرب اقتصادية ضروس قد تضر بأغلب دول العالم بما فيها حلفاء واشنطن، ولكن من يفوز في الحرب بين أمريكا والصين في مجال التكنولوجيا، وهل تتحول بكين لقوة عظمى تكنولوجية أم تهزم أمام هذا الحصار؟
ففي البيئة الدولية المشحونة اليوم، توفر الابتكارات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، والروبوتات، وتكنولوجيا الكم، وتكنولوجيا الفضاء بشكل عام مزايا استثنائية للدول وتشكل محور المنافسة الرئيسية في العالم.
وبدأت الصين، التي جذبت الانتباه من خلال استثماراتها وسياساتها في هذه المجالات، في الظهور كخصم مهم للولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
في عام 2021، أعلنت أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، في جلسة للكونغرس، أن بكين أصبحت أولوية لا تُضاهى بالنسبة لوكالات الاستخبارات الأمريكية. في الواقع، أصبحت الصين منافساً شبه ندٍّ يتحدى الولايات المتحدة بصورة متزايدة في العديد من المجالات.
وتهدف الصين إلى الاستفادة من الفرص السياسية والاقتصادية والعسكرية والتجارية التي توفرها التقنيات المبتكرة لتصبح رائدة العالم في مجال التكنولوجيا. وتهدف استراتيجية الصين، التي تعمل بموجبها جميع آليات الدولة الصينية معاً، إلى زيادة الدعم للشركات المملوكة للدولة، وإعطاء الأولوية لأنشطة البحث والتطوير، وضمان التصنيع عالي التقنية، وتعزيز برامج الابتكار. لكن ماذا يعني هذا النهج الذي أثار قلق الدول الغربية مؤخراً؟
الصين من مقلد بليد للمنتجات الروسية والغربية للتفوق على موسكو وأحياناً واشنطن
في أوائل عام 2006، أعلن مجلس الوزراء الصيني أنه يرى التكنولوجيا المبتكرة كخيار استراتيجي ضمن الخطة الوطنية المتوسطة والطويلة الأجل لتطوير العلوم والتكنولوجيا (2006-2020). في هذا السياق، بدأت الصين، التي تركز على تعزيز قدراتها في مجالات مثل الطائرات المسيَّرة والفضاء، في نشر استخدام التقنيات الرقمية والأتمتة بما يتماشى مع خطط التنمية الخمسية.
في إطار برنامج 973، الذي بدأ في عام 2009 بتنسيق من وزارة العلوم والتكنولوجيا، زادت الصين من دعمها للعديد من البرامج العلمية، بما في ذلك تكنولوجيا الكم، وتقنيات الفضاء والأقمار الصناعية، والقدرات السيبرانية، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وأنظمة التشغيل الآلي، والروبوتات.
ركزت الصين، التي قننت أهدافها التكنولوجية في عام 2015 عندما أعلنت عن خططها “صنع في الصين 2025” بشكل خاص على الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، وتقنيات الكم، والبيانات الضخمة. يوفر التطور التكنولوجي أيضاً فرصاً اقتصادية واسعة النطاق للصين، رغم استمرار التحديات في تطوير صناعة التكنولوجيا الفائقة ولكن زادت حصتها في السوق.
وتهدف الخطة لأن تصبح الشركات الصينية قادرة على المنافسة عالمياً في 10 صناعات، في طريقها لتصبح مهيمنة عالمياً في وقت لاحق من هذا القرن، من بينها صناعة التكنولوجيا خاصةً الرقائق، وهي الخطة التي أقلقت أمريكا بشدة.
في المواجهة مع شركات التكنولوجيا الكبرى مثل الولايات المتحدة، يحاول صانعو السياسة الصينيون زيادة قدراتهم على أن يصبحوا ممثلاً يمكنه التنافس في السوق العالمية مع شركات مثل علي بابا، وتينسنت، وهواوي، وشاومي، وبايدو.
الغرض الآخر من استثمارات الصين في التكنولوجيا المبتكرة هو دمج هذه القدرات وغيرها من التقنيات ذات الاستخدام المزدوج في المجال العسكري. بدأت الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ إصلاح جيش التحرير الشعبي في عام 2015 كجزء من سياسة التكامل المدني والعسكري، ومنذ ذلك الحين حسنت قدرات قوات الدعم الاستراتيجي لجيش التحرير الشعبي في عدة مجالات، بما في ذلك الفضاء والحرب الإلكترونية.
وهكذا، أثناء تحديث جيشها، تهدف الصين أيضاً إلى تطبيق عقيدة عسكرية جديدة تقوم على المنافسة في الفضاء والحروب المستقبلية.
وتماشياً مع هذه العقيدة وهدف إعادة هيكلة قواتها المسلحة، فإن الشركات المملوكة للدولة وشركات التكنولوجيا الخاصة والجامعات ومراكز الأبحاث تنسج شراكةً مع الجيش الصيني. في هذه المرحلة، تبرز تكنولوجيا الكم، والقدرات الإلكترونية، وبرامج الفضاء، والأتمتة، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي كمكونات أساسية لاستراتيجية التكامل المدني العسكري في الصين.
منحت الصين، التي أنشأت اللجنة المركزية للتنمية العسكرية والمدنية المتكاملة في عام 2017 لتنسيق سياسات التكامل المدني العسكري، لهذه اللجنة صلاحيات واسعة لتحديد الاحتياجات وتوريدها.
وسعت الصين، التي أرسلت قمراً صناعياً كمياً إلى الفضاء في عام 2016 لزيادة قدراتها العسكرية، وإلى فرص تحسين قدراتها الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع واكتساب ميزة على المنافسين العالميين.
وبالمثل، بدأت مجموعة 360 Enterprise Security Group الصينية، وهي أول مركز للابتكار في مجال الأمن السيبراني المدني والعسكري في البلاد، في إنشاء أنظمة دفاع إلكتروني لتلبية الاحتياجات العسكرية.
والنتيجة أنه بينما كان ينظر للصين أنها مقلد بليد للمنتجات العسكرية الروسية وأحياناً، الغربية، التي تقع يدها عليها، قدمت البلاد في السنوات الماضية مجموعة من الأسلحة المتطورة التي تتفوق على نظيراتها الروسية، وتشبه أسلحة أمريكية لم يسبق تصديرها، في مؤشر على أن بكين حصلت على هذه التقنيات عبر القرصنة والتجسس الإلكتروني والبشري، وحتى المحاكاة عن بُعد، من هذه الأسلحة الطائرة الصينية الشبحية J-20 التي دخلت الخدمة حتى قبل الطائرة الشبحية الروسية سوخوي 57، والتي يعتقد أنها متأثرة بالطائرات الشبحية الأمريكية مثل إف 22 رابتور، والـ”إف 35″، أكثر من نظيراتها الروسية، وكذلك الطائرة الشبحية الصينية J-31 التي تطورها شركة صينية بجهود ذاتية ويعتقد أنها مشابهة بشكل كبير للطائرة الأمريكية إف 35.
وجاء التفوق الصيني على روسيا في بعض تقنيات الطيران الحربي نتيجة للقرصنة على الغرب من ناحية، ونتيجة أيضاً للتطور الصيني للتكنولوجيا المدنية للإلكترونيات؛ مما جعلها تنتج رادارات للمقاتلات أكثر تطوراً من روسيا معلمتها الأولى في المجال العسكري.
وفي مجال الطائرات المسيرة، تقدمت الصين بشوط كبير على روسيا، وأصبحت تتنافس على المركز الثاني مع إسرائيل وتركيا، ومتفوقة حتى على الدول الأوروبية بينما ما زالت الولايات المتحدة الأولى بلا منازع حتى الآن.
غير أن ثمة مجالاً بعينه أصبحت فيه الصين (وكذلك روسيا) متفوقة على أمريكا بشكل واضح، وهو مجال الصواريخ فرط الصوتية (أي التي تسير بسرعة تفوق 5 أضعاف سرعة الصوت مع القدرة غالباً على المناورة)، حيث تعيش الولايات المتحدة حالة من القلق بسبب الصواريخ فرط الصوتية الصينية والروسية وحتى الكورية الشمالية، التي لا تستطيع الدفاعات الأمريكية الحالية وقفها، الأمر الذي دفع البنتاغون إلى تعزيز جهوده لتطوير نظام الدفاع ضد الصواريخ فرط الصوتية.
ترامب أطاح بهواوي من سوق الهواتف، ولكن شركات صينية ورثت حصتها
بالنسبة لواشنطن، أصبحت القدرة التكنولوجية المتزايدة للصين إحدى القضايا الرئيسية في العلاقات الثنائية مع بكين. نظراً لرغبة صانعي القرار الأمريكيين في الحفاظ على ريادة واشنطن العالمية في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، أصبح التكامل المدني والعسكري في بكين وتطوير تقنيات الاستخدام المزدوج تحديات حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة.
لذلك، في وقت مبكر من عام 2010، تبنت واشنطن في ظل إدارة أوباما استراتيجية للحد من الصعود الاقتصادي السريع للصين. وبعد تولي الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب السلطة عام 2016، تبنى سياسة أكثر عدوانية تنطوي على عقوبات اقتصادية وتكنولوجية. لقد ألحقت السياسة القائمة على العقوبات خسائر كبيرة بالشركات الصينية مثل هواوي.
ولكن المفارقة أنه في مجال مبيعات الهواتف الذكية فإن الشركات التي أخذت معظم حصة هواوي من السوق بعد انهيار مبيعاتها جراء منعها من البرمجيات الأمريكية والمعدات المصنوعة لدى أمريكا وحلفائها، هي شركات صينية أخرى مثل أوبو وشاومي، فيما مازالت هواوي تحافظ على وضع قوي في سوق شبكات المحمول، حتى بعد أن طردت من الدول الغربية وحلفاء أمريكا الآسيويين جراء ضغوط واشنطن.
وتستمر سياسة واشنطن في محاربة الصين في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن، رغم اختلاف الأساليب.
ورغم ذلك، يمكن القول إن سياسة واشنطن تجاه الصين لم تتضح بعد. ومع ذلك، يمكن تمييز أربعة معايير أساسية هي: الحفاظ على قيادتها التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية، والحد من نفوذ الصين في سوق التكنولوجيا من خلال تعميق التعاون مع حلفائها، وإنتاج تقنيات بديلة، وبناء هيكل سياسي تقني ضد المنافسة الصينية.
على سبيل المثال، يُعد تركيز الناتو الوثيق على الصعود التكنولوجي للصين مؤشراً مهماً على قلق الغرب. دفعت الشركات الغربية للحد من التعاون مع الصين، وفي بعض الحالات شُرِّعَت بعض القيود. وبُذِلَت جهودٌ للحد من استحواذ بكين على الشركات الغربية.
رغم الحصار الأمريكي التقني للصين، فإن منع التكنولوجيا عنها ليس سهلاً
ومع ذلك، فإن ظروف ومجالات المنافسة في عالم اليوم لا تستند فقط على النموذج الأمني. تتفاعل المؤسسات والجهات الفاعلة في النظام العالمي الحالي عن كثب مع الصين. بعبارة أخرى، في البيئة التنافسية اليوم، لا يوجد هيكل ثنائي القطب. ويتعين على العديد من الجهات الفاعلة، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها، التفاعل مع الصين في مجالات متنوعة. وهذا الوضع يعقِّد نطاق ومستقبل الحملة المعادية للصين.
علاوة على ذلك، لا تقتصر المنافسة التكنولوجية على المساحات المادية أو الجيوسياسية فقط، إذ إن البيئة التنافسية تتجاوز الدول والمؤسسات والشركات والجهات الفاعلة الأخرى لتشمل مجالات المعلومات والبيانات. هذه المنافسة في الفضاء الرقمي ليست منطقة يمكن فيها للدول أو الحكومات أو الجهات الفاعلة الأخرى ممارسة هيمنة مباشرة. يزيد هذا الموقف من أهمية المناقشات حول مستقبل البيئة التنافسية اليوم.
بكين تستفيد من تقنيات مولها البنتاغون لتطوير أسلحتها دون أن تدري!
فإذا كانت عمليات القرصنة والتجسس الصينية كبّدت أمريكا، نحو 12 تريليون دولار، وتهدّد بالإطاحة بريادتها للعالم، فلقد تبين أنه حتى دون هذه العمليات فإن استفادة الصين من التكنولوجيا الأمريكية العسكرية تتم أحياناً بشكل شرعي.
فقلد تبين أن البنتاغون يساعد بكين أحياناً، دون أن يدري، على تطوير قدراتها العسكرية، عبر استفادة الصين من التكنولوجيا الأمريكية العسكرية المتاحة في الأسواق، والمنافذ الشرعية.
فلقد اشترت مجموعات البحث العسكرية الصينية التي لعبت دوراً في برامج الصواريخ فرط الصوتية العديد من المنتجات الأمريكية، بما في ذلك منتجات طورتها شركات أمريكية تلقت ملايين الدولارات في شكل مِنح وعقود من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
هذه الحقيقة الصادمة كشفها تحقيق استقصائي لصحيفة The Washington Post الأمريكية تضمن حوارات مع علماء صينيين عاملين في المجال العسكري أكدوا استفادتهم من منتجات أمريكية مول البنتاغون تطويرها، إضافة لفحص عقود معاملات تجارية بين شركات أمريكية وصينية.
وحددت الصحيفة أكثر من 300 عملية بيع منذ عام 2019 لتكنولوجيا أمريكية المنشأ لعشرات الكيانات المشاركة في برامج الصواريخ أو برامج الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في الصين.
بعض الشركات الأمريكية التي تصل منتجاتها إلى مجموعات الأبحاث العسكرية الصينية المعنية بالصواريخ فرط صوتية هي في الوقت ذاته مستفيدة من منح وزارة الدفاع الأمريكية لتحفيز الابتكار المتطور، مما قد يعني أن البنتاغون يدعم، دون قصد، مسيرة التقدم العسكري الصيني، حسبما قال إيان بويد، مدير مركز مبادرات الأمن القومي في جامعة كولورادو الأمريكية.
وقال علماء يعملون في الشبكة المترامية الأطراف لأكاديميات الأبحاث العسكرية الصينية والشركات التي تساعدهم في مقابلات مع الصحيفة إن التكنولوجيا الأمريكية – مثل برامج هندسة الطيران عالية التخصص- تسد الفجوات الحرجة في التكنولوجيا المحلية، وهي مفتاح التقدم في الأسلحة الصينية.
الانفصال بين البلدين سيلحق ضرراً بكليهما
المشكلة أن محاولة أمريكا محاصرة الصين تكنولجياً والانفصال عنها اقتصادياً ليست بالأمر السهل، لأن اقتصادي البلدين مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، نظراً لأن الدولتين لديهما شراكة تجارية كبيرة للسلع والخدمات والاستثمار والتصنيع وسلاسل التوريد.
فالعولمة بمفهومها الحديث تكاد تكون نتاج شراكة صينية أمريكية، مع دور أوروبي وآسيوي كبير، حيث يقدم الهاتف الشهير الآيفون، نموذجاً واضحاً لذلك، حيث يصمَّم في أمريكا ويُصنَّع في الصين، ويستهلك في بقية العالم.
وتمتلك الصين ورقتي ضغط قويتين في مجالين قد يمثلان خطراً كبيراً على الولايات المتحدة، حسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
الورقتان هما الهيمنة على موانئ الحاويات في العالم، وإمدادات العناصر الأرضية النادرة البالغة الأهمية ليس فقط في قطاع تكنولوجيا المعلومات، بل أيضاً في إنتاج السيارات الكهربائية والهجينة، والمقاتلات النفاثة، وأنظمة توجيه الصواريخ.
وفي قطاع التصنيع، تجد الصين نفسها في موقفٍ جيد بفضل وفرة المعادن المميزة التي تُعرف بالمعادن الأرضية النادرة، وهي من المكونات الرئيسية لمنتجات متقدمة تكنولوجياً في مجال الطاقة النظيفة، مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية والسيارات الكهربائية، وفي أسلحة عدة من المقاتلات النفاثة إلى الغواصات النووية.
ووفقاً للمسح الجيولوجي الأمريكي في 2020، أنتجت الصين 58% من المعادن الأرضية النادرة، وانخفضت النسبة من 90% قبل أربعة أعوام، إذ توسعت الولايات المتحدة وأستراليا في تعدين هذه العناصر.
واعتباراً من 2018، استوردت الولايات المتحدة 80.5% من المعادن الأرضية النادرة من الصين. وفي مايو/أيار من ذلك العام، أضافت إدارة ترامب هذه المعادن إلى قائمة من المعادن التي تُعتبر بالغة الأهمية للأمن الاقتصادي والوطني الأمريكي. وفي يوليو/تموز 2019، أعلنت الإدارة هذه العناصر “جوهرية للدفاع الوطني”، ما أتاح تخصيص موارد لوزارة الدفاع لتتحرك من أجل تأمين القدرات الإنتاجية المحلية للعناصر الأرضية النادرة.
وحتى إن زادت الولايات المتحدة من تعدينها لهذه العناصر، سيتطلب تكريرها تكنولوجيا متخصصة وعمالة مدربة واستثماراً أولياً مرتفعاً. وبسبب نقص هذه العوامل في الولايات المتحدة، تستمر الصين في شبه احتكار معالجة الخامات، مع شحن المواد الخام التي تحتوي على هذه العناصر الثمينة من خارج الصين إلى المواقع الصينية.
المشكلة الكبرى في أشباه الموصلات
كما أن فصل الولايات المتحدة تماماً عن الصين من شأنه أن يقوض الريادة الأمريكية في مجال أشباه الموصلات، حسبما قال جون نيوفر، الرئيس والمدير التنفيذي لاتحاد صناعة أشباه الموصلات بالولايات المتحدة.
واعتماداً على مدى الفصل، فإن فقدان الوصول إلى العملاء الصينيين لصناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة من شأنه أن يتسبب في خسارة 54 مليار دولار إلى 124 مليار دولار في الناتج الأمريكي، مما قد يؤدي بالمخاطرة بأكثر من 100 ألف وظيفة في الولايات المتحدة، و12 مليار دولار في الإنفاق على البحث والتطوير، و13 مليار دولار في الإنفاق الرأسمالي.
في المقابل، فإن الصين قد تعاني بدورها بشدة من الانفصال عن الولايات المتحدة، ليس فقط لأن صادراتها لأمريكا أكبر بكثير من وارداتها فقط، ولكن بسبب القصور الصيني الذي ما زال مستمراً في مجال بعض التكنولوجيات الشديدة الأهمية مثل الأجزاء الأكثر حساسية والمحورية في المنتجات الإلكترونية التي تأتي من الولايات المتحدة أو بعض حلفائها الغربيين، والآسيويين، وتكنولوجيا محركات الطائرات والسيارات.
الحرب بين أمريكا والصين في مجال التكنولوجيا ستضر حلفاء واشنطن
في هذا الإطار تظهر على وجه الخصوص، مخاطر حرب الرقائق الإلكترونية التي أطلقتها أمريكا ضد الصين.
فلقد أطلقت الولايات المتحدة العنان لعملية “خنق كاملة” للصين في إطار حرب الرقائق بغض النظر عن العواقب المحتملة، وضمن ذلك التأثير على حلفائها، حسبما ورد في تقرير لموقع Asia Times.
وتهدد حرب الرقائق التي أشعلتها أمريكا ضد الصين بخسائر قياسية لشركات تصنيع الرقائق اليابانية والكورية الجنوبية والتايوانية والعديد من الشركات الأوروبية، بينما تحقق مكاسب كبيرة لأمريكا.
وتقول الولايات المتحدة إن هذه القيود ضرورية للحد من نقل التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج العسكري المدني للصين، ولذا تم حظر متطلبات الترخيص الجديدة للعناصر الموجهة لمنشأة تصنيع الرقائق في الصين، وتهدف الإجراءات الجديدة إلى وقف شركات الرقائق الصينية عند مستوياتها الحالية من التقدم.
وتعد قيود التصدير الجديدة مقدمة لزيادة الحمائية التكنولوجية التي قد تؤدي إلى مزيد من اضطرابات إمدادات الرقائق، ويعتقد أن ضوابط التصدير ستعرقل التجارة الدولية.
هل تؤدي حرب الرقائق إلى وقف تقدم بكين؟
ومن المؤكد أن الإجراءات الأمريكية، بقدر ما تمثل تحدياً كبيراً للصين، فإنها ستشكل حافزاً لها للتغلب على قصورها التقليدي في تصنيع الرقائق الإلكترونية الأصغر والأكثر تقدماً وتعقيداً.
ودعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال مؤتمر الحزب الشيوعي في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، إلى مضاعفة الجهود “لكسب المعركة في التقنيات الأساسية الرئيسية”.
ولقد أصبحت الصين بالفعل تهديداً متزايداً للقيادة الأمريكية في المجالات التكنولوجية، مما أدى إلى إطلاق إدارة بايدن “حرب الرقائق ضد الصين”، حسب وكالة Bloomberg الأمريكية.
وحرب الرقائق الأمريكية ضد الصين لها ثلاثة تأثيرات رئيسية، وفقاً لتحليل أجراه فريق Fathom China في مجموعة Gavekal Dragonomics البحثية المعنية بالصين:
أولاً: سيمنع الأمريكيون وصول الصينيين إلى “الآلات الأساسية وقطع الغيار ومهندسي الصيانة” لصنع الرقائق التي تتجاوز مستوى التطور الذي يعود إلى عام 2014.
ثانياً: ستمنع الشركات الصينية من شراء أدوات البرمجيات اللازمة لتصميم الرقائق، وكذلك من صنع الرقائق في “مسابك الطرف الثالث التي تستخدم تكنولوجيا أمريكية المنشأ” (مثل تايوان وكوريا الجنوبية).
ثالثاً: يُمنع جميع العملاء الصينيين، وليس الجيش الصيني فقط، من استخدام الشرائح المتقدمة المستخدمة في العمليات الأكثر تعقيداً، مثل التعلم الآلي والحوسبة الفائقة.
من غير المؤكد بالضبط ماذا ستكون نتيجة حرب الرقائق الإلكترونية، وإلى أي مدى ستتصاعد.
فلقد تطورت صناعة الرقائق على مدى عقود من العولمة غير المقيدة، خلال ذلك الوقت ابتكرت الشركات الأمريكية تصميمات جديدة، تم تصنيعها في الأغلب من قبل شركة تايوان لأشباه الموصلات “TSMC”، وهيمنت الشركة الهولندية ASML Holding NV على معدات تصنيع الرقائق، فيما قدمت الشركات اليابانية المواد الكيميائية المتخصصة الحيوية، بينما قامت الصين بالتعبئة والتجميع والاختبار.
ورغم أن بكين تستثمر بشكل كبير لإيجاد بدائل لهذه المنتجات، فإنها لم تتمكن من تحقيق ذلك أو على الأقل من توفير بدائل قريبة من مستوى إنتاج الدول الغربية والآسيوية الحليفة لواشنطن.
ويظهر فشل شركة Huawei الصينية بعد العقوبات الأمريكية عليها عدم قدرة الصين على الوصول إلى الاعتماد الذاتي على التكنولوجي بعد.
ويسلط خبراء الصناعة الضوء على أن تطوير إنتاج الرقائق المتطورة سيكون تحدياً هائلاً للصين، ولكن يرون في الوقت ذاته أن جهود الولايات المتحدة لقطع الطريق على المشترين الصينيين ستثبت في النهاية أنها تضر بشكل كبير بالشركات الغربية، حسبما تنقل عنهم Bloomberg.
لكن التاريخ الصناعي الحديث يشير إلى أن الصين ستنتصر من حيث المنافسة، حسب الوكالة الأمريكية.
فعلى سبيل المثال، أصبحت الشركات الصينية الآن من الرواد العالميين في مجال السكك الحديدية عالية السرعة، بعد أن التقطت التكنولوجيا التي تحتاجها في أعقاب تنفيذ عمليات البناء الأولية من قبل الشركات الأجنبية وضمن ذلك شركة Siemens AG الأوروبية وAlstom SA.
“هذه المنتجات هي تقنيات وليست أدوات سحرية”، حسبما قال دان وانغ، محلل التكنولوجيا الصيني في Gavekal Dragonomics، لوكالة Bloomberg.
وأضاف أن المهمة الصينية هي إعادة اختراع كثير من العجلات الموجودة بالفعل لدى الآخرين (والصينيون لهم خبرة لا تضاهى في استنساخ التكنولوجيا).
ويرى أنه من المحتمل أن تؤدي هذه الإجراءات إلى “تسريع الاكتفاء الذاتي للصين في كثير من التقنيات المختلفة على المدى الطويل”.
في هذه الحالة ستكون أمريكا قد قدمت خدمة جليلة لبكين.
عربي بوست